الرئيسية منتديات مجلس القصص والروايات قراءة نقدية ” للشاعر البابطين ”

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #83675

    الكتاب ” بوح البوادي ”
    الشاعر : عبد العزيز سعود البابطين
    كانت تلك القراءة في المضمون والمؤثرات
    اتخذ الشاعرالقالب الشعري التراثي إطارا إيقاعيا لتجربته

    الصدق

    يغلب على عطاءات أبي سعود الشعرية كثرة المقطعات والقصائد متوسطة الطول وذلك ارتباطا بعنصر الصدق واقعيا وفنيا والذي يعد أهم ملامح تجربته الشعرية ، فيأتي طول البناء اللغوي أو قصره مواكبا لمقتضيات الدفق الشعوري ، وهو يقول في ذلك ” كل ما يهمني في القصيدة التي أبدعها هو الصدق والتعبير الواضح عما تختلج به مشاعري .. ولا أجيز لنفسي التعبير عن مشاعر الآخرين الذين قد أتعاطف معهم ، لأنني لن أكون قادرا على التعبير عن مشاعرهم بصدق كما لو عبروا هم ”

    محاور تجربته

    كثيرة هي تلك الخيوط المكونة لنسيج تجربة شاعنا الشعورية والشعرية ، على أن أهم هذه الخيوط بروزا ، الشيب والارتحال الدائم المقترن بإحساس حاد بالاغتراب والحب الأول يقول في الشيب وغروب العمر:

    سـلـي فــؤادي فقـهـر البـيـن عـذبّــه
    وســـال جـــرح يـبـكـيـه فيشـفـيـنـي
    مل اصطبارا وصار العمر يهزأ بي
    إذ لاح فـي مفـرقـي شـيـب يعزيـنـي
    لــــك الـخـلــود ويـكـفـيـنـا تـألـمـنــا
    فالنار قـد أحرقـت عمـري ويكفينـي

    ولننظر أيضا كيف وظف شاعرنا المفارقة التصويرية للتعبير عن فعل الزمن في العاشقين ، إذا ما ترصدهم بين عات

    كيف أمسيت وقد طال الأسـى
    وسهـرت الليـل ليـل العاشقيـن
    وصروف الدهر عاثت بالمنى
    عربـدت عربـدة المستكبـريـن
    غيرت فيك تصاريـف الهـوى
    بهجـة كانـت تسـر الناظـريـن
    فغـدت بسمتـك الولهـى شجـى
    وغـدا لحنـي كالنـاي الحـزيـن

    الرحلة

    وتشغل ” الرحلة ” حيزا كبيرا من إبداعات الشاعر عبد العزيز سعود البابطين ، الذي اتخذها أداة للكشف عما يدور في أعماقه من هواجس ، وما يعتمل بين حناياه من أحاسيس ، متمثلا في صنيعه هذا خطى الشعراء الرومانسيين الكبار عندما اتخذوا من الطبيعة مهربا لهم من واقع لا يرحم .. وكلما استبدت به الذكرى عالجها الشاعر بالحكمة حينا والتعلل بالقدر حينا ، وتارة أخرى بالانهماك في الأعمال الكثيرة والانتقال والصيد0
    تعددت المواطن ، والدافع واحد ، يتمثل في الفرار من تذكارات حب قديم تجدد ، ويأس في لقاء ، يقول شاعرنا في قصيدة له بعنوان ” الوفاء الخالد ”

    يا صديقـي حيـن أبغـي قنصـا
    أطرد الظبي وصقري والذئابا
    فلأنسـى جـرح قلبـي والـنـوى
    وهموم العشق تكويني اغترابا
    فـأنـا فــي الـبـر نفـسـي حــرة
    أبعـد الغـربـة عـنـي والعـذابـا
    أطلـق الصـقـر وقلـبـي خلـفـه
    طائـر يفتـح لـي بـالأفـق بـابـا

    ولكن طوفان الذكرى أعتى من أن يهدئ روعة تسل بحكمة ، وتعلل بقدر ، وأنى لقلب العاشق أن يثوب وأن يتوب:

    أبـحـث الـيـوم وأمـسـي وغــدا
    عن حبيب تاه عن عيني وغابا
    أخـذ اللـب وروحــي واختـفـى
    هل يعيـد الآن روحـي واللبابـا

    وهذا المعنى ذاته يلح على الشاعر ومن ثم إبداعه ، فنراه مسفرا عن نفسه في قصائده تارة ، ونلمسه تارة أخرى كخلفية موسيقية لحدث درامي تغذيه وتنميه وتبرزه ، يقول :

    سلي ليلى ليبلغكـم عذابـي
    ولوعة مهجتي بعد الغياب
    لقد جلدت سياط الهم قلبي
    ومزق بيـن أظفـار ونـاب

    وللغربة ” وهي نفسية لا مكانية ” حيز واسع وعميق من تجربة شاعرنا ، وهي تتراءى في قصائد كثيرة ، لكن أهمها قصيدته ” ذكريات ” التي يخاطب فيها نخلة عربية في بيئة غريبة ، فيقول :

    يـا نخلـة فـي نيـس جـان فراقـنـا
    هنـا نلتـقـي يــا نخلـتـي وأعــود
    أجتر ماضي ذكرياتي في الهوى
    ويضج في نفسي الأسـى ويسـود
    وتصيخ أحلامي وكل مشاعـري
    لـك يـا نخيلـة مــا عـسـاه جـديـد

    ( إلى آخر القصيدة .. )

    موقفه من التراث

    قلنا : أن شاعرنا شغوف بتراث أمته الشعري ، متعلق به، يستحضر نماذجه فيعارضها ، ويوظف شخصياته توظيفا مفيدا لتجربته ، ومن هذه الشخصيات التي استأثرت باهتمام شاعرنا : كثير عزة ، جميل بثينة ، مجنون ليلى ، الخنساء ، وبنو عذرة .. هذا إلى جانب أمير شعراء النبط في الجزيرة العربية ” محمد بن لعبون ” … وغيرهم ، على أنني أسارع فأقرر أن العذريين تركوا بصماتهم واضحة على خطوط لوحات شاعرنا ، مهيمنة على صندوق أصباغه ، من ذلك قوله في قصيدة ” شكوى ”

    مررت والنفـس تدعونـي كعادتهـا
    لـوقـفـة قـربـكـم تـهـنــا بــرؤيــاك
    لكن صـددت عـن اللقيـا ينازعنـي
    شوقي إليك وخوف العاذل الحاكي
    أخشـى علـيـك نسيـمـات مداجـيـة
    مـن الوشـاة تعـادي صفـو دنـيـاك
    واقنـع النفـس أن تـنـادي مجانـيـة
    حلـو اللـقـاء فــلا تسـعـى لمغـنـاك
    أثوى وحيدا وأحسو الهـم منهزمـا
    وأرتـضـيـه دواء يـــوم ذكــــراك

    ولم يقف اهتمام شاعرنا بتراثنا الشعري القديم والأصيل في آن ، عند حدود توظيف شخصياته واقتناص لمحة من لمحاته أو لفتة من لفتاته ، بل تعدى ذلك إلى تضمين بنائه اللغوي بعض أبيات أو أشطر شعرية لشعراء العربية الكبار ، أمثال ابن سهل الأشبيلي الأندلسي وابن زيدون وغيرهما ، من ذلك قوله : ” جادك الغيث حبيبي إذ همى ” وقوله :

    هاجني الوجد لأزمان خلت
    كزمـان الوصـل بالأنـدلـس

    أما معارضاته في الديوان فهي كثيرة وطاغية على إبداعه ، فقد عارض شاعرنا ابن زيدون والحصري القيرواني وغيرهما ، فها هو من خلال قصيدة ” بدر الليل ” يعارض الحصري القيرواني في رائعته الشهيرة التي يقول فيها :

    يا ليل الصب متى غده
    أقيام الساعة موعده ؟

    وإذا كان القيرواني سرعان ما انتقل من الغزل الراقي إلى المديح ، وهو الغرض الأساسي لقصيدته، فإن شاعرنا قصر تجربته ، ومن ثم قصيدته ، على حديث القلب ، وليل العاشقين الطويل ، فلننظر كيف جسد هذه المعاناة ..

    يا بدر الليـل متـى يوفـي
    محبـوب القلـب وأسعـده
    ومتـى يـا بـدر تدغـدغـه
    ذكــر الأيـــام وتـرشــده
    يا ويحي ضاع و وأسفي
    محبوب الأمس وموعـده
    قد نفـد الصبـر فـلا أمـل
    أن يحمـي القلـب تجـلـده
    أخشـى تنـهـار صلابـتـه
    ويـذيـب الـعـزم تـــردده
    يـا ليـل الـبـدر أتوصـلـه
    لحيـا الأشـواق وتــورده
    وهو الظمآن لـذي مـرح
    بـظـلال الــدارة مـقـعـده
    إن ظـل البـعـد يؤرقـنـي
    فحـبـيـبـي أرق مــرقــده
    وحـبـيـب أدنـفــه بــيــن
    يسـري بالجـرح فيـوقـده

    ( إلى آخر المعارضة )

    الصورة الفنية …. والحوار

    هذا وقد أولى شاعرنا الصورة الفنية – كأهم أداة تميز الشعر عما سواه من فنون القول – عناية خاصة ، ومع ذلك بدت صوره – في الأغلب الأعم – تلقائية تنساب عفو الخاطر ، مرتبطة بتجربته الشعورية ، ممتزجة بالنسيج اللغوي منخرطة فيه ، وعلى كثرة الصور محكمة البناء جديدة المنحى تقفز لمخيلتي صورة أراها على سعة قراءاتي الشعرية ، جديدة وغير مسبوقة ، يقول فيها في قصيدة له بعنوان ” الوفاء الخالد ”

    أطلق الصقر وقلبي خلفه
    طائر يفتح لي بالأفق بابا

    ومن ذلك أيضا قوله :

    كأن الهجر لم يخلق لغيري
    وغول البيـن سكنـاه ببابـي
    وأن وصالنا انقطعت عراه
    فتاه كزورق وسط العبـاب

    ومن الصور الرائعة أيضا قوله ” رفيقة دربي أبيض الذيل ثوبها ”
    أما الحوار في قصائده فقد استخدمه كتقنية فنية ، سواء كان محكيا أو حقيقيا ، أو ديالوغا داخليا وصولا إلى الغاية التي ابتغاها .. ومن ذلك قوله في قصيدة ” لم أنس ”

    تـقــول شـوقــا : فــهــل تـذكـرنــا
    أم هـل نسـيـت تناجيـنـا وذكـرانـا
    وهـل أبـادت سنـون البـعـد حبـكـم
    وأطفئت شمعـة فـي درب مسرانـا
    وبـات قلـبـك مــن قلـبـي بمظلـمـة
    أم قــد تجـمـد إحـســاس لتنـسـانـا
    أجبـت: لا والـذي يرعـى محبتـنـا
    لــم أنــس يـومـا تناجيـنـا ولقيـانـا
    فمـر أعـوام بـيـن عـشـرة سلـفـت
    لـم يمـح ذكراكـم روحـا وريحـانـا
    لكـن نفـسـي ولــذع البـيـن فرقـهـا
    أودت بصفوي وهذا الشيب قد بانا

    ويرهف شاعرنا السمع لحوار دام بين صوتي العقل والوجدان راصدا إياه من خلال ديالوغ داخلي مترجما ما يدور في أعماقه من مشاعر متناقضة ومتصارعة في آن ، فيقول في قصيدة ” شبيب ليلى ”

    يسائلنـي الـفـؤاد وقــد تــردى
    أنعقد الفراق والصعب صلحا
    فقلـت لـه وفـي حلـقـي مــرار
    بحس مرهف والصـوت بحـا
    ظننتك يا فؤاد معيـن صبـري
    وأسمع منك رغم البين مدحـا
    فليتـك يـا حبيبـي الآن قـربـي
    لتشهد كيـف أن الصبـر شحـا
    وليتك يا فؤاد صبرت صبري
    لتبقـى فــي فــم الأيــام فـوحـا

    هذا إلى جانب كثير من التكنيكات الأخرى مثل ، التكرار والمفارقة ، لغوية كانت أم تصويرية ، يضاف لذلك كثرة الأبيات التي انسربت بين حنايا النسيج الشعري ، والتي يسهل حفظها وترديدها ، جارية مجرى المثل ، من ذلك قوله : ” رب ذكرى أغدقت للظامئين ” وقوله : وأرضى من الغنيمة بالإياب ” وغير ذلك كثير…
    وفي النهاية : كانت تلك الجولة السريعة رحلة ممتعة عبر آفاق الشاعر الكويتي عبد العزيز سعود البابطين ، سلطت الضوء خلالها على جوانب تجربته الشعرية المثيرة والممتعة في آن واحد، ولا أزعم أن هذه الجولة غطت كل الجوانب فلا بد أن هناك الكثير …

    #939759

    موضوع رائع ومميز وجميل

    نتمنى منك المزيد من الابداع

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد