كنتُ أتابع جلسة مجلس الوزراء برئاسة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم وجذبني ما قاله بالحرف الواحد جعلني أزداد احتراماً وإعجاباً بجلالته، وهذا القائد الفريد من نوعه ، والذي يذكرني بعصر انقضى من الزعماء والقادة الذين نقرأ عنهم في كتب التاريخ.

قال جلالته معقباً على أحداث الإعصار ” جونو ” الذي مر بالسلطنة وفعل بها ما فعل: ” سلامة المواطنين والقاطنين على أرض السلطنة تعتبر هي الأهم … فالعنصر البشري هو ثروة هذا البلد والركيزة الأساسية لما تحقق على أرض السلطنة ” هذا كلام جلالة السلطان الذي ترك انطباعات ومعاني عميقة تحتاج إلى كتب ومجلدات، بل ويمكن تدريسها في معاهد الإدارة.

إن البلاد تضررت بسبب هذا الإعصار الذي ــ نحمد الله عليه ــ وإذا بجلالة السلطان يؤكد أن سلامة المواطن والمقيم، وأركز هنا على المقيم تأتي في المقام الأول، وهذا كلام قلما نسمعه في دول الخليج حيث تضع المقيم في الدرجة الثانية من العناية والاهتمام ، وهذا يؤكد البعد الإنساني لجلالة السلطان المعظم، كما أنه يقول ــ حفظه الله ورعاه ــ أن الأهم هو الإنسان العماني لأنه ثروة البلاد الحقيقة التي لا تعوض فهل هناك أحسن من هذا كلام؟

لقد رأيت على مدى الأيام الماضية ومن متابعتي الدقيقة لما يحدث في السلطنة من خلال الفضائيات وحكايات الأصدقاء ما فعله ” جونو ” بالشوارع والمباني والمياه والكهرباء والبنية الأساسية في عدد من الولايات، إلا أنني لم أكن متشائماً مثل الكثير فلقد رأيت بلداً متماسكاً إلى أقصى مدى، ملتفاً حول قيادته، محباً لوطنه، متفانياً في خدمته، مضحياً بحياته من أجل رسم ابتسامة على محيا طفل أحالت المياه بينه وبين أسرته، لقد رأيت رجالاً مخلصين يضحون بحياتهم من أجل بلدهم .

إن الأمم الحية المتماسكة عندما تواجهها الظروف الاستثنائية ، فإنها تتحول إلى ينبوع من الحراك الوطني الاجتماعي، مظهراً لافتاً من الشجاعة والقدرة على اجتياز المحن والمصاعب والمشكلات أياً كان مستواها وأثرها في الواقع المعاش، وهذا ما رأيته في السلطنة، ومن شعب عمان، فقد رأيتُ ملحمة حقيقية تحتاج إلى شاعر ماهر لينسجها بحروف من ذهب ، ملحمة حب ووفاء يقودها فارس مغوار وجنود أوفياء.

فعندما ضرب الإعصار بعض الولايات العمانية ومنها مسقط، مدينة الآثار والتراث والثقافة، فإن قوة هذا الإعصار ومصاعبه جعلت الروح الوطنية تسري في وجدان هذا الشعب، وتنطلق المؤسسات والأفراد لتقديم ما من شأنه إنقاذ ومساعدة وتقديم الخدمات والضرورية لكل المحتاجين والمتضررين .. وهذا هو سر قوة الأمم الحية في داخلها وفي تماسكها الاجتماعي.

فقد أظهرت المحنة العارضة أنها محنة من الله ، وكأن شعب عمان يد واحدة في التعامل مع أضرار ” جونو ” ليظهر هذا التفاني والحب، قصص حب عمان كثيرة، وأبطالها من كل الأعمار، ومن كل الجنسيات لأن خير عمان لا يقتصر على أهلها فقط، بل شمل المقيم والزائر، وكمواطن سعودي ــ يعشق عمان وأهلها وقائدها ــ أقول هنيئاً لأنفسنا بهذا التلاحم الوطني والتماسك الاجتماعي حفظ الله عمان وشعبها وقائدها المفدى.

خالد فاروق السقا ــ كاتب سعودي.

مصدر المقال جريدة عمان ـ العدد 9521 ـ
12 جمادى الثانية 1428هـ
27 يونيو 2007م