الرئيسية منتديات مجلس الثقافة الأدبية والشعر الشعر خارج النظم الشعر داخل اللغة

مشاهدة 15 مشاركة - 16 إلى 30 (من مجموع 32)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #1000569

    قصيدة النثر وحداثة الشعر العربي :

    إن الجدل حول قصيدة النثر لا يتخذ الآن ، عمومآ ، ذات المسار الذي اتخذه في منازلاته المبكرة: البحث عن شرعية لهذا النمط الشعري ، أو أب ودود ، او تسمية لائقة . ان الآمر ، كما أ ظن ، يتجاوز الآن هذا المطلب ، ليصبح قضية أشمل تندرج في سياق القصيدة العربية الحديثة ، تنصهر في مناخها الآعم والأعمق . ان الخلاف حول المصطلح “48 ” لا يضير قصيدة النثر كثيرا ، اذا

    استطاعت أنها تشكل ، ب الأنواع الشعرية الأخرى مجرى حيا في واقعنا الشعري .

    تجسد قصيدة النثر ، الآن ، في ما تجسد من دلالاتها جزءا من اتجاه حداثتنا ااشعرية ومطالبها الجمالية والفكرية . وهي ليست اندفاعة خارج هذد الحداثة ، ولم تتبت أنها كذلك حتى الآن . ان عليها ان تبرهن ، باستمرار ، انا تمثل عبر نماذجها ا الفاعلة ، شرارة اضافية تندلع في الطرف الآخر من الغابة.

    أرست حركة الشعر العربي الحديث ، لاسيما في مراحلها اللاحقة مناخا لحداثة شعرية مغايرة. الى حد واضح ، لتلك التي سعت اليها إلقصيدة العربية في حداثتها الخمسينية. ولقد حققت قصيدة النثر الكثير من شروط حريتها ضمن مناخ الحداثة هذا.

    كان من أبرز ما أسفر عنه هذا المناخ الجديد جملة من المعايير يحكم ، بالقياس اليها ، على شعرية النص وغناه الداخلي . فلم يعد الشعر صياغة وزنية للتجربة ، ولم يعد أيضأ ، فيضأ من آنين الروح أو بهجتها الطافحة ، يتدفق ، هكذا ، عفويأ منثالأ ، دونما ضابط ، أو هيمنة ، أو تنظيم .

    لقد صار الشعر ، في تطوره الأرقى ، رؤيا للحياة والكون تختزل تجربة الشاعر الكيانية في شكل حسي شديد الدلالة . لذلك ما عاد الشعر الحديث مجرد انعطافة شكلية ، بل صار مفهوما جديدا ، ورؤيا ساعدا على الانتقال بحركة الحداثة الى أفق جديد مغاير “49 “. وهكذا تستمد القصيدة الحديثة حيويتها ، لا من انجاز عروضي شكلي بل من جسيدها لرؤيا شعرية تخص الشاعر ، ويترشح عنها

    موقفه الجمالي والفكري ، في بنية حسية تعبيرية.

    وكان الموقف من الوزن الشعري يمثل زحزحة أخرى للحدود الضاغطة على حرية الشاعر. وتليينأ لقيوده التي أحزنت قدميه وحرمتهما حرية الرقص قرونأ عديدة ، وآفقدت يديه حرية التلويح والكتابة في فضاء ، حر ، غامض ، منفتح . بذلك بدأ البحث عن ايقاع للقصيدة لا يتمثل في الوزن الشعري وحده ، بل في حرية إيقاعية ممكنة تقع خارج ااوزن الموروث ، خارج اطاره الجاهز الذي تحدر إلينا عبر ركام من القرون الصوتيه ، متخطيآ حواس الأسلاف ،

    حاملأ الينا ميراثنا من احساسهم القديم بالطرب والنشوة الحسية.

    وكان هذا الايقاع يتجاوز الوزن الشعري ليجد تجسيده الممكن في خلخلة ذلك الوزن . في كسر تشكيله الهندسي الحاد، وترويض اندفاعاته الصوتيه المتسارعة. وكان الشاعر العربي يحاول انجاز ذلك عبر سلسلة من عمليات الاقتحام تعيد ألاعتبار ، لأول مرة ،. لزحافات الشعر ، وتشحنها. بعد تحريرها من طاقتها السلبية ، بفاعلية جديدة، تستطيع عن طريقها تغذية القصيدة بما تتطلبه من

    سرعة أو ابطاء آو بعثرة أو انثيال . ولم يكن هذا الايقاع مقصورا على

    ما يحدثه الشاعر في الآشكال الوزنية من تحوير أو زعزعة شيقة تقترب من النثر أحيانآ . بل يذهب أبعد من ذلك حين يذيب هذه البحور ببعضها في تشابك صوتي . وعر ، مقلق عندما يحس ان اللحظة الشعرية تستدعي معادلآ ايقاعيا كهذأ.

    #1000571

    قد تحقق القصيدة الحديثة إيقاعها من قيم لا تقع في الوزن المألوف وما يحدثه الشاعر في هذا الوزن من انحرافات ، ربما يتحقق هذا الايقاع في لغة القصيدة ذاتها ، في ما تدخره حروف الكلمة الواحدة من ثراء صوتي دال أو في ما بين كلمات الجملة الواحدة من حوار متفاعل ، وفي ترابط هذد الجملة مع غيرها على نسق بعينه .

    وهكذا بدأت القصيدة الحديثة بالتخلي عن الايقاع الخارجي للقصيدة الكلاسيكية والدخول الى حيز كان حكرا . حتى ذلك الحين ، على النثر وما يتفرغ منه ” 50 ” . وكان ذلك منجزأ مشتركا بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر ، منجزأ ينتمي الى حداثة الأيقاع في الشعر العربي الحديث عموما. انه ايقاع يتولد عن ارضية ومناخ

    جديدين لم يعد فيهما الوزن وحده محكا لشعرية القصيدة بل لتحديد النظم وبذلك صار الحديث ممكنا ، لآول مرة ، عن قصيدة شعرية وعن قصيدة نثرية أيضا. ان الكثير من القصائد الجميلة دون أبيات شعرية. هذا ما يقوله “دي بولس ” 51 ” . كما آن هناك الكثير من الأييات الشعرية التي تخلو من الشعر”. بل ان ” جون كوين ” يذهب أبعد من لك حين يطلق على النظم تسمية ازدرائية هي النثر

    #1000573

    الموزون حيث:

    “لا يمكننا ان نصنف ، تحت هذا النمط أي انتاج أدبي مهم ، وكل ما ينسب اليه من انتاج النظامين من الهواة قليلي الخبرة الذين يقنعون باضافة القافية والوزن الى كلام يظل من الناحية المعنوية نثرا ” 52 ” .

    وضمن مناخ الحداثة هذا لا تعود اللغة وسيلة بى تصبح هدشا للخلق ، وتجليا له ، وفي هذه اللغة تبلغ الكثافة حدودها القصية حيث ينهض صوت الكمة بدور في تجسيد الدلالة ، وتغدو الكلمة شكلا صوتيا للمعنى . كما أن صورتها الحسية ، أو وجودها الفيزيائي يصبح ، بما فيه من بعثرة ، أو اكتظاظ ، أو استطالة، صورة مرئية لما تريد التعبير عنه .

    ولا ينكر ان الصورة تمثل ، في الشعر الحديث خاصة ، مصدرا مدهشا لثراء التعبير ، وتوترة ، مصدرأ لغنى شعري كبير. ولا يمكن ، تقريبا ، لقصيدة ما الارتقاء الى مستوى من الحيوية الشعرية دون أن يكون للصورة دور في إذكاء قوة الأداء، والتصعيد من كثافته وسحره .

    لقد أخذ التركيز على أهمية الصورة الشعرية مدى بعيدأ حتى غدت ، في أحيان كثيرة ، مقياسأ للتمييز بين شعرية نص ما ونثرية نص آخر.

    وبذلك تضافرت الصورة ، واللغة ، والايقاع الداخلي على خلق مجرى جديد للشعرية ، خارج الهيمنة المطلقة للوزن والقافية، وفتحت طرق جديدة للوصول الى مكمن الشعرية في النص وملامسة لذته ، وطرا وته ، وغموضه .

    خلقت الحداثة ، اذن ، مناخأ جديدأ ، وصارت شعرية القصيدة نتاجا لعوامل متعددة ، ومتداخلة. ان “اجون كوين ” ، مثلأ لا يرى الشعرية في الوزن والقافية مع اهتمامه الواضح بهما ، بل يراها في ما يدعوه بالانزياح ، أو معدل المجاوزة الذي يحققه الكاتب للغته ، والذي يعني “متوسط التردد لمجموعة من المجاوزات التي تحطها اللغة الشعرية بالقياس الى لغة النثر” “53” .

    لقد بدأت تتشكل ، في هذا المحيط الجديد ، ذائقة مغايرة قاتلت من اجل خلقها حركة القصيدة العربية الحديثة . وفي هذا المناخ كان يمكن لقصيدة النثر ان تؤدي مهمتها بخسائر اقل . غير ان هوس دعاتها ونبرتهم المستفزة ، المتباهية اشعلت الأرض امامها ، وملأتها بالكمائن ، والرباح المضادة.

    #1000575

    قصيدة النثر : الواقع أم الحلم ؟
    ان الوقت قد حان ، كما يبدو ، للحديث عن قصيدة النثر ، لا حديثأ احتفاليأ ا تهليليأ يصل ، أحيانأ ، حد التهريج، بل للحديث عنها بنبرذ أهدأ ، وأعمق نبرة نجردها ، الى أقصى حد نستطيعه ، من غبار مواقفنا المسبقة ، ضدية كانت هذه المواقف أم محابية . ذلك لأن الحديث عن قصيدة النثر بطريقة تبشيرية يكف عن أن يكون ذا صلة بالنقد أو الدراسة ألمتمهلة ، كما أن تناولها ، انطلاقأ من موقف العداء والانكار الجاهزين ، سيحول حتمآ بيننا وبين ما يمكن أن يكون لها

    من فضائل آو مزايا.

    حين نستعرض الجهود التنظيرية ، في مجال قصيدة النثر ، نجد آن الكثير منها يقع في دائرة الوعود والآحلام المؤجلة: نبرة مهرجانية ” طاغية لكنها ، في آحيان كثيرة ، تفتقر الى التحديد الموضوعي .

    ولا نبلغ ، كما آظن ، حين نشير الى آن حماس الكثير من شعراء قصيدة النثر ونقادها يظل في معظمه (حماسة مذهبية) ، حولت الحديث عن قصيدة النثر الى سلوك دوغماتي ، تبشيري تعوزه الرحابة في التصور من جهة “54” ، ولا يقدم ، من جهة أخرى، التفرد في تقديم النموذج الشعري المتفرد.

    كانت نبرة التبشير بقصيدة النثر ، غالبأ ، عالية ، عدوانية ، ضيقة . ولقد دفع ذ لك بالكثير من خصومها الى الحديث عنها بنبرة مناقضة تمامأ: نوع من التناقض المطلق ، أو عل الأصح ، مذهبية أخرى ، مضادة ، لا تحاور الآخر بل تحاول محوه أو تسفيهه ، أو التهوين من شأنه .

    لقد كان الجدل ، بين خصوم قصيدة النثر والمبشرين بها ، يبتعد ، غالبأ ، عن أن يكون حوارأ ، ودودأ ، خصبأ ، يسعى فيه الطرفان الى اللقاء في نقطة بالغة الغنى والمرونة.

    كان كل طرف منهما يجد شرعيته في تطرف مضاد سابق له ، ويغدو ، بدوره ، سببأ لتطرف لاحق . ان التبشير بالامكانات الخارقة لقصيدة النثر ، مثلأ ، وصل حدأ اعتبر فيه هذا النمط الشعري ، وبكلمات أنسي الحاج ” 55 ”

    “أرحب ما توصل إليه الشاعر العربي الحديث على صعيد التكنيك ، وعلى صعيد الفحوى فى آن واحد”.

    ولا شك ان تبشيرأ متطرفأ كهذا لا يوازيه الا تلك العواصف المضادة ، التي تحاول انتزاع كل ما يمكن أن يكون امكانية لا وهما في قصيدة النثر. ان تطرف انسي الحاج السابق ، شأنه شأن معظم اثاراته الأخرى ، لا يقف حرأ في دائرة الجدل ، والحجاج ، بل يقابله ، ولا أقول يحاوره ، تطرف آخر يجد الكثير من مسوغاته في هذا المناخ ، المتوتر ، الغائم ، فالرحابة التكنيكية ، التي يتحدث عنها أنسي الحاج ، لا تعدو ، عند الطرف الآخر ، ان تكون أوهاما “فالشكل تجريد ، والوحدة العضوية تجريد ، والاطار تجريد ، والايقاع تجريد ، والتنوع تجريد ” 56 ” .

    و هي ، أيضأ

    (“بلا شكل ، بلا اطار ، بلا وحدة عضوية ، بلا ايقاع حقيقي ، بلا مضمون صلد”).

    أو هي كذلك:

    “شكل متخلف “58”
    كما أنها

    “بدعة غريبة” ” 59 ”

    وللحقيقة ، فان عنف هذه الآراء ، وسواها ، لا يمكن فهمه ، تماما، دون ان يحضر في الذهن لا ذلك الهوس التبشيري المضاد وحده ، بل ان نستحضره ، الى جانبه أيضأ ، أمثلة عديدة من قصيدة النثر ، كان اخفاقها واضحأ.

    #1000577

    ان النظر الى قصيدة النثر ، من هذين المنظورين ” 60″ ، لم يوفر فرصة للتحاور العميق المتأني ، وفي غبرة هذا الجو العاصف أخذت قصيدة النثر ، فكرة ونموذجأ ، تزداد التباسأ ، وعتمة ، ونأيا.

    لا شك أن قصيدة النثر كانت تصل ، أحيانا. الى مستويات تعبيرية مدهشة ، كما يتجلى في قصائد محمد الماغوط ، وبعض كتابات أدونيس ، ولدى انسي الحاج في كتاباته المتأخرة . أما في العراق فيمكن ان نذكر كتابات سركون بولص ، وصلاح فائق ، وفاضل العزاوي .

    كانت قصيدة النثر تجربة جريئة لكسر ما بدا على موسيقى القصيدة العربية من رتابة . غير ان هذه التجربة سرعان ما وصلت ، في واقع الأمر، الى طريق وعرة . ولم يتجاوز شعراؤها أفضل اتجازاتهم تقريبآ.

    لقد كان ادونيس شاعرأ من نمط خاص ، ذا تجربة بالغة الحيوية والتعقيد ، أهلته شاعريته وثقافته العميقتان لمكانة شعرية مدهشة ، وكان عالمه الشعري يستند الى طاقة ابداعية وفكرية شديدة التنوع ، ولم تكن قصيدة النثر ، بالنسبة له ، الاجزءأ منها. أما محمد الماغوط ، فقد كان أكثر شعراء قصيدة النثر، في الحقيقة، جاذبية وصفاء. نبرة عميقة ، ومناخ شعري مترابط ، وكانت صوره التلقائية الباهرة ، تعكس عالمأ لا حدود له ، من أجواء الحنين والصعلكة والحلم والتمرد.

    ولم تكن قصائد انسي الحاج الاولى ، تختلف كثيرأ عن كتاباته التنظيرية عن قصيدة النثر. لقد كانت كلتاهما استفزازية، ضدية، ضجرة ، وأثارت مشاكساته الكلا مية من العواصف ، والحنق ، والغبار أضعاف ما اسفرت عنه من مطر او خضرة حقيقية . اما في كتاباته المتأخرة فقد خفتت تلك النبرة ، وبدأت قصائده تخلو ، الى حد ملموس ، من ذلك الهوس الشكلي ، والرغبة في الادهاش والمخالفة .

    لقد ضاعف من مأزق قصيدة النثر أن الكثير من ضعاف الموهبة قد وجدوا فيها مركبأ سهلأ ، فأخذوا يحاكون شعراءها المهمين يسيرون في ظلالهم ، أو تحت مصابيحهم العالية . وهكذا صارت قصيدة النثر ، عل ايديهم ، موضة ، وزيأ ، وبهرجة حتى ان أدونيس نفسه ، أخذ يسميها وهما من أوهام الحداثة ، وهم التشكيل النثري ” 61″.

    لقد دفع هذا الوهم ببعض كتاب قصيدة النثر المتواضعين الى الظن بان “مجرد الكتابة بالوزن تقليد وقدم ، ومجرد الكتابة بالنثر تجديد وحداثة” انهم يمثلون ، بسلوكهم هذا ، الوجه المضاد لمقولة ترى أن “الوزن هو ، وحده ، الشعر ، والنثر ، أيا كا ن ، نقيض الشعر” ويذهبون ، انطلاقأ من هذا الوهم ، الى أن مجرد الكتابة بالنثر “دخول في الحداثة” ان شعراء من هذا النمط يظلون كالسهمحين يطلق في اتجاه خاطىء ، لا يخترق غير الريح ولا يلمسون المكمن الحقيقي لشعرية النص . حقأ لم يعد الارتباط بين الوزن والشعر آليأ، لم يعد الوزن قيمة شعرية مطلقة. لكن ذلك لا يعني إن يستعاض عن ذلك المعيار المطلق بآخر مطلق مثله .

    #1000578

    ان مطلق الوزن معيار خاطيء للحكم على شعرية القصيدة شأنه في ذلك شأن النثر حين يتحول الى قيمة مطلقة .

    لقد كان موقف أدونيس نفسه من قصيدة النثر ، كتابة ومفهومأ، عرضة للتغيير فهو يدعو في مرحلته الأخيرة “62”، الى كتابة نثرية تغترف من ينابيعنا الأولى ، وتزدهر تحت امطارنا ، وثقافتنا ، وأحزاننا الخاصة. لذلك فانه يأخذ على قصيدة النثر العربية الراهنة وقوعها:

    “تحت الهيمنة المعيارية لتجارب سابقة ولا سيما تجارب القصيدة الفرنسية. ومثل هذه التجارب لا يمكن ان تقدم للنص العربي معياريته ، فهو لا يقدر ان يستمدها الا من خصوصيته اللغوية ذاتها”.

    ان أدونيس ، الآن ، يسعى الى كتابة ملحمية نثرية مغايرة ” يحاول أن يتجاوز بها قصيدة النثر بنماذجها الشائعة الى نثرآخر، هو:

    “مزيج : شكل من الافق الكلامي المتحرك ، يتسع لاحتضان عناصر كثيرة – من النصوص الأخرى التي تكتبها الاشياء ، في العالم ، أو تكتبها الكلمات ، في التاريخ . انه ، بتعبيرآخر ، خروج من “قصيدة النثر” الى ملحمية الكتابة . وقد تمثل هذا الخروج ، بنحو أخص ، في “مفرد بصبغة الجمع “.

    وهكذا يعود أدونيس بالنثر الذي يكتبه الآن لا الى معيارية فرنسية ، كما كان يفعل في مراحله الأولى بل الى معيارية عربية. نقلة أدونيسية أخرى دون شك في اتجاه الجذور ، نقلة ترى ان لهذه الكتابة النثرية الجديدة:

    “أصولأ في التراث الشعري العربي . بينها ، تمثيلا لا حصرا “الاشارات الالهية لأبي حيان التوحيدي ” .

    #1000580

    مستقبل قصيدة النثر :

    علينا الا ننسى ، ونحن نتحدث عن قصيدة النثر . جملة من العوامل الحضارية ، والذوقية ، والفكرية ، ساهمت في كبح هذا الشكل الشعري والحد من فاعليته .

    كان العداء لقصيدة التفعيلة ، في انطلاقتها الأولى ، ضاريا لانها كانت تمثل هزة للكثير من الثوابت الجمالية والفنية التي استقر عليها الشعر العربي قرونأ عديدة . فاذا كان ذلك هو اتجاه ردة الفعل ازاء قصيدة التفعيلة ، التي هي دعوة محدودة للتغيير في البداية على الأقل ، فلابد أن تكون المواجهة بين قصيدة النثر والذائقة السائدة أشد ضراوة. ذلك لأن هذه القصيدة كانت ، نظرية وتطبيقأ ، ريحامعاكسة للسياج الراسخ لمفهوم الشعر ووظيفته ومهاراته . وكانت في أحيان كثيرة ، عدوانية ، متعالية وعابثة . وقد ساهم كل ذلك في اعاقة تطورها المرتقب ، لم تصبح حاجة ثقافية وجمالية للمتلقي من جهة ، ولم تكن ، من جهة أخرى ، موضوعأ للنظر النقدي الرصين المتأمل .

    ولعب غياب المواهب الكبيرة دورأ مؤثرأ في قلة النماذ ج المتميزة التي كتبت في حقل قصيدة النثر فنحن ، اذا استثنينا أدونيس ومحمد الماغوط ، لم نجد شعراء مهمين يندفعون بها الى مديات مفتوحة يمهدون لها الطريق بما لهم من تاريخ شعري ومنجزات راسخة ، ويضمنون لها الوصول الى دائرة الفاعلية.

    اضافة الى ذلك ، فقد حملت ملابسات النشأة الاولى لقصيدة النثر ، الكثير من الاعتراضات الايدلوجية التي كان من الصعب تخطيها أخذت حصتها المدمرة من الغبار وسوء الفهم والعداء الذي احاط بالمنابر الثقافية التي تبنتها ، وروجت لها وسعت الى ان تجعل منها بديلأ أساسيأ لقصيدة التفعيلة .

    ولا بد من القول ، ان ايأ من العوامل السابقة لم يكن كافيا ، وحده لتفسير المأزق الذي واجهته قصيدة النثر. لقد صادفهذا النمط من التعبير الشعري واقعأ كان من الصعبعليه اختراقه ثقافيا، وجماليا ، وأيديولوجيا. لذلك فان قصيدة النثر رغم مرور ثلاثين عاما ، لم تنجح في تجاوز قصيدة التفعلية ، في أفضل مستوياتها. ولم تصبح بديلأ عنها.

    ان قصيدة النثر لم تستطع حتى الآن ، كما بيدو ، ان تكون نمطا أساسيا حتى في الشعر الفرنسي نفسه . يقول “كوين ” “63”.

    “وبرغم التنقيحات العميقة التي عرفتها “قصيدة النثر” طوال تاريخها ، فإن “قصيدة الشعراا ظلت حتى يومنا هذا المركب الطبيعي ، وينبغي الاعتقاد بانها اداة فعالة له “.

    وحين يتحدث “كوين ” عن حلم “بودلير” بتحقيق “معجزة النثر الشعري ” ذ لك النثر الذي يكون موسيقيأ بلا وزن ولا قافية ، طيعأ ، متناغمأ مع حركات الروح فإنه يضيف “64”

    “(لقد حقق بودلير هذا الطموح حين كتب “قصائد نثرية”

    صغيرة” التي تؤكد ، مع ذلك ، اننا لسنا مع بودلير الكبير صاحب ” ازهار الشر”.

    أي أن شعرية قصائده النثرية لم تكن كافيه للتحليق به عالي ليظل كبيرأ كما هو في أعماله الشعرية الآخرى . بى رغم نجاح قصيدة النثر الذي لا خلاف عليه فانها بقيت “ظاهرة استتنائية”.

    واذا كان ذ لك هو الموقف من قصيدة النثر ، في الشعر الفرنسي ذ اته ، رغم أنها آحد أشكاله التي انبتقت من إرث فرنسي في اللغة والشعر والمزاج فلا غرابة اف يكون الموقف منها ، في شعرنا العربي ، أشد تطرفا.

    #1000581

    لا شك انها استطاعت . عبر شعرائها المتميزين ان تعبر عن بعض ما في حياتنا العربية من حزن وتوتر ووحشية. لكنها لم ترق حتى الآن . الى أن تكون تيارا شعريآ أساسيآ ومهيمنا.

    انها نوع شعري ، وليس جنسا أدبيآ. نوع شعري يندرج في حقل الفاعلية الشعرية الحديثة ، في شعرنا العربي ، تنهض بنصيبها القاسي في التعبير عن تجربتنا الروحية والجمالية بطريقة لا تستمد شعريتها من مجرد الوزن والقافية بل من توتر النص ، وعلاقاتها الداخلية.

    لقد برهنت هذه القصيدة قي أحيان عديدة ، على انها اثراء لخيارات الشاعر العربي وتنويع هو في حاجة عميقة اليه . تنويع في اشكاله الايقاعية وفي بناه التعبيرية أيضا.

    #1000584

    الهوامش :

    1 – د . عبدالملك مرتاض ، النص الأدبي من أين ؟ الى أين ؟ الجزائر 1983 ، ص 26.

    2 – عبدالقاهر الجرجاني ، كتاب دلائل الاعجاز ، قرأه وعلق عليه محمود محمد

    شاكر ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، د. ت. ص 256.

    3 – المصدر نفسه ، المدخل ، ص 4 .

    4 – المصدر نفسه ، ص 364 .

    5 – المصدر نفسه ، ص 85 .

    6 – كمال ابو ديب ، في الشعرية ، مؤسسة الابحاث العربية ، بيروت ، 1987 ، ص 15 .

    7 – المصدر نفسه .

    8 – د. عبدالواحر لؤلؤة . البحث عن معنى ، دراسات نقدية ، دار الحرية للطباعة، بغداد 973 1 ص 4 2 1 .

    9 – أد ونيس ، الشعرية العربية ، دار ا لاداب ، بيروت ، 5 8 9 1 ، ص 36.

    10 – المصدر نفسه ، ص 35 .

    11 – المصدر نفسه .

    12 – أدونيس ، سياسة الشعر ، دراسات في الشعرية العربية المعاصرة ، دار

    الآداب ، بيروت 1985 ص 11 .

    13 – الييريس ، الاتجاهات الادبية في القرن العشرين ، ترجمة: جورج طرابيشي ، منشورات عويدات ، بيروت ، 1965 ، ص 164 .

    14 – د عبدالحميد جيده ، الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر ،

    مؤسسة نوفل ، بيروت ، 1980 ، ص 98.

    15 – كمال ابو ديب ، المصدر السابق ، ص 103 .

    16 – د. عبدالملك مرتاض ، المصدر السابق ، ص 30

    17 – المصدر نفسه ، ص 31

    18 – المصدر نفسه ، ص 26

    19 – المصد ر نفسه ، ص 27

    20 – سوزان بيرنار ، جمالية قصيدة النثر ، ترجمة د. زهير مجيد مغامس .

    سلسلة بحوث مترجمة ، مطبعة الفنون ، بغداد ، د. ت. ص 12 .

    31 – محمد حمال باروت ، الحداثة الاولى مشكلة قصيدة النثر من جبران الى

    حركة مجلة شعر ، ج 1 ، مجلة المعرفة ، ص 141

    3 2 – ادونيس ، صدمة الحداثة ، دار العودة ، بيروت ، ط 2 ، 679 1 ، ص 7 0 2 .

    23 – المصدر نفسه .

    34 – محمد جمال باروت ، المصدر السابق ، ص 9 15 ، ولمزيد من التفاصيل

    حول التمايز بيز قصيدة النثر والشعر المنثور ، راجع الصفحات 156 –

    173 من البحث نفسه .

    25 – أدونيس ، المصدر السابق 209 .

    26 – Jvlle Isami, New Forms in modcm Arabic Poet

    (1971 ry : 1900-1965 )Bercly

    27- Alex Preminger, Princeton Ency clopdia poetry and Poehes

    28 – Ibid

    29 -1981 A.H. Abrahams , Aglossary ofliterary Terms ) New york

    0 3 – جبرا ابراهيم جبرا، ا لرحلة الثامنة ، بيروت ، 79 9 1 ، ص 4 1 .

    31 – د. عبدالواحد لؤلؤ ، المصدر السابق ، ص 66 .

    32. سوزان بيرنار ، المصدر السابق ، ص 16 .

    33 – المصدر نفسه ، ص 23 د

    34 – المصدر نفسه ، ص 23.

    35 – المصدر نفسه.

    36 – ألمصدر نفسه ، ص 7.

    37 – ألمصدر نفسه ، ص 25.

    38 – المصدر نفسه .

    39 – المصدر نفسه ، ص 16 .

    40 -Encyclopedia of Poetry and Poetics , Loc . cit

    49-Ibid

    42 – لمزيد من التفاصيل عن التقنيات التي استخدمها شعراء قصيدة النثر

    أدونيس ، الماغوط . انسي الحاج ، جبرا. توفيق صائغ ، راجع كتاب -Mei

    .sami J . s المشار اليه .

    43-237 . J.S. Melsami, op. cit . P.

    44 – كمال أبو ديب، المصدر السابق ، ص 158 .

    45 – (1980,Mouna A. Khouri, Prose poetry ) Washington

    46 – Lbid .

    47 -Lbid.

    48 -في وقت مبكر نسبيأ ، رفض غالي شكري تسمية قصيدة النثر بهذا الاسم ،

    ودرس شعراءها ضمن حركة الشعر العربي الحديث ياعتبارهم اتجاهأ

    يمتل التجاوز والتخطي . راجع: شعرنا الحديث الى اين ؟ دار المعارف .

    القاهرة . ص 82 – 95 .

    49 – د.علي جعفر العلاق ، الشاعر العربي حداثة الرؤيا ، مجلة الآداب ، العدد

    0 1 – 12 / 87 9 1 ص 5 3 .

    50 – د.كمال خير بك . حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر دراسة حول

    الاطار الاجتماعي والثقافي للا تجاهات والبنى الادبيةط 2 ، دارة

    ا لفكر ، بيروت ، 986 1 ، ص 4 9 .

    51 – سوزان بيرنار ، المصدر السابق ، ص 4 .

    52 – جون كوين ، بناء لغة الشعر ، ترجمة وتقديم وتعليق د .أحمد درويش ،

    مكتبة الزهراء ، القاهرة ،د. ت. ص . 2 . ويلاحظ ان كوين قسم الادب الى

    اربعة اقسام: الشعر التام ، النثر التام ، قصيدة النثر او القصيدة المعنوية

    ، ثم النثر الموزون او القصيدة الصوتية . وواضح ان الاساس في التقسيم

    هو مدى توفر العناصر الصوتية والمعنوية ، أو اي منهما ، في كل قسم من

    هذه الاقسام .

    53 -المصدر نفسه ، ص 25.

    54 – يناقش الشاعر سامي مهدي هذه الاراء المتحمسة مناقشة بارعة في كتابه

    أفق الحداثة وحداثة النمط دراسة في حداثة مجلة شعر بيئة وشروعأ

    ونموذجأ ، بغداد ، 988 1 ، الصفحات 33-32، 4 5، 81-33 1 . غير ان

    الكتاب نفسه كان يبدو في بعض صفحاته ، الوجه المضاد لتلك الاراء ، أو

    نقيضها المتحمس .

    55 – انسي الحاج ، لن ، ط 2 ، بيروت ، 83 9 1 ، ص 8 1 .

    56 – سامي مهدي ، المصدر السابق ، ص 113 .

    57 – المصدر نفسه ، ص 114 .

    58 – د. عبدالعزيز المقالح ، ازمة القصيدة العربية ، دار الاداب 5 8 9 1 ، ص 72 .

    59 – نازك الملائكة ، قضايا الشعر المعاصر . ط ه ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 78 9 1 ، ص 3 1 2 .

    60 – للوقوف على تباين النقاد في مواقفهم من قصيدة النثر ، مصطلحأ

    ومفهومأ ، راجع J.S. Meisami المصدر السابق ، ص 73 2-276 ،

    وكذلك حاتم الصكر في دراسته (قصيدة النثر في النقد العراقي المعاصر)

    مجلة الاقلام ، العدد 6/ 89 9 1 ص 1 4-9 5.

    61 – أدونيس . الشعرية العربية ، ص 94-95 .

    62 – ادونيس ، الاعمال ا لعشرية الكاملة ، (المجلد الأول ) ط ه ، دار العودة ،

    بيروت ، 1988 ص ه -6 .

    63 – جون كوين ، المصدر السابق ، ص 65.

    64 -المصدر نفسه 65

    66 – مجلة نزوى .

    #1000727

    ]مشكور العزيز (فتى العرين) على المعلومه الرائعه … سلامي

    #1000731

    مشكور العزيز (فتى العرين) على المعلومه الرائعه … سلامي

    #1002355

    مشكور اخي فتي
    مجهود رائع
    تسلم ايدك تحياتي

    #1002365

    #1013256

    موضوع جيد تشكر على ذلك

    #1025169

    العزيز صمت الاحزان

    شرفني تواجدك

    ولا شكر على واجب

مشاهدة 15 مشاركة - 16 إلى 30 (من مجموع 32)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد