ردود العضو
-
الكاتبالمشاركات
-
20 فبراير، 2005 الساعة 8:21 م #511174مبارك2005مشارك
أورد الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ في ” الصحيحة ” (1/1/ 197ـ208) تحت باب (اسْتِحْبابُ النَّظرِ إِلى المَرْأَةِ قَبْل خِطْبَتِها ) الأحاديث التالية :
1ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأة من نساء الأنصار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” انْظُرْ إِليها ؛ فإِنَّ في أَعْيُنِ الأنْصار شَيئاً ؛ يعني : الصِّغَرَ ” .
2ـ عن المغيرة بن شعبة ـ رضي الله عنه ـ أنه خطب امرأة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” انظُرْ إِليها ؛ فإِنَّه أَحرى أَنْ يُؤدَمَ بينَكُما ” فأتيتها وعندها أبواها وهي في خدرها ؛ قال : فقلتُ : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر إليها ؛ قال : فسكتا . قال : فرفعت الجارية جانب الخدر ، فقالت : أُحرِّج عليك ؛ إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر ؛ لَما نظرت ، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرك أن تنظر ؛ فلا تنظر . قال : فنظرت إِليها ، ثم تزوجتها ، فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها ، ولقد تزوجت سبعين ، أو بضعاً وسبعين امرأة .
3ـ عن أبي حميد ـ وكان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إِذا خَطَبَ أَحَدُكُمُ امرأةً ؛ فلا جُناحَ عليهِ أَنْ يَنْظُرَ إليها إذا كانَ إِنَّما يَنْظُرُ إِليها لخِطْبَتِهِ ، وإِنْ كانَتْ لا تَعْلَمُ ” .
4ـ عن سهل بن أبي حَثْمة : رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك ـ فوق إجار لها ـ (1) ببصره طرداً شديداً ، فقلتُ : أتفعلُ هذا وأنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” إِذا أُلْقِيَ في قَلْبِ امرىءٍ خِطْبَةُ امرأةٍ ؛ فلا بأسَ أَنْ يَنْظُرَ إِليها ” .
5ـ عن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا خَطَبَ أحَدُكُم المرأةَ ، قإنِ اسْتطاعَ أنْ يَنْظُرَ إلى مَا يَدْعوهُ إلى نِكاحِها ؛ فَلْيَفْعَلْ ” . قال : فخطبت جارية ، فكنت أتخبأ لها ، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها .
قال الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ حول فقه الحديث :
والحديث ( يعني الأخير ) ظاهر الدلالة لما ترجمنا له ، وأيَّده عمل راويه به ، وهو الصحابي الجليل جابر بن عبدالله رضي الله عنه ، وقد صنع مثله محمد بن مسلمة ، كما ذكرناه في الحديث الذي قبله ، وكفى بهما حجة .
ولا يضرنا بعد ذلك مذهب من قيَّد الحديث بالنظر إلى الوجه والكفين فقط ؛ لأنه تقييد للحديث بدون نص مقيِّد ، وتعطيل لفهم الصحابة بدون حجة ، لا سيما وقد تأيد بفعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال الحافظ في ” التلخيص”
(3/ 147) :
” فائدة : روى عبدالرزاق(10352) ، وسعيد بن منصور في ” سننه ” (520ـ521) ، وابن أبي عامر ، عن سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن الحنفية : أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم ، فذكر له صغرها ، ] فقيل له : إن ردَّك فعاوده [ فقال ] له علي [ : أبعث بها إليك ، فإن رضيت ؛ فهي امرأتك . فأرسل بها إليه ، فكشف عن ساقيها ، فقالت : لولا أنك أمير المؤمنين ؛ لصككت عينك (2) . وهذا يشكل على من قال : إنه لا ينظر غير الوجه والكفين ” .
قلت : ثم وقفت على إسناده عند عبدالرزاق في ” مصنفه ” ، فتبين أنَّ في القصة انقطاعاً ، وأنَّ محمد بن علي ليس هو ابن الحنفية ، وإنما هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أبو جعفر ، في بحث أودعته في ” الضعيفة ” (1273) ، فراجعه ؛ فإنه مهم .
وهذا القول الذي أشار الحافظ إلى استشكاله هو مذهب الحنفية والشافعية ؛ قال ابن القيم في ” تهذيب السنن ” (3/25ـ 26) :
” وقال داود : ينظر إلى سائر حسدها . وعن أحمد ثلاث روايات :
إحداهن : ينظر إلى وجهها ويديها .
والثانية : ينظر ما يظهر غالباً كالرقبة والساقين ونحوهما (3) .
والثالثة : ينظر إليها كلها عورة وغيرها ؛ فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر إليها متجردة ! ” .
قلت : والرواية الثانية هي الأقرب إلى ظاهر الحديث ، وتطبيق الصحابة له ، والله أعلم .
وقال ابن قدامة في ” المغني ” (7/ 454) :
” ووجه جواز النظر إلى ما يظهر غالباً أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر إليها من غير علمها ؛ علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادة ، إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور ، ولأنه يظهر غالباً ، فأبيح النظر إليه كالوجه ، ولأنها امرأة أبيح له النظر إليها بأمر الشارع ، فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم ” .
ثم وقفت على كتاب ” ردود على أباطيل ” لفضيلة الشيخ محمد الحامد ، فإذا به يقول ( ص 43) :
” فالقول بجواز النظر إلى غير الوجه والكفين من المخطوبة باطل لا يُقبل ” .
وهذه جرأة بالغة من مثله ما كنت أترقب صدورها منه ، إذ إن المسألة خلافية كما سبق بيانه ، ولا يجوز الجزم ببطلان القول المخالف لمذهبه إلا بالإجابة عن حجته ودليله كهذه الأحاديث ، وهو لم يصنع شيئاً من ذلك ، بل لم يشر إلى الأحاديث أدنى إشارة ، فأوهم القراء أن لا دليل لهذا القول أصلاً ، والواقع خلافه كما ترى ؛ فإن هذه الأحاديث بإطلاقها تدل على خلاف ما قال فضيلته ، كيف لا وهو مخالف لنصوص قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (99) : ” ما يدعوه إلى نكاحها ” ؟! فإن كل ذي فقه يعلم أنه ليس المراد منه الوجه والكفان فقط ، ومثله في الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (97) : ” وإن كانت لا تعلم ” ! وتأيد ذلك بعمل الصحابة رضي الله عنهم ، وهم أعلم بسنته صلى الله عليه وسلم ، ومنهم محمد بن مسلمة وجابر بن عدالله ؛ فإن كلاًّ منهما تخبّأ لخطيبته ليرى منها ما يدعوه إلى نكاحها ، أفيظن بهما عاقل أنهما تخبّأ للنظر إلى الوجه والكفين فقط ؟! ومثل عمر بن الخطاب الذي كشف عن ساقي أم كلثوم بنت علي ـ إن صح عنه ـ ؛ فهؤلاء ثلاثة من كبار الصحابة ـ أحدهم الخليفة الراشد ـ أجازوا النظر إلى أكثر من الوجه والكفين ، ولا مخالف لهم من الصحابة فيما أعلم ؛ فلا أدري كيف استجاز مخالفتهم مع هذه الأحاديث الصحيحة ؟! وعهدي بأمثال الشيخ أن يقيموا القيامة على من خالف أحداً من الصحابة اتِّباعاً للسنة الصحيحة ، ولو كانت الرواية عنه لا تثبت ، كما فعلوا في عدد ركعات التراويح ! ومن عجيب أمر الشيخ ـ عفا الله عنا وعنه ـ أنه قال في آخر البحث : ” قال الله تعالى : ( فإنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ والرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ ذلكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تَأويلًا ) ]النساء : 59[ ” ! فندعو أنفسنا وإياه إلى تحقيق هذه الآية ، ورد هذه المسألة إلى السنة بعدما تبيَّنت ، والله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
هذا ؛ ومع صحة الأحاديث في هذه المسألة ، وقول جماهير العلماء بها ـ على الخلاف السابق ـ ؛ فقد أعرض كثير من المسلمين في العصور المتأخرة عن العمل بها ؛ فإنهم لا يسمحون للخاطب بالنظر إلى فتاتهم ـ ولو في حدود القول الضيق ـ تورُّعاً منهم ـ زعموا ـ ، ومن عجائب الورع البارد أن بعضهم يأذن لا بنته بالخروج إلى الشارع سافرة بغير حجاب شرعي ! ثم يأبى أن يراها الخاطب في دارها وبين أهلها بثياب الشارع !
وفي مقابل هؤلاء بعض الآباء المستهتِرين الذين لا يغارون على بناتهم ـ تقليداً منهم لأسيادهم الأوربيين ـ فيسمحون للمصور أن يصوِّرهن وهن سافرات سفوراً غير مشروع ، والمصور رجل أجنبيٌّ عنهم ، وقد يكون كافراً ، ثم يقدمن صورهن إلى بعض الشبان بزعم أنهم يريدون خطبتهن ، ثم ينتهي الأمر على غير خطبة ، وتظل صور بناتهم معهم ليتغزلوا بها ، ولبطفئوا حرارة الشباب بالنظر إليها ! فتعساً للآباء الذين لا يغارون . وإنا لله وإنا إليه راجعون .
قال مبارك : من أراد الفائدة والزيادة حول موضوع رؤية المخطوبة فليرجع إلى:
ـ الأحكام المطلوبة في رؤية المخطوبة للأستاذ الفاضل سمير بن أمين الزهيري ـ حفظه الله ـ
ـ معالم مَكتوبة في رؤية المخطوبة للدكتور محمد بن ناصر الجعوان ـ حفظه الله ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بالكسر والتشديد : السطح الذي ليس حواليه ما يرد الساقط عنه .
(2) قلتُ : ثم تزوجها عمر رضي الله عنهما ، ورزقت منه بولدين : زيد
ورقية ؛ كما في ” الإصابة ” ، ومنه استدركت الزيادة .
(3) ( تنبيه ) : وقد ذكر ابن الجوزي في ” صيد الخاطر ” (1/ 82) نحو هذه
الرواية الثانية ، فقال :
” وقد نص أحمد على الجواز أن يبصر الرجل من المرأة التي يريد نكاحها ما هو عورة ؛ يشير إلى ما يزيد على الوجه ” .
فعلق عليه الأستاذ علي الطنطاوي بقوله :
والظاهر أن الأستاذ يعني المعروف عنده ! وإلا فهو معروف في كتب الحنابلة وغيرهم ، ولو رجع إليها لكان عنده معروفاً ، وحسبك منها كتاب ” المغني ” لا بن قدامة ؛ فقد قال (7/ 454) بعد أن ذكر الرواية الأولى ومعنى الثانية :
” وقال أحمد في رواية حنبل : لا بأس أن ينظر إليها وإلى ما يدعوه إلى نكاحها من يد أو جسم ونحو ذلك . وقال أبو بكر ( المروزي ): لا بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة ” . -
الكاتبالمشاركات