ففي اليونان حيث سجلت درجة الحرارة رقما قياسيا ( 45 درجة مئوية)، كافح مئات من رجال الإطفاء والجنود ما يربو على 200 حريق في أنحاء متفرقة من البلاد تسببت في مقتل شخصين وأتت على عشرات المنازل. وفي العاصمة أثينا، سار اليونانيون والسياح وقد رفعوا المظلات أو قاموا بتغطية رءوسهم بالصحف، فيما تدفق كثيرون إلى الشواطئ القريبة.

الناتو يتدخل!

وفي بلغاريا أفاد مسئولون أن السلطات طلبت من حلف شمال الأطلنطي (الناتو) والاتحاد الأوروبي وروسيا إرسال طائرات إطفاء لمكافحة مئات من حرائق الغابات. وقد أتت الحرائق المشتعلة على 636 هكتارا من الغابات وتسببت في مقتل شخصين.

وفي مقدونيا توفي عجوز بلهيب الحر على جزيرة كورفو، وتم إجلاء 200 شخص من إحدى الضواحي، وارتفعت درجة الحرارة إلى 45 درجة مئوية لتسجل مستوى قياسيا، كما أعلنت حالة استنفار منذ الخميس 26-7-2007.

وفي رومانيا، ارتفع عدد قتلى موجة الحر إلى 30 شخصا، بالإضافة إلي 12 أخرين لقوا حتفهم متأثرين بحرائق نتجت عن موجة حر متواصلة حطمت الأرقام القياسية للحرارة في شرق ووسط أوروبا.

كما استقبلت المستشفيات 19 ألف شخص تأثروا بسبب موجة الحر بينما تلقت خدمات الإسعاف نحو 10 آلاف اتصال هاتفي تطلب الإغاثة، وهو ما دفع إلى إعلان حالة التأهب في 5 مقاطعات جنوب رومانيا إضافة إلى بوخارست.

إعلان حالة الطوارئ

وفي سياق متصل، اجتاحت النيران غابات في البوسنة وصربيا ومونتنيجرو (الجبل الأسود) ومقدونيا وبلغاريا نتيجة لارتفاع درجات الحرارة إلى أرقام قياسية ناهزت الأربعين بعد شتاء شبه جاف.

وتسبب الحر في اشتعال نحو 18 حريقا في إقليم كوسوفو، معظمها قرب المناطق المأهولة بما في ذلك العاصمة بريشتينا، وتقوم الشرطة ومسئولو الغابات وجنود قوة حفظ السلام التي يقودها الناتو بمكافحة النيران. كما صدرت الأوامر بإلغاء كل العطلات لرجال الإطفاء.

وفي البوسنة أعلنت حالة الطوارئ في بلدة سيتلوك وميناء نيوم على البحر الأدرياتي وبلدة فيسيجراد الجبلية، وتواجه البلدات والقرى انقطاع التيار الكهربي ونقص المياه بسبب الحرائق.

وتشهد النمسا بشكل عام والعاصمة فيينا بشكل خاص هذه الأيام موجة حر غير مسبوقة عندما تجاوزت درجات الحرارة معدل 38 درجة مئوية، وهو مناخ قاس لا يحتمله أهالي البلاد التي تقضي وقتا طويلا من السنة في درجة حرارة تحت الصفر.

وفي إيطاليا أعلنت الحكومة عددا من الأقاليم والمدن وسط وجنوب البلاد مناطق منكوبة بعد مقتل ما لا يقل عن 8 أشخاص بسبب الحرائق الكثيفة التي تشهدها تلك المناطق منذ أسبوع لارتفاع درجات الحرارة. حيث أدى اشتعالها إلى إتلاف آلاف الهكتارات من الغابات والأراضي الزراعية في وقت كثفت خلاله السلطات الإيطالية عمليات الإنقاذ ووضعت بعض وحدات الجيش على أهبة الاستعداد للمشاركة في عمليات الإنقاذ الواسعة لمئات من المواطنين والسياح الذين حاصرتهم النيران في منازلهم ومناطق الاصطياف.

وفيضانات وأمطار

وكناتج عن التقلبات المناخية المتسبب فيها ارتفاع درجة الحرارة وزيادة كمية البخر من المسطحات المائية وتكون السحب المثقلة بالمياه وهطول الأمطار بشكل كبير عانت مناطق عدة من الفيضانات والأمطار الغزيرة بلغت حد العواصف في أكثر من مكان.

ففي بريطانيا وصلت مستويات الفيضانات إلى أعلى معدلاتها منذ 60 عاما (40مم /ساعة)، حيث غمرت المياه مناطق واسعة بوسط وغرب إنجلترا وانقطعت المياه النقية والكهرباء عن حوالي 400 ألف منزل. واعتبر العلماء مستوى الإمطار شبيه بما يهطل خلال الأعاصير الاستوائية.

وأدت الأمطار الغزيرة التي هطلت إلى تعطيل أكبر الطرق في غرب إنجلترا وبلاد ويلز. وتم إلغاء 141 رحلة جوية كانت مبرمجة في مطار هيثرو غرب لندن الجمعة بسبب الأمطار الغزيرة وأغلقت أكثر من 20 محطة مترو في العاصمة البريطانية بعد أن غمرتها المياه.

وفي القارة الآسيوية، قال مسئولون في بنجلاديش إن فيضانات مفاجئة ناجمة عن عواصف ممطرة أدت إلى مقتل 11 شخصا ومحاصرة ما يقرب من 200 ألف آخرين. وأجلي 50 ألف شخص على الأقل من المناطق المعرضة للخطر إلى ملاجئ مؤقتة داخل مراكز تجمع ومدارس، فيما ارتفع منسوب أكبر نهرين في البلاد وهما الجانج وبراهمابوترا بسبب هطول الأمطار الموسمية.

وفي جاكرتا كافحت فرق الإنقاذ أمس للوصول إلى أجزاء من جزيرة سولاويزي بإندونيسيا، حيث لقي 20 شخصا حتفهم وتشرد 8000 بسبب الانهيارات الأرضية التي دفنت مئات المنازل والفيضانات التي نشأت عن الأمطار الغزيرة لعدة أيام.

ولقي 9 أشخاص على الأقل حتفهم جراء الفيضانات التي ضربت ولاية خاليسكو بغرب المكسيك بسبب الأمطار الغزيرة التي واصلت سقوطها على الولاية وخاصةً عاصمتها جوادالاراخا.

وفي هايتي لقي 4 أشخاص حتفهم بسبب الفيضانات الناجمة عن الأمطار التي دمرت عشرات المنازل.

الوطن العربي فوق الخمسين!

أما في العالم العربي، فقد تسببت موجة الحر الاستثنائية التي تشهدها تونس الأسبوع الماضي في نشوب حرائق التهمت مساحات من الأراضي، ارتفعت درجات الحرارة خلال اليومين الماضيين إلى مستوى قياسي لم تعرفه البلاد خلال السنوات الأخيرة، إذ وصلت في العاصمة تونس لـ 50 درجة مئوية وفق ما أعلنه مركز الرصد الجوي.

كما شبت الحرائق في عدة مناطق وأكلت النيران مساحات من الأراضي المزروعة والأشجار المثمرة.

وفي الأردن ضاقت المساحات الواسعة من غابات برقش في لواء الكورة بآلاف المواطنين الذين الذي وجدوا فيها ملاذا من لهيب الصيف وافترشوا ظلال أشجارها لساعات طويلة من النهار، وخاصة في عطلة نهاية الأسبوع، حيث قدم المواطنون إليها هربا من مناطق وسط وشمال المملكة إذ شدهم ارتفاع الموقع عن سطح البحر (850 مترا)؛ مما يسهم في تلطيف الجو وخفض درجات الحرارة.

وأدى ارتفاع درجات الحرارة إلى ضعف حركة المواطنين نهارا بشكل ملحوظ، وتعمد الكثير من السكان الخروج ليلا إلى الشوارع والأرصفة، في ظل تحذيرات وزارة الصحة من ضربات الشمس الناجمة عن هذه الموجة الحارة.

الأشعة فوق البنفسجية

كما اصطلت سوريا بموجة حر شديدة تجاوزت خلالها درجات الحرارة الأربعين، وهو مستوى لم يعهده أهل البلاد. بينما اجتمع على المصريين ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة وزاد على ذلك ارتفاع مستوى الأشعة فوق البنفسجية الحارقة عن المعدلات العالمية؛ مما دفع وزارة الصحة لإصدار تحذيرات للمواطنين بعدم التعرض لأشعة الشمس المباشرة؛ نظرا لما ينتج عنها من أمراض خطيرة في الجلد أو العين.

وظهرت بقوة في صيف مصر هذا العام ظاهرة انقطاع المياه عن عدد من القرى شمال مصر وجنوبها؛ مما أدى لقيام الأهالي باحتجاجات وصلت إلى حد قطع الطرق الرئيسية في الوقت الذي أبرزت فيه الصحف الحكومية “توجيهات” الرئيس حسني مبارك للحكومة بسرعة حل المشكلة.

وفي الخليج عامة والكويت خاصة حيث اعتاد المواطنون على التعامل مع درجات حرارة عالية في الصيف القائظ، واصلت وزارات الكهرباء شن حملات لترشيد استهلاك الطاقة المستخدمة في تكييف الهواء اللافح، مما جعل غالبية السكان الذين بقوا ولم يهربوا إلى خارج البلاد يعيشون تحت وطأة هاجس الخوف من انقطاع الكهرباء، خصوصا في عز الظهيرة.

وفي الجزائر سجلت درجة الحرارة على غير عادتها ارتفاعا قياسيا، فقد تراوحت ما بين 35 و40 درجة مئوية وفي الإقليم الصحراوي الواقع في أقصى الجنوب مثل كولايت تامنراست التي تبعد عن العاصمة الجزائرية بـ 2200 كم تتجاوز درجة الحرارة الـ50 درجة مئوية. ودفعت هذه الموجة غالبية الموظفين والعاملين إلى التهافت على أخذ العطل في شهر أغسطس المتوقع أن تواصل فيه درجات الحرارة ارتفاعها.

عن الاحتباس الحراري فتش

وفي محاولة لفهم وتفسير هذه الموجات القاسية من الحر والفيضانات أرجع علماء وخبراء الأرصاد الجوية ذلك إلى التغيرات المناخية الناجمة عن النشاط الإنساني نتيجة انبعاث غازات تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، مثل ثاني أكسيد الكربون، والتي تؤدي لارتفاع درجات حرارة الأرض وتكرار الموجات الحارة وهطول أمطار غزيرة وأعاصير ما لم يتم السيطرة عليها.

بيد أن الربط بين ظاهرة واحدة وارتفاع درجات حرارة الأرض مسألة مختلفة في ضوء العوامل المتشابكة التي تؤثر على الطقس لكن بعض العلماء يعتقدون أن ذلك أمرا قابل للتحقق.

فقد توقع مئات من العلماء يعملون تحت مظلة اللجنة الحكومية البريطانية للتغيرات المناخية مزيدا من موجات الجفاف في إفريقيا وأستراليا ومزيدا من الفيضانات في آسيا ومزيدا من الموجات الحارة في جنوب أوروبا وأمريكا الشمالية.