د . عدنان جواد الطعمة
adnan_al_toma@hotmail.com

زادت نسبة الإصابات بأورام و آلام المعدة منذ مطلع القرن الماضي في العالم و خاصة في بولندا و اليابان و البلدان الفقيرة نتيجة سوء التغذية و الحروب و التشريد و التجويع .
و على ضوء تلك الإحصائيات الكثيرة قام الأطباء و علماء الصيدلة و العلوم البيولوجية و خاصة فرع المايكروبيولوجي و معاهد الباثولوجي و غيرها بأبحاث و دراسات و تجارب للبحث عن أسباب موت آلاف المصابين بمرض سرطان المعدة بعد الحرب العالمية الأولى .
وقد احتفظت مستشفيات و مختبرات و جامعات أمريكا و بريطانيا و فرنسا و غيرها بعينات مجمدة من دماء الذين ماتوا بمرض السرطان أو الذين استؤصلت معدهم .

بدأت سنة 1987 بدراسة علم الأدوية و الكيمياء الحيوية و موضوع التشريح و الأمراض في دورة مركزة لمدة ستة أشهر في أكاديمية الصيدلة بمدينة باد ناوهايم ، حيث اشتركت لمدة سنة في صحيفة مديكال تربيون الطبية و مجلتين إحداهما عن الأدوية و الأخرى عن الطب ، فبالإضافة إلى موضوعات تلك الدورة فإن هاتين المجلتين و كذلك صحيفة مديكال تربيون قد زودتني بمعلومات وافية عن الأمراض و أسبابها ومعالجتها و عن الأدوية الحديثة المنتجة عن أكثر من خمسمائة شركة رئيسية و مقلدة في ألمانيا .
و كنت أتابع أسبوعيا مشاهدة البرامج الطبية عن الأمراض و أسبابها و علاجها التي كانت تبث من قبل محطات التلفزيون الألمانية المختلفة وكنت أسجلها على كاسيتات الفيديو.
و بعد الإنتهاء من الدورة عملت باحثا علميا في معهد الفارماكولوجي و التوكسيكولوجي لكتابة معجم و دراسة عن تاريخ هذا المعهد لمدة 125 سنة أي منذ تأسيسه .
لقد تجمعت لدي و لله الحمد ثقافة صحية عامة عن الأدوية و الأمراض و الأعشاب و العقاقير أيضا .

فمن حسن الحظ سجلت بتاريخ 16 / 11 / 1995 فلما وثائقيا علميا عن مكتشف بكتريا المعدة هليكوباكتر بيلوري الأسترالي الدكتور بارّي مارشال Barry Marshal الذي أنقذ حياة آلاف المرضى من الموت بسبب معالجة سرطان المعدة بعد اكتشافه لهذه البكتريا الخبيثة .

ولد بارّي جيمس مارشال في الثلاثين في Barry James Marshall مدينة كالغورلي Kalgoorlie غرب أستراليا . وبعد أن أنهى دراسته في جامعة غرب أستراليا University of Western Australia ( UWA)
عمل في المستشفى الملكية في مدينة بيرث Royal Perth Hospital .

ثم إنتقل عام 1986 مع عائلته بصورة مؤقتة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في مدينة فيرجينيا و عاد كبروفسور في علم الأحياء الدقيقية السريرية إلى مستشفى جامعة غرب أستراليا في مدينة بيرث University of Western Australia in Perth .
وهو متزوج و لديه أربعة أطفال .
أثبت البروفسور باري جيمس مارشال للعالم أجمع بأن بكتريا سرطان المعدة هليكوباكتر بيلوري هي السبب الرئيسي لمعظم أورام المعدة و أنها قادرة على العيش في محيط حامضي و ليس كما كان الإعتقاد السائد لعشرات السنين بأن أسباب أورام المعدة هي الإجهاد و التعب و تناول الأغذية الحادة المزودة بالتوابل و الإبهارات و الفلفل الحار وأن البكتريا لا يمكنها أن تعيش في محيط حامضي .
و عندما نشر خبر إكتشاف الشاب باري جيمس مارشال لبكتريا سرطان المعدة هليكوباكتر بيلوري لم يتقبل أطباء العالم إكتشافه هذا ، بل أن بعض الأطباء الذين كانوا حاضرين في مؤتمر لأطباء العالم في أمريكا قد اتهموه بأنه مجنون .

فمن أجل أن يثبت مارشال نظريته و يقنعهم و جب عليه أن يعطي جرعة من محول هذه البكتريا إلى أحد الأشخاص السالمين الأصحاء . فلم يجد أحدا غيره ، فقرر أن يتناول جرعة من هذه البكتريا .
كان نايل نواكس Neil Noakes يعمل باحثا و موظفا في قسم الباثولوجي في مستشفى فريمانتل في مدينة بيرث Fremantle Hospital in Perth . تحدث نايل بواكس قائلا : ” جاء إلي في أحد الأيام الدكتور باري مارشال عام 1984 و طلب مني أن أحضر له محلولا مركزا من بكتريا سرطان المعدة هليكوباكتر بيلوري . ولم أعرف آنذاك لماذا ؟ و استطرد قائلا : وقف أمامي الدكتور مارشال و سلمته المحلول المركز و الملوث ببكتريا هليكوباكتر بيلوري فشربه دفعة واحدة . ثم ذهب إلى المستشفى , و بعد فترة وجيزة ، تحدثت زوجته أدريان مارشال Adrian Marshall قائلة : ” مرض زوجي مرضا شديدا و كان ملقى على سريره في المستشفى ، تدهورت صحته فلم يستطع التنفس ، أفاق من نومه في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ، ثم صاحبته آلام شديدة في المعدة و ذهب إلى الحمام وتقيأ ” .

و بعد مضي عشرة أيام على تناول الجرعة الملوثة بهذه البكتريا الخبيثة دعا الدكتور مارشال أصدقاءه الأطباء بأن يفحصوا معدته بالناظور و يأخذوا من غشاء معدته عينة لغرض فحصها تحت المجهر في قسم الباثولوجي . و عندما فحصوا الأطباء تلك العينة تحت المجهر وجدوا مجاميع كثيرة من بكتريا هليكوباكتر بيلوري تتحرك في كل الإتجاهات .
ثم طلبت زوجته و بقية الأطباء من الدكتور باري مارشال أن يتناول الأدوية المضادة للإلتهابات ( الأنتيبيوتكس ) لمدة أسبوعين ، ثم أعاد الأطباء فحص معدة الدكتور باري مارشال و أخذوا عينة من غشاء المعدة و فحصوها تحت المجهر فوجدوا أن البكتريا قد ماتت .
قامت هذه المستشفى برعاية الدكتور مارشال و زملائه بمعالجة أكثر من مائتين مريض مصاب بالأورام في معدته لوجود بكترياهليكوباكتر بيلوري بالأنتيبيوتكس حيث شفي الجميع فور اكتشاف البكتريا .
إنتشر نبأ هذا الإكتشاف العظيم في العالم . حضر الدكتور مارشال مؤتمرا عالميا للأطباء رتبته وزارة الصحة الأمريكية و بعد دراسة و مناقشة إكتشاف الدكتور مارشال صدر قرار عن هذا المؤتمر بالسماح لإستعمال أدوية الأنتيبيوتكس ضد حموضة المعدة .
حاز الدكتور باري جيمس مارشال مع زميله الدكتور جي . روبن واررن
J. Robin Warren على جائزة نوبل في الفسيولوجي و الطب لإكتشاف بكتريا هليكوباكتر بيلوري عام 2005.

نود الإشارة بأن بكتريا هليكوباكتر بيلوري موجودة بنسب خفيفة في المعدة و تتكاثر في نهاية المعدة قرب الأمعاء الإثنى عشر ولا يشعر الإنسان بها ، فإذا تفاقم و زاد عددها فإنها ستشكل أوراما على غشاء المعدة و تزيد حموضة المعدة المصابة بالأورام إلى ستة أضعاف . فمن يشكو دائما زيادة في حموضة المعدة ، عليه أن يفحص دمه و معدته للتأكد من عدم وجود كميات كبيرة من هذه البكتريا ، لأنها تسبب سرطان المعدة لا سمح الله .
هناك ثلاثة طرق للفحص و التأكد من وجود أو عدم وجود البكتريا :

1 – الطريقة القديمة المتبعة بأن يتم فحص المعدة بالناظور و أخذ عينة من غشاء و سائل المعدة . لا يفضل الأطباء هذه الطريقة تجنبا لعدم حدوث جروح في المعدة و المرئ من إدخال و إخراج الناظور .

2 – طريقة فحص الدم

3 – الطريقة الحديثة عن طريق إختبار التنفس ، بأن يشتري المريض من الصيدلية أنبوبا خاصا و ينفخ فيه ، ثم تقوم الصيدلية بإرسال الأنبوب إلى الشركة المنتجة .

بينما كنت جالسا في مكتبتي عام 1990 شعرت بألم شديد و انتفاخ في المعدة و ضيق في التنفس . وعلى الفور هدرت شاي البابونج و شربت كوبين او ثلاثة على ما أتذكر. وبعد منتصف الليل اشتد الألم و زاد الإنتفاخ و تقيأت بقوة و ارتفعت دراجة حرارة جسمي فقررت ركوب سيارتي و الذهاب إلى مستشفى الطوارئ . حال وصولي المستشفى أفرغوا معدتي من السوائل ، لأن الطبيب شك بأن الأمعاء قد إنسدت . و في ساعة متأخرة من الليل نقلوني إلى عيادة البروفسور المختص و أدخل الناظور في المعدة و أخذ عينة من غشائها . ثم فحصوا الدم .
وفي اليوم التالي قال لي الطبيب المختص بأن لديك بكتريا هليكوباكتر بيلوري فأعطوني ثلاثة أنواع من الحبوب لمدة أسبوعين ، وهي :

1 – كبسولة Amoxicilin 1000 واحدة صباحا و الأخرى مساءا
2 – كبسولة أنترا 40 غرام Antra 40 واحدة صباحا و الأخرى مساءا
3 – حبة كلونت Clont 400 واحدة صباحا و الأخرى مساءا

وبعد انتهاء الدواء أعاد الطبيب فحص المعدة بالناظور فلم يجد أي أثر لهذه البكتريا و لله الحمد .

و لوجه الله ، أنصح الإخوة و الأخوات و كل من لديه زيادة حموضة في المعدة ، عليه أن يراجع طبيب الباطنية المختص أو المستشفى لإجراء الفحوصات اللازمة .
و أن لا يتناول الدواء أعلاه دون فحص الطبيب ، لأن كثير من الناس لديهم حساسية ضد الأموكسيسيلين و بعضهم ضد حبة الكلونت و هكذا .
فالرجاء عدم أخذ هذه الأدوية إلا بعد الفحوصات و بمسؤولية الطبيب .
و أود بهذه المناسبة الإشارة إلى اني لست طبيبا و لدي إختصاصات غير الطب ، و معلومات صحية وافية عن الأدوية و الأمراض كما ذكرت أعلاه .

أسأل الله تعالي أن يمن على الجميع بالصحة الموفورة و أن يستفيدوا من هذه التجربة الشخصية ، و الله و لي التوفيق .

ألمانيا في 24 / 2 / 2008