الرئيسية منتديات مجلس القصص والروايات محاضرات ودراسات في فقه اللغة

مشاهدة 8 مشاركات - 1 إلى 8 (من مجموع 8)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #79696

    محاضرات ودراسات في فقه اللغة
    انظر الكتب المهمة في حقل فقه اللغة
    ……………………………………………………..

    – أمثلة مختارة من كتاب الصاحبي في فقه اللغة

    مختارات من كتاب الصاحبي في فقه اللغة لأحمد بن فارس

    باب مراتب الكلام فِي وُضوحه وإشكاله

    أما واضح الكلام – فالذي يفهمه كلّ سامع عرَف ظاهرَ كلام العرب. كقول القائل: شربت ماءً ولَقيت زيداً. وكما جاء فِي كتاب الله جلّ ثناؤه منقوله: “حُرِّمَتْ عليكم المَيْتَةُ والدمُ ولحمُ الخِنْزير” وكقول النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وسلم: “إِذَا اسْتَيْقَظَ أحدُكم من نومه، فلا يَغْمِسْ يدَه فِي الإِناء حَتَّى يَغْسِلَها ثلاثاً”. وكقول الشاعر:

    إن يحسدوني فإني غير لائِمِهم قبلي من الناس أهلُ الفَضل قَدْ حُسِدُوا

    وهذا أكثر الكلام وأعمُّه.

    وأما المشكل، فالذي يأتيه الإشكال من: غَرابة لفظه، أَوْ أن تكون فِيهِ إشارة إِلَى خبر لَمْ يذكره قائلهُ عَلَى جهته، أَوْ أن يكون الكلام فِي شيء غير محدود، أَوْ يكون وَجيزاً فِي نفسه غير مَبْسوط، أَوْ تكون ألفاظه مُشتركةً.

    فأما المُشكلِ لغرابة لفظه – فقول القائل: “يَمْلَخُ فِي الباطل ملخاً يَنْقُضُ مِذْرَوَيه” وكما أنه قيل: “أيُدْالكُ الرجل المَرْأَة؟” قال: “نعم، إِذَا كَانَ مُلْفَجاً” ومنه فِي كتاب الله جلُّ ثناؤه “فلا تَعْضُلوهن”، “ومِن الناس من يعبُد الله عَلَى حَرف”، “وسَيِّداً وحَصُوراً”، “ويُبْرئُ الأكْمَهَ” وغيرُهُ مما صَنَّف علماؤنا فِيهِ كتَبَ غريب القرآن. ومنه فِي حديث النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وسلم: “عَلَى التِّيعَةِ شاة. والتِّيمة لصاحبها. وَفِي السُّيُوبِ الخُمُس لا خِلاطَ ولا وِراطَ ولا شِناقَ ولا شِغارَ. من أجْبى فقد أرْلى” وهذا كتابُه إِلَى الأقيالالعَبَاهِلة. ومنه فِي شعر العرب:

    وقــــــــاتِم الأَعْمــــــَاق

    شَـــــــــأزٍ بِمَنْ عَــــوَّه

    مَضْبُورَةٍ قَرْواءَ هرْجَابٍ فُنُق

    وفي أمثال العرب: “باقِعَةٌ” و “شرَاب بأَنْقُع” و “ومُخْرَنْبِقٌ لِيَنْباع”.

    والذي أشكل لإيماء قائله إِلَى خبر لَمْ يُفصح بِهِ – فقول القائل: “لَمْ أفِرَّ يومَ عَيْنَيْنِ” و “رُويداً سَوْقَكَ بالقوارير” وقول امرئِ القيس:

    دع عنك نهباً صِيح فِي حَجَراته

    وقول الآخر:

    إِن العصا قُرِعَت لِذِي الحِلْمِ

    وَفِي كتاب الله جلّ ثناؤه مَا لا يعلم معناه إِلاَّ بمعرفة قصته، قوله جلّ ثناؤه: “قل مَن كَانَ عَدُوّاً لجِبْريل فإنّه نَزَّله عَلَى قلبك بإذن الله” وفي أمثال العرب: “عَسَى الغُوَيْر أبْؤُساً”.

    والذي يشكل لأنه لا يُحَدُّ فِي نفس الخطاب – فكقوله جلّ ثناؤه: “”أقيموا الصلاة” فهذا مجمّل غير مفصل حَتَّى فَسَّره النبي صلَى الله تعالى عَلَيْهِ وسلم:

    والذي أشكل لوجَازة لفظه قولهم:

    الغَمَراتِ ثُم َّيَنْجَلِينَا

    والذي يأتيه الإشكال لاشتراك اللفظ – قول القائل: وضَعوا اللُّجَّ عَلَى قَفيَّ. وَعَلَى هَذَا الترتيب يكون الكلام كلُّه فِي الكتاب والسُّنة وأشعارالعرب وسائر الكلام.

    باب القول على لغة العرب هل لها قياس وهل يشتق بعض الكلام من بعض؟

    أجمع أهل اللغة إلا من شذ عنهم أن للغة العرب قياساً وأن العرب تشتق بعض الكلام من بعض، وأن اسم الجنّ مشتق من الاجتنان. وأن الجيم والنون تدُلاَّن أبداً عَلَى الستر. تقول العرب للدّرع: جُنَّة. وأجَنة الليلُ. وهذا جنين، أي هو فِي بطن أمّه أَوْ مقبور. وأن الإنس من الظهور. يقولون: آنَسْت الشيء: أبصرته. وَعَلَى هَذَا سائرُ كلام العَرَب، عَلم ذَلِكَ من عَلِم وجَهِلَه من جهل. قلنا: وهذا أيضاً مبنيٌ عَلَى مَا تقدم من قولنا فِي التوقيف. فإن الَّذِي وقّفنا عَلَى أن الاجتنان الستر هو الَّذِي وقّفنا عَلَى أن الجنّ مشتق منه. وَلَيْسَ لَنَا اليوم أن نخترع ولا أن نقول غير مَا قالوه، ولا أن نقيس قياساً لَمْ يقيسوه، لأن فِي ذَلِكَ فسادَ اللغة وبُطلان حقائقها. ونكنةُ الباب أن اللغة لا تؤخذ قياساً نَقيسهُ الآن نحن.

    باب القول فِي اختلاف لغات العرب

    اختلاف لغات العرب من وجوه:

    أحدها: الاختلاف فِي الحركات كقولنا: “نَستعين” و “نِستعين” بفتح النون وكسرها. قال الفرَّاء: هي مفتوحة فِي لغة قريش، وأسدٌ وغيرهم يقولونها بكسر النون.

    والوجه الآخر: الاختلاف فِي الحركة والسكون مثل قولهم: “معَكم” و “معْكم” أنشد الفرّاء:

    ومَنْ يتَّقْ فإنّ الله معْهُ ورزق الله مُؤْتابٌ وغادِ

    ووجه أخر: وهو الاختلاف فِي إبدال الحروف نحو: “أولئك” و “أُولالِكَ”. أنشد الفرّاء:

    أُلا لِك قومي لَمْ يكونوا أُشابَة ًوهل يعِظُّ الضِّلّيلَ إلا أُلالكا

    ومنها قولهم: “أنّ زيداً” و “عَنّ زيداً”.

    ومن ذَلِكَ: الاختلاف فِي الهمز والتليين نحو “مستهزؤن” و “مستهزُوْن”.

    ومنه: الاختلاف فِي التقديم والتأخير نحو “صاعقة” و “صاقعة”.

    ومنها: الاختلاف فِي الحذف والإثبات نحو “استحيَيْت” و “استحْيت” و “وصدَدْت” و “أَصْدَدْت”.

    ومنها: الاختلاف فِي الحرف الصحيح يبدلُ حرفاً معتلاً نحو “أما زيد” و “أَيْما زيد”.

    ومنها: الاختلاف فِي الإمالة والتفخيم فِي مثل “قضى” و “رمى” فبعضهم بفخّم وبعضهم يُميل.

    ومنها: الاختلاف فِي الحرف الساكن يستقبله مثله، فمنهم من يكسر الأول ومنهم من يضمّ، فيقولون: “اشتَرَوُ الضلالة” و “اشتَرَوِ الضلالة”.

    ومنها: الاختلاف فِي التذكير والتأنيث فإن من العرب من يقول “هَذِهِ البقر” ومنهم من يقول “هَذَا البقر” و “هَذَه النخيل” و “هَذَا النخيل”.

    ومنها: الاختلاف فِي الإدغام نحو “مهتدون” و “مُهَدُّون”.

    ومنها: الاختلاف فِي الإعراب نحو “مَا زيدٌ قائماً” و “مَا زيدٌ قائم” و “إنّ هذين” و “إنّ هذان” وهي بالألف لغة لبني الحارث بن كعب يقولون لكلّ ياء ساكنة انفتح مَا قبلها ذَلِكَ. وينشدون:

    تزوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أذناه ضربةً دَعَتْه إِلَى هابي التراب عقيمِ

    وذهب بعض أهل العلم إِلَى أن الإعراب يقتضي أن يقال: “إِن هذان” قال: وذلك أن “هَذَا” اسم منهوك، ونُهْكهُ أنه عَلَى حرفين أحدهما حرف علة وهي الألف وها كلمة تنبيه ليست من الاسم فِي شيء، فلما ثُنّي احتيج إِلَى ألف التثنية، فلم يوصل إليها لسكون الألف الأصلية، واحتيج إِلَى حذف أحديهما فقالوا: إِن حذَفنا الألف الأصلية بقي الاسم عَلَى حرف واحد، وإن أسقطنا ألِفَ التثنية كَانَ فِي النون منها عوض ودلالة عَلَى معنى التثنية، فحذفوا ألف التثنية. فلما كَانَتْ الألف الباقية هي ألف الاسم، واحتاجوا إِلَى إعراب التثنية – لَمْ يغيروا الألف عن صورتها لأن الإعراب واختلافه فِي التثنية والجمع إنما يقع عَلَى الحرف الَّذِي هو علامة التثنية والجمع، فتركوها عَلَى حالها فِي النصب والخفض. قال: ومما يدلّ عَلَى هَذَا المذهب قوله جلّ ثناؤه: “فذانك برهانان من ربّك” لَمْ تحذف النون – وَقَدْ أضيفت – لأنه لو حذفت النون لذهب معنى التثنية أصلاً، لأنه لَمْ تكن للتثنية ها هنا علامة إِلاَّ النون وحدها، فإذا حذفت أشبهت الواحد لذهاب علامة التثنية.

    ومنها: الاختلاف فِي صورة الجمع نحو: “أسرى” و “أُسارى”.

    ومنها: الاختلاف فِي التحقيق والاختلاس محو “يأمُرُكم” و”يأمُرْكم” و “عُفِيَ لَهُ” و “عُفْي لَهُ”.

    ومنها: الاختلاف فِي الوقف عَلَى هاء التأنيث مثل “هَذِهِ أُمَّهْ” و “هَذِهِ أمَّتْ”.

    ومنها: الاختلاف فِي الزّيادة نحو “أَنْظُرُ” و “أَنظورُ”. أنشد الفراء:

    الله يعلم أَنَّا فِي تلفُّتنا يوم الفراق إِلَى جيراننا صُورُ

    وأنَّني حَيْثُ مَا يَثْنِي الهوى بَصري من حَيْثُ مَا سلكوا أدنو فأنظورُ

    وكلّ هَذِهِ اللغات مسماة منسوبة إِلَى أصحابها، لكن هَذَا موضع اختصار، وهي وإن كَانَتْ لقوم دون قوم فإنها لما انتشرت تَعاوَرَها كلٌّ.

    ومن الاختلاف: اختلاف التضادِّ، وذلك قول حِمْيَر للقائم “ثبْ” أي اقعد. فحدثنا علي بن إبراهيم القطَّان عن المفسر عن القتيبي عن إبراهيم بن مسلم عن الزبير عن ظَمْياء بنت عبد العزيز بن مَوألة قالت: حدثني أبي عن جدّي موألة أن عامر بن الطُّفيْل قدم عَلَى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فَوَثَّبَهُ وِسادة، يريد فرشه إياها وأجلسه عَلَيْهَا. والوِثاب: الفراش بلغة حِمْيَر. قال: وهم يسمّون الملك إِذَا كَانَ لا يغزو “موثَبان” يريدون أن يطيل الجلوس ولا يغزو، ويقولون للرجل “ثب” أي اجلس. وروي أن زيد بن عبد الله بن دارِم وفد عَلَى بعض ملوك حِمْيَر فألْفاه فِي مُتَصَيَّد لَهُ عَلَى جبل مُشْرِف، فسلم عَلَيْهِ وانتسب له، فقال لَهُ الملك “ثب” أي اجلس، وظن الرجل أنه أمره بالوثوب من الجبل فقال: “لتجدني أَيُّها الملك مِطْواعاً” ثُمَّ وثب من الجبل فهلك، فقال: الملك: مَا شأنه؟ فخبروه بقصته وغلطه في الكلمة، فقال: “أما إنه ليست عندنا عرَبيتْ: من دخل ظفار حمَر”.

    باب القول فِي اللغة الَّتِي بِهَا نزل القرآن، وأنه لَيْسَ فِي كتاب الله جلّ ثناؤه شيء بغير لغة العرب

    حدَّنا أبو عليُّ بنُ إبراهيم القطَّان قال حدثنا عليُّ بن عبدالعزيز عن أبي عُبيد عن شيخ لَهُ أنه سمع الكلبيّ يحدث عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن عَلَى سبعة أحرُف أَوْ قال بسبعِ لغات، منها خمسٌ بلغة العَجْزِ من هَوازن وهم الذين يقال لهم علُيا هَوازن وهي خمس قبائل أَوْ أربع، منها سَعدُ بن بكر وجُشَمُ بن بكر ونَصْر بن مُعاوية وثَقيف. قال أبو عُبيد: وأحسب أفصَحَ هؤلاء بني سعد بن بكر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا أفصَح العَرَب مَيْد أني من قريش وأني نشأت فِي بني سعد بن بكر” وَكَانَ مُسْتَرْضَعاً فيهم، وهم الذين قال فيهم أبو عمرو بن العَلاء: أفصح العرب عُليا هَوازِن وسُفْلى تميم. وعن عبد الله بن مسعود أنه كَانَ يَستَحبُّ أن يكون الذين يكتبون المَصاحف من مُضر. وقال عمر: لا يُمْلِيَنَّ فِي مَصاحِفِنا إِلاَّ غلمان قريش وثَقيف. وقال عثمان: اجعلوا المُمليَ من هُذَيل والكاتبَ من ثقيف. قال أبو عبيد: فهذا مَا جاءَ فِي لغات مُضر وَقَدْ جاءت لغاتٌ لأهل اليَمن فِي القرآن معروفةٌ. منها قوله جلّ ثناؤه “مُتَّكِئين فِيهَا عَلَى الأرائك” فحدّثنا أبو الحسن علي عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال حدثنا هُشَيْم أخبرنا منصور عن الحسن قال: كنا لا ندري ما “الأرائك” حتى لقينا رجلا من أهل اليمن فأخبرنا أن الأريكة عندهم الحجلة فيها سرير.

    قال: [أبو عبيد] وزعم أهل العَربية أن القرآن لَيْسَ فِيهِ من كلام العجَم شيء وأنه كلَّه بلسانٍ عربيّ، يتأوَّلون قوله جلّ ثناؤه “إنا جعلناه قرآناً عربياً” وقوله “بلسان عربيّ مبين”. قال أبو عبيد: والصواب من ذَلِكَ عندي – والله اعلم – مذهب فِيهِ تصديق القوْلين جميعاً. وذلك أنَّ هَذِهِ الحروف وأصولها عجمية – كما قال الفقهاء – إِلاَّ أنها سقَطَت إِلَى العرب فأعرَبَتها بألسنَتها، وحوَّلتها عن ألفاظ العجم إِلَى ألفاظها فصارت عربيَّة. ثُمَّ نزل القرآن وَقَدْ اختَلَطت هَذِهِ الحروف بكلام العَرَب. فمن قال إنها عَرَبية فهو صادق، ومن قال عجمية فهو صادق. قال: وإنما فسَّرنا هَذَا لئلا يُقدِمَ أحد عَلَى الفقهاء فَيَنْسَبهم إِلَى الجهل، ويتوهَّم عليهم أنهم أقدموا عَلَى كتاب الله جَلَّ ثناؤه بغير مَا أرداهُ الله جلَّ وعزَّ، وهم كانوا أعلمَ بالتأويل وأشدَّ تعظيماً للقرآن. قال أحمد بن فارس: لَيْسَ كل من خالف قائلاً فِي مقالته فقد نَسَبه إِلَى الجهل. وذلك أن الصدر الأول اختلفوا فِي تأويل آي من القرآن فخالف بعضهم بعضاً. ثُمَّ خَلَفَ من بعدهم خلف، فأخذ بعضهم بقولٍ وأخذ بعض بقول، حسب اجتهادهم وَمَا دلَّتهم الدَّلالة عَلَيْهِ. فالقول إذن مَا قاله أبو عبيد، وإن كَانَ قوم من الأوائل قَدْ ذهبوا إِلَى غيره. فإن قال قائل: فما تأويل قول أبي عبيد، فقد أعظم وأكبر؟ قيل لَهُ: تأويله أنه أتي بأمر عظيم وكبير. وذلك أن القرآن لَوْ كَانَ فِيهِ من غير لغة العرب شيء، لتوهَّم متوهْمِ أن العرب إنما عَجَزت عن الإتيان بمثله لأنه أتى بلغات لا يعرفونها، وَفِي ذَلِكَ مَا فِيهِ. وإذا كَانَ كذا فلا وجه لقول من يجيز قراءة القرآن فِي صلاته بالفارسية لأن الفارسية ترجمة غير مُعْجِزة. وإنَّما أمر الله جلّ ثناؤه بقراءة القرآن العربي المعجز. ولو جازت القراءة بالترجمة الفارسية لكانت كتُب التفسير والمصنّفات فِي معاني القرآن باللَّفظ العربيّ أولى بجواز الصَّلاة بِهَا، وهذا لا يقوله أحد.

    باب القول فِي مأخذ اللغة

    تؤخذ اللغة اعتياداً كالصبي العربيّ يسمع أبويه وغيرهما، فهو يأخذ اللغة عنهم عَلَى مَرّ من الأوقات. وتؤخذ تلقُّناً من ملقّن. وتؤخذ سماعاً من الرُّواة الثقات ذوي الصدق والأمانة، ويُتَّقى المظنون. فحدثنا عليُّ بن إبراهيم عن المَعْدَانيّ عن أبيه عن معروف بن حسان عن اللَّيْث عن الخليل قال: إن النَّحارير رُبَّما أدخلوا عَلَى الناس مَا لَيْسَ من كلام العرب إرادة اللَّبْس والتَّعْنِيت. قلنا فَليَتَحرّ آخذ اللغة وغيرها من العلوم أهل الأمانة والثقة والصدق والعدالة. فقد بلغنا من أمر بعض مشيخة بغداد مَا بلغنا. واللهَ جل ثناؤه نستهدي التوفيق، وإليه نرغب فِي إرشادنا لسُبُل الصدق، إنه خير موفق ومعين.

    باب القول فِي الاحتجاج باللغة العربية

    لغةُ العرب يحتج بِهَا فيما اختلفُ فيه، إِذَا كَانَ “التنازع في اسم أو صفة أو شيءو مما تستعمله العرب من سننها في حقيقة ومجاز، أو ما أشبه ذلك مما يجيء في كتابنا هذا إن شاءَ الله. فأما الذي سبيله سبيل الاستنباط، أو ما فيه لدلائل العقل مجال – فإن العرب وغيرهم فيه سواء؛ لأن سائلا لو سأل عن دلالة من دلائل التوحيد أو حجة في أصل فقه أو فرعه – لم يكن الاحتجاج فيه بشيء من لغة العرب، إذ كان موضوع ذلك على غير اللغات. فأما الذي يختلف فيه الفقهاء – من قوله جل وعز: (أو لامستُم النِساء) وقوله: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قُروء) وقوله جل وعز: (ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم) وقوله: (ثم يعودون لما قالوا) – فمنه ما يصلح الاحتجاج فيه بلغة العرب، ومنه ما يوكل إلى غير ذلك.

    ……………………………………………………………………………………………………………………………………….

    – أمثلة مختارة من مقاييس اللغة لأحمد ابن فارس

    فصول مختارة من مقاييس اللغة لابن فارس

    برم الباء والراء والميم يدلُّ على أربعة أصولٍ: إحكام الشَّيء، والغَرَض به، واختِلاف اللَّونين، وجنسٌ من النَّبات.

    فأمّا الأوّل فقال الخليل: أبْرَمْتُ الأمرَ أحكمتُه. قال أبو زياد: المبارم مغازلُ ضِخامٌ تُبْرِم عليها المرأةُ غَزْلَها، وهي من السَّمُر. ويقال أبرمْتُ الحَبْلَ، إذا فتَلْتَه متيناً، وَالمُبْرَم الغزْل، وهو ضد السَّحِيل؛ وذلك أنّ المُبْرَم على طاقَيْن مفتولين، والسَّحِيل على طاقٍ واحد.

    وأمَّا الغَرَض فيقولون: بَرِمْتُ بالأمرِ عَيِيتُ به، وَأبرَمَنِي أعْيَانِي. قال: ويقولون أرجُو أنْ لا أَبْرَمَ بالسُّؤَالِ عن كذا، أي لا أعْيَا؛ قال:

    فلا تعْذُلِيني قد بَرِمْتُ بحِيلتي

    قال الخليل: بَرِمْت بكَذَا، أي ضَجِرْتُ به بَرَماً، وأنشد غيرُه:

    ما تأمُرِين بنَفْسٍ قد بَرِمْتُ بها

    كأنَّما عُروةُ العُذْريُّ أَعْدَاها

    مشعوفةٍ بالتي تُربَانُ مَحْضَرُها

    ثم الهِدَمْلَةُ أَنْفُ البَرْدِ مَبْدَاها

    ويقال أبرَمَنِي إبراماً، وقال (ابنُ) الطَّثْرِيَّة:

    فلمّا جِئتُ قالت لي كلاماً برِمْتُ فما وجَدْتُ له جَوَابا

    وأمّا اختلاف اللَّوْنَيْن فيقال إنّ البريمَينِ النَّوعانِ مِنْ كلّ مِن ذي خِلْطَيْنِ، مثل سوادِ اللَّيْلِ مختلطاً ببياض النهار، وكذلك الدَّمع مع الإثْمِد بَريمٌ؛ قال علقمة:

    بعَيْنَيْ مَهَاةٍ تَحدُرُ الدَّمْعَ مِنْهُمَا بَرِيمَيْنِ شَتَّى من دُموعٍ وإثمِدِ

    قال أبو زياد: ولذلك سُمّي الصُّبْحُ أوَّلَ ما يبدُو بَرِيماً، لاختلاط بياضِه بسواد اللَّيل؛ قال:

    على عَجَلٍ والصُّبْحُ بادٍ كأنَّه بأدْعَجَ من ليل التِّمام بَريمُ

    قال الخليل: يقول العرب: هؤلاء بَرِيمُ قومٍ، أي لفِيفُهم من كلِّ لونٍ؛ قالت ليلى:

    يا أيُّها السَّدِمُ المُلَوِّي رأسَه ليَقُودَ مِنْ أهلِ الحِجازِ بَرِيمَا

    قال أبو عُبيدٍ: تقول اشْوِ لَنَا من بَريمَيْهَا، أي من الكَبِدِ والسَّنام، وَالبَريم: القَطِيعُ من الظِّباء؛ قال: وَالبريم شيءٌ تشدُّ به المرأةُ وسَطَها، منظَّم بخَرَزٍ، قال الفرزدق:

    محضَّرَةٌ لا يُجْعَلُ السِّتْرُ دُونَها إذا المُرْضِعُ العَوْجَاءُ جال بَرِيمُها

    والأصل الرابع: البَرَم، (وأطيبُها ريحا) بَرَمُ السَّلَم، وأخْبَثُها ريحاً بَرَمَةُ العُرْفُط، وهي بيضاءُ كبَرَمَةِ الآس. قال أبو زياد: البَرَمَةُ الزَّهرةُ التي تخرج فيها الحُبْلة. أبو الخطّاب: البَرَم أيضاً حُبوبُ العِنَب إذا زادَتْ على الزَّمَعِ، أمثال رُءُوس الذّرّ.

    وشذّ عن هذِهِ الأصول البُرَام، وهو القُرَاد الكبير، يقول العرب: «هو أَلْزَقُ مِنْ بُرام»؛ وكذلك البُرْمة، وهي القِدْر.

    جدر الجيم والدال والراء أصلان. فالأوَّل الجِدار، وهو الحائط وجمعه جُدُر وَجُدْران، وَالجَدْرُ أصل الحائط، وفي الحديث: «اسْقِ يا زُبَيْرُ وَدَعِ الماء يرجع إلى الجَدْر». وقال ابن دُريد: الجَدَرَةُ حيٌّ من الأزْدِ بنوا جِدار الكعبة. ومنه الجَديرة، شيءٌ يُجْعَل للغنم كالحظيرة. وَجَدَر: قرية، قال:

    ألا يا اصْبَحينا فَيْهَجاً جَدَرِيَّةً

    بماءِ سحابٍ يَسْبِقُ الحقَّ باطِلِي

    ومن هذا الباب قولهم هو جديرٌ بكذا، أي حريٌّ به، وهو مما ينبغي أن يثبت ويبني أمرَه عليه. ويقولون: الجديرة الطبيعة.

    والأصل الثاني ظُهور الشيء، نباتاً وغيره. فالجُدرِيّ معروف، وهو الجَدَرِيُّ أيضاً، ويقال: شاةٌ جَدْراءُ إذا كان بها ذاك. وَالجَدَر سِلْعَةٌ تظهر في الجَسَد، وَالجَدْر النبات، يقال: أجْدَرَ المكانُ وَجَدَرَ، إذا ظهر نباته؛ قال الجَعْدِي:

    قد تَستحِبُّونَ عند الجَدْرِ أنَّ لكم مِنْ آلِ جَعْدَةَ أعماماً وأخوالا

    وَالجَدْرُ: أثر الكَدْمِ بعُنق الحمار، قال رؤبة:

    أو جادرُ اللِّيتَيْنِ مَطْوِيُّ الحَنَقْ

    وإنما يكون من هذا القياس لأنَّ ذلك يَنْتَأُ له جلدُه، فكأنَّه الجُدَرِيّ.

    جرس الجيم والراء والسين أصلٌ واحد، وهو من الصوت، وما بعد ذلك فمحمول عليه.

    قالوا: الجَرْس الصَّوت الخفيّ، يقال ما سمعت له جرساً، وسمِعتُ جَرْسَ الطّيْر، إذا سمعتَ صوتَ مناقيرها على شيء تأكله، وقد أجْرَسَ الطّائر.

    ومما حُمِلَ على هذا قولهم للنَّحل جوارس، بمعنى أواكِل، وذلك أنَّ لها عند ذلك أدنى شيءٍ كأنه صوت؛ قال أبو ذؤيب يذكر نَحْلاً:

    يَظَلُّ على الثَّمراءِ منها جَوَارسٌ مَرَاضيعُ صهْبُ الرّيش زُغبٌ رِقابُها

    وَالجَرَس: الذي يعلَّق على الجِمال، وفي الحديث: «لا تصحبُ الملائكةُ رُفْقَةٌ فيها جَرَسٌ». ويقال جَرَسْتُ بالكلام أي تكلّمتُ به، وَأجْرَسَ الحَلْيُ: صوَّت؛ قال:

    تَسْمَعُ لِلحَلْيِ إذا ما وَسْوَسَا وارتجَّ في أَجْيادها وَأجْرَسا

    ومما شذَّ عن هذا الأصل الرجل المجَرّسَ وهو المجرّب، ومضى جَرْسٌ من الليل، أي طائفة.

    جرح الجيم والراء والحاء أصلان: أحدهما الكسب، والثاني شَقّ الجِلْد.

    فالأوّل قولهم (اجترح) إذا عمل وكَسَب؛ قال الله عزّ وجلّ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} (الجاثية21)؛ وإنّما سُمّي ذلك اجتراحاً لأنه عَمَلٌ بالجوَارح، وهي الأعضاء الكواسب. وَالجوارحُ من الطَّير والسباع: ذَوَاتُ الصَّيد.

    وأما الآخَر (فقولهم) جرحَه بحديدةٍ جرْحاً، والاسم الجُرْح. ويقال جرَح الشاهدَ إذا ردّ قولَه بِنَثاً غيرِ جميل، وَاستَجْرَحَ فلانٌ إذا عمل ما يُجْرَح من أجله.فأمّا قول أبي عبيدٍ في حديث عبد الملك: «قد وعظتُكم فلم تزدادُوا على الموعظة إلاّ استجراحاً» إنه النُّقصان من الخير، فالمعنى صحيح إلاّ أنّ اللفظ لا يدلُّ عليه؛ والذي أراده عبدُ الملك ما فسَّرناه، أي إنّكم ما تزدادون على الوعْظ إلاّ ما يكسبكم الجَرْحَ والطَّعْنَ عليكم، كما تُجرَح الأحاديث. وقال أبو عبيد: يريد أنّها كثيرة صحيحها قليل، والمعنى عندنا في هذا كالذي ذكرناه مِن قَبْل، وهو أنّها كثُرتْ حتى أحوج أهلَ العلم بها إلى جَرْح بعضها ـــ أنّه ليس بصحيح.

    جلد الجيم واللام والدال أصلٌ واحدٌ، وهو يدلُّ على قوّةٍ وصلابة. فالجِلْدُ معروفٌ، وهو أقوى وأصلَبُ ممّا تحته من اللحم، وَالجَلَد صلابة الجِلد؛ وَالأجلاد: الجسم، يقال لجِسم الرّجُل أجلادُهُ وَتجاليده. وَالمِجْلَد: جِلدٌ يكون مع النّادبة تضرِب (به) وجْهَها عند المناحة، قال:

    خرجْنَ حريراتٍ وأبدَيْنَ مِجْلَداً وجالَتْ عليهن المكتَّبةُ الصُّفْرُ

    وَالجَلَدُ فيه قولان: أحدهما أن يُسلخ جِلدُ البعير وغيرُه فيُلْبَسُه غَيْره من الدّوابّ، قال:

    كأنَّه في جَلَدٍ مُرَفَّلٍ.

    والقول الثاني أنْ يُحْشَى جِلد الحُوار ثُماماً أو غيرَه، وتُعطَفَ عليه أُمُّهُ فَتَرأمَه، وقال العجّاج:

    وقد أُرَانِي للغوانِي مِصْيَدَا

    مُلاَوةً كأنَّ فَوقِي جَلَدَا

    يقول: إنّهنّ يرأمْنَني ويعطِفْن عليَّ كما تَرأمُ النّاقة الجَلَد.

    وكان ابنُ الأعرابيّ يقول: الجِلْد وَالجَلَد واحد، كما يقال شِبْه وشَبَه، وقال ابن السكيت: ليس هذا معروفاً. ويقال جَلَّدَ الرّجُلُ جزوره إذا نَزَع عنها جِلدَها، ولا يقال سَلَخَ جَزوره، ويقال فرس مجلَّد إذا كان لا يجزع من ضرب السَّوط. ويقال ناقةٌ ذات مجلودٍ إذا كانت قويّةً، قال:

    مِن اللّواتي إذا لانَتْ عريكتُها يبقى لها بعدها آلٌ ومَجْلُودُ

    ويقال إنّ الجَلَد من البُعُر الكبار لا صِغَار فيها، وَالجَلَد: الأرض الغليظة الصلبة. وَالجِلاد من الإبل تكون أقلَّ لبناً من الخُور، الواحدة جَلْدَة.

    جمر الجيم والميم والراء أصلٌ واحدٌ : يدلُّ على التجمُّع. فالجمر جَمْر النَّار معروف، الواحد جمْرة، وَالجمّار جُمّار النخل وَجَامُورُهُ أيضاً، وهي شَحْمَةُ النَّخْلة. ويقال جَمَّرَ فلانٌ جيشَه إذا حبَسَهم في الغَزْوِ ولم يُقْفلْهُم إلى بلادهم، وحَافِرٌ مُجْمَرٌ: وَقَاحٌ صُلْبٌ مجتمع. وَالجَمَرَات الثلاثُ اللّواَتي بمكّة يُرْمَيْنَ من ذلك أيضاً، لتَجَمُّعِ ما هناك من الحصى.

    وأمّا جمَرات العرب فقال قوم: إذا كان في القَبِيل ثلاثمائةِ فارسٍ فهي جَمْرَةٌ، وقال قوم: كلُّ قبيلٍ انضمُّوا وحاربوا غيرَهُم ولم يُحالفوا سواهم فهُمْ جمْرة. وكان أبو عبيدٍ يقول: جَمَرَاتُ العرب ثلاث: بنو ضَبَّة بن أُدّ، وبنو نُمير بن عامر، وبنو الْخرِث بن كعب، فطَفِئَتْ منهم جمرتان، وبقيت واحدة: طَفِئَت ضبّة لأنها حَالفت الرِّباب، وطَفِئَتْ بنو الْخرِث لأنّها حالفت مَذْحِجاً، وبقيت نُميرٌ لم تَطْفَأ، لأنّها لم تُحَالِفْ.

    ويقال: جَمَّرَتِ المرأةُ شَعْرَها، إذا جمَعَتْهُ وعَقَدَتْهُ في قفائها، وهذا جَميرُ القوم أي مجتَمَعُهم، وقد أجْمَرَ القوم على الأمر: اجتَمَعُوا ـــ وابنُ جَميرٍ: اللّيلُ المظلم.

    جمل الجيم والميم واللام أصلان: أحدهما تجمُّع وعِظَم الخَلْق، والآخر حُسْنٌ.

    فالأوّل قولك أجْمَلْتُ الشَّيءَ، وهذه جُمْلَة الشَّيء، وَأجْمَلْتُه: حصّلته؛ وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} (الفرقان32).

    ويجوز أنُ يكون الجَمَل من هذا، لِعظَم خَلْقه، وَالجُمَّل حَبْل غَليظ، وهو من هذا أيضاً. ويقال أجْمَل القومُ: كثُرت جمالُهم، وَالجُمَاليّ: الرَّجُل العظيم الخَلْق، كأنه شُبِّه بالجمل، وكذلك ناقةٌ جُمَالِيَّة. قال الفراء: {جِمَالاَتٌ} جمع جَمَل، وَالجِمَالات: ما جمع من الحِبال والقُلُوس.

    والأصل الآخر الجَمَال، وهو ضدُّ القبح، ورجلٌ جميل وَجُمَّال؛ قال ابن قتيبة: أصله من الجمِيل وهو وَدَك الشَّحمِ المُذابِ، يراد أنَّ ماءَ السِّمَنِ يجري في وجهه. ويقال جَمَالَكَ أن تفعَلَ كذا، أي اجْمُل ولا تَفْعَلْه؛ قال أبو ذؤيب:

    جَمَالَكَ أيُّها القلبُ الجريحُ

    ستَلْقَى مَنْ تُحبُّ فتستريحُ

    وقالت امرأةٌ لابنتها: «تَجَمَّلِي وتَعَفَّفِي»، أي كُلِي الجَميلَ ـــ وهو الذي ذكرناه من الشَّحم المذاب ـــ واشربي العُفَافَة، وهي البقية من اللبن.

    جهر الجيم والهاء والراء أصلٌ واحد، وهو إعلان الشَّيء وكَشْفُه وعُلُوّه: يقال جَهَرتُ بالكلام: أعلنتُ به، ورجلٌ جَهِير الصَّوت، أي عالِيهِ؛ قال:

    أخاطِبُ جَهْراً إذْ لهُنَّ تَخَافُتٌ وشَتَّانَ بينَ الجهْرِ والمَنْطِقِ الخَفْتِ

    ومن هذا الباب: جَهَرت الشّيءَ، إذا كان في عينك عظيماً، وَجَهَرْت الرّجُل كذلك؛ قال:

    كأنَّما زُهاؤُه لِمَنْ جَهَرْ

    فأمّا العَيْن الجَهْراءُ فهي التي لا تُبْصر في الشمس. ويقال رأيْت جُهْرَ فلانٍ، أي هَيْئَتَه، قال:

    وما غيَّبَ الأقوامُ تابِعَةَ الجُهْرِ

    أيْ لم يقدِرُوا أن يغيِّبوا من خُبْره وما كان تابعَ جُهْره. ويقال جَهِيرٌ بَيِّنُ الجَهَارةُ، إذا كان ذا منظرٍ، قال أبو النجم:

    وأرَى البَياضَ على النِّساء جَهاَرةً والعِتْقُ أعرِفُهُ على الأَدْمَاءِ

    ويقال جَهَرَنا بنِي فلانٍ، أي صبَّحناهم على غِرَّة، وهو من الباب، أي أتيناهم صباحاً، والصَّباح جَهْر. ويقال للجماعة الجَهْراء، ويقال إنّ الجَهْراء الرّابِية العَريضة.

    جهل الجيم والهاء واللام أصلان: أحدهما خِلاف العِلْم، والآخر الخِفّة وخِلاف الطُّمَأْنِينَة.

    فالأوّل الْجَهْل نقيض العِلْم، ويقال للمفازة التي لا عَلَمَ بها مَجْهَلٌ.

    والثاني قولهم للخشبة التي يحرك بها الجَمْرُ مِجْهَل، ويقال استجهلت الرِّيحُ الغُصْنَ، إذا حرّكَتْه فاضطَرَب، ومنه قول النابغة:

    دعاك الهَوَى وَاستجهلَتْك المنازلُ وكيف تَصَابِي المرءِ والشَّيبُ شاملُ

    وهو من الباب، لأنّ معناه استخفّتْك واستفزَّتك. وَالمَجْهَلَة: الأمر الذي يحملك على الجهل.

    خرج الخاء والراء والجيم أصلان، وقد يمكن الجمعُ بينهما، إلاّ أنّا سلكْنا الطّريقَ الواضح: فالأول: النّفاذُ عن الشَّيء، والثاني: اختلافُ لونَين.

    فأمّا الأول فقولنا خَرَج يخرُج خُروجاً، وَالخُرَاج بالجسد، وَالخَراج وَالخَرْج: الإتاوة، لأنّه مالٌ يخرجه المعطِي. وَالخَارجيُّ: الرَّجل المسوَّد بنفْسه، من غير أن يكون له قديم، كأنّه خَرَج بنفسه، وهو كالذي يقال:

    نفْسُ عصامٍ سوّدَتْ عِصاما

    وَالخُروج: خُروج السحابة، يقال ما أحسن خُروجَها، وفلان خِرّيجُ فلانٍ، إذا كان يتعلَّم منه، كأنّه هو الذي أخرجَه من حدّ الجهل. ويقال ناقة مُخْتَرِجَةٌ، إذا خرجْت على خِلْقة الجَمل، وَالخَرُوج: الناقةُ تخرُج من الإبل، تبرُك ناحية، وهو من الخُروج. وَالخَرِيج فيما يقال: لُعبةٌ لِفتيان العرب، يقال فيها: خَرَاجِ خَرَاجِ، قال الهذليّ:

    أرِقْتُ له ذاتَ العِشاءِ كأنّه مخاريقُ يُدعَى بينهن خَرِيجُ

    وبنو الخارجِيَّة: قبيلة، والنّسبة إليه خارجيٌّ.

    وأمّا الأصل الآخر: فالخَرَجُ لونانِ بين سوادٍ وبياض، يقال نعامةٌ خَرْجاءُ وظليمٌ أخرج، ويقال إنّ الخَرْجاء الشّاة تبيضّ رِجْلاها إلى خاصرتها.

    ومن الباب أرض مخَرَّجَة، إذا كان نَبْتُها في مكانٍ دونَ مكان، وَخَرّجت الراعيةُ المَرْتَعَ، إذا أكلَتْ بعضاً وتركَتْ بعضاً، وذلك ما ذكرناه من اختلاف اللّونين.

    عوي العين والواو والياء: أصلٌ صحيح يدلُّ على ليّ في الشىء وعطْفٍ له.

    قال الخليل: عَوَيت الحبلَ عَيًّا إذا لويتَه، وعَوَيت رأس النّاقة، إذا عُجْتَه فانعوى، والناقة تَعْوِي بُرَتَها في سَيرها، إذا لوَتْها بخَطْمها، قال رؤبة :

    تَعوِي البُرَى مُستوفِضاتٍ وَفْضا

    أي سريعات، يصف النُّوقَ في سَيرها؛ قال: وتقول للرّجُل إذا دعا النّاسَ إلى الفتنة: عوى قومًا، واستعوى. فأمَّا عُوَاء الكلب وغيرِه من السباع فقريبٌ من هذا، لأنّه يَلوِيه عن طريق النَّبْح: يقال عَوَتِ السّباع تَعوِي عُواءً؛ وأمّا الكَلْبة المستحرِمة فإنَّها تسمَّى المعاوِيَة، وذلك من العُواء أيضًا، كأنَّها مُفاعلة منه. والعَوَّاء: نجمٌ في السماء، يؤنّث، يقال لها: «عوّاء البَرْد»، إذا طلعت جاءت بالبرد، وليس ببعيد أن تكون مشتقَّةً من العُواء أيضًا، لأنّها تأتي ببردٍ تعوي له الكلاب؛ ويقولون في أسجاعهم: «إذا طلعت العَوَّاء، جَثَمَ الشتاء، وطابَ الصّلاء»، وهي في هذا السَّجع ممدودة، وهي تمدُّ وتقصر. ويقولون على معنى الاستعارة لسافِلَة الانسان: العَوَّاء.

    عبل العين والباء واللام أصلٌ صحيحٌ: يدلُّ على ضِخَم وامتداد وشِدّة. من ذلك العَبْلُ من الأجسام، وهو الضَّخم، تقول: عبُل يَعْبُل عَبالة، قال :

    خبطناهم بكلّ أرحَّ لأمٍ كمِرْضاحِ النَّوى عَبْلٍ وَقاحِ

    الأرَحّ: الحافر الواسع.

    ومن الباب الأعْبْلَ، وهو الحجر الصُّلب ذُو البياض، ويقال جبلٌ أعبلُ وصخرةٌ عَبْلاء، وقال أبو كبيرٍ الهذليّ يصف نابَ الذّئبةُ :

    أخرجت منها سِلْقةً مهزولةً عجفاءَ يبرق نابُها كالأعبَلِ

    ومنه قولهم: هو عَبْلُ الذّراعين، أي غليظُهما مدِيدُهما، ومنه: ألقى عليه عَبالَّته، أي ثِقْله؛ ومحتمل أن يكون العَبَل، وهو ثمر الأرطى من هذا، ولعل فيه امتدادًا وطُولا.

    عبد العين والباء والدال أصلانِ صحيحان، كأنَّهما متضادّان، و (الأول) من ذينك الأصلينِ يدلُّ على لِين وذُلّ، والآخر على شِدّة وغِلَظ.

    فالأوّل العَبْد، وهو المملوك، والجماعةُ العبيدُ، وثلاثةُ أعبُدٍ. وهم العِبادُ، قال الخليل: إلاّ أنّ العامة اجتمعوا على تفرِقة ما بين عباد الله والعبيدِ المملوكين؛ يقال: هذا عبدٌ بيّن العُبُودَة، ولم نسمَعْهم يشتقُّون منه فعًلا، ولو اشتق لقيل عَبُد، أي صار عبدًا وأقرَّ بالعُبُودة، ولكنّه أُمِيت الفعلُ فلم يُستعمل؛ قال: وأمّا عَبَدَ يَعبُد عبادةً فلا يقال إلاّ لمن يعبدُ الله تعالى، يقال منه عَبَد يعبُد عبادة، وتعبَّد يتعبّد تعبّدًا. فالمتعبّد: المتفرّد بالعبادة، واستعبدتُ فلانًا: اتخذتُه عبدًا، وأمّا عَبْدٌ في معنى خَدَم مولاه؛ فلا يقال عبَدَه، ولا يقال يعبُد مَولاه؛ وتعبَّدَ فلانٌ فلانًا، إذا صيَّره كالعبد له وإن كان حُرًّا، قال :

    تَعبَّدَني نِمْرُ بنُ سعدٍ وقد أُرى ونِمْرُ بنُ سعدٍ لي مطيع ومُهْطِعُ

    ويقال: أعْبَدَ فلانٌ فلانًا، أي جعله عبدا. ويقال للمشركين: عَبَدة الطّاغوتِ والأوثان، وللمسلمين: عُبّادٌ يعبدون الله تعالى، وذكر بعضُهم: عابد وعَبَد، كخادم وخَدَم؛ وتأنيثُ العَبْد عَبْدَةٌ، كما يقال مملوك ومملوكة، قال الخليل: والعِبِدَّاء: جماعة العَبِيد الذين وُلِدُوا في العُبودة.

    ومن الباب البعير المعبَّد، أي المهنُوء بالقَطِران، وهذا أيضًا يدلُّ على ما قلناه لأنّ ذلك يُذِلُّه ويَخفِض منه، قال طرفة :

    إلى أن تحامَتْنِي العشيرةُ كلُّها وأُفرِدْتُ إفرادَ البَعير المعبَّدِ

    والمعبّد: الذّلول، يوصَف به البعير أيضًا؛

    ومن الباب: الطريق المُعَبَّد، وهو المسلوك المذلَّل.

    والأصل الآخَر العَبَدة، وهي القُوّة والصّلابة، يقال هذا ثوبٌ له عَبَدة، إذا كان

    عبر العين والباء والراء أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على النفوذ والمضيّ في الشىء. يقال: عَبَرت النّهرَ عُبُورًا، وعَبْر النهر: شَطُّه؛ ويقال: ناقةٌ عُبْرُ أسفارٍ: لا يزال يُسافَرُ عليها، قال الطّرِمّاح :

    قد تبطَّنْتُ بِهِلْوَاعةٍ عُبْرِ أسفارٍ كَتُوم البُغَامْ

    والمَعْبَر: شطّ نهرٍ هُيّء للعُبور. والمِعْبَر: سفينة يُعبَر عليها النّهر؛ ورجل عابرُ سبيلٍ، أي مارّ، قال الله تعالى: {وَلاَ جُنُبًا إلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} (النساء43). ومن الباب العَبْرَة، قال الخليل: عَبْرَة الدمع: جَرْيُه، قال: والدَّمع أيضًا نفسُه عَبْرَة، قال امرؤ القيس :

    وإنّ شِفائي عَبْرَةٌ إن سَفَحتُها فهلْ عند رسْمٍ دارسٍ من مُعَوَّلِ

    وهذا من القياس، لأنَّ الدّمع يعبُرُ، أي ينفُذ ويَجري، والذي قاله الخليل صحيحٌ يدلٌ على صِحّة القياس الذي ذكرناه.

    وقولهم: عَبِرَ فلانٌ يَعْبَرُ عَبَرًا من الحزن، وهو عَبْرَانُ، والمرأةُ عَبْرَى وعَبِرَةٌ، فهذا لا يكون إلاَّ وثَمَّ بكاء؛ ويقال: استَعْبَرَ، إذا جَرَتْ عَبْرَتُه، ويقال من هذا: امرأةٌ عابر، أي بها العَبَر، وقال :

    يقولُ لي الجَرْمِيُّ هل انت مُرْدِفِي وكيف رِدَافُ الفَلّ أمُّك عابِرُ

    فهذا الأصل الذي ذكرناه. ثم يقال لضرب من السدر عُبْرِيٌّ، وإنما يكون كذلك إذا نَبَتَ على شُطوط الأنهار ـــ والشّطُّ يُعْبَرُ ويعبر إليه ـــ قال العجاج :

    لاثٍ بها الأشاءُ والعُبْرِيُّ

    الأَشَاء: الفَسِيل، الواحدة أَشَاءة، وقد ذكرناه؛ ويقال إنّ العُبْريَّ لا يكون إلاّ طويًلا، وما كان أصغَرَ منه فهو الضَّالُ، قال ذو الرُّمَّة :

    قد قَطعْتُ إذا تجوّفت العواطِي ضُرُوبَ السّدْرِ عُبْرِيًّا وضَالا

    ويقال: بل الضّالُ ما كان في البَرّ.

    ومن الباب: عَبَرَ الرُّؤْيا يعبرها عَبْرًا وعِبارة، ويُعبّرُها تعبيرًا، إِذا فسَّرَها، ووجه القياس في هذا عُبُور النَّهْر، لأنه يصير من عَبْر إلى عَبْر؛ كذلك مفسّر الرُّؤيا يأخُذُ بها من وجهٍ إلى وجهٍ، كأن يُسأل عن الماء، فيقول: حياة، ألا تراه قد عَبَر في هذا من شىءٍ إلى شىء.

    ومما حُمِل على هذه: العِبارة، قال الخليل: تقول: عَبَّرت عن فلانٍ تعبيرًا، إذا عَيَّ بحُجّته فتكلَّمت بها عنه، وهذا قياسُ ما ذكرناه، لأنّه لم يقدِر على النُّفوذ في كلامه فنفَذَ الآخَر بها عنه.

    فأمّا الاعتبار والعِبْرة فعندنا مقيسانِ من عِبْرِيْ النَّهر، لأن كلَّ واحدٍ منهما عِبرٌ مساوٍ لصاحبه: فذاك عِبرٌ لهذا، وهذا عِبرٌ لذاك، فإذا قلت اعتبرت الشَّىء، فكأنك نظرتَ إلى الشَّىء فجعلتَ ما يَعْنِيك عِبرًا لذاك، فتساويا عندك، هذا عندنا اشتقاقُ الاعتبار؛ قال الله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي اْلأَبْصَارَ} (الحشر2)، كأنّه قال: انظروا إلى مَنْ فعل ما فَعل فعُوقِب بما عوقب به، فتجنَّبوا مثلَ صنيعهم لئلاَّ ينْزل بكم مثلُ ما نَزَل بأولئك ـــ ومن الدَّليل على صِحَّة هذا القياس الذي ذكرناه، قولُ الخليل: عَبَّرت الدَّنانيرَ تعبيرًا، إذا وزَنْتَها دينارًا (دينارًا)، قال: والعِبرة: الاعتبارُ بما مضى.

    ومما شذَّ على الأصل: المُعْبَر من الجِمال: الكثير الوَبر، والمُعْبَر من الغِلمان: الذي لم يُخْتَن، وما أدرِي ما وجهُ القياس في هذا، وقال في المُعْبَر الذي لم يُختَن بشرُ بن (أبـي) خازم :

    …. وارمُ العَفـل مُعْبَـرُ

    ومن هذا الشّاذّ: العبير، قال قوم: هو الزَّعفران. وقال قوم: هي أخلاط طِيب.

    فرس الفاء والراء والسين أُصَيل يدلُّ على وطءِ الشَّىء ودقّه. يقولون: فَرَسَ عنقه، إذا دقَّها، ويكون ذلك من دقّ العُنق من الذَّبيحة؛ ثم صيّر كلُّ قتلٍ فَرْسا، يقال: فرَسَ الأسدُ فريستَه، وأبو فِراسٍ: الأسد. وممكنٌ أن يكون الفَرَس من هذا القياسِ، لركلِهِ الأرضَ بقوائمه ووَطْئِه إيَّاها؛ ثمَّ سمّيَ راكبُه فارسًا، يقولون: هو حسَنُ الفُروسيَّة والفَراسة. ومن الباب: التفرُّس في الشَّىء، كإِصابة النَّظر فيه، وقياسه صحيح.

    باب ما جاء من كلام العرب على أكثَر من ثلاثة أحرف

    اعلم أنّ للرُّباعيّ والخُماسيّ مذهباً في القياس، يَستنبِطه النَّظرُ الدَّقيق. وذلك أنّ أكثر ما تراه منه منحوتٌ، ومعنى النَّحت أن تُؤخَذَ كلمتان وتُنْحَتَ منهما كلمةٌ تكون آخذةً منهما جميعاً بحَظَ. والأصل في ذلك ما ذكره الخليل من قولهم حَيْعَلَ الرَّجُل، إذا قالَ حَيَّ عَلى.

    ومن الشيءِ الذي كأنَّه متَّفَقٌ عليه قولهم عَبْشَمّى: وقوله:

    … تَضْحَكُ مِنِّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ

    فعلى هذا الأصل بَنَيْنَا ما ذكرناه من مقاييس الرُّباعي، فنقول: إنَّ ذلك على ضربين: أحدهما المنحوت الذي ذكرناه، والضَّرْب الآخر (الموضوع) وضعاً لا مجالَ له في طُرق القياس، وسنبيِّن ذلك بعَون الله.

    فممّا جاءَ منحوتاً من كلام العرب في الرُّباعي

    البُلعُوم مَجْرَى الطَّعامِ في الحَلْق، وقد يحذف فيقال بُلْعُم. وغير مُشْكلٍ أنَّ هذا مأخوذٌ من بَلِعَ، إلاّ أنّه زِيد عليه ما زِيدَ لجنسٍ من المبالغة في معناه، وهذا وما أشبهه توطِئةٌ لما بعده.

    ومن ذلك بَحْثَرْتُ الشيءَ، إذا بَدّدته، وَالبَحْثَرَة: الكَدَر في الماء. وهذه منحوتةٌ من كلمتين: من بحثْتُ الشَّيء في التراب ـــ وقد فُسِّر في الثلاثي ـــ ومن البَثر الذي يَظْهَر على البَدَن، وهو عربيٌّ صحيحٌ معروف، وذلك أنَّه يَظْهَرُ متفرِّقاً على الجِلْد.

    ومن ذلك بَحْثَرْتُ الشيءَ، إذا بَدّدته، وَالبَحْثَرَة: الكَدَر في الماء. وهذه منحوتةٌ من كلمتين: من بحثْتُ الشَّيء في التراب ـــ وقد فُسِّر في الثلاثي ـــ ومن البَثر الذي يَظْهَر على البَدَن، وهو عربيٌّ صحيحٌ معروف، وذلك أنَّه يَظْهَرُ متفرِّقاً على الجِلْد

    ومن ذلك السَّحْبَل: الوادي الواسع، وكذلك القِرْبة الواسعة: سَحْبلة؛ فهذا منحوت من سحل إذا صبّ، ومن سَبَل، ومن سَحَبَ إذا جرى وامتدّ، وهي منحوتةٌ من ثلاث كلمات: تكون الحاء زائدة مرَّة، وتكون الباء زائدة، وتكون اللام زائدة.

    ومن ذلك الغَطْرسة: التكبُّر، وهذا ممّا زيدت فيه الراء؛ وهو من الغَطْس كأنَّه يَغلِبُ الإنسانَ ويقهرُه حتَّى كأنَّه غَطَسه، أيّ غطَّسه.

    ومن ذلك المُغَثْمَرُ، وهو الثَوْب الخشنُ الرَّدىء النَّسْج، قال :

    عَمْدًا كسوتُ مُرْهِبًا مُغَثْمَرا ولو أشاءُ حِكْتُهُ مُحَبَّرًا

    يقول: ألبستُهُ المغَثْمَرَ لأدفع به عنه العينَ؛ وهذه منحوتةٌ من كلمتين: من غثم وغثر، أمّا غثر فمن الغُثْر، وهو كلُّ شىء دُونٍ. وأمّا غثم فمن الأغثم: المختلط السَّواد بالبياض.

    باب من الرباعي آخر

    ومن هذا الباب ما يجيءُ على الرُّباعي وهو من الثلاثي على ما ذكرناه، لكنَّهم يزيدون فيه حرفاً لمعنىً يريدونه مِنْ مبالغةٍ، كما يفعلون ذلك في زُرْقُمٍ وخَلْبَنٍ، لكن هذه الزيادَة تقع أوّلاً وغيرَ أوّلٍ.

    ومن ذلك البَحْظَلَة قالوا: أنْ يَقفِزَ الرَّجُل قَفَزانَ اليَربوع، فالباء زائدةٌ؛ قال الخليل: الحاظل الذي يمشي في شِقِّه، يقال مَرَّ بنا يْحَظَلُ ظالِعاً.

    ومن ذلك البِرْشاع الذي لا فُؤاد له. فالرَّاء زائدة، وإنما هو من الباء والشين والعين، وقد فُسِّر.

    ومن ذلك البَرْغَثَة، الراء فيه زائدة وإنما الأصل الباء والغين والثاء. والأبغث من طير الماء كلون الرَّماد، فالبَرْغَثَةُ لونٌ شبيهٌ بالطُّحْلة، ومنه البُرْغُوث.

    ومن ذلك البَرْجَمَةُ: غِلَظُ الكَلام، فالراء زائدةٌ، وإنَّما الأصل البَجْم. قال ابنُ دريد: بَجَم الرّجُل يَبْجُمُ بُجُوماً، إذا سكَتَ من عِيَ أو هَيْبَةٍ، فهو باجِمٌ.

    ومن ذلك بَرْعَمَ النَّبْتُ إذا استدارَتْ رُءُوسُه، والأصل بَرَع إذا طال

    ومن ذلك البَرْكَلَةُ وهو مَشْيُ الإنسان في الماء والطِّين، فالباء زائدةٌ، وإنما هو من تَرَكَّلَ إذا ضَرَبَ بإحدى رجليه فأدخلها في الأرض عند الحفْر.

    ومن ذلك الفَرقَعة: تنقيضُ الأصابع، وهذا مما زيدت فيه الراء، وأصله فَقَع، وقد ذكر.

    الباب الثالث من الرباعي: الذي وضع وضعاً

    البُهْصُلَةُ: المرأة القَصِيرة، وحمار بُهْصُلٌ قصير.

    وَالبُخْنُق: البُرْقُع القصير، وقال الفرّاء: البُخْنُق خِرْقةٌ تَلْبَسُها المرأة تَقِي بها الخِمَار الدُّهْنَ.

    البَلْعَثُ: السّيِء الخُلُق. ا

    لبَهْكَثَةُ: السُّرْعة.

    البَحْزَج: وَلَدُ البَقَرة

    وكذلك البُرْغُزُ. بَرْذَنَ الرَّجُل: ثَقُل.

    البرازِق: الجماعات.

    البُرْزُلُ: الضخم. ناقة بِرْعِس: غَزِيرة.

    بَرْشَط اللَّحْمَ: شَرْشَرَهُ.

    بَرْشَمَ الرَّجُلُ، إذا وَجَمَ وأظهر الحُزْن،

    وَبَرْهَم إذا إدامَ النظَر؛ قال:

    ونَظَراً هَوْنَ الهُوَيْنَى بَرْهَمَا

    البَرْقَطَة: خَطْوٌ متقارب، والله أعلَمُ بالصَّواب.

    وممّا وضع وضعًا وليس ببعيدٍ أن يكون له قياس: غَرْدَقْتُ السَّتْرَ: أرسلتُه،

    والغُرْنُوق: الشاب الجميل. والغُرْنَيْق طائر.

    …………………………………………………………………………………………………………………….

    وباقي الأبواب : سوف تكون في مواضيع آخرى أنشاء الله

    – باب القول على أصل اللغة أإلهام هي أم اصطلاح . ابن جني، الخصائص، ج1

    – باب في الاشتقاق الأكبر . ابن جني الخصائص، ج2

    – باب في تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني . ابن جني الخصائص، ج2

    – باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني .ابن جني الخصائص، ج2

    – باب في فرق بين الحقيقة والمجاز .ابن جني الخصائص، ج2

    – باب في أن المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة .ابن جني الخصائص، ج2

    – فصول مختارة من فقه اللغة للثعالبي

    – الألفاظ المشتركة المعاني في اللغة العربية. د. أحمد محمد المعتوق، مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية، عدد 22، 1422هـ.

    – استعمال المشترك في معنييه. إرشاد الفحول إلى علم الأصول/ الشوكاني.

    – قضية الترادف: النظرية والتطبيق: أ.عبدالرحمن بن حسن المحسني، نادي أبها

    – التعريب، المركز العراقي للتعريب، العدد العشرون، كانون الأول/ ديسمبر

    – النحت في اللغة، د. محمد السيد علي بلاسي

    – خصائص الحروف العربية ومعانيها. حسن عباس، منشورات اتحاد الكتاب العرب.

    – مبدأ اللغات.

    – الأضداد.

    – كلمات الأضداد: قائمة الأضداد التي ذكرها السيوطي في المزهر

    – مفردات الأضداد. السيوطي، المزهر في علوم اللغة، ج 1.

    – الجذور العربية الثلاثية والرباعية . تيم باكوالتر Tim Buckwalter

    – الأصول اللسانية في المصادر العربية. د. محمد كشّاش.

    – توزيع اللغات السامية PDF GIF

    – مباحث لغوية

    – أصل المشتقات. ابن الأنباري، الإنصاف.

    – الحقيقة والمجاز

    – مناسبة اللفظ للمعنى. كتاب البحر المحيط، ‏بدر‏ ‏الدين‏ ‏محمد‏ ‏بن‏ ‏بهادر‏ ‏بن‏ ‏عبد‏ ‏الله‏ ‏الشافعي‏ ‏الزركشي‏.

    تقبلوا تحياتي .

    #897778

    بارك الله فيك
    اخت بكاء الياسمين
    مجهود طيب ….

    يوسف المختار

    #897903

    شكرآ لك .. أخ يوسف

    على مرورك الكريم

    صفحتي المتواضعة

    يسرني ردك دائمآ

    #898391
    كبرياء
    مشارك

    يعطيك العافية على الموضوع

    شكراً
    أخوكم هيثم

    #898562

    الله يعافيك أخي

    شكرـآ لك على مرورك الكريم

    #900409
    e3melsisy
    مشارك

    جزاك الله خيرا يا بكاء الياسمين على مجهودك الطيب المثمر دائما ، وجمع المعلومات عن موضوعات مختلفة وتوثيقها من الكتب فكرة رائعة ومفيدة لكل عاشق للغة العربية وخاصة علم اللغة او ما يسمى فى جامعة الأزهر أصول اللغة الذى يحتوى على دراسة علم الأصوات والمعاجم واللهجات وفقه اللغة … وسعدت جدا بهذه الفكرة التى سبقتينى فى تنفيذها حيث كنت أفكر فى تنفيذها منذ فترة … بهدف تعليم الناس أصول اللغة وتعريفهم به ؛ لأنه علم مهم وأنا متخصصة فيه وحصلت فيه على الماجستير والآن أكمله فى الدكتوراه ان شاء الله
    وأملى فيك كبير فى أن تكملى الفكرة ولا تهمليها فق بدأت بداية جديدة وأنا أحسبك نشيطة ومهتمة بالعلم اللغوى
    ولذا فإنى أتمنى لك دوام التوفيق وإكمال ما بدأتيه دون غياب عنا
    وإذا أردت مساعدة منى فأنا لن أمتنع عنك وعن كل من يخدم لغتنا إذا كان باستطاعتى
    ولك فائق الاحترام والتقدير وجزيل الشكر

    #900481

    مشكورة بكااء الياسمين

    دائما اجدك متألقه

    بارك الله فيك

    فى انتظار كل جديد ومفيد

    #900882

    أهلآ غاليتي سارة

    شكرآ لك على مرورك

    ااااااااااااااااالطيب

مشاهدة 8 مشاركات - 1 إلى 8 (من مجموع 8)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد