د . عدنان جواد الطعمة

[IMG]][/IMG]

ساحة أو ميدان باب الرملة في وسط مدينة غرناطة إلتقطت هذه الصورة من قصر الحمراء

[IMG]][/IMG]

فتيات غرناطة الخمسة معي في خان الفحم وخلفنا أشجار النارنج

حلمي الجميل بساحة أو ميدان باب الرملة في مدينة غرناطة :

و لكثرة إنشغالي بموضوع غرناطة و قصر الحمراء و تصويري لمئات الصور و قرائتي لعدة كتب و مقالات عنها تخزنت و تجمعت في ذاكرتي معلومات و صور كثيرة عن غرناطة و باب الرملة . و أصبحت غرناطة شغلي الشاغل بالإضافة إلى الفن المعماري الإسلامي و المخطوطات العربية . وقبل فترة قصيرة حلمت في إحدى الليالي حلما في منتهى الروعة و تمنيت أن يستمر الحلم الجميل .

[IMG]][/IMG]

صورتان لنافورة النصر في غرناطة

قرأت سابقا بعض الكتب عن تفسير الأحلام و اطلعت على مخطوط عن تفسير الأحلام في مكتبة للي Lilly Library في مدينة بلومنغتن إنديانا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1980 ، عندما أردت فهرسة مخطوطات هذه المكتبة. و أتذكر أن قائمة كانت موجودة في إحدى صفحات المخطوط تفسر عما إذا كان الحلم بشئ معين جيدا أم لا ، فمثلا : إذا حلم المرء بالسمكة فإن تفسير الحلم خير و بركة . وإذا حلم الشخص بأنه يطير أو طائر ، يدل هذا الحلم على الخير و السعادة و الرقي …. إلى آخرها من أنواع الأحلام و الأشياء ، و العلم علم الله سبحانه و تعالى .

[IMG]][/IMG]

صورة مع بنت أختي الثانية بالقرب من نافورة النصر

و قبل فترة قصيرة حلمت بعد منتصف الليل حلما في غاية الروعة و الجمال ، حيث حملت زوجتي على ظهري و حركت و صفقت أجنحتي و طرت من ألمانيا إلى غرناطة و وصلنا فوق ساحة أو ميدان باب الرملة . تجمع الأسبان و بدأوا يحيونا ثم هبطت بهدوء في أول زقاق بالقرب من الكافتريا و سرنا أنا وزوجتي إلى الكافتريا ( المقهى ) و قلت لها إرتاحي هنا قليلا و اشربي القهوة سأطير إلى المرية و ملقة ثم أعود .

[IMG]][/IMG]

البايزين

و في الحال حركت وصفقت اجنحتي وطرت بهدوء نحو الأعلى و كان الأسبان يحيوني و أنا أرد عليهم التحية ثم ابتعدت رويدا رويدا عن فضاء ساحة باب الرملة و طرت فوق قصر الحمراء ثم اتجهت إلى المرية و ملقة و عدت إلى غرناطة ، فلم أتذكر ما شاهدته في هاتين المدينتين و جلست بقرب زوجتي . ثم شربنا القهوة و الماء ودفعنا الحساب كالعادة و بعد ذلك توجهنا إلى قصر الحمراء لزيارته ، حيث قمنا بزيارة كافة صالات و قاعات و ساحات القصر و حدائقه . و بعد إنتهاء زيارتنا سألت زوجتي عن رغبتها ، أجابت نعود إلى بيتنا في ألمانيا . و هكذا حملتها على ظهري و مسكتني من كتفي و وصلنا بيتنا بالسلامة . وعندما فتحنا الباب أفقت من نومي .

حكيت الحلم الجميل عن رحلتنا إلى غرناطة بدون طائرة أو قطار أو جواز سفر أو فيزا ، ضحكت زوجتي و ضحكت معها كثيرا ، فقلت لها ماذا تريدين بعد أكثر ؟ سفرة مجانية إلى غرناطة ذهابا و إيابا ههههههههه .

[IMG]][/IMG]

آثار الرطوبة و الخراب على جدران المدخل إلى قصر الحمراء

أحاول في رحلتي الأولى الحقيقية هذه أن أدون كل مشاهداتي و المواقف و الذكريات الجميلة التي مررت بها و كيف قمت بالتعامل معها و التمتع بها و بالإنطباعات التي تركتها هذه الرحلة الخالدة في نفسي بدلا عن كتابة تاريخ بناء و نشوء غرناطة و قصر الحمراء لأن الموضوع يحتاج إلى مجلد ضخم يخرج عن إطار المقالة المسموح به في المنتديات العربية .

[IMG]][/IMG]
برج الأسرى
قمنا جميعا ( أنا و بنت أختي و طفليها و أبو علاوي ) بزيارة الدكتور خوسه ماريا فورنياس بستيرو Jose Maria Forneas Besteiro عصر الأحد في حدود الساعة الثالثة أو الرابعة ، حيث رحب كل من الدكتور و زوجته الكريمة بنا أجمل ترحيب . جلسنا في حديقة البيت العامرة باشجار البرتقال و النارج و الأزهار و الرياحين نتبادل أطراف الحديث عن كل ما يخص اللغة العربية و التراث العربي و المخطوطات العربية و الدراسات العربية و الإسلامية في جامعة غرناطة و الجامعات و المعاهد الأسبانية ، حيث كان الأخ أبو علاوي يقوم بمهمة الترجمة و كذلك بنت اختي .

[IMG]][/IMG]
زخارف و نقوش من السيراميك في حمام الملوك

أتذكر أن إبن الدكتور كان صغيرا جدا و أخذ يلعب مع علاوي في الحديقة بينما كنا نواصل أحاديثنا الشيقة . قمت بالتقاط صور للدكتور خوسه فورنياس و زوجته الكريمة و بنت أختي و أبي علاوي و لي و الأطفال للذكرى ، لكني للأسف الشديد لم أعثر عليها لغرض نشرها .

[IMG]][/IMG]

النقوش و الزخارف في حمام الملوك
دار حديثنا حول المخطوطات العربية الذي كان يهمني بالدرجة الأولى و وجهت سؤالي إلى الدكتور الفاضل خوسه فورنياس إن كان بإمكاني الذهاب إلى الكاثدرائية في غرناطة لفحص و مشاهدة المخطوطات العربية التي استولى عليها الأسبان بعد سقوط غرناطة . أجابني لا يمكنك أن تحصل على موافقة المسؤولين في الكاثدرالية للإطلاع على الكنوز الخطية العربية و الإسلامية .

[IMG]][/IMG]
برج الأسرى أو برج السيدة الأسيرة

واستطرد قائلا حتى أنا باعتباري أسباني و أستاذ جامعي مختص بالعربية لا يسمحون لي الإطلاع عليها ، وكيف يسمحون لك و أنت عربي ؟
سكتنا برهة من الوقت ثم أضاف سيادته متحسرا و متألما ، و ربما بالغ بالأرقام ، التي ذكرها ، قائلا :
” لقد أحرق الأسبان في ساحة باب الرملة ( بيب الرملة ) أكثر من مليوني مخطوط و كتاب عربي ، فلو احتفظ الأسبان بهذه الكنوز و قرأوها و فهرسوها و أطلعوا على كافة العلوم التي أبدع فيها العرب و المسلمون ، لتقدمنا في العلوم و الإختراعات ألفين سنة نحو الأمام ، عما توصلت البشرية إليه من إختراعات في الطب و الفلك و الرياضيات و الكيمياء و الصيدلة و غيرها من العلوم الآن ” .

[IMG]][/IMG]

برج الطبقات السبعة

و عندما سمعت هذا القول من فم الأخ الدكتور خوسه فورنياس تألمت كثيرا و انتابني حزن عميق لا يمكنني وصفه و التعبير عنه . وهكذا طمرت علوم العرب و المسلمين و كنوزهم و إبداعاتهم التي إكتشفوها و طوروها في غضون ما يقارب ثمانية قرون ، بسقوط غرناطة و المدن الأندلسية الحبيبة . لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .

[IMG]][/IMG]

قصر جنة العريف

كانت الأحاديث مع الأستاذ الجليل الدكتور خوسه ماريا فورنياس بستيرو جدا شيقة و مفيدة ، وكانت مؤاساته بصورة غير مباشرة لي بلسما شافيا لآلامي و جروحي .

[IMG]][/IMG]

مقبرة الروضة

و بعد أن قضينا أكثر من ثلاث أو أربع ساعات شكرنا الدكتور و زوجته الكريمة على حسن الضيافة و الترحاب الجميل و ذهبنا إلى البيت . و بدأت بالحديث مع أبي علاوي و بنت أختي حول هذه الخسارة الرهيبة . فلم أنم تلك الليلة أبدا .

[IMG]][/IMG]

برج الحراسة

وكلما يرد ذكر ساحة أو ميدان باب الرملة أتذكر بمرارة و حزن الكنوز الخطية العربية و الإسلامية التي أحرقها الأسبان بدلا عن دراستة محتوياتها العلمية و الفنية و الإنسانية .
نزلت في اليوم الثاني إلى المدينة حاملا معي كامراتي لإرسال بعض الرسائل و مررت بساحة أو ميدان باب الرملة متجها نحو البريد الذي كان موجودا في أحد الأزقة القريبة من ساحة باب الرملة . ثم عدت إلى إحدى مقاهي ، كافتريا ، الموجودة في ساحة باب الرملة و طلبت فنجانا من القهوة و كأسا من الماء . وبعد دقائق معدودة قدم لي الكماريرو القهوة و الماء .

[IMG]][/IMG]

قاعة الأختين

و بعد استراحتي توجهت سائرا نحو قصر الحمراء الذي دخلته من باب العدل إلى القاعات و الصالات و جنة العريف ومن أعلى القصر صورت ساحة أو ميدان باب الرملة و بعض المناطق الأخرى من المدينة بالإضافة إلى القاعات و ساحات السباع و الرياحين و الأختين و غيرها.

[IMG]][/IMG]

نقوش و تزيينات من السيراميك على جدار المستراح و الصالة الذهبية

و في اليوم التالي ركبنا الحافلة و توجهنا إلى مطار غرناطة لإستقبال شقيقتي الكبيرة و بناتها ثم عدنا بحافلة ثانية إلى المدينة و وصلنا البيت في المساء . ما أجمل اللقاءات العائلية في غرناطة البهية !!! أحباب وادي الرافدين لقاؤهم في غرناطة .

[IMG]][/IMG]

زخارف و كتابات جدارية من الجص

و في اليوم التالي حملت كامراتي و الأفلام و الدفاتر و توجهت إلى قصر الحمراء للتأمل في الزخارف البديعة و النقوش الزاهية على جدران القاعات و الصالات ، فبينما كنت أكتب الكتابات الجدارية في قاعة أو صالة الملوك وإذا بخمس بنات طالبات من غرناطة ، خدودهن كجلنار أو رمان غرناطة ، وجهن لي أسئلة بالأسبانية عما إذا كنت عربيا أم لا فأجبتهن بالإنجليزية و الألمانية بنعم . و من حسن الصدف كانت إحدى الطالبات تدرس اللغة الألمانية .

[IMG]][/IMG]

فتاة غرناطة التي كانت تتحدث معي بالألمانية وهي صاحبة السيارة

و بعد ذلك قمن باختطاف العم عدنان إلى السيارة الفولكس واغن VW الصغيرة جدا من الموديلات القديمة و توجهنا إلى خان الفحم الذي فيه بهو و ساحة جميلة محاطة باشجار النارنج .

[IMG]][/IMG]

فتيات غرناطة الخمسة في خان الفحم

قمت بقطف نارنجة واحدة وبدأت بتقشيرها وأكل قسم منها ، إلا أن البنات قلن لي هذه الفاكهة سامة . ضحكت و قلت لهن جربن . و بعد تجوالنا في خان الفحم ركبنا السيارة و سافرنا إلى كاثدرائية غرناطة و قمت بالتقاط بعض الصور لنا جميعا .

[IMG]][/IMG]

فتيات غرناطة الخمسة معي أمام باب الكاثدرائية بغرناطة

[IMG]][/IMG]
صورة فتيات غرناطة الخمسة داخل الكاثدرائية

ثم دعوتهن إلى بيتنا لشرب الشاي ، فكانت مناسبة جميلة جدا معهن . و بعد شرب الشاي غادرن .

و بعد مضي الأيام الجميلة جاء موعد دعوة فرناندو العطار لنا . قلت لشقيقتي الكبيرة ساشتري بعض الهدايا لفرناندو و عائلته و بنتيه الصغيرتين و نطبخ أكلات عراقية و نأخذ الأكل و الهدايا معنا ، بحيث لا نكلف زوجة فرناندو فوق اللزوم .

[IMG]][/IMG]

برج الماء
إستأجرنا سيارتين تاكسي و توجهنا إلى بيت فرناندو الجديد الذي لم ينتهي كل بنائه ، و طبعا كان معنا الطفل الرضيع أحمد لا يتجاوز عمره الشهر . وإذا بزوجة فرناندو تأخذ الطفل أحمد و تقبله و قالت سأضعه و أحميه في عينيّ بين أهدابي. رحب بنا فرناندو ترحيبا حارا و كذلك زوجته الكريمة و أمها .

[IMG]][/IMG]

ساحة الشبائك و القضبان الحديدية

و بعد تقديم الهدايا لعائلة فرناندو جلسنا في بادئ الأمر في الحديقة الجميلة وكانت بناته و بنات أختي يتحدثن ببعض الكلمات و الإشارات و علاوي يلعب في الحديقة.

[IMG]][/IMG]

حمام الملوك البخاري

و من خلال أحاديثنا فهمت من الأخ أبي علاوي بأن زوجة فرناندو شاعرة تنظم القصائد على فطرتها مثل الشعراء الأندلسيين العرب القدامى . للأسف الشديد لم تكن لدي معرفة بالأسبانية في الرحلة الأولى .

[IMG]][/IMG]

صالة المستراح

قضينا وقتا ممتعا مع فرناندو و عائلته و شكرناهم على كرم الضيافة و الترحاب الجميل ، ثم سافرنا بنفس السيارتين عائدين إلى غرناطة . إلتقطت بعض الصور للجميع إلا أني للأسف الشديد لم أعثر عليها .

[IMG]][/IMG]

مكان ترسانة الأسلحة

و في اليوم التالي ذهبت مع إحدى بنات اختي إلى ساحة النصر الجميلة عصر اليوم التالي و تجولنا في الحديقة الكبيرة و تمتعنا بمنظر و ألوان نافورة النصر الطويلة العريضة .

[IMG]][/IMG]

برج الأسلحة
قمنا بزيارة معظم المناطق التاريخية و السياحية خلال وجودي هناك ، و ذهبت مع شقيقتي الكبيرة و بناتها ذات يوم إلى سوق الأعشاب في غرناطة . لم تكن لدي آنذاك خبرة في الأعشاب ، لكن أختي كانت تقول لي هذا بابونج و هذا ورد لسان الثور و هذا الزعتر وهذه المرامية و تعدد لي الأعشاب و فوائدها و اشترينا بعضا منها و عدنا إلى البيت .

[IMG][/IMG]

برج الطوابق السبعة

قرب موعد سفري بعد أن تمتعت كثيرا بهذه المدينة الجميلة و قصر الحمراء و تعرفت على بعض الإخوة العرب و العراقيين الذين كانوا يدرسون هناك .

[IMG][/IMG]

ساحة ده كولون

و في يوم سفري ركبنا الحافلة إلى ساحة ده كولون و انتظرنا إلى مجئ الحافلة التي تنقلنا إلى مطار غرناطة . و في تلك الأثناء تقدمت سيدة لطيفة و محترمة مع إبنتها الصغيرة فسألتنا من يسافر منكم إلى برشلونه فأخبرها أبو علاوي بأن الدكتور عدنان سيسافر إلى ألمانيا عبر مطار برشلونه .

[IMG][/IMG]

السيدة المنارة ِAlmanara

رجتني السيدة بأن أرعى إبنتها الصغيرة بترا Petra لأنها تطير لأول مرة بالطائرة إلى أختها الكبيرة في برشلونه . و بعد أن تدوالنا أطراف الحديث بمساعدة ترجمة أبي علاوي و سألتها عن إسم عائلتها ، فأجابتني بأن إسمها المنارة . قلت لهما أن عائلتكم عربية و إسمها عربي أندلسي .

[IMG][/IMG]

إبنتها بترا Petra Almanara

و شرحت لهما بأن كلمة المنارة عربية ، و معناها إما المنارة كمنارة المسجد أو الجامع أو أنها البرج المنير الذي يوجه السفن في البحر .
إبتهجت الأم و بنتها بترا Petra الذي كان عمرها حوالي 14 سنة . وصلنا مطار غرناطة فودعت الأهل و السيدة المنارة و أخذت معي بترا و جلسنا جنبا إلى جنب بالطائرة . لم تعرف بترا الإنجليزية ولا الألمانية و أنا أيضا لم أعرف الأسبانية ، مثل الأطرش بالزفة ههههه . لكنا تبادلنا العناوين و أرقام الهاتف ، لأني قررت زيارة غرناطة و المدن الأندلسية في السنة القادمة أي عام 1982 عندما تأتي شقيقتي مع بناتها إلى غرناطة ، وقلت لها ربما نقوم بزيارتكم .
هبطت الطائرة في برشلونه نزلنا جميعا إلى صالة الترانسيت و ودعتني بترا و توجهت إلى أختها التي حيتنا . إنتظرنا حدود الثلاثين دقيقة ثم صعدنا وصعد معنا معنا ركاب آخرون من برشلونة إلى طائرتنا التي أقلعت باتجاه فرانكفورت و وصلنا مطار فرانكفورت في الموعد المحدد و استلمت الجنطتين و توجهت إلى محطة قطار فرانكفورت الدولية ثم إلى مدينتنا الجامعية الجميلة ماربورغ .
كانت هذه الرحلة بالنسبة لي جدا رائعة لأني لأول مرة اطلعت على قصر الحمراء و مدينة غرناطة البهية ، آملا أن أنتهي قريبا من كتابة الرحلة الثانية إلى غرناطة بعون الله .