لم تسهر وحيدا … الوحده يا صديقي داء ودواء للروح المتعطشه ، فقد تنقل صاحبها الى قمم الجبال دون ان يدري فيحلق بعيدا هناك لوحده ولكن مع ملايين المحلقين في ارض اللامكان فتكون احيانا له دواء من الام كثيرات قد اطبقت عليه انفاسه حتى كاد يختنق فتحمله مخدرا غائبا عن الوعي وربما يحتضر الى سماء واسعه زرقاء له وحده يسبح فيها .. ويجالسها .. ويحدثها .. ويصرخ .. كما يشاء بأعلى صوته ،ويرمي بنفسه من قمم الجبال ويعيش شعور التحرر ، وبعد وقت لا يدري كم مضى منه يستيقظ وهو لا يزال وحيدا

ولكن تعلو وجهه ابتسامة الارتياح و يرى زرقة السماء من جديد واخضرار الاشجار وكانه جديد وتنزاح الغمامات السوداء و تجود السماء برذاذات من امطارها فيظهر قوس قزح…ولكن ان كانت هي الداء فستحمله الى اللامكان وستكون السماء له وحده ولكنه سيقف هناك وينظر حوله ويأخذ بالجري وهو يعلم انه لن يصل الى مكان ، فيتوه ويضيع وتصبح الزرقة سواد ، والخضره جفاف ، وتموت زقزقة العصافير ، وينطفء لهيب الشمس وتصبح الجنة جحيما ،

فيضل طريق العودة ويعيش هناك طويلا في دنيا ليست بدنياه ،ولكنه اقحم نفسه فيها بيديه ..اتدري يا صديقي ما الاصعب من تلك الوحده .. ان تكون بين الحشود و بين من يحبونك وتحبهم ولكن قلبك قابع في صحراء قاحله ، وحيدا لا يرى ولا يسمع سوى اصداء كلماتك التي باتت قليلة بل شبه معدومه ، فيبدأ الاقتناع بأن لا احد يفهمك ، ثم لا أحد يحبك ، ثم الجميع يكرهونك ، فتغدو العيون ذابله و والنظرة غافية حالمه ، والعقل محتلا من اللااحد ، وتصغر الدنيا بما رحبت ، و تشح عليك الكلمات بما كثرت ،

وتصبح طريق الدموع ممهده .. اوتدري ما الذي يحصل بعد ذلك يا صديق ؟يرسل لك الله مفاجأة تحملك من مستنقع الاوهام والاحزان الى جنة الدنيا وواحاتها ، فتنتقل بروحك من الارض الى سابع سماء بلحظة واحده وكأنها روحك التي غادرتك قد عادت اليك من جديد …احيانا تكون المفاجأة كلمات واحيانا اخرى همسات وربما نظره صافيه .. لن تدري ما هي الا حينما تراها او تسمعها …فإذا نظرت من نافذتك الان فحدق بزرقة السماء ان كانت صافيه او ببياض غيومها ان كانت ممطره ، ولاحظ جمال تركيب ألوان الشجر ان كان مخضرا ، وسبح الخالق على روعة المنظر ان كان ورقه قد ودعه وسافر ، وان كانت ليلا فقف على نافذتك وطف بين اضلع الليل ،واغمر القمر بذراعيك ،

و استمع لكلام العتمة الصامته وستطرب لغنائها ..ولتنظر الى كأس الماء الذي بقربك ولتحدق به وتخيل نفسك قطرة بداخله تشبك يدك بأيدي من حولك وتتحركون جماعة ، وتضحكون جماعة ، وان بكيتم فلا يهم فستذوب دموعكم بينكم …ولتنظر بمرآتك ولتبتسم فالله منحك عقلا تفكر به ، وقلبا تشعر به ، ومنّ عليك بعين
ترى كل ذلك الجمال الرباني الذي تراه ..
اذا كانت الحياه بقساوة الصخور.. فلتكن انت بصلابة الحديد