الإقتباس

بقلم
حسين أحمد سليم آل الحاج يونس

الإقتباس, من وجهة نظري الخاصة ككاتب, هو فن من الفنون الأدبية, له آدابه وضوابطه, يعتمده المدون في أبحاثه, ليضفي عليها مسحة من الشمولية المعرفية, ويثريها لناحية الإحاطة في أبعادها المعلوماتية, داعما بها وجهة نظر معينة يجري مناقشتها, أو موقفا ما وصل إليه بنتيجة البحث والتحليل, مشيرا بها إلى كتاب وباحثون سبقوه إليها, مع الإحتفاظ بحقوقه الأدبية لكيفية وأسلوب إستخدامها, وحفظ حقوق الآخرين القانونية في إنتقائها وإدماجها وتسلسلها في بحثه, عاملا ما بوسعه مراعاة القوانين المعمول بها لحفظ الحقوق الأدبية والفنية والعلمية للآخرين, دون انتهاك لحرمة هذه القوانين, حتى لا يقع في المحظور الذي هو في غنى عنه, وبالتالي حتى لا يوصم يوما ما بصفات شائنة تؤثر على مساراته الفكرية وتسبب الأذية الأخلاقية لشخصيته, بحيث تنزع عنه الوسوم الإنسانية بين أقرانه وزملائه, وتسقط عنه كل الألقاب الحضارية, ليحل محلها ألقاب أخرى ما أنزل الله بها من سلطان, وبالتالي يكسب سخط الباري عزوجل عليه, لتنسيب ما ليس له لملكيته, وانتحال صفات لا تتفق مع قدره, فيغدو منبوذا في المجتمع, يحاذر الجميع التعاون معه, ويتجنبه الكل خوفا من استيلائه على ممتلكاتهم الفكرية, لأن مختلس الكلمة ممقوت في عالم الكتاب والمفكرين…

الإقتباس أو ما يسمى في مدخلات الحركة الثقافية لمنتديات الشبكة العالمية للمعلومات بالمنقول, عملية سائدة بشكل كثيف جدا بين زوار ورواد ومستخدمي المنتديات. وفي عملية إحصائية تحليلية لعينة عشوائية من هذه المنتديات, بحيث تم إختيار المنتديات عبر محركات البحث الرقمية المشهورة, فأتت النتيجة عالية لعملية النقل من موقع إلى موقع آخر, فقد قمت بالإطلاع على ما يقارب الماية منتدى ثقافي, وولجت غالبية أبواب وأقسام هذه المنتديات وفق تصنيفاتها الإدارية, وذلك في وضع دراسة شاملة للحركة التدوينية في المنتديات, واستخدمت بيانات رقمية في عملية البحث هذه, وفق برامج تحليلية رقمية دقيقة, فكانت النسبة المئوية للإقتباس تحت عنوان ” منقول ” تتعدى الثمانين بالمئة من مجمل المدخلات بشكل عام, هذه النسبة ترتفع في منتديات وتهبط في منتديات أخرى, بحيث نصل إلى محصلة تساؤلية تضعنا أمام حالة معينة من الفعل التدويني في رحاب المنتديات في الشبكة العنكبوتية, مفادها أن السواد الأعظم من رواد هذه المنتديات يتشكل من فئة قارئي ومتذوقي الكلمة, يمارسون عملية النقل من منتدى لآخر لمشاركة الآخرين هذا التذوق الجمالي, وبالتالي إثراء المنتدى بموضوعات على قدر من الإبداع, مع ابتكار أسلوب جديد لحفظ الحقوق للآخرين تحت عنوان ” منقول ” …

النقل, المنقول, الناقل, المنقول منه, المنقول له, المالك, حركة النقل في المنتديات الرقمية على الشبكة العنكبوتية, فعل النقل بين المناقب الأدبية والأخلاقية والأسلوب التنفيذي وبنود قانون حفظ الملكية الأدبية والعلمية والفنية… قضايا ساخنة في أروقة المنتديات الرقمية المنتشرة في الشبكة العالمية للمعلومات, وقضية تثير الاهتمام عند الكتاب والفنانين والمبدعين وأصحاب الإبتكارات, وتتطلب معالجتها بجدية ودراية ودقة, بحيث تحفظ للجميع حقوقهم المشروعة, من المالك إلى الناقل مرورا بالموقع المنقول منه وانتهاءا بالموقع المنقول له, وهي حالة مستشرية بشكل واسع, تدفع بالمراقب الحيادي الوقوف عندها مطولا, تحليلا وتفكيرا ومعالجة وحلولا…

الكاتب أو الباحث أو المؤلف أو معد أطروحة معينة… يلجأ كثيرا في أعماله الفكرية لإستخدام عدد من المراجع التي تثري كتاباته وتدويناته المختلفة, ويقوم بتثبيت هذه المصادر في تدويناته, مشيرا لها في قوائم ملحقة في نهاية فصول بحثه, ويميز ما تم نقله للضرورة بين علامتي الإقتباس, مشيرا بكل جرأة وإلتزام أدبي للمرجع الذي اقتبس منه, محددا الفصل أو الباب والصفحة والفقرة, التي استخدمها داعما بها فكرته وبحثه, وكلما كان البحث غنيا بمثل هذه الإشارات, كلما كان متينا وقويا, وينظر لكاتبه نظرة تقدير واحترام… هذا الأسلوب هو المعمول به بين الجميع من الباحثين والكتاب والمؤلفين والمبتكرين وغيرهم ممن يعملون في المجالات الفكرية والفنية والأدبية… وكثيرا ما يقوم بعض الكتاب بفعل جمع تدوينات من مصادر مختلفة لعدد من الكتاب, تتمحور حول فكرة واحدة, ويصدرونها في كتاب واحد وينشرون الكتاب للجمهور, معتمدين نفس الأسلوب ومحافظين على حقوق الملكية الفكرية والأدبية والعلمية والفنية, مثبتين حقوق الآخرين ممن استخدموا مقالاتهم أو تدويناتهم أو أجزاء منها, مثبتينها في قوائم تبين اسم المرجع والصفحة ورقم الإصدار وتاريخه والمصدر الذي نشر الكتاب إلى ما هنالك من معلومات تحفظ حقوق الآخرين… ويعتبر هذا الإجراء قانوني إلى أبعد الحدود, إلا إذا أشار صاحب الكتاب المنقول منه إلى خلاف ذلك, ومنع عملية النقل والإقتباس إلا بعلمه, حينها يجب على من يقدم على النقل والإقتباس أن يحصل على إذن الكاتب المالك للحقوق, وفق ما يرى هذا الكاتب…

الكتابة في المنتديات أو المدونات أو المواقع الرقمية في الشبكة العنكبوتية لا تخرج عن هذه المقومات والآداب والقوانين, ويجب على الجميع ممن يلجأون للنقل والإقتباس الإلتزام بهذه الآداب والقوانين, حفاظا على جميع الحقوق, التي تعود للكتاب المبدعين والمؤلفين والمبتكرين وغيرهم, وبالتالي حفاظا على مسارات المنتديات وعدم زجها في الدعاوى والمحاكمات, الناتجة من جراء سوء إستخدام البعض لعملية النقل والإقتباس, وتقديرا واحتراما وثقة بالناقل الذي لجأ للنقل تحت أي حالة أدبية أو فنية… ولا أرى من ضرر للمنتديات ولا للناقل من أن يعتمد الإجراءات الأدبية والقانونية في حركة النقل والإقتباس, بحيث يذكر اسم صاحب التدوينة المنقولة والمصدر المنقول منه وتاريخ النقل ويضيف اسمه وصورته كناقل متذوق لما نقل لإثراء المنتدى المنقول له وبالتالي إشراك القراء بما نقل… وليس هناك من ضرر في ذكر الروابط التي تشير للمصدر المنقول منه, وليس هناك من إساءة للمنتدى أبدا, بل العكس هو الصحيح, ويجب أن يكون بين المنتديات حالة من التكافل الثقافي والفكري وتبادل الخبرات والمعلومات, ضمن الأصول الأدبية والقانونية, وليس هناك من خوف أبدا من أن يلجأ أعضاء منتدى معين بلإنتقال لأرجاء منتدى آخر من جراء إطلاعه على هذا المنتدى, فالملتزم بمنتدى معين بقناعة لا يترك منتداه أبدا, فهو يمثل مكان إقامته الفكرية, ويحمل هوية هذا المنتدى… وليس في ذكر الروابط وفق مقتضياتها في منتدى ما بتدوينة مقتبسة أو منقولة من فعل إشهار ما, بل التزاما أدبيا وقانونيا بذكر المصدر والمرجع لا أكثر ولا أقل, إلا اللهم إذا كان ذكر الرابط يأخذ طابع الإعلان والدعاية وهو أمر مرفوض طبعا, كأن يقوم الناقل بإبراز اسم الرابط بشكل لافت للنظر وبألوان مميزة وإخراج معين… والمنتدى القوي بكافة جوانبه والقائم على أسس متينة والهادف لرؤى واضحة والي يعتمد المسارات الصحيحة والقويمة لا تضيره الروابط مهما كانت ومهما حملت, بل تزيده قوة وشهرة ويتحول لمنتدى دولي مقصود من الجميع…