مشاهدة 5 مشاركات - 1 إلى 5 (من مجموع 5)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #96190

    في مرتفعات إسبانيا الجنوبية المتوسطية يقع جدل يحمل لغزًا، يقول السكان المحليون: إن مخلوقًا مرعبًا يعيش في الغابة وهو مكسو بالفرو، طوله خمسة أمتار، ويتحرك ذلك المخلوق الغريب بسرعة، ولم يتمكن أحد من مشاهدته إلا لوقت قصير.

    لكن موطنه يؤوي حيوانات مفترسة رئيسة أخرى.

    التجول في هذه المنطقة خطر جدًا، إذ توجد مجموعة من المفترسات في بقعة واحدة من الأرض.

    يهدد الخطر الشديد تلك الأرض ليلاً ونهارًا، وتتحول الحيوانات الضارية مهما كان حجمها إلى فريسة سهلة في طرفة عين، هذا هو عالم مخلوق الأجمة.

    عالم:

    قلما يحصل شيء في هذه المنطقة المرتفعة في جنوب إسبانيا ولا تلاحظه الطيور الجارحة.

    يحوم النسر الذهبي فوق منطقة واسعة بحثًا عن الغذاء، وهو يحلق بسرعة كبيرة فسبحان الله الذي علمه الطيران، قال تعالى: ? أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ?79?? [النحل: 79].

    المعلق:

    تلاحظ عيناه أي حركة، ويعرف ما إذا كانت تلك الحركة تعني غذاءً أم لا معتمدًا على غريزته التي وهبه الله -سبحانه وتعالى- إياها.

    تكثر هذه الحيوانات البرية هنا، وهي فرائس مفضلة للصيادين، ولكن الصياد الذي يصوب على هدفه نسي أنه غامر ودخل أرض مخلوقات الأجمة.

    يشتت صوت الرصاص حيوان النمس، إنه حيوان يخشى الإنسان وصوت الرصاص.

    يرى الصياد مجموعة النموس فيسرع مهرولاً إلى منزله.

    إن حيوانات النموس تبدو متموجة وهي تسير على الأرض الشجرية، إنها أشبه بزواحف مكسوة بالفرو.

    أكدت مشاهدات الصياد وجود مخلوق الأجمة، إنه متأكد تمامًا مما رأته عيناه.

    يعيش النمس أصلاً في الغابات الآسيوية والإفريقية، لكن هذه الجبال تحتضن الفصيلة الوحيدة من النموس التي تعيش في أوروبا.

    استخدم النمس طوال أجيال إستراتيجية تشكيل القافلة بهدف اجتياز الغابة وكوسيلة نفاق.

    التحرك في صف واحد يوهم الصيادين بوجود حيوان أكبر وأشرس، من الأعلى تبدو القافلة أشبه بأفعى ضخمة تجعل الضواري الأخرى تتردد في مهاجمتها.

    نجحت حتى الآن هذه القطة، وتمكنت الأنثى وصغارها الثلاثة من التجوال في مواقع الصيد بمأمن من خطر تلك الطيور الجارحة، أليس الله الخالق هو من علمها أن تسير بهذه الطريقة، قال تعالى: (وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ(4)) [الجاثية: 4].

    ميز الخالق -سبحانه وتعالى- النسر الذهبي بحاسة إبصار حادة، يحتل موقعًا ممتازًا وملائمًا لمراقبة مساحة شاسعة من الأجمة، كل ما يراه النسر يمكن تقسيمه إلى نوعين: نوع يصلح للغذاء، ونوع لا يصلح للغذاء.

    تبدو الأجمة في نظر النسر الثاقب متناسقة، لكنها في الحقيقة ليست كذلك، كانت تلك الأرض في الماضي غابة كبيرة، لكن بعد تقطيع الأشجار اتخذت الأرض شكلاً حدده الصراع على الضوء والغذاء.

    شكل خليط الأراضي المشجرة والأشجار الشائكة نسيجًا كثيفًا من عوامل مخفية ومتنوعة ونسخة مصغرة للأدغال.

    يفضل عدم المكوث في الغابة خصوصًا عندما يحوم نسر ضخم في الأجواء.

    يوفر كل نوع من مواقع الأجمة المتشابكة فائدة مختلفة تتعلق بالملاذ والغذاء للحيوانات الكبيرة والصغيرة على حد سواء.

    عثر الطائر الصغير على المكان الملائم لتربية صغاره، وقد شكلت الأشواك الحادة درعًا واقيًا.

    تفضل الطيور البالغة الحبوب، ولكنها تطعم صغارها الحشرات المغذية الموجودة هنا بكثرة كالديدان.

    فمن علم هذا الطائر أن يعلم صغاره؟ أليس الله -سبحانه وتعالى-، قال تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (6)) [هود: 6].

    يراقب الطائر من عشه العالي ما يجري على الأرض.

    خلافًا لمعظم آكلات اللحوم، يقضي النمس ست ساعات يوميًا يصطاد في مساحات تبلغ ستة كيلو مترات مربعة.

    خرجت أنثى النمس برفقة صغارها الثلاثة الجائعة نحو الحيوان البري المصاب، إنها حذرة جدًا، ومع ذلك فالسير وحيدة في أرض مكشوفة مجازفة كبرى، فقد يكتشف أمرها، ولأنها حيوانات صغيرة فقد تقع فريسة للنسر المحلق.

    عندما يشاهد النسر النمس على الأرض، يبدو النمس له بشكل غريب وغامض، إنه من أقدم آكلات اللحوم، ومنظره وهو يمشي يبدو غريبًا، وقد ميزه الله -تعالى- بجمجمة ضخمة وقوائم قصيرة، إن فروه الكثيف وجسده القوي يمكناه من شق طريقه في الأدغال، وأنيابه ومخالبه الحادة كافية للتغلب على كل ما يعترض طريقه.

    لا تدخل الجيف في مجموع ما يأكله النمس، لكن يصعب أحيانًا العثور على غذاء يكفي.

    بعدما قضت الصغار عامًا في كنف عائلتها فقد حان الوقت لها الآن لتوجه الحياة بمفردها.

    كبرت صغار النمس ولم تعد تعتمد على الأم، بل أصبحت الأم منافستها الأولى.

    عندما يحين مودع مغادرة الصغار تكون الأم مستعدة للحمل مرة أخرى.

    قد يفسر هذا الواقع وجود ذكر في المحيط منذ بضعة أيام.

    إنه وحيد، عمره سبع سنوات، إنه محارب قديم، ولهذا هو أول من يشعر بوجود الخطر.

    لاحظت الأم الخطر وقررت الاختباء.

    اختارت أنثى النسر الذهبية التحليق في هذا الجزء من المتاهة الخضراء، تعرف حيوانات الأجمة أن النسر ما دام موجودًا في الأجواء فإن أي حركة غير مدروسة فستعرضها لخطر كبير.

    مرت أسابيع ولم تستفد صغار النمس الثلاثة من مهارات أمها في الصيد فتحولت إلى حيوانات نباتية.

    إلى أن تتمكن من اصطياد اللحم عليها الاكتفاء بما هو صالح للأكل، إنها ترحب بالفاكهة البرية فهي مصدر للطاقة.

    ستحاول الحيوانات اليافعة العثور على مناطق خاصة بها، ولكنها حاليًا ستبقى متكتلة في مجموعتها الصغيرة لمواجهة أي خطر محتمل.

    للنمس كثير من الحيوانات المنافسة وخاصة عندما يتعلق الأمر بالغذاء، يعد الثعلب صيادًا ماهرًا عند آكلات اللحوم، لكن النمس يتفوق عليه في المناطق الشائكة، لم يلحظ الثعلب صغار النمس التي قررت الاختباء.

    هناك طريدة في الجوار كشفها الثعلب بحاسة السمع الحادة لديه، كشف وقع أرجل خفيفًا على الأرض، إنه فأر الحقل.

    يتميز فأر الحقل بسرعته، لكنه هذه المرة لم يكن سريعًا، نجح الثعلب في صيده بين الشجيرات، ولكن ليس الحيوان المفترس الوحيد في هذه البقعة.

    وخلافًا للنمس يعد الثعلب هدفًا مرئيًا في وضح النهار.

    هذه هي الفرصة التي كانت تنتظرها أنثى النسر الذهبي بصبر، إنها الآن جاهزة، لقد أعدت مخالبها الحادة ومنقارها الأشد قوة من الحديد.

    قدرت أنثى النسر في ثوانٍ المسافة بينها وبين الهدف وزاوية الهجوم والنقطة التقديرية للانقضاض.

    تعتمد نجاة الثعلب على وصوله إلى مكان ملائم.

    تزن أنثى النسر ستة كيلو جرامات، وجناحاها يمتدان مسافة مترين، وسرعتها الخاطفة تعني أن معظم ضرباتها تكون قاضية، فسبحان ربي مبدع كل شيء خلقه في هذا الكون، قال تعالى: (هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)) [الحشر: 24].

    عثر الثعلب في اللحظة الأخيرة على ملجأ، هل هذا المكان حصين يا تُرى أم عليه البحث عن مخبئ أكثر تحصينًا؟

    لم يعد باستطاعة كل منهما رؤية الآخر، على الثعلب أن يتخذ قرارًا.

    أصبحت لأنثى النسر أفضلية على الثعلب، ارتفعت لتعرف مخبأه ثم تنقض عليه فجأة.

    تطبق مخالبها على الثعلب، وينجز المنقار المهمة بنجاح.

    لا تباشر بأكله إلا عند التأكد من أنه قد مات، وهذه رحمة من الله -تعالى-.

    دفع الثعلب غالبًا ثمن دخوله أرضًا مكشوفة.

    حالما تغرق أرض الأجمة المرتفعة في ظلمة الليل يستيقظ عالم آخر، إنها مخلوقات مختلفة.

    تشكل هذه الأرض عالمًا مليئًا بالأخطار والفرص بالنسبة إليها، قبل أن تنشأ هذه الأجمة كانت المنطقة عبارة عن أراضٍ زراعية متقاطعة بجدران حجرية، والآن تحول كل امتداد من الأحجار المهملة إلى عالم من الكائنات البالغة الصغر التي تخرج من جحورها ليلاً.

    هذه فارة وزنها حوالي تسعة جرامات، وهي من آكلات الحشرات، إنها متكيفة جدًا في هذا العالم المصغر.

    تعيش هذه الحيوانات حياة قاسية وسريعة، فدورة حياتها حوالي ثمانية عشر شهرًا، لهذا تعمل بسرعة فائقة.

    في الليل تصطاد الكائنات الحية التي تختبئ بين الجدران الجراد.

    إن الجراد عدو شرس ولديه دروع متينة، وحجم الجرادة الواحدة يعادل حجم الفأرة الصغيرة، تتعقب الفأرة أثر الجرادة.

    ليس لدى الحشرة الكبيرة نقاط ضعف واضحة، ولكن لا يبدو على الفأرة أي تراجع.

    كانت القفزة فعالة، لكن الصيادة الصغيرة ترفض الاستسلام بسهولة.

    قد لا يتجاوز طول أي منها بضعة سنتيمترات، لكن هناك توازن قوي بين المفترس والفريسة، سبحان الخالق.

    تتلقى الفأرة كل الضربات التي سددتها الجرادة.

    تتمتع عضلات الجرادة بقوة كبيرة، ولكنها سريعة الوهن، فيما يمد الدم الدافئ الفأرة الصغيرة بالقوة.

    تقترب خلسة وتستعد لهجوم جديد، إنها سنة الله -سبحانه وتعالى- استمرارية الحياة.

    قال تعالى: (وَكَأَيِّن مِّنْ دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)) [العنكبوت: 60].

    ثم تأتي الضربة القاضية عندما تصبح الجرادة منهكة جدًا، وتسدد الفأرة ضربة لفريستها بقطع إحدى أرجلها.

    يتسارع نبضها فرحًا بانتصارها الأخير، لقد وفرت الفأرة الصغيرة غذاءها هذه الليلة، مهمتها التالية هي سحب شيء ثقيل بالنسبة لها، ولكن بسرية تامة.

    كل ذلك الجهد هو من أجل وجبة واحدة، من الضروري أن تأكل بانتظام حتى تحافظ على حرارة جسدها.

    بقاء الفأرة في مكانها نضال مستمر.

    الطلب مرتفع على الملاجئ الواقية، تدور سلسلة من المعارك لاحتلال المواقع.

    هناك عدد من الجحور الفارغة في الأسفل، لكن أغلبيتها واسعة وقريبة جدًا من الأرض مما يجعلها في خطر، فهذه أماكن خطيرة، إنها منطقة صيد ابن عرس.

    ابن عرس صغير الحجم لكنه أقوى من أسد في هذا العالم المصغر، إنه يحتاج إلى القوة التي تعينه على الحياة فالله -سبحانه وتعالى- علمه كيف يطارد فريسته.

    تفرز غدد الفأرة رائحة كريهة تنفر معظم الحيوانات منها باستثناء ابن عرس الذي يعتبرها دعوة إلى وليمة طازجة تصعب مقاومتها، وهكذا تدور الدائرة، فالفأرة تصطاد الجرادة، وابن عرس يصطاد فأرة، وهذه سنة الحياة التي أوجدها الله -سبحانه وتعالى-.

    قد تكون الحياة هنا قصيرة، ومعدل الوفيات مرتفعًا لبعض الكائنات، وإذا أمعنا النظر في مراحل السلسلة الغذائية نعرف أن بقاء الفأرة يعني بقاء ابن عرس، ولكن يجب الاحتراس من حيوانات منافسة أخرى.

    الأرض المكشوفة خطرة، وتحوم بومة الحظيرة في المكان، وإذا كانت الفأرة وجبة صغيرة، فإن ابن عرس وجبة ضخمة.

    بجلاء الليل وشروق شمس الصباح تكون هناك حياة جديدة للحيوانات، فمنها ما افترس في الليل، ومنها ما يفترس في النهار، وهذه هي سنة الله -سبحانه وتعالى-، لم تشهد الحياة في هذه المنطقة طوال قرون أي تبدل يذكر، في عام 1100 قبل الميلاد اعتقد الفينيقيون أن الأعداد الكبيرة من الأرانب الموجودة هنا هي حيوانات المرموط الإفريقي، وهكذا أطلقوا تسمية “إيشا بانم” على هذه الأرض وتعني أرض المرموط، وهذه العبارة أدخلها الرومان بدورهم إلى اللاتينية.

    تحررت أنثى النمس من صغارها الثلاثة، وهي تبحث عن صيد لها، شعرت بحماية شديدة لدى اشتمامها رائحة الأرنب.

    تسمر الأرنب في مكانه من شدة الخوف، لكن مفترس الأجمة لم يلحظه.

    شعرت أنثى النمس بالارتباك بسبب تعدد الروائح التي تشتمها مما جعلها تستصعب تقصي أثر واحد لها، تجوب الأرض ثانية لتحاول التقاط الرائحة الأقوى.

    شن النمس المفترس الهجوم الأول، لكن الأرنب حيوان قوي ويستطيع الدفاع عن نفسه.

    إن قوتي المفترس والفريسة متساويتان، الأرنب يتميز بالسرعة، والمفترس يجيد اقتفاء الأثر من أجل العثور على فريسته، فالله -سبحانه وتعالى- أوجد فيه هذه الخاصية وعلمه كيف يصطاد، قال تعالى: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56)) [هود: 56].

    تشكل الأرانب الغذاء الرئيسي لحيوانات هذه الأجمة، قد يتطلب اصطياد الأرنب بعض المطاردة، ولكنه يوفر كمية لا بأس بها من اللحم لمفترس متوسط الحجم كالنسر مثلاً.

    يوجد في المنطقة مخلوق آخر قد يشكل مورد غذاء للنمس، وقد يكون منافسًا له، وعادة ما يكون هذا المنافس هو هذا الثعبان الذي يعيش في هذه المنحدرات، لكنه الآن بصدد البحث عن أنثى للتزاوج.

    شاهد ثعبانًا آخر يتحرك فتبعه، وقد يدور صراع مرير بين الاثنين وفي حال كان الثعبان الآخر ذكرًا يلتقط لسان الذكر رائحة ما، فينقلها إلى تجاويف الإحساس.

    هذا الأمر يدلنا على أن هناك خالقًا عظيمًا خلق كل شيء بقدر دون نقصان، فسبحانك ربي ما أعظمك.

    ترتفع حرارة الجو في فصل الصيف مما يدفع مزيدًا من الحيوانات في ذلك العالم الغامض إلى البحث عن أماكن نائية للتكاثر.

    ما تزال أنثى النمس مشغولة في بحثها عن فريسة تصطادها، ولكن الذكر يتعقبها منذ أيام من أجل التزاوج ليستمر وجود سلالتها، وهذه سنة الله في الحياة.

    لقد انقضت على فريستها، لكنها تواجه صعوبة في الإجهاز عليها.

    أخيرًا تفشل بفارق بسيط، ولا جدوى من ملاحقة الفريسة قد تفقد طاقة في عملية الصيد هذه، تفوق تلك التي تحصل عليها من الأكل، والآن حانت فرصة الذكر.

    تعلم أنثى النمس بوجوده قربها منذ بعض الوقت، لكن دخول منطقة حيوان آخر يعتبر عملاً عدوانيًا عليها التأكد من حسن نواياه أولاً.

    يكتسب ذكر النمس ثقة أنساه بالاقتراب منها ببطء وبعدها تتم عملية الإخصاب، يبقى الزوجان معًا بضعة أسابيع، ولكن لن يحظى هذان الزوجان بالهدوء، فقد شعرا باقتراب جارح مفترس يحلق في الأجواء.

    أدى الخوف من وجود النسر إلى افتراقهما.

    تمكن النمس الذكر من الاختباء بين الأجمة، لكن النسر استطاع تحديد موقع الأنثى، وعلى ارتفاع منخفض تمكن النسر من رؤية تمايل الأغصان فيما كانت أنثى النمس تحاول الفرار إلى بقعة أخرى، فشل النسر.

    هذه المحاولات الفاشلة هي جزء من عملية يتعلم فيها النسر أنه في المرة القادمة لن يقترف الأخطاء نفسها، نجت أنثى النمس هذه المرة وفي أحشائها صغار جديدة، لقد تغلب الجيل الأول من حيوانات النمس على العقبة الأولى.

    عند قمة الجبل لدى أنثى النسر الذهبي صغار بحاجة للرعاية، نجحت حتى الآن في التقاط الطرائد من موقعها مما سمح لها بتربية ثلاثة صغار وهذا عدد استثنائي، لأنها في العادة تقوم بتربية صغير واحدة فقط لتحقيق ذلك اعتمدت على ذكر النسر الذي أخلص لها ولصغارها حيث كان يعود إلى العش بعد مطارداته العديدة.

    نجح النسران البالغان خلال خمسة أسابيع متتالية في جلب كمية من اللحوم لإطعام الصغار، ثمانية أيام تفصل بين أكبر الفراخ وأصغرها، ولا يمكن ملاحظة هذا الفارق إلا بصعوبة.

    عادة يبقى الفرخ الأول على قيد الحياة يما تموت البقية من الجوع، ولتظل الفراخ الثلاثة بصحة جيدة على النسر العمل بجهد كبير في توفير الغذاء، ولا أحد يعلم كيف ستكون الأسابيع الكبيرة بالنسبة للنسرين المسئولين.

    يغادر النسر العش بحثًا عن طعام للصغار في العادة، ويحلق عاليًا في الأجواء بإلهام من الله -سبحانه وتعالى-.

    لا تستطيع صغار النسر مغادرة العش إلا أنها تستطيع المراقبة والتعلم من نسيج الأجمة الممتد في الأسفل.

    تندر الطرائد مع قدوم فصل الصيف.

    لقد أصبحت الأيام أطول وأكثر حرارة، يقوم النسر الذكر بجولة أخيرة وذلك قبل اشتداد حرارة الجو.

    اختار الثعبان الضخم المكان الخطأ للاستمتاع بأشعة الشمس ولالتقاط فريسة ما، يعتبر النمس الأفاعي غذاءً شهيًا.

    يتميز النمس بقدرته على قتل الأفاعي.

    إذا أخذنا بعين الاعتبار خوف الإنسان من خطر الأفاعي فإن قدرة النمس تضيف رونقًا على الحكاية.

    لكن هذا لا يعني بأن الثعبان لا يشكل خطرًا أيضًا.

    بانتهاء الصراع يستمتع الفائز بانتصاره غير مدرك أن المطاردة اجتذبته إلى داخل منطقة العدو.

    بينما يلتهم النمس فريسته يقترب منه الوشق بكل خفة وهدوء.

    هذا هو الصياد الذي يخشاه النمس كثيرًا.

    الوشق الإسباني هو من أندر السنوريات في العالم، ويرفض أن يشاركه أي مفترس في موطنه، ويرغب دائمًا في القضاء على أي حيوان ينافسه ويتركه ميتًا في مكانه دون مسه.

    تبارك الخالق فيما خلق فقد تجلت قدرته في وضع قدرات تميز كل حيوان عن الآخر، فهذا الحيوان تكاد حاسة الشم عنده تكون معدومة.

    ويصطاد مستعينًا بحاستي السمع والبصر، فقد استطاع سماع النمس، لكنه حتى الآن لم يتمكن من التأكد من مكانه، إنه يجاهد للقائه.

    ما زال النمس يلتهم فريسته والوشق يستعد للانقضاض عليه، سبحان الخالق المبدع الذي علمه كيف يصطاد.

    قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)) [الشورى: 29].

    وأخيرًا اقترب الصياد من هدفه.

    حدسه المميز ساعده على التعامل مع الخطر، ولكنه قد لا ينجح إذا اقترب ثانية من منطقة الوشق الضخم، أما الوشق فقد ذهب إلى مكان ليستريح فيه بعد فشله.

    وجلس منتظرًا الفرصة لصيد فريسة أخرى.

    على حيوانات هذه المنطقة أن تعمل بكدٍّ في مناطقها الخاصة للحصول على الغذاء الضروري لتنشئة صغارها.

    أنثى النسر متأهبة دومًا للبحث عن طريدة، تتفحص الأجمة بدقة بحثًا عن فريسة تكون وجبة لصغارها، أي حركة تعني لها وجود طريدة محتملة.

    أصبحت أنثى النمس أقل وزنًا؛ فقد وضعت صغارها وخبأتها في مكان بعيد عن الخطر، إلا أنها ضلت طريقها وهي تبحث عن الغذاء، لن تكون رحلة العودة وعبور المواقع المكشوفة مهمة سهلة، ها هو النسر يحلق عاليًا بحثًا عن فريسة دون ملل.

    تستريح صغار النمس في مكان آمن بين الوجبات بعيدًا عن سلسلة الأحداث الخطرة إلى أن تكبر وتقوى، مضى على ولادتها بضعة أيام، وما تزال أعينها مغمضة، فسبحانه وتعالى علمها كيف ترضع من أمها.

    إن الصغار لا تعرف أن وجبتها التالية قد لا تصل أبدًا، بينما النسر يحلق تسرع الأم للوصول إلى صغارها، أصبحت الأم قريبة من الجحر، وكذلك أنثى النسر التي تبحث عن غذاء لصغارها.

    تمكنت الأم من الوصول إلى صغارها، ولكن حقائق الأمور خارج الجحر، تعني أن كثير من الثدييات لا تخلو من المخاطر.

    أدركت أنثى النسر الآن أن هذا الجحر القديم بيت لأنثى النمس وصغارها.

    تحتضن الأم صغارها.

    وفي الجحر يظهر عنصر آخر من طبيعة حيوان الأجمة، فالقاتلة القاسية خارج الجحر هي في الأصل أمة متفانية، وستوفر الغذاء إلى صغارها خلال ساعات قليلة دون أن تغادر مخبأها الآمن.

    لكن هذا الأمان لن يدوم طويلاً، تعرف الأنثى أن الحليب قد يجف إذا لم تأكل اللحم، فهي ترضع صغيرين وستضطر عاجلاً أم آجلاً للخروج والبحث عن طرائد والبدء في تلقين صغارها دروسًا في قدرة العيش بعيدًا عنها والاعتماد على ذاتها.

    أخذت صغار النمس تكبر في الجحر وبدأ النبات في الخارج يستعيد حيويته بعد أمطار وفيرة جلبت بعض الحيوية إلى الأجمة الجافة، وكل ذلك بفضل الله -سبحانه وتعالى-.

    لقد طرأ تحول جذري آخر في الأسابيع الماضية، ففي داخل الجحر لم تعد صغار النمس كائنات صغيرة رضيعة، لقد أصبحت الحياة العائلة أكثر نضجًا.

    بدأت صغار النمس في أسبوعها الرابع السير والقفز، وصقل ردود أفعالها من خلال الألعاب الهجومية، وأصبح الجحر أكثر اكتظاظًا.

    حان الوقت الآن لتتعرف الصغار على مخاطر الكائنات الأخرى التي تعيش معها في الأجمة.

    تلقن الأم صغيريها الدرس الأول وهو التنقل ضمن القافلة والاحتراس من النسور.

    لقد كانت بداية موفقة وناجحة لصغيري النمس، مع أن حركتهما ما تزال بطيئة جدًا والآن أصبح بإمكانهما استكشاف منطقتهما وتعلم الإستراتيجية الضرورية للحصول على الغذاء والابتعاد عن الأخطار العديدة.

    على صغار النمس تعلم الصيد تمامًا كالتنقل، ولكن هذا يحتاج منها التنقل بين الأجمات بطريقة غير منتظمة وهو أمر خطر بوجود نسر في المكان.

    عند أعلى الجرف علمت النسر الأم صغارها أسرار العالم الخارجي.

    حلقت صغار النسر بمفردها بأسلوب مثالي وهي الخطوة الأولى في نظام تعلم الصيد، لكن عليها أولاً تعلم مهارة مصارعة حيوانات الأجمة.

    بدأت سحب العاصفة تتجمع في الأعلى، شعرت أسرة النمس بالتبدل الذي طرأ على الجو، فتخلت عن التدريب وعادت إلى الجحر.

    ويستمر النسر في المراقبة.

    في نهاية فصل الصيف تجلب العاصفة الأمطار تتبعها فترة من الحر الشديد، وهذا ما ترحب به حيوانات الأجمة.

    خلال تساقط الأمطار يخيم جو من الاسترخاء ونوع من الهدنة المؤقتة بين حيوانات الأجمة، إنها فترة سلام وسكون، فيما تستعيد الأرض القاسية حيويتها ونشاطها من جديد، بفضل الله -سبحانه وتعالى- الذي أنزل المطر ليروي الأرض ولتكسى الأرض بحلة جميلة.

    قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)) [الحج: 63].

    مع غروب الشمس تدب الحياة كالعادة في المنطقة، ولكن حرارة الجو ملأت المكان بالمخلوقات الجديدة.

    هناك عدد كبير جدًا من الشقوق والتي تناسب تلك الأعداد الكبيرة من المخلوقات.

    الكائنات الجديدة لديها حلول جديدة ومختلفة عن غيرها؛ فرشاقتها وصبرها يساعدانها على اصطياد طعامها، افتقارها للجفون لا يعد عائقًا، سبحان الخالق الوهاب، ما من دابة تدب على الأرض صغيرة أو كبيرة إلا وقدر لها رزقها أينما كانت ومهما صغر حجمها.

    تسلك تلك الكائنات أقصر الطرق لبلوغ المكان الذي تريده، أما مسألة النمو فهي أمر مختلف، تطرح تلك الزواحف جلدها دوريًا خلاف عملية نموها، ولكن كما يجري لكل الكائنات التقليدية تبدو عملية التحول غريبة، فسبحان الله الذي علم مخلوقاته كيف تعيش في هذا الكون وتتأقلم فيه لتستمر الحياة.

    لا تزال مجموعة الفئران الصغيرة تعيش داخل الجدار، والحياة بالنسبة لها صراع دائم.

    ازدادت أعداد تلك الصغار، وأصبح لزامًا عليها القتال على أماكن الجدار.

    تصدر جماعات الفئران أصواتًا حادة ليرهب بعضها بعضًا، ولكن قد تلتقط بعض المفترسات هذه الإشارات، وكلما استمر الشجار ازدادت فرص البومة في تحديد هدفها.

    يسكن الخاسر في الجزء الأسفل من الجدار في منطقة الزواحف، لكنه غير مرغوب فيه هنا أيضًا.

    لدى البومة وقت كافٍ لتحديد هدفها، يدل شكل وجهها على سرعة التقاطها للإشارات المنبعثة من الفريسة، عند ذلك تنقض البومة على الفريسة، فسبحان الله الذي جعلها تتقن الصيد، وها هي تأكل فريستها.

    تحل مكان كل فأرة تموت مجموعة كبيرة من الفئران، تتخذ الفأرة إستراتيجية العيش الجماعي، لكن هذا لا يمنع البومة من اقتناص فريستها والتهامها، فالفئران تعتبر الوجبة اللذيذة للبومة.

    مع بزوغ صباح جديد تكاد دورة جديدة أن تكتمل في الأجمة، اقترب موعد افتراق أفراد صغار النمس، وعليها تعلم الصيد.

    تقود أنثى النمس صغارها وهي تبحث عن رائحة معينة.

    فجأة تلتقط المجموعة رائحة الأرنب الزكية وعلى الفور يقترب الصغار.

    سيحاول كل منها ممارسة كل ما تعلمه في المرحلة الأخيرة.

    تنتشر الصغار لتغطية أكبر مساحة للوصول إلى غايتها، فالرائحة قريبة جدًا، لكن الأرنب مختبئ في مكانه.

    أصبحت النموس قريبة جدًا، لقد اشتم الأرنب رائحتها، فجأة تتفرق النموس ويفقد الأرنب اتزانه، لقد تم تحديد مكانه، الآن عليها مراوغته وإستراتيجية النمس ستهتم بالباقي.

    لم تكن عملية الصيد متناسقة لكن النتيجة جيدة جدًا، لقد سدت طرق الهرب أمام الضحية.

    تبتعد أنثى النمس عن مكان المعركة التي يديرها صغارها تاركة لها الوجبة، أصبح بإمكان الصغار مواجهة الحياة والتقاط غذائها بمفردها.

    ولكن الصغار تواجه حقيقة مرة، لقد نسيت أن البقاء في منطقة مكشوفة يثير اهتمام مخلوقات أخرى، وقد يكون اهتمامًا مميتًا، ويحتمل أن يدفع الصغار ثمنًا باهظًا لتعلم هذا الدرس.

    في البداية شعرت الأنثى الصغيرة أن هناك خطرًا ما، ولا يفكر الذكر الصغير إلا في الأرنب.

    لقد تجاهل أخته وهي تغادر المكان.

    بينما النمس الصغير يأكل فريسته يحلق النسر الذهبي عاليًا.

    وما هي إلا لحظات حتى انقض النسر على النمس الصغير.

    شاهدت الأنثى الصغيرة كيف تم الانقضاض على أخيها، وأصبحت تعلم الآن معنى الخطر القادم من النسور المحلقة، وستستمر في مراقبة الأجواء مدى حياتها.

    لا تعرف منطقة الأجمة معنى التسامح، وتحت طبقة من الأوراق والأشواك تواجه النموس المتبقية الأخطار والكائنات المنافسة المتربصة بها.

    يجب التعلم مهارات أساليب العيش هنا بسرعة؛ ليتمكن جيل النموس التالي من لعب دوره في هذه الحياة.

    إنها سنة الله في الغابة، موت حيوان يعني بقاء حيوان آخر، والدائرة تدور، فسبحان الله، ما أعظم شأنه.

    #1086529
    noor_888
    مشارك

    تسلم علالالالالالالالالالالاء

    طرح رائع تسلم إيدك

    #1086789

    تسلمى يانور يادبه هههههههههههههههه

    #1086925
    سراب..
    مشارك

    تسلم ايدك على المجهود والمعلومات القية

    طرح شامل

    مشكور علاء

    #1087325

    جزاكى الله خيرا ملك

مشاهدة 5 مشاركات - 1 إلى 5 (من مجموع 5)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد