رحلتي الأخيرة إلى حديقة المتاهة و متحف و سكن النحات النرويجي غوستاف فيغلاند بأسلو

د. عدنان جواد الطعمة

حقل من حديقة المتاهة أو التيه

نشرت سابقا عدة مقالات عن منتزه النحات النرويجي الشهير غوستاف فيغلاند . وهذه المرة أتحدث عن رحلتي الأخيرة لمشاهدة حديقة المتاهة و متحف و سكن غوستاف فيغلاند .

المؤلف يقف على حقل من حديقة المتاهة أمام النافورة البشرية

حديقة المتاهة أو التيه :

تقع النافورة في ساحة من الموزائيك المصنوع من حجر الجرانيت ذي اللونين الأسود و الأبيض ، مساحتها 1800 مترا مربعا .
وضع غوستاف فيغلاند التصميم النهائي لحديقة المتاهة عام 1942 أي قبل وفاته بسنة تقريبا .

هنا يمكن رؤية بعض حقول حديقة المتاهة أمام و حول النافورة البشرية

تتكون حديقة المتاهة من 16 حقلا مستديرا مختلفا و تغلق و تحاط بمربعات . يشكل حجر الجرانيت الأبيض طريقا طويلا طوله ثلاثة آلاف متر ، بحيث يستطيع المرء السير إبتداءا من المدخل الواقع على الجهة الشرقية إلى الخروج في الجهة الغربية .

فلم تكن حديقة المتاهة قد صممت فقط للزينة فحسب ، بل يمكن النظر إليها و إلى نقاط إستداراتها و انعطافاتها و طرقها المسدودة بأنها رمز لتحولات نمط الحياة . و بذلك فإن حديقة المتاهة هي تكملة لنافورة التماثيل البشرية .

مجموعة تماثيل أمام مبنى متحف غوستاف فيغلاند

متحف و سكن غوستاف فيغلاند :

مبنى متحف غوستاف فيغلاند مع شقته فوق المتحف و البرج اذي يحتوي على قبره

سرت من حديقة المتاهة إلى متحف و سكن غوستاف فيغلاند لمدة خمس دقائق مارا بحدائق غناء منصوبة فيها التماثيل المختلفة و مزينة بكافة انواع الأزهار و مجهزة بمحلات خشبية للجلوس .

رجل يحتضن زوجته بحنان

خصص مبنى هذا المتحف بادئ الأمر كمعمل و ورشة للرسم و النحت و سكن ( شقة ) للنحات غوستاف فيغلاند . وبالمقابل خلف و ترك فيغلاند كافة إنتاجاته و إبداعاته للمدينة ، حيث تم عقد إتفاقية لا مثيل لها في العالم بين فنان و مدينة بهذه الصورة .

صورة غوستاف فيغلاند معلقة على الحائط الأيسر قبل الدخول إلى الصالة الأولى

إنتقل غوستاف فيغلاند عام 1924 إلى المبنى الكبير الجديد الكبير و التي تبلغ مساحته مع المنتزه والحدائق 32 ألف مترا مربعا . سكن غوستاف فيغلاند في سكنه في الطابق الثاني من المبنى ، وهنا عاش و عمل حتى تاريخ مماته في يوم 12 آذار سنة 1943 أي 19 سنة تقريبا .

لوحة نشتمل على مجموعة تماثيل بارزة بالقرب من صورة فيغلاند على الحائط الأيسر

تم افتتاح المتحف عام 1947 ، وهو يحتوي على 1600 تمثال و 12 ألف رسم و تخطيط و تصميم و أيضا على 420 نقش حفر على الأخشاب .

معنى ذلك يمكننا أن نرى كافة أعمال فيغلاند في فترة شبابه ، حيث رسم صورا للأشخاص و عمل آثارا تذكارية ( نصب تذكاري ) و رسومات تخطيطية للمجسمات و التماثيل .

مجموعة تماثيل نصفية لشخصيات نرويجية و عالمية

و بعبارة أخرى يمكننا إقتفاء آثار تطور حياة الفنان غوستاف فيغلاند كفنان من البداية و نكسب إنطباعات رائعة إيجابية عن عالم خيالاته و تصوراته و قدراته الفنية النادرة .

قمت بالتقاط بعض الصور للتماثيل المنصوبة أمام و جانبي المتحف قبيل الدخول . و عندما دخلت المتحف ذهبت إلى شباك قسم الإستعلامات و اشتريت بطاقة الدخول .

مجموعة تماثيل نصفية لشخصيات مهمة نرويجية و أوروبية و عالمية

يحتوي المتحف على 12 صالة في الطابق الأرضي . و على جهة اليسار يبدأ دخول الزائرين أي إبتداءا من الصالة الأولى .

عرضت في الصالات الأولى إلى الثالثة أهم أعمال غوستاف فيغلاند من سنة 1890 إلى سنة 1910 .

[img][IMG]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comsmijv5gw.jpg[/img][/IMG]

صورة الجنين في رحم أمه توضح لكم ما ذكرته عن سخونة الكامرة و إتلاف مئات الصور بهذا الشكل

تحتوي الصالتان الرابعة والخامسة على تماثيل نصفية و تماثيل كاملة لشخصيات مهمة .

أما الصالة السادسة فإنها تحتوي على وثائق المعرض . و تحتوي الصالة السابعة على معروضات و قطع فنية مؤقتة . عرضت في الصالة الثامنة تماثيل و أشجار النافورة من الرخام الأبيض بحجمها الكامل لمنتزه غوستاف فيغلاند .

[img][img]http://www.arb77.com/uploads/7c58944a85.jpg[/img][/IMG]

هكذا يحمل الرجال الشجعان ثقل الحياة المتمثل بطبق النافورة البشرية

و في الصالة التاسعة يمكن رؤية تماثيل لمنتزه غوستاف فيغلاند و أعماله الحديثة المتأخرة .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comxsfmv8em.jpg[/img]

تصميم أولي للمسلة البشرية

عرضت في الصالة العاشرة تماثيل المسلة البشرية و مجموعات التماثيل المحيطة بها من حجر الجرانيت .

و تحتوي الصالتان 11 – 12 على معروضات و قطع فنية مؤقتة .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comtpjruhdl.jpg[/img]

موديلات مصغرة لهضبة المسلة البشرية

ثم صعدت إلى الطابق الأول حيث عرضت فيه مئات التماثيل و مجموعات تماثيل صغيرة في خزانات زجاجية كبيرة موزعة على الجانبين من كل صالة .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comqvp93jkv.jpg[/img]

نموذج كامل بالحجم الأصلي للمسلة البشرية

و بعد الإنتهاء من مشاهدة و تصوير كافة التماثيل نزلت إلى الطابق الأرضي و سألت موظفة الإستعلامات عما إذا كان بإمكاني زيارة سكن ( شقة ) غوستاف فيغلاند .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.com74e29vx7.jpg[/img]

لقطة لقسم من مكتبته

إعتذرت لي السيدة و قالت لا يمكن زيارة سكن غوستاف اليوم إلا أنك يمكنك زيارته غدا . قلت لها : حسنا . حددت لي الموعد ما بين العاشرة إلى الحادية عشر قبل الظهر .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comndtjl86e.jpg[/img]

خزانات زجاجية تحتوي على عشرات التماثيل و مجموعات تماثيل صغيرة

ثم ذهبت إلى فناء حديقة المتحف في الداخل ، حيث صورت النافورة الصغيرة و كافة التماثيل في الوسط و في الممرات المحيطة بالحديقة .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comwp7q7jcx.jpg[/img]

فناء حديقة المتحف الداخلية و فيها النافورة و في الممرات حولها عدة تماثيل

وبعد ذلك خرجت من المتحف و بدأت بالتقاط صور للتماثيل الأخرى أمام المتحف و جانبيه متجها إلى منتزه غوستاف فيغلاند إلى بوابة الخروج .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.come27glqbr.jpg[/img]

جانب آخر من الخزانات الزجاجية الحاوية على عشرات التماثيل و مجموعات التماثيل الصغيرة

وفي اليوم التالي ذهبت إلى متحف غوستاف فيغلاند في الموعد المحدد و حضرت السيدة المسؤولة عن سكن غوستاف فيغلاند و أخذتني معها إلى باب سكن فيغلاند . فتحت الباب و صعدنا عدة درجات ضيقة إلى الطابق الثاني .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comuqt3lq90.jpg[/img]

مجموعة تماثيل نصفية لشخصيات بارزة

ثم دخلنا سكن النحات غوستاف و زرت مكتبه و غرفة الطعام و الضيوف و غرفة النوم و الحمام و غرفة أخرى . كانت نوافذ الغرف الكبيرة مقفلة و مغطاة بستائر ذات لون غامق لمنع تسرب أشعة الشمس على الوثائق و اللوحات و الأثاث .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comnmyn4l55.jpg[/img]

خزانات زجاجية للتماثيل النصفية الصغيرة

أنارت السيدة غرف السكن بالمصابيح الكهربائية و أخذت تشرح لي بالإنكليزية عن سكن و أثاث و إبداع غوستاف فيغلاند .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.compyfhmkh0.jpg[/img]

بعض الأدوات التي كان يستعملها فيغلاند أثناء النحت و الحفر على الأخشاب أيضا

سألتها عما إذا كان بالإمكان إلتقاط بعض الصور للذكرى ، أجابت بنعم . كانت الإنارة غير كافية أزالت السيدة إحدى الستائر عن النافذة فتمكنت من إلتقاط عدة صور .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comzamabdj6.jpg[/img]

هذه إحدى الثريات الحديدية التي صنعها غوستاف فيغلاند بنفسه

أخبرتني السيدة بأن كافة المصابيح و الثريات و الشبابيك الحديدية هي من تصميم و عمل غوستاف فيغلاند و كل شئ في السكن صنعه .بنفسه . وأرتني بعض اللوحات و الرسوم التخطيطية للتماثيل و لمنتزه و غيرها .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comkn9lcil1.jpg[/img]

جانب صغير من مكتبته الضخمة
سألتها أين دفن غوستاف فيغلاند ؟ أجابت فوق سكنه .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.com6jn05sdu.jpg[/img]

فراشه البسيط

دهشت من كلامها و قلت لها هل يمكنني رؤية قبره ؟ أجابت : نعم

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comrvcbuvo8.jpg[/img]

شمعدانات صممها و صنعها فيغلاند بنفسه

صعدنا من إحدى زوايا السكن سلما إلى الأعلى ( السطح ) إلى قبة مضلعة من حجر الجرانيت .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comr3b9xkd1.jpg[/img]

إحدى الثريات التي صنعها غوستاف فيغلاند بنفسه

و قبتها زجاجية يمكن رؤية السماء .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comusgwagxc.jpg[/img]

مصباح صنعه فيغلاند بنفسه

وفي وسط الغرفة جرة كبيرة لحفظ رماد غوستاف فيغلاند موضوعة على حامل من حجر الجرانيت متعدد الأضلاع وفوق قبره قبة زجاجية جميلة تخيلتها القبة السماوية لحركات النجوم و الأفلاك .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comytf4ttlk.jpg[/img]

تمثال نصفي لغوستاف فيغلاند نحته بنفسه

وهكذا أحب غوستاف فيغلاند فنه و محل عمله طيلة سنوات إبداعاته التي نحت و حفر آلاف التماثيل و رسم مئات الصور و ضحى من أجل فلسفته و فنه الرائع ، بحيث أصبح غوستاف فيغلاند علما نادرا و مشهورا من أعلام و عظماء الفن في العالم .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comvwtsg8t9.jpg[/img]

هذا قبره و ضع رماده في جرة كبيرة على حامل إسطواني من حجر الجرانيت

رحل غوستاف فيغلاند إلى بارئه في اليوم الثاني عشر من آذار عام 1943 ، لكن إسمه بقى و سيبقى خالدا مدى الدهر في ذاكرة ملايين السواح الذين يزورون منتزهه و متحفه و سكنه على مدار السنة و كذلك في الجيل الحالي و الأجيال النرويجية القادمة .

[img]http://www.a7rar1.com/get-7-2008-a7rar.comqtcddtmd.jpg[/img]

هذه قبة قبره الزجاجية النجمية الشكل

لابد من الإشارة إلى نظرته الإنسانية و فلسفته الخاصة حول دورة الحياة في الكون و التي تتجدد دائما على مر السنين حيث تمر البشرية بكافة مراحل أعمارها ، حيث اعتبر فيغلاند مرحلة ولادة الأطفال هي بداية حياة جديدة و نهايتها بمرحلة الشيخوخة التي تنتهي بالموت . وهذه سنة الله جل جلاله . و عندما كنت واقفا على هضبة المسلة البشرية رأيت المئات من التماثيل و البشر بحيث كانت الساحة مملوءة بالسواح و الزائرين من كل العالم تخيلت أن ذلك المشهد هو يوم الحشر في الدنيا بلا تشابيه . منظر رهيب و جميل للغاية .

كما ركز الفنان والنحات العظيم غوستاف فيغلاند من خلال آلاف تماثيله على العلاقات الإنسانية و الوجدانية بين الرجل و المرأة و علاقة الآباء بأبنائهم و علاقة الأمهات بأزواجهن و علاقة الصبيان و المراهقين مع بعضهم البعض ثم علاقة النساء و الأطفال بالحيوانات ، باعتقاده أن هذه العلاقة ممكنة و طبيعية ، بحيث يمكن أن يلعب الأطفال مع صغار الحيوانات منذ البداية و تتطور علاقة الألفة بينهم . أما علاقة المرأة بالحيوانات فقد جسدها من خلال عشرات التماثيل كالكركدن الذي يعانق المرأة و االدب الذي سمح للمرأة أن تجلس على ظهره و غير ذلك من الحالات الخيالية و الرومانسية التي كان غوستاف فيغلاند يتصورها من خلال تماثيله و رسوماته المختلفة .

ومن المؤسف جابهتني صدمة عنيفة بعد أن صورت في إحدى كامرات الديجيتال كافة التماثيل في المتحف و سكنه و فجأة أصبحت الكامرة ساخنة الأمر الذي أدى إلى إتلاف مئات الصور من الميموري ستيك لكامرتي سوني ، بحيث أخذت الصور تظهر بنصفين و لونين .

ولدى عودتي إلى ألمانيا أرسلت الكامرة إلى شركة سوني و قامت الشركة بتصليحها ، إلا أنني لم أستطع إرجاع الصور إلى حالتها الأصلية الطبيعية للأسف الشديد .
لكني احتفظت ببعضها في الكامرات الأخرى .

كما لدي ملاحظة أخيرة ألا وهي كنت أتمنى لو قام النحات بستر عورات التماثيل بأوراق الشجر لكانت حسب إعتقادي تلائم تقاليدنا و عاداتنا و ديننا الحنيف . فلو كان النحات حيا يرزق لسألته لماذا لم يفعل ذلك ؟

لكني بعد مراجعتي للأوراق و أحد الكتب التي اشتريتها من المتحف باللغة الألمانية أن غوستاف فيغلاند درس الفن الإغريقي و الروماني و غيرهما كانت كافة التماثيل عارية . و بالإضافة إلى ذلك لاحظت من خلال المسلة البشرية و النافورة البشرية و كافة التماثيل المعروضة في منتزه غوستاف فيغلاند ، بأنه ربما كان يعتقد أن البشر ولدوا عراة و يموتون أيضا عراة ، و لذلك لم يعطي لهذه الناحية أية قيمة مادام البشر يولدون و يموتون عراة .
إن من يفكر بالجنس فهو ينظر إلى هذه النواحي ، لكن معظم الزائرين كانوا ينظرون إلى تقاسيم وجوه و عضلات و الحالات النفسية للتماثيل ، لأن كل تمثال أو كل مجموعة تماثيل تعالج موضوعا إجتماعيا و إنسانيا ، والله أعلم بالصواب .

ألمانيا في 23/ 6 / 2008 [/color][/color][/font]