الرئيسية منتديات مجلس الفقه والإيمان أهداف سورة المؤمنون

مشاهدة 6 مشاركات - 1 إلى 6 (من مجموع 6)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #83158

    لمتابعة الأجزاء السابقة,,,,,تفضل الروابط

    1- أهداف سورة الفاتحة

    2- أهداف (سورة البقرة) الجزء الأول

    3- أهداف (سورة البقرة )الجزء الثانى

    4- أهداف ( آل عمران) الجزء الأول

    5- أهداف سورة( آل عمران) الجزء الثانى

    6- أهداف (سورة النساء) الجزء الأول

    7- أهداف (سورة النساء )الجزء الثانى

    8- أهداف (سورة المائدة) الجزء الأول

    9- أهداف (سورة المائدة) الجزء الثانى

    10- أهداف سورة الانعام( الجزء الأول)

    11- أهداف سور ة الأنعام ( الجزء الثانى)
    12- أهداف سورة الأعراف

    12- أهداف سورة الأنفال

    13- أهداف سورة التوبة ( الجزء الأول)

    14- أهداف سورة التوبة (الجزء الثانى)

    15 – أهداف سورة يونس (الجزء الاول)

    16- أهداف سورة يونس (الجزء الثانى)

    17- أهداف سورة هود (الجزء الأول)

    18- أهداف سورة هود (الجزء الثانى

    19- أهداف سورة يوسف

    20- أهاف سورة الرعد

    21- أهداف سورة ابراهيم

    22- أهداف سورة الحجر

    -23- أهداف سورة النحل

    24- أهداف سورة الإسراء

    25- أهداف سورة الكهف

    26- أهداف سورة مريم

    27- أهداف سورة طه

    28- أهداف سورة الأنبياء

    29- أهداف سورة الحج

    ********************************

    سورة المؤمنون

    هدف السورة : مقارنة صفات المؤمنين بمصير الكافرين

    سورة المؤمنون من السور المكية وهي تعرض من اسمها صفات المؤمنين وتشرح مصير من لا يسير على هذه الصفات فعلينا أن نتوقف عند هذه الصفات ونحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا الله تعالى ونرى أي نوع من المؤمنين نحن وكم من الصفات المذكورة في الآيات نتحلى بها وكم من الصفات ما زلنا نحتاج لأن نكتسبها.

    صفات المؤمنين:

    ابتدأت الآيات بذكر صفات المؤمنين العامة: من آية 1 إلى آية 9، ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ )

    جزاء المؤمنين:

    ثم تنتقل الآيات للتذكير بجزاء من تحلى بهذه الصفات ( أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) آية 10 و11.

    تاريخ المؤمنين عبر الأجيال:

    تعرض السورة تاريخ المؤمنين عبر الأجيال،

    صفات إضافية للمؤمنين:

    ثم تستكمل الآيات صفات إضافية لمؤمنين من درجة أعلى في الآيات من 57 إلى 61 ( إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ), هذه صفات راقية وخاصّة بمؤمنين حقا.

    ختام السورة:

    الدعاء. تختم الآيات بالدعاء (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) آية 118 والدعاء ضروري لأن المؤمنين لا بد وأن يقعوا في أخطاء ولا يغفر هذه الأخطاء إلا الدعاء الصادق الخالص لله تعالى الذي يغفر الذنوب.

    والملاحظ في سور القرآن الكريم أن الثلث الأول من القرآن (من سورة البقرة إلى التوبة) تحدثت الآيات والسور عن معالم المنهج الذي شرّعه الله تعالى للمستخلفين في الأرض وهذا المنهج صعب لذا فتح في نهاية هذا الثلث باب التوبة لأن كل من يريد تطبيق المنهج يحتاج إلى التوبة الدائمة.

    ثم يأتي الثلث الثاني تتحدث الآيات عن طرق إصلاح المسلمين المستخلفين في الأرض.

    فلو جمعنا كل هذه المفاهيم نحصل على إنسان متكامل ومعدّ خير إعداد ليكون المستخلف في الأرض والأخطاء واردة وحاصلة لا محالة لذا يأتي الدعاء والاستغفار الذي لا غنى لإنسان عنه.

    ******************************

    إلى اللقاء فى الاسبوع القادم إن شاء الله و أهداف سورة النور

    #934198

    يسلمووووووووووووووووووووووو
    بارك الله فيكي
    يعطيكي العافية على هذا الجهد الطيب
    تحياتي

    #935266
    شفيع
    مشارك

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    تحياتنا لسيادتكم تقبلوا منا جزيل الشكر والاحترام على هذا الجهود المبدوله منكم على هذا الموضوع الجيد وتقبلوا منا الاشتراك معكم
    مع القدير…..

    ولكم اخواني هذا التفسير من سورة المؤمنون

    ((سورة المؤمنون))

    فوز المؤمنين المتحلين بصفات الطاعة

    مراحل خلق الإنسان

    خلق السماوات وإنزال الأمطار وتسخير الأنعام

    قصة نوح عليه السلام

    قصة هود عليه السلام

    قصص صالح وإبراهيم ولوط وشعيب عليهم السلام

    قصة موسى وهارون عليهما السلام

    قصة عيسى وأمه مريم عليهما السلام

    أوامر ربانية عامة

    صفات المسارعين بالخيرات

    إنكار أعمال الكفار ومشركي قريش وأسبابها

    بعضٌ من نعمه تعالى على عباده

    إنكار المشركين البعث وإثبات حدوثه بالأدلة القاطعة

    نفي الولد والشريك لله تعالى

    توجيهات إلى النبي صلى الله عليه وسلم

    تمنى الإنسان العودة إلى الدنيا إذا حضره الموت

    النفخ في الصور والحساب في الآخرة

    قصر مدة البقاء في الدنيا، وخلق الخلائق ليس لعباً

    ((بَين يَدَي السُّورَة))

    سورة المؤمنون من السور المكية التي تعالج أصول الدين من التوحيد والرسالة والبعث سميت بهذا الاسم الجليل المؤمنون تخليداً لهم وإِشادةً بمآثرهم وفضائلهم الكريمة التي استحقوا بها ميراث الفردوس الأعلى في جنات النعيم.

    عرضت السورة الكريمة لدلائل القدرة والوحدانية مصورة في هذا الكون العجيب في الإِنسان، والحيوان، والنبات، ثم في خلق السماوات البديعة ذات الطرائق، وفي الآيات الكونية المنبثة فيما يشاهده الناس في العالم المنظور من أنواع النخيل والأعناب، والزيتون والرمان، والفواكه والثمار، والسفن الكبيرة التي تمخر عباب البحار، وغير ذلك من الآيات الكونية الدالة على وجود الله جل وعلا.

    وقد عرضت السورة لقصص بعض الأنبياء تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عمّا يلقاه من أذى المشركين، فذكرت قصة نوح، ثم قصة هود، ثم قصة موسى، ثم قصة مريم البتول وولدها عيسى، ثم عرضت لكفار مكة وعنادهم ومكابرتهم للحق بعدما سطع سطوع الشمس في رابعة النهار، وأقامت الحجج والبراهين على البعث والنشور، وهو المحور الذي تدور عليه السورة، وأهم ما يجادل فيه المبطلون، فقصمت ببيانها الساطع ظهر الباطل.

    وتحدثت السورة عن الأهوال والشدائد التي يلقاها الكفار وقت الاحتضار وهم في سكرات الموت، وقد تمنوا العودة إلى الدنيا ليتداركو ما فاتهم من صالح العمل، ولكن هيهات فقد انتهى الأجل، وضاع الأمل. وختمت السورة بالحديث عن يوم القيامة حيث ينقسم الناس إلى فريقين: سعداء، وأشقياء، وينقطع الحسب والنسب فلا ينفع إِلا الإيمان والعمل الصالح، وسجلت المحاورة بين الملك الجبار وبين أهل النار وهم يصطرخون فيها فلا يغاثون ولا يجابون !!.

    فوز المؤمنين المتحلين بصفات الطاعة

    {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ(3)وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ(4)وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5)إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6)فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ(7)وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ(8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ(9)أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ(10)الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(11)}.

    {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} أي فاز وسعد وحصل على البغية والمطلوب المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف الجليلة، و{قَدْ} للتأكيد والتحقيق فكأنه يقول لقد تحقَّق ظفرهم ونجاحهم بسبب الإِيمان والعمل الصالح، ثم عدَّد تعالى مناقبهم فقال {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} قال ابن عباس: خاشعون: خائفون ساكنون أي هم خائفون متذللون في صلاتهم لجلال الله وعظمته لاستيلاء الهيبة على قلوبهم {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} أي عن الكذب والشتم والهزل قال ابن كثير: اللغو: الباطل وهو يشمل الشرك، والمعاصي، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} أي يؤدون زكاة أموالهم للفقراء والمساكين، طيبة بها نفوسهم طلباً لرضى الله {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} هذا هو الوصف الرابع أي عفَّوا عن الحرام وصانوا فروجهم عمَّا لا يحل من الزنا واللواط وكشف العورات {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } أي هم حافظون لفروجهم في جميع الأحوال إِلا من زوجاتهم وإِمائهم المملوكات {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} أي فإِنهم غير مؤاخذين {فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} أي فمن طلب غير الزوجات والمملوكات { فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ} أي هم المعتدون المجاوزون الحدَّ في البغي والفساد {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} أي قائمون عليها بحفظها وإِصلاحها، لا يخونون إِذا ائتمنوا، ولا ينقضون عهدهم إِذا عاهدوا قال أبو حيان: والظاهر عموم الأمانات فيدخل فيها ما ائتمن الله تعالى عليه العبد من قولٍ وفعلٍ واعتقاد، وما ائتمنه الإِنسان من الودائع والأمانات {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} هذا هو الوصف السادس أي يواظبون على الصلوات الخمس ويؤدونها في أوقاتها قال ابن جزي : فإِن قيل كيف كرّر ذكر الصلوات أولاً وآخراً فالجواب أنه ليس بتكرار، لأنه قد ذكر أولاً الخشوع فيها، وذكر هنا المحافظة عليها فهما مختلفان {أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ} أي أولئك الجامعون لهذه الأوصاف الجليلة هم الجديرون بوراثة جنة النعيم {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} أي الذين يرثون أعالي الجنة التي تتفجر منها أنهار الجنة وفي الحديث (إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإِنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة) {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي هم دائمون فيها لا يخرجون منها أبداً، ولا يبغون عنها حولاً.

    مراحل خلق الإنسان

    {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ(15)ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ(16)}.

    ثم ذكر الله تعالى الأدلة والبراهين على قدرته ووحدانيته فقال {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} اللام جواب قسم أي والله لقد خلقنا جنس الإِنسان من صفوة وخلاصة استلت من الطين قال ابن عباس: هو آدم لأنه انسلَّ من الطين {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} أي ثم جعلنا ذرية آدم وبنيه منيّاً ينطف من أصلاب الرجال {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} أي في مستقرٍ متمكن هو الرحم {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} أي ثم صيرَّنا هذه النطفة – وهي الماء الدافق – دماً جامداً يشبه العلقة {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} أي جعلنا ذلك الدم الجامد مضغة أي قطعة لحم لا شكل فيها ولا تخطيط {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا} أي صيَّرنا قطعة اللحم عظاماً صلبة لتكون عموداً للبدن { فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} أي سترنا العظام باللحم وجعلناه كالكسوة لها {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} أي ثم بعد تلك الأطوار نفخنا فيه الروح فصيرناه خلقاً آخر في أحسن تقويم قال الرازي: أي جعلناه خلقاً مبايناً للخلق الأول حيث صار إِنساناً وكان جماداً، وناطقاً وكان أبكم، وسميعاً وكان أصم، وبصيراً وكان أكمه، وأودع كل عضو من أعضائه عجائب فطرة، وغرائب حكمة لا يحيط بها وصف الواصفين {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} أي فتعالى الله في قدرته وحكمته أحسن الصانعين صنعاً {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} أي ثم إِنكم أيها الناس بعد تلك النشأة والحياة لصائرون إلى الموت {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} أي تبعثون من قبوركم للحساب والمجازاة.

    خلق السماوات وإنزال الأمطار وتسخير الأنعام

    {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ(17)وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ(18)فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(19)وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ(20)وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ(22) }.

    ولما ذكر تعالى الأطوار في خلق الإِنسان وبدايته ونهايته ذكر خلق السماوات والأرض وكلها أدلة ساطعة على وجود الله فقال {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} أي والله لقد خلقنا فوقكم سبع سموات، سميت طرائق لأن بعضها فوق بعض {وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} أي وما كنا مهملين أمر الخلق بل نحفظهم وندبر أمرهم {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} أي أنزلنا من السحاب القطر والمطر بحسب الحاجة، لا كثيراً فيفسد الأرض، ولا قليلاً فلا يكفي الزروع والثمار {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ} أي جعلناه ثابتاً مستقراً في الأرض لتنتفعوا به وقت الحاجة {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} وعيدٌ وتهديدٌ أي ونحن قادرون على إِذهابه بالتغوير في الأرض فتهلكون عطشاً أنتم ومواشيكم قال ابن كثير: لو شئنا لجعلناه إِذا نزل يغور في الأرض إِلى مدى لا تصلون إِليه ولا تنتفعون به لفعلنا، ولكن بلطفه تعالى ورحمته ينزل عليكم المطر من السحاب عذباً فراتاً، فيسكنه في الأرض، ويسلكه ينابيع فيها فيفتح العيون والأنهار، ويسقى الزروع والثمار، فتشربون منه أنتم ودوابكم وأنعامكم {فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} أي فأخرجنا لكم بذلك الماء حدائق وبساتين فيها النخيل والأعناب { لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ} أي لكم في هذه البساتين أنواع الفواكه والثمار تتفكهون بها {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} أي ومن ثمر الجنات تأكلون صيفاً وشتاءً كالرطب والعنب والتمر والزبيب، وإِنما خصَّ النخيل والأعناب بالذكر لكثرة منافعهما فإِنهما يقومان مقام الطعام، ومقام الإِدام ومقام الفواكه رطباً ويابساً وهما أكثر فواكه العرب {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ} أي وممَّا أنشأنا لكم بالماء أيضاً شجرة الزيتون التي تخرج حول جبل الطور وهو الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} أي تُنبت الدهن أي الزيت الذي فيه منافع عظيمة {وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ} أي وإِدام للآكلين سمي صبغاً لأنه يلون الخبز إذا غُمس فيه، جمع الله في هذه الشجرة بين الأُدم والدهن، وفي الحديث (كلوا الزيت وادهنوا به فإِنه من شجرةٍ مباركة) {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} أي وإِن لكم أيها الناس فيما خلق لكم ربكم من الأنعام وهي الإِبل والبقر والغنم لعظةً بالغةً تعتبرون بها {نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا} أي نسقيكم من بين فرثٍ ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ} أي ولكم في هذه الأنعام منافع عديدة: تشربون من ألبانها، وتلبسون من أصوافها وتركبون ظهورها، وتحملون عليها الأحمال الثقال {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} أي وتأكلون لحومها كذلك {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} أي وتحملون الإِبل في البر كما تحملون على السُّفن أبو حيّان ، فإِنَّ الإِبل سفائن البر كما أن الفلك سفائن البحر.

    قصة نوح عليه السلام

    {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ(23)فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأنزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ(24)إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ(25)قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ(26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ(27)فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(28)وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ(29)إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ(30)}.

    المنَاسَبَة:

    لما ذكر تعالى دلائل التوحيد في خلق الإِنسان، والحيوان، والنبات، وفي خلق السماوات والأرض، وعدّد نعمه على عباده، ذكر هنا أمثالاً لكفار مكة من المكذبين من الأمم السابقة وما نالهم من العذاب، فابتدأ بقصة نوح، ثم بقصة هود، ثم بقصة موسى وفرعون، ثم بقصة عيسى بن مريم، كلُّها عبر وعظات للمكذبين بالرسل والآيات.

    {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} أي والله لقد أرسلنا رسولنا نوحاً إلى قومه داعياً لهم إلى الله قال المفسرون: هذه تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر هذا الرسول، ليتأسى به في صبره، وليعلم أنَّ الرسل قبله قد كُذبوا {فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} أي اعبدوه وحده فليس لكم ربٌّ سواه {أَفَلا تَتَّقُونَ} زجرٌ ووعيد أي أفلا تخافون عقوبته بعبادتكم غيره ؟ {فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} أي فقال أشراف قومه ورؤساؤهم الممعنون في الكفر والضلال {مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} أي ما هذا الذي يزعم أنه رسول إلا رجلٌ من البشر يريد أن يطلب الرياسة والشرف عليكم بدعواه النبوة لتكونوا له أتباعاً .. واعجبْ بضلال هؤلاء استبعدوا أن تكون النبوة لبشر، وأثبتوا الربوبية لحجر {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأنزَلَ مَلائِكَةً} أي لو أراد الله أن يبعث رسولاً لبعث ملكاً ولم يكن بشراً {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ} أي ما سمعنا بمثل هذا الكلام في الأمم الماضية، والدهور الخالية {إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} أي ما هو إلا رجلٌ به جنون {فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} أي انتظروا واصبروا عليه مدة حتى يموت {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} أي قال نوح بعد ما يئس من إيمانهم: ربِّ انصرني عليهم بإهلاكهم عامةً بسبب تكذيبهم إياي {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} أي فأوحينا إليه عند ذلك أن اصنع السفينة بمرأى منا وحفظنا {وَوَحْيِنَا} أي بأمرنا وتعليمنا {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا} أي فإذا جاء أمرنا بإنزال العذاب {وَفَارَ التَّنُّورُ} أي فار الماء في التنور الذي يخبز فيه قال المفسرون: جعل الله ذلك علامة لنوح على هلاك قومه {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أي فأدخل في السفينة من كل صنفٍ من الحيوان زوجين”ذكر وأنثى” لئلا ينقطع نسل ذلك الحيوان {وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ} أي واحمل أهلك أيضاً إلا من سبق عليه القول بالهلاك ممن لم يؤمن كزوجته وابنه {وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} أي ولا تسألني الشفاعة للظالمين عند مشاهدة هلاكهم فقد قضيت أنهم مغرقون محكوم عليهم بالغرق {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} أي فإذا علوت أنت ومن معك من المؤمنين على السفينة {فَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي احمدوا الله على تخليصه إياكم من الغرق وإنما قال {فَقُلْ} ولم يقل فقولوا لأن نوحاً كان نبياً لهم وإماماً فخطابه خطابٌ لهم {وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكًا} أي أنزلني إنزالاً مباركاً يحفظني من كل سوء وشر قال ابن عباس: هذا حين خرج من السفينة {وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} أي أنت يا رب خير المنزلين لأوليائك والحافظين لعبادك {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} أي إنَّ فيما جرى على أمة نوح لدلائل وعبر يستدل بها أولوا الأبصار {وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} أي وإنَّ الحال والشأن كنا مختبرين للعباد بإرسال المرسلين.

    قصة هود عليه السلام

    {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ(31)فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ(32)وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ(33)وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ(35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ(36)إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ(37)إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ(38)قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ(39)قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ(40)فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(41)}

    {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} أي ثم أوجدنا من بعد قوم نوح قوماً آخرين يخلفونهم وهم قوم عاد {فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ} أي أرسلنا إليهم رسولاً من عشيرتهم هو هود عليه السلام {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} أي اعبدوه وحده ولا تشركوا به أحداً لأنه ليس لكم ربٌّ سواه {أَفَلا تَتَّقُونَ} أي أفلا تخافون عذابه وانتقامه إن كفرتم؟ {وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ} أي قال أشراف قومه الكفرة المكذبون بالآخرة وما فيها من الثواب والعقاب {وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي وسَّعنا عليهم نعم الدنيا حتى بطروا نعمهم في هذه الحياة {مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} أي قالوا لأتباعهم مضلين لهم: ما هذا الذي يزعم أنه رسول إِلا إِنسان مثلكم {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} أي يأكل مثلكم ويشرب مثلكم فلا فضل له عليكم لأنه محتاج إِلى الطعام والشراب {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} أي ولئن أطعتموه وصدقتموه فإِنكم لخاسرون حقاً حيث أذللتم أنفسكم باتّباعه قال أبو السعود: انظر كيف جعلوا اتباع الرسول الحق الذي يوصلهم إلى سعادة الدارين خسراناً دون عبادة الأصنام التي لا خسران وراءها ؟ قاتلهم الله أنَّى يؤفكون {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا} استفهام على وجه الاستهزاء والاستبعاد أي أيعدكم بالحياة بعد الموت بعد أن تصبحوا رفاتاً وعظاماً بالية؟ {أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} أي أنكم ستخرجون أحياء من قبوركم وكرَّر لفظ {أَنَّكُمْ} تأكيداً لأنه لمّا طال الكلام حسن التكرار {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} أي بَعُدَ بَعُدَ هذا الذي توعدونه من الإِخراج من القبور، وغرضهم بهذا الاستبعاد أنه لا يكون أبداً {إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} أي لا حياة إِلا هذه الحياة الدنيا {نَمُوتُ وَنَحْيَا} أي يموتُ بعضنا ويُولد بعضنا إِلى انقراض الدهر {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} أي لا بعث ولا نشور {إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} أي ما هو إِلا رجل كاذب يكذب على الله فيما جاءكم به من الرسالة، والإِخبار بالمعاد {وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} أي ولسنا بمصدقين فيما يقوله {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} لما يئس نبيُّهم من إِيمانهم ورأى إِصرارهم على الكفر دعا عليهم بالهلاك والمعنى ربّ انصرني عليهم بسبب تكذيبهم إِياي {قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} أي عن قريب من الزمان سيصيرون نادمين على كفرهم {فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ} أي أخذتهم صيحة العذاب المدمر عدلاً من الله لا ظلماً {فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً} أي هلكى كغثاء السيل قال المفسرون: صاح بهم جبريل صيحة رجفت لها الأرض من تحتهم فصاروا لشدتها غثاءً كغثاء السيل وهو الشيء التافه الحقير الذي لا ينتفع منه بشيء {فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي فسحقاً وهلاكاً لهم بكفرهم وظلمهم، وهي جملة دعائية كأنه قال: بعداً لهم من رحمة الله وهلاكاً ودماراً لهم.

    قصص صالح وإبراهيم ولوط وشعيب عليهم السلام

    {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ(42)مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43)ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ(44)}.

    {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ} أي أوجدنا من بعد هلاك هؤلاء أمماً وخلائق آخرين كقوم صالح وإِبراهيم وقوم لوط وشعيب قال ابن عباس: هم بنو إِسرائيل، وفي الكلام حذفٌ تقديره: فكذبوا أنبياءهم فأهلكناهم دلَّ عليه قوله {مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} أي ما تتقدم أمةٌ من الأمم المهلكة عن الوقت الذي عُيّن لهلاكهم ولا تتأخر عنه {ثُمَّ أَرْسَلنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} أي بعثنا الرسل متتالين واحداً بعد واحد قال ابن عباس: يتبع بعضهم بعضاً {كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ} تشنيع عليهم بكمال ضلالهم أي أنهم سلكوا في تكذيب أنبيائهم مسلك من سبقهم من الضالين المكذبين ولهذا قال {فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا} أي ألحقنا بعضهم في إِثر بعض بالهلاك والدمار {وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أي أخباراً تُروى وأحاديث تُذكر، يتحدث الناس بما جرى عليهم تعجباً وتسلية {فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} أي فهلاكاً ودماراً لقومٍ لا يصدّقون الله ورسله.

    قصة موسى وهارون عليهما السلام

    {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ(45)إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ(46)فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ(47)فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ(48)وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ(49)}.

    {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا} أي أرسلناهما بآياتنا البينات قال ابن عباس: هي الآيات التسع العصا، اليد، الجراد إلخ {وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي وحجة واضحة ملزمة للخصم {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} أي أرسلناهما إِلى فرعون الطاغية وأشراف قومه المتكبرين {فَاسْتَكْبَرُوا} أي عن الإِيمان بالله وعبادته {وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ} أي متكبرين متمردين، قاهرين لغيرهم بالظلم {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} أي أنصدق رجلين مثلنا ونتَّبعهما؟ {وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} أي والحال أن قوم موسى وهارون منقادون لنا كالخدم والعبيد؟ {فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ} أي فكذبوا رسولينا فكانوا من المغرقين أبو حيّان {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} أي أعطينا موسى التوراة بعد غرق فرعون وملائه ليهتدي بها بنو إِسرائيل.

    قصة عيسى وأمه مريم عليهما السلام

    {وَجَعلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ(50)}.

    {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} أي وجعلنا قصة مريم وابنها عيسى معجزةً عظيمة تدل على كمال قدرتنا {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} أي وجعلنا منزلهما ومأواهما إِلى مكانٍ مرتفع من أرض بيت المقدس قال ابن عباس: الربوة المكان المرتفع من الأرض، وهو أحسن ما يكون فيه النبات {ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} أي مستوية يستقر عليها وماءٍ جارٍ ظاهر للعيون قال الرازي: القرار: المستقر كل أرض مستوية مبسوطة، والمعين: الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض، وعن قتادة: ذات ثمارٍ وماء، يعني أنه لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها.

    أوامر ربانية عامة

    {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(51)وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ(52)فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ(53)فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ(54)أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ(55)نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ(56)}.

    {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} أي قلنا يا أيها الرسل كلوا من الحلال وتقربوا إِلى الله بالأعمال الصالحة، والنداء لكل رسولٍ في زمانه وصّى به كل رسول إِرشاداً لأمته كما تقول تخاطب تاجراً: يا تجار اتقوا الربا { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وعيدٌ وتحذير أي إِني عالم بما تعملون لا يخفى علىَّ شيء من أمركم، قال القرطبي: شمل الكل في الوعيد وإِذا كان هذا مع الرسل والأنبياء، فما ظنُّ كل الناس بأنفسهم؟ {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي دينكم يا معشر الأنبياء دين واحد، وملتكم ملة واحدة وهي دين الإِسلام {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} أي وأنا ربكم لا شريك لي فخافوا عذابي وعقابي.

    {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا} أي تفرقت الأمم في أمر دينهم فرقاً عديدة وأدياناً مختلفة هذا مجوسي، وهذا يهودي، وهذا نصراني بعدما أُمروا بالاجتماع {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} أي كل فريق منهم مغتبط بما اتخذه ديناً لنفسه معجب به، يرى أنه المحقُّ الرابح، وأنَّ غيره المبطل الخاسر {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ} الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والضمير لكفار مكة أي فاترك يا محمد هؤلاء المشركين في غفلتهم وجهلهم وضلالهم {حَتَّى حِينٍ} أي إِلى حين موتهم، وهذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيدٌ للمشركين {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ} أي أيظن هؤلاء الكفار أنَّ الذي نعطيهم في الدنيا من الأموال والأولاد {نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ} أي هو تعجيل ومسارعة لهم في الإِحسان؟ كلاَّ ليس الأمر كما يظنون بل هو استدراجٌ لهم، واستجرارٌ إلى زيادة الإِثم ولهذا قال {بَل لا يَشْعُرُونَ} أي بل هم أشباه البهائم، لا فطنة لهم ولا شعور حتى يتفكروا في الأمر، أهو استدراج أم مسارعة في الخير؟ والآية ردٌّ على المشركين في زعمهم أن أموالهم وأولادهم دليلُ رضى الله عنهم كما حكى الله عنهم {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} وفي الحديث (إن الله يعطي الدنيا لمن يحُبُّ ولمن لا يحب، ولا يعطي الدين إِلا لمن أحبَّ).

    صفات المسارعين بالخيرات

    {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ(57)وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58)وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ(59)وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ(60)أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ(61)وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ(62)}.

    ولمّا ذمَّ المشركين وتوعَّدهم عقَّب ذلك بمدح المؤمنين وذكرهم بأبلغ صفاتهم فقال {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} أي هم من جلال الله وعظمته خائفون، ومن خوف عذابه حذرون {وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} أي يصدِّقون بآيات الله القرآنية، وآياته الكونية وهي الدلائل والبراهين الدالة على وجوده سبحانه

    وفي كل شيءٍ له آيةٌ تدلُّ على أنه واحد

    {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} أي لا يعبدون معه غيره، بل يوحدونه ويخلصون العمل لوجهه قال الإِمام الفخر الرازي: وليس المراد منه الإِيمان بالتوحيد ونفي الشريك لله فإِن ذلك داخل في الآية السابقة، بل المراد منه نفيُ الشرك الخفي وذلك بأن يخلص في العبادة لوجه الله وطلباً لرضوانه {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} هذه هي الصفة الرابعة من أوصاف المؤمنين أي يعطون العطاء من زكاةٍ وصدقة، ويتقربون بأنواع القربات من أفعال الخير والبر وهم يخافون أن لا تقبل منهم أعمالهم قال الحسن: إِن المؤمن جمع إِحساناً وشفقة، وإِن المنافق جمع إِساءةً وأمناً {أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} أي لخوفهم أن يكونوا قد قصَّروا في القيام بشروط الطاعات والأعمال الصالحة ولاعتقادهم أنهم سيرجعون إِلى ربهم للحساب، روي أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآية الكريمة فقالت {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أهو الذي يزني، ويسرق، ويشرب الخمر وهو يخاف الله عزَّ وجل؟ فقال لها: (لا يا بنت الصِّديق! ولكنه الذي يصلي، ويصوم، ويتصدق وهو مع ذلك يخاف الله عزَّ وجل) {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي أولئك المتصفون بتلك الصفات الجليلة هم الذين يسابقون في الطاعات لنيل أعلى الدرجات لا أولئك الكفرة المجرمون {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} أي هم الجديرون بها والسابقون إِليهاقال الإِمام الفخر الرازي: واعلم أن ترتيب هذه الصفات في نهاية الحسن، فالصفة الأولى دلت على حصول الخوف الشديد، الموجب للاحتراز عما ينبغي، والثانية: دلت على التصديق بوحدانية الله، والثالثة: دلت على ترك الرياء في الطاعات والرابعة: دلت على أن المستجمع لتلك الصفات الثلاثة يأتي بالطاعات مع الوجل والخوف من التقصير، وذلك هو نهاية مقامات الصدّيقين رزقنا الله الوصول إِليها{وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} أي لا نكلّف أحداً من العباد ما لا يطيق تفضلاً منّا ولطفاً. أتى بهذه الآية عقب أوصاف المؤمنين إِشارةً إِلى أن أولئك المخلصين لم يُكلفوا بما ليس في قدرتهم وأن جميع التكاليف في طاقة الإِنسان {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ} أي وعندنا صحائف أعمال العباد التي سطر فيها ما عملوا من خير أو شر نجازيهم في الآخرة عليها ولهذا قال {وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} أي لا يظلمون من أعمالهم شيئاً بنقص الثواب أو زيادة العقاب قال القرطبي: والآية تهديد وتأمين من الحيف والظلم.

    إنكار أعمال الكفار ومشركي قريش وأسبابها

    {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ(63)حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ(64)لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنصَرُونَ(65)قَدْ كَانَتْ ءاياتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ(66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ(67)أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمْ الأَوَّلِينَ(68)أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ(69)أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ(70)وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(72)وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(73)وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74) وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ(75) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ(76)حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ(77)}.

    سَبَبُ النّزول:

    عن ابن عباس قال: نزلت في قصة ثمامة بن أُثال لما أسرته السرية وأسلم وخلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيله، حال بين مكة وبين الميرة وقال: والله لا يأتيكم من اليمامة حبَّة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ اللهُ قريشاً بالقحط والجوع حتى أكلوا الميتة والكلاب والعلهز قيل وما العلهز؟ قال كانوا يأخذون الصوف والوبر فيبلونه بالدم ثم يشوونه ويأكلونه فقال أبو سفيان: أنشدك الله والرَّحم، أليس تزعم أنَّ الله بعثك رحمة للعالمين؟ قال: بلى، قال فوالله ما أراك إِلا قتلت الآباء بالسيف، وقتلت الأبناء بالجوع فنزل قوله تعالى {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} الآيات.

    {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا } بل قلوب الكفرة المجرمين في غطاءٍ وغفلةٍ وعماية عن هذا القرآن {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ} أي ولهم أعمال سيئة كثيرة غير الكفر والإِشراك {هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} أي سيعملونها في المستقبل لتحقَّ عليهم الشقاوة فقد جمعوا بين الكفر وسوء الأعمال فحقت عليهم كلمة العذاب {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ} أي حتى إِذا أخذنا أغنياءهم وكبراءهم المتنعمين في هذه الحياة بالعذاب العاجل كالجوع والقتل والأسر { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ} أي إذا هم يصيحون ويرفعون أصواتهم بالاستغاثة قال ابن عباس: هو الجوع الذي عذبوا به سبع سنين {لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ} أي لا تستغيثوا اليوم من العذاب { إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنصَرُونَ} أي لا تمنعون من عذابنا فلا ينفعكم صراخ ولا استغاثة {قَدْ كَانَتْ ءاياتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} أي لقد كنتم تسمعون ءايات القرآن تقرأ عليكم {فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ} أي كنتم تنفرون عن تلك الآيات كما يذهب الناكص على عقبيه بالرجوع إِلى ورائه، وهذا تمثيلٌ لإِعراضهم عن الحق بالراجع إلى الخلف {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} أي مستكبرين بسبب القرآن عن الإِيمان قال ابن كثير: الضمير للقرآن كانوا يسمرون ويذكرون القرآن بالهُجْر من الكلام يقولون إِنه سحر، شعر، كهانة إِلى غير ذلك من الأقوال الباطلة وقال ابن الجوزي: الضمير عائد إلى البيت الحرام وهي كناية عن غير مذكور لشهرة الأمر والمعنى: إِنكم تستكبرون وتفتخرون بالبيت والحرم لأمنكم فيه مع خوف سائر الناس في مواطنهم، تقولون: نحن أهل الحرم فلا نخاف أحداً، ونحن أهل بيت الله وولاته، هذا مذهب ابن عباس وغيره {سَامِرًا تَهْجُرُونَ} أي متحدثين ليلاً، تقولون في سمركم الهجر وهو القول الفاحش من الطعن في القرآن وسبّ النبي عليه السلام {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} أي أفلم يتدبروا هذا القرآن العظيم ليعرفوا بما فيه من إِعجاز النظم أنه كلام الله فيصدقوا به؟ {أَمْ جَاءهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمْ الأَوَّلِينَ} أي أم جاءهم من الله تعالى بشيء مبتدع لم يأت مثله في آبائهم السابقين؟ قال أبو السعود: يعني أن مجيء الكتب من جهته تعالى إلى الرسل سنة قديمة لا يكاد يتسنى إنكاره، وأن مجيء القرآن على طريقته فمن أين ينكرونه؟ {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} توبيخ آخر لهم أي أم لم يعرفوا محمدا صلى الله عليه وسلم بالأمانة والصدق وحسن الأخلاق؟ وبَّخهم أوّلاً بترك الانتفاع بالقرآن، وثانياً بأن ما جاءهم قد جاء مثله لآبائهم الأولين، وثالثاً بأنهم يعرفون محمداً صلى الله عليه وسلم ونسبه وصدقه وأمانته ورابعاً اتهامهم له بالجنون وقد علموا أنه عليه السلام أرجحهم عقلاً وأثقبهم ذهناً ولهذا قال بعده {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} أي أم يقولون إِن محمداً مجنون، وهذا توبيخ آخر وتعجيبٌ من تفننهم في العناد، وتلونهم في الجحود {بَلْ جَاءهُمْ بِالْحَقِّ} {بَلْ} للإِضراب أي ليس الأمر كما زعموا بل جاءهم محمد بالحقِّ الساطع الذي لا مدخل فيه للباطل بوجه من الوجوه، وبالقرآن المشتمل على التوحيد وشرائع الإِسلام {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} أي ومع وضوح الدعوة فإِنَّ أكثر المشركين يكرهون الحقَّ لما في قلوبهم من الزيغ والانحراف {وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ} أي لو كان ما كرهوه من الحقّ الذي هو التوحيد والعدل موافقاً لأهوائهم الفاسدة، ومتمشياً مع رغباتهم الزائغة {لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} أي لفسد نظام العالم أجمع علويُّه وسفليُّه، وفسد من فيه من المخلوقات لفساد أهوائهم واختلافهم قال ابن كثير: وفي هذا كله تبيين عجز العباد، واختلاف آرائهم وأهوائهم، وأنه تعالى هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وتدبيره لخلقه {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} أي بل أتيناهم بما فيه فخرهم وشرفهم، وهو هذا القرآن العظيم الذي أكرمهم الله تعالى به {فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} أ ي فهم معرضون عن هذا القرآن وكان اللائق بهم الانقياد له وتعظيمه لأنه شرفهم وعزُّهم، وأعاد لفظ الذكر تعظيماً للقرآن {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا} أي أم تسألهم يا محمد أجراً على تبليغ الرسالة فلأجل ذلك لا يؤمنون، وفي هذا تشنيعٌ عليهم لعدم الإِيمان فمحمد لا يطلب منهم أجراً فلماذا إِذاً يكذبونه ويعادونه؟ {فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} أي رزق الله وعطاؤه خيرٌ لك يا محمد {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} أي هو تعالى أفضلُ من أعطى ورزق لأنه يعطي لا لحاجة، وغيره يعطي لحاجة {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي وإِنك يا محمد لتدعوهم إِلى الطريق المستقيم وهو الإِسلام الموصل إلى جنات النعيم {وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} أي وإِنَّ الذين لا يصدقون بالبعث والثواب والعقاب لعادلون عن الطريق المستقيم منحرفون عنه.

    {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ} أي لو رحمنا هؤلاء المشركين الذين كذبوك وعاندوك ورفعنا عنهم ما أصابهم من قحطٍ وجدب وكشفنا عنهم البلاء {لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} أي لاستمروا وتمادوا في ضلالتهم وتجاوزهم الحدَّ يتردَّدون ويتخبطون حيارى {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ} أي ابتليناهم بالمصائب والشدائد، وبالقحط والجوع {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ} أي ما خضعوا لله ولا تواضعوا لجلاله {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} أي وما دعوا ربهم لكشف البلاء بل استمروا على العتوّ والاستكبار، والغرضُ أنه لم يحصل منهم تواضع ورجوع إِلى الله في الماضي، ولا التجاءٌ إِلى الله في المستقبل لشدة جبروتهم وطغيانهم {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} أي حتى إِذا جاءتهم أهوال الآخرة وأتاهم من عذاب الله ما لم يكونوا يحتسبون {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} أي إِذا هم آيسون من كل خير قال أبو السعود: المراد بالعذاب عذاب الآخرة كما ينبئ عنه التهويل والوصف بالشدة والمعنى أنا محناهم بكل محنة من القتل، والأسر، والجوع وغير ذلك فما رئيَ منهم لين ولا توجهٌ إِلى الإِسلام إلى أن يروا عذاب الآخرة فحينئذٍ يبلسون وتخضع رقابهم.

    بعضٌ من نعمه تعالى على عباده

    {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ(78)وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(79)وَهُوَ الَّذِي يُحْيِ وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ(80)}.

    ثم ذكَّرهم تعالى بنعمه ودلائل وحدانيته فقال {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ} أي خلق لكم هذه الحواس لتسمعوا وتبصروا وتفقهوا، وفيه توبيخٌ للمشركين حيث لم يصرفوا النعم في مصارفها، لأن السمع خلق ليسمع به ما يرشده، والبصر ليشاهد به الآيات على كمال أوصاف الله، والعقل ليتأمل به في مصنوعات الله وباهر قدرته فمن لم يصرف تلك النعم في مصارفها فهو بمنزلة عادمها كما قال تعالى {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} وخصَّ هذه الثلاثة بالذكر لعظم المنافع التي فيها {قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} أي قليلاً تشكرون ربكم، و{مَا} لتأكيد القلة أي ما أقل شكركم لله على كثرة إِفضاله وإِنعامه عليكم؟ {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ} أي خلقكم وبثكم في الأرض بطريق التناسل {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي وإِليه وحده تجمعون للجزاء والحساب {وَهُوَ الَّذِي يُحْيِ وَيُمِيتُ} أي يُحيي الرِّمم ويميت الخلائق والأمم {وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي إِن اختلاف الليل والنهار بالزيادة والنقصان بفعله سبحانه وحده ليقيم الدليل على وجوده وقدرته {أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي أفليس لكم عقول تدركون بها دلائل قدرته، وآثار قهره، فتعلمون أن من قدر على ذلك ابتداءً، قادرٌ على إِعادة الخلق بعد الفناء؟.

    إنكار المشركين البعث وإثبات حدوثه بالأدلة القاطعة

    {بلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ(81)قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(82)لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (83)قُلْ لِمَنْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85)قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(86)سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ(87)قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(88)سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ(89)بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(90)}.

    {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ} {بَلْ} للإِضراب أي ليس لهم عقل ولا نظر في هذه الآيات والعِبر، بل قال هؤلاء المشركون – من كفار مكة – مثل ما قال الأمم المتقدمون {قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}؟ أي أئذا بلينا وصرنا ذراتٍ ناعمة، وعظاماً نخرة أئنا لمخلوقون ثانية؟ هذا لا يتصور ولا يكون أبداً {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ} أي لقد وعدنا به

    #936176

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    مرحبا زمن

    تحية طيبة

    #936186

    وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته

    مرحبا شفيع

    إضافة قيمة بارك الله فيك و جعله فى ميزان حسناتك

    لا تحرمنا من مشاركاتك الطيبة

    تحياتى

    #936672
    كبرياء
    مشارك


    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

    أختي الكريمة ” مهرة الشرق

    جزاك الله خيراً

    و أسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك

    شكراً
    أخوكم حفيد الصِّديق

مشاهدة 6 مشاركات - 1 إلى 6 (من مجموع 6)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد