مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #74696
    mehdidou
    مشارك

    مسجد الاقصى

    ——————————————————————————–

    عن رافع بن عميرة قال: سمعت رسول الله يقول: “قال الله تبارك وتعالى لداود: يا داود ابن لي بيتاً في الأرض، فبنى داود بيتاً لنفسه قبل البيت الذي أمر الله به، فأوحى الله تعالى إليه: يا داود بنيت بيتك قبل بيتي، قال: أي رب هكذا قلت فيما قضيت من ملك استأثر، ثم أخذ في بناء المسجد، يعني مسجد بيت المقدس.

    وعن وهب: لما تاب الله على داود، عليه السلام، وكان قد بنى مدائن كثيرة وصلحت أمور بني إسرائيل أحب أن يبني بيت المقدس وعلى الصخرة الشريفة قبة في الموضع الذي قدسه الله تعالى في إيلياء، وكانت قد حسنت حال بني إسرائيل وملأوا الشام وضاقت بهم فلسطين وما حولها، فأحب داود، عليه السلام، أن يعلم عددهم فأمر بإحصائهم في أنسابهم وقبائلهم، فكبر عليهم فلم يطيقوا إحصائهم.

    وروي أن الله تعالى أوحى إلى داود، عليه السلام، لما كثر طغيان بني إسرائيل أني أقسمت بعزتي لأبتلينًّهم بالقحط سنتين أو أسلط عليهم العدو شهرين أو الطاعون ثلاثة أيام، فجمعهم داود وخيرهم بين إحدى الثلاث، فقالوا: أنت نبينا وأنت انظر إلينا من أنفسنا، فاختر لنا، فقال: أما الجوع فإنه بلاءُ فاضح لا يصبر عليه أحد، وأما العدو والموت فإني أخبركم إن اخترتم تسليط العدو فإنه لا يبقيه لكم، والموت بيد الله تعالى تموتون بآجالكم في بيوتكم ففوضوا ذلك إلى الله تعالى، فهو أرحم بكم.

    فاختار لهم الطاعون، وأمرهم أن يتجهزوا له ويلبسوا أكفانهم ويخرجوا نساءهم وإماءهم وأولادهم أمامهم وهم خلفهم على الصخرة والصعيد الذي بنى عليه مسجد بيت المقدس، وهو يومئذ صعيدٌ واحد، ففعلوا ثم نادى: يا رب إنك أمرتنا بالصدقة وأنت تحب المتصدقين، فتصدق علينا برحمتك، اللهم إنك أمرتنا بعتق الرقاب فنسألك برحمتك أن تعتقنا اليوم، اللهم وقد أمرتنا أن لا نرد السائل إذا وقف بأبوابنا، وأنت تحب من لا يرد السائل، وقد جئناك سائلين فلا تردنا، ثم خروا سجداً من حين طلع الصبح.

    فسلط الله عليهم الطاعون من ذلك الوقت إلى أن زالت الشمس، ثم رفعه عنهم، ثم أوحى الله إلى داود عليه السلام، أن ارفعوا رؤوسكم فقد شفعتك فيهم، فرفع داود رأسه ثم نادى: أن ارفعوا رؤوسكم فرفعوا رؤوسهم، وقد مات منهم مائة ألف وسبعون ألف، أصابهم الطاعون وهم سجود، فنظروا إلى الملائكة يمشون بينهم بأيديهم الخناجر.

    ثم عمد داود، عليه السلام، فارتقى الصخرة رافعاً يديه يحدث لله شكراً، ثم إنه جمع بني إسرائيل بعد ذلك، وقال: إن الله سبحانه وتعالى قد رحمكم وعفا عنكم، فأحدثوا لله شكراً بقدر ما ابتلاكم، فقالوا له: مرنا بما شئت، قال: إني لا أعلم أمراً أبلغ في شكركم من بناء مسجد على هذا الصعيد الذي رحمكم الله عليه، فنبينه مسجداً يعبد الله فيه ويقدسه أنتم ومن بعدكم، قالوا : نفعل، وسأل داود ربه فأذن له، وأقبلوا على بنائه.

    وروي أن الله تعالى لما أمر داود، عليه السلام، أن يبني مسجد بيت المقدس قال: يا رب وأين أبنيه؟ قال: حيث ترى الملك شاهراً سيفه، قال: فرآه داود في ذلك المكان فأسس قواعده ورفع حائطه فلما ارتفع انهدم، فقال داود: يا رب أمرتني أن أبني لك بيتاً فلما ارتفع هدمته، فقال: يا داود إنما جعلتك خليفتي في خلقي فلم أخذت المكان من صاحبه بغير ثمن؟ إنه سيبنيه رجل من ولدك .

    وحكى في معنى هذا الأثر إن المكان كان لجماعة من بني إسرائيل ولكل واحد منهم فيه حق، فطلبه داود منهم، وأنعم به البعض باللفظ والبعض بالسكوت ففهم داود من الساكتين الرضا، وكان بعضهم غير راضٍ في الباطل فحمل داود الأمر على ظاهره فبناه.

    فجاء بعض أصحاب الحق إلى بني إسرائيل وقال لهم: إنكم تريدون أن تبنوا على حقي وأنا مسكين وأنه موضع بيدري أجمع فيه طعامي فارتفق بحمله إلى منزلي لقربه إن بنيتم عليه أضررتم بي، فانظروا في أمري فقالوا له: كل من بني إسرائيل له مثل حقك وأنت أبخلهم، فإن أعطيته طوعاً وإلا أخذناه على كره منك، فقال: أتجدون هذا في حكم داود؟ ثم انطلق وشكاهم إليه، فدعاهم وقال لهم: تريدون أن تبنوا بيت الله بالظلم ما أراكم يا بني إسرائيل تستكينون لله عز وجل ولا أرى إلا أن البلاء يضغطكم.

    ثم قال له داود: أتطيب نفسك عن حقك فتبيعه بحكمك؟ فقال: ما تعطيني، فقال: أملأه لك إن شئت غنماً وإن شئت بقراً وإن شئت إبلاً، فقال: يا نبي الله زدني فإنما تشتريه لله فلا تبخل علــيّ، فقال له داود: احتكم فإنك لا تسألني شيئاً إلا أعطيتك، فقال: ابن لي حائطاً قدر قامتي، ثم املأه لي ذهباً، فقال له داود، عليه السلام: نعم وهو في الله قليل.

    فالتفت الرجل إلى بني إسرائيل فقال: هذا والله التائب الصادق والمخلص، ثم قال: يا نبي الله قد علم الله، عز وجل، مني لمغفرة ذنب من ذنوبي وذنوب هؤلاء أحب إلــّي من ملء الأرض ذهباً فكيف يظن هؤلاء أني أبخل عليهم وعلى نفسي بما أرجو به المغفرة لذنوبي وذنوبهم ولكني جربتهم رحمة لهم وشفقة عليهم وقد جعلته لله تعالى.

    فأقبلوا على عمل مسجد بيت المقدس، وباشر داود العمل بنفسه وجعل الحجر على عاتقه ويضعه بيده في مواضعه ومعه أحبار بني إسرائيل.

    وروي أن داود لما ابتدأه ورفعه قامة جل أوحى الله إليه أني لم أقضٍ ذلك على يديك ولكن ابنُ لك أملكه بعدك اسمه سليمان أقضي إتمامه على يده، وتوفي داود قبل إتمامه وله سبعون سنة، وقيل غير ذلك.

    وأنزل الله عليه الزبور، وهو مائة وخمسون سورة بالعبرانية في خمسين منها ما يلقونه من بخت نصر، وفي خمسين ما يلقونه من الروم، وفي خمسين مواعظ وحكم، ولم يكن فيه حلال ولا حرام ولا حدود ولا أحكام .

    وكانت وفاته في يوم السبت أواخر سنة خمس وثلاثين وخمسمائة لوفاة موسى، عليه السلام، وملك داود أربعين سنة، وأوصى قبل موته بالملك إلى سليمان ولده وأوصاه بعمارة بيت المقدس، وعين لذلك عدة بيوت أموال تحتوي على جملة كثيرة من الذهب.

    وعن كعب ووهب: أن داود، عليه السلام، أعد لبناء بيت المقدس مائة ألف بدرة ذهباً وألف ألف بدرة ورقاً وثلثمائة ألف دينار لطلي البيت، وذكر أن هذا مال لا تفي به المعادن.

    قال وهب: ودفن داود بالكنيسة المعروفة بالجسمانية شرقي// بيت المقدس في الوادي، ويقال: إن قبر داود، عليه السلام، بكنيسة صهيون وهي التي بظاهر القدس من جهة القبلة بأيدي طائفة الفرنج لأنها كانت داره، وفي كنيسة صهيون المذكورة موضع تعظمه النصارى، ويقال: إن قبر داود فيه وهذا الموضع هو الآن بأيدي المسلمين.

    وسنذكر ما وقع في ذلك في عصرنا من التنازع بين المسلمين والنصارى فيما بعد، في حوادث سنة خمس وتسعين وثمانمائة إن شاء الله تعالى.

    ذكر بناء سليمان عليه السلام مدينة بيت المقدس ومسجدها

    ——————————————————————————–

    لما كان في السنة الرابعة من ملكه في شهر أيار وهي سنة 539 لوفاة موسى، عليه السلام، ابتدأ سليمان، عليه السلام، في عمارة بيت المقدس حسبما تقدم به وصيه أبيه إليه.

    وكانت مدينة بيت المقدس في زمن إسرائيل عظيمة البناء، متسعة العمران، فكانت أكبر من مصر ومن بغداد، على ما يوصف فيقال: إن العمارة والمنازل كانت متصلة من جهة القبلة إلى القرية المعروفة يومئذ بدير السنة، ومن جهة الشرق إلى جبل طور زيتا، واستمرت العمارة بطور زيتا إلى حين الفتح العمري، ومن جهة الغرب إلى ماميلا، ومن جهة الشمال إلى القرية التي بها قبر النبي شموئيل، عليه السلام، واسمها عند اليهود رامة ومسافتها عن بيت المقدس تقرب من ربع بريد لعمارة داود وسليمان، عليهما السلام، لمدينة القدس إنما هي تجديد للبناء القديم.

    وتقدم في أول الكتاب ذكر أول من عمر المدينة واختطها وأنه سام بن نوح، عليهما السلام، وكان محل المسجد بين عمران المدينة وهو صعيد واحد والصخرة الشريفة قائمة في وسط حتى بناه داود، ثم سليمان،عليهما السلام.

    وكان من خبر ذلك ما روي أن الله، عز وجل، لما أوحى إلى سليمان، عليه السلام، أن ابن بيت المقدس جمع حكماء الأنس والجن وعفاريت الأرض وعظماء الشياطين وجعل منهم فريقاً يبنون، وفريقاً يقطعون الصخور والعمد من معادن الرخام، وفريقاً يغوصون في البحر فيخرجون منه الدر والمرجان، وكان في الدر ما هو مثل بيضة النعامة وبيضة الدجاجة، وأخذ في بناء بيت المقدس وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح وجعلها اثنى عشر ربضاً، وأنزل لك ربض منها سبطاً من الأسباط، وكانوا اثنى عشر سبطاً، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد، فلم يثبت البناء، فأمر بهدمه ثم حفر الأرض حتى بلغ الماء، فأسسه على الماء وألقوا فيه الحجارة، فكان الماء يلفظها فدعا سليمان، عليه السلام، الحكماء الأخيار ورئيسهم آصف بن برخيا واستشارهم فقالوا: إنا نرى أن نتخذ قلالاً من نحاس ثم نملأها حجارة ثم نكتب عليها الكتاب الذي في خاتمك ثم نلقي القلال في الماء، وكان الكتاب الذي على الخاتم لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد عبده ورسوله.

    ففعلوا فثبتت القلال، فألقوا المؤن والحجارة عليها، وبنى حتى ارتفع بناؤه، وفرق الشياطين في أنواع العمل، فدأبوا في عمله وجعل فرقة منهم يقطعون معادن الياقوت والزمرد ويأتون بأنواع الجواهر، وجعل الشياطين صفاً مرصوفاً من معادن الرخام إلى حائط المسجد، فإذا قطعوا من المعادن حجراً أو أسطوانة تلقاه الأول منهم، ثم الذي يليه ويلقيه بعضهم إلى بعض حتى ينتهي إلى المسجد، وجعل فرقة لقطع الرخام الأبيض الذي منه ما هو مثل بياض اللبن بمعدن يقال له السامور والذي دلهم على معدن السامور عفريت من الشياطين كان في جزيرة من جزائر البحر، فدلوا سليمان، عليه السلام، فأسل إليه بطابع من حديد، وكان خاتمه يرسخ في الحديد والنحاس فيطبع إلى الجن بالنحاس وإلى الشياطين بالحديد ولا يجيبه أقصاهم إلا بذلك، وكان // خاتماً نزل عليه من السماء حلقته بيضاء وطابعه كالبرق لا يستطيع أحد أن يملأ بصره منه فلما وصل الطابع إلى العفريت وجيء به قال له: هل عندك من حيلة أقطع بها الصخر فإني لأكره صوت الحديد في مسجدنا هذا، والذي أمرنا الله به من ذلك هو الوقار والسكينة.

    فقال له العفريت: إني لا اعلم في السماء طيراً أشد من العقاب ولا أكثر حيلة منه، وذهب يبتغي وكر عقاب، فوجد وكراً، فغطى عليه بترس عظيم من حديد، فجاء العقاب إلى وكره، فوجد الترس مسدوداً، فنفخه برجله ليزيحه أو ليقطعه، فلم يقدر عليه فحلق في السماء، ولبث يومه وليلته، ثم أقبل ومعه قطعة من السامور، فتعرفت عليه الشياطين حتى أخذوها منه، وأتوا بها سليمان، عليه السلام، فكان يقطع بها الصخرة العظيمة.

    وكان عدد من عمل معه في بناء بيت المقدس ثلاثين ألف رجل وعشرة آلاف يتراوحون عليهم قطع الخشب في كل شهر عشرة آلاف خشبة وكان الذين يعملون في الحجارة سبعين ألف رجل، وعدد الأمناء عليهم ثلاثمائة غير المسخرين من الجن والشياطين، وعمل فيه سليمان عملاً لا يوصف وزينه بالذهب والفضة والدر والياقوت والمرجان وأنواع الجواهر في سمائه وأرضه وأبوابه وجدرانه وأركانه ما لم ير مثله وسقفه بالعود اليلنجوج، وصنع له مائتي سكرة من الذهب زنة كل سكرة منها عشرة أرطال وأولج فيه تابوت موسى وهارون، عليهما السلام.

    ولما فرغ سليمان، عليه السلام، من بناء بيت المقدس أنبت الله شجرتين عند باب الرحمة إحداهما تنبت الذهب، والأخرى تنبت الفضة فكان في كل يوم ينزع من كل واحدة مائتي رطل ذهباً وفضة، وفرش المسجد بلاطة من ذهب وبلاطة من فضة، فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد، كان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر.

    وكانت صخرة بيت المقدس أيام سليمان، عليه السلام، ارتفاعها اثنى عشر ذراعاً، وكان الذراع ذراع الأمان ذراعاً وشبراً وقبضة، وكان ارتفاع القبة التي عليها ثمانية عشر ميلاً، وروي اثنى عشر ميلاً، وفوق القبة غزال من ذهب بين عينيه درة أو ياقوتة حمراء، تغزل نساء البلقاء على ضوئها بالليل – وهي فوق مرحلتين من القدس- وكان أهل عمواس يستظلون بظل القبة إذا طلعت الشمس من المشرق، وعمواس بفتح الميم وسكونها، وهي التي سمي بها الطاعون على الأرجح لأنه منها ابتداء، وكان في سنة 18 من الهجرة، وهي بالقرب من رملة فلسطين مسافتها عن بيت المقدس نحو بريد ونصف، وإذا غربت الشمس استظل بها أهل بيت الرامة وغيرهم من الغور، ومسافتها عن بيت المقدس أبعد من عمواس.

    وقال بعض المؤرخين: وعمل خارج البيت سوراً محيطاً به امتداده خمسمائة ذراع وأقام سليمان في عمارة بيت المقدس سبع سنين، وفرغ منه في السنة الحادية عشر من ملكه، فيكون الفراغ من عمارة بيت المقدس في أواخر سنة 546 لوفاة موسى، عليه السلام، ومن هبوط آدم، عليه السلام، إلى ابتداء سليمان ببناء بيت المقدس 4414 سنة، وبين عمارة بيت المقدس والهجرة الشريفة المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ألف وثمانمائة وقريب ستين، وقد مضى من الهجرة الشريفة إلى عصرنا هذا 900 سنة كاملة، فيكون الماضي من عمارة بيت المقدس على يد سليمان إلى عصرنا هذا أواخر ذي الحجة ختام عام 900هــ ألفين وسبعمائة سنة وقريب ستين.

    وأما بناء بيت المقدس الأول فقد تقدم أن أول من بناها سام بن نوح، وكانت وفاته بعد الطوفان بخمسمائة سنة، ومن وفاة سام إلى بناء سليمان ألف وستمائة واثنتان وسبعون سنة، // وبين الطوفان والهجرة الشريفة ثلاث آلاف وتسعمائة أربع وسبعون سنة، فيكون الماضي من وفاة سام إلى آخر سنة 900 من الهجرة الشريفة 4374 سنة، فيعلم من ذلك تاريخ بناء مدينة القدس الأول تقريباً، والله أعلم.

    وملخص القول: إن من هبوط آدم، عليه السلام، إلى الطوفان ألفين ومائتين واثنين وأربعين سنة، ومن الطوفان إلى وفاة سام بن نوح خمسمائة سنة، ومن وفاة سام إلى بناء سليمان بيت المقدس ألف وستمائة واثنين وسبعين سنة، ومن بناء سليمان إلى الهجرة الشريفة ألفاً وثمانمائة وقريب سنتين، ومن الهجرة الشريفة إلى عصرنا هذا تسعمائة سنة.

    فهذه المدة التي تقدم تفصيلها قبل ذلك في أماكن متفرقة وجملتها: من هبوط آدم إلى آخر سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة سبعة آلاف سنة ومائة سنة وستة عشر سنة على اختيار المؤرخين كما تقدم عند ذكر سيدنا آدم، عليه السلام، والخلاف في ذلك كثير ويأتي ذكر بناء مدينة سيدنا الخليل، عليه السلام،وأول من اختطها فيما بعد، إن شاء الله تعالى.

    ولما فرغ سليمان من بناء مسجد بيت المقدس سأل الله ثلاثاً: سأله حكماً يوافق حكمه، وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وسأله أن لا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ولهذا كان عبدالله بن عمر، رضي الله عنهما، يأتي بيت المقدس فيدخل فيصلي ركعتين، ثم يخرج ولا يشرب فيه، كأنه يطلب دعوة سليمان.

    وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال:” إن سليمان بن داود، عليهما السلام، سأل ربه ثلاثاً فأعطاه اثنتين، ونحن نرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة: سأله حكماً يصادف حكمه فأعطاه إياه، وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه وسأله أيما رجل يخرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه، فنحن نرجو أن يكون قد أعطاه إياه”.

    ولما رفع سليمان، عليه السلام، يده من البناء بعد الفراغ منه وإحكامه، جمع الناس وأخبرهم أنه مسجد لله تعالى، وهو أمره ببنائه، وأن كل شيء فيه لله سبحانه وتعالى من انتقصه أو شيئاً منه فقد خان الله تعالى، وأن داود عهد إليه ببنائه وأوصاه بذلك من بعده، ثم اتخذ طعاماً وجمع الناس جمعاً لم ير مثله قط، ولا طعاماً أكثر منه، ثم أمر بالقرابين فقربت إلى الله تعالى، وجعل القربان في رحبة المسجد وميز ثورين وأوقفهما قريباً من الصخرة، ثم قام على الصخرة ، فدعا المتقدم ذكره، وزاد عليه زيادة وهي: اللهم أنت وهبت لي هذا الملك منّا منك وطولاً علــّي وعلى والدي، وأنت ابتدأتني وإياه بالنعمة والكرامة، وجعلته حكماً بين عبادك وخليفة في أرضك، وجعلتني وارثه من بعده وخليفة في قومه، وأنت الذي خصصتني بولاية مسجدك هذا، وأكرمتني به قبل أن تخلقني، فلك الحمد على ذلك، ولك المن ولك الطول، اللهم وأسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال:

    أن لا يدخل إليه مذنب لا يعمده إلا لطلب التوبة أن تتبل منه توبته وتغفر له، ولا يدخله خائف لا يعمده إلا لطلب الأمن أن تؤمنه من خوفه وتغفر له ذنبه، ولا يدخله سقيم لم يعمده إلا لطلب الشفاء أن تشفي سقمه وتغفر ذنبه، ولا يدخله مقحط لا يعمده إلا للاستسقاء أن تسقي بلاده، وأن لا تصرف بصرك عن من دخله حتى يخرج منه، اللهم إن أجبت دعوتي وأعطيتني مسألتي، فاجعل علامة ذلك أن تتقبل مني قرباني، فتقبل القربان، ونزلت نار من السماء فامتدت بين الأفقين، ثم امتد عنق منها فأخذ القربان وصعد به إلى السماء.

    وروي أن نبي الله سليمان، عليه السلام، لما فرغ من بنائه، ذبح ثلاثة آلاف بقرة وسبعة آلاف شاة، ثم أتى المكان // الذي في مؤخرة المسجد مما يلي باب الأسباط وهو، الموضع الذي يقال له كرسي سليمان وقال: اللهم من أتاه من ذي ذنب فاغفر له، أو ذي ضر فاكشف ضره، فلا يأتيه أحد إلا أصاب من دعوة سليمان، عليه السلام.

    وهذا الموضع الذي هو معروف بكرسي سليمان من الأماكن المعروفة بإجابة الدعاء وهو داخل القبة المعروفة بقبة سليمان عند باب الدويدارية، ورتب له سليمان، عليه السلام، عشرة آلاف من قراء بني إسرائيل خمسة آلاف بالليل وخمسة آلاف بالنهار حتى لا تأتي ساعة من ليل ولا نهار إلا والله تعالى يعبد فيه.

    وكان سليمان، عليه السلام، إذا دخل مسجد بيت المقدس، وهو ملك الأرض، يقلب بصره ليرى أين يجلس المسكين من العمى والخرس، والمجذوبين، فيدع الناس وينطلق فيجلس معهم تواضاً، ويرفع طرفه إلى السماء، ثم يقول: مسكين مع المساكين.

    وروي أن مفتاح بيت المقدس كان يكون عند سليمان ولا يأمن عليه أحد، فقام ذات ليلة ليفتحه فعسر عليه، فاستعان عليه بالأنس فعسر عليهم، ثم استعان عليه بالجن فعسر عليهم، فجلس كئيباً حزيناً يظن أن ربه قد منعه منه، فبينما هو كذلك إذ أقبل شيخ يتكئ على عصاً له وقد طعن في السن، وكان من جلساء داود، عليه السلام، فقال: يا نبي الله أراك حزيناً؟ فقال: قمت إلى هذا الباب لأفتحه، فعسر علـىّ، فاستعنت عليه بالأنس والجن فلم ينفتح، فقال الشيخ: ألا أعلمك كلمات كان أبوك يقولهن عند كربه فيكشف الله عنه؟ قال: بلى، قال: قل اللهم بنورك اهتديت، وبفضلك استعنت، وبك أصبحت وأمسيت، ذنوبي بين يديك، أستغفرك وأتوب إليك، يا حنان يا منان، فلما قالها فتح له الباب، فيستحب أن يدعو الزائر وغيره بهذا الدعاء إذا دخل من باب الصخرة وكذلك من باب المسجد.

    ومن العجائب التي كانت ببيت المقدس السلسلة التي جعلها سليمان بن داود، عليهما السلام، معلقة من السماء إلى الأرض شقي الصخرة مكان قبة السلسلة، الموجودة الآن وفيها يقول الشاعر:

    لقد مضى الوحي ومات العلا وارتفع الجود مع السلسلة

    وكانت هذه السلسلة لا يأتيها رجلان إلا نالها المحق منهما ومن كان مبطلاً ارتفعت فلم ينلها، وملخص حكايتها مع اختلاف فيه: أن رجلاً يهودياً كان قد استودعه رجل مائة دينار، فلما طلب الرجل وديعته جحده ذلك اليهودي فترافعاً إلى ذلك المقام عند السلسلة، فأخذ اليهودي بمكره ودهائه، فسبك تلك الدنانير، وحفر لها في عصاه وجعلها فيه، فلما أتي ذلك المقام دفع العصا إلى صاحب الدنانير العصا، وأقبل حتى أخذ السلسلة، فحلف أنه لم يأخذها منه ومسك كلاهما السلسلة، فعجب الناس من ذلك، فارتفعت السلسلة من ذلك اليوم لخبث الطويات وحكي غير ذلك.

    وعمل سليمان، عليه السلام، تحت الأرض بركة وجعل فيها ماء وجعل على وجه ذلك الماء بساطاً وجلس رجل عظيم أو قاضٍ جليل فمن كان على الباطل إذا وقع في ذلك الماء غرق، ومن كان على الحق لا يغرق.

    ومن العجائب التي كانت أيضاً في بيت المقدس في الزمان الأول ما حكاه صاحب (مثير الغرام) أن الضحاك بن قيس صنع فيه العجائب:

    الأولى : أنه صنع به في ذلك الزمان ناراً عظيمة اللهب، فمن عصى الله في تلك الليلة أحرقته تلك النار حين ينظر إليها.

    الثانية : من رمى بيت المقدس بنشابة، رجعت النشابة إليه.

    الثالثة : وضع كلباً من خشب على باب بيت المقدس فمن كان عنده شيء من السحر إذا مرّ بذلك الكلب، فإذا نبح عليه نسى ما عنده // من السحر.

    الرابعة : وضع باباً فمن دخل من ذلك الباب إذا كان ظالماً من اليهود ضغطه ذلك الباب حتى يعترف بظلمه.

    الخامسة : وضع عصا في محراب بيت المقدس فلم يقدر أحد يمس تلك العصا إلا من كان من ولد الأنبياء ومن كان سوى ذلك أحرقته يده.

    السادسة : كانوا يحبسون أولاد الملوك عندهم في محراب بيت المقدس فمن كان من أهل المملكة إذا أصبح أصابوا يده مطلية بالدهن.

    وكان ولد هارون يجيئون إلى الصخرة ويسمونها الهيكل بالعبرانية وكانت تنزل عليهم عين زيت من السماء، فتدور في القناديل فتملأها من غير أن تمس، وكانت تنزل نار من السماء فتدور على مثال سبع على جبل طور زيتاً، ثم تمتد حتى تدخل من باب الرحمة، ثم تصير على الصخرة فيقول ولد هارون: تبارك الرحمن لا إله إلا هو.

    فغفلوا ذات ليلة عن الوقت الذي كانت تنزل النار فيه، فنزلت وليس هم حضوراً، ث ارتفعت النار، فجاءوا فقال الكبير للصغير: يا أخي قد كتبت الخطيئة أي شيء ينجينا من بني إسرائيل إن تركنا هذا البيت الليلة بلا نور ولا سراج، فقال الصغير للكبير: تعال حتى نأخذ من نار الدنيا فنسرج القناديل لئلا يبقى هذا البيت في هذه الليلة بلا نور ولا سراج، فأخذا من نار الدنيا وأسرجا فنزلت عليها النار في ذلك الوقت، فأحرقت نار السماء نار السماء نار الدنيا وأحرقت ولدي هارون، فناجى نبي ذلك الزمان، فقال: يا رب أحرقت ولدي هارون وقد علمت مكانهما فأوحى الله تعالى إليه هكذا أفعل بأوليائي إذا عصوني فكيف بأعدائي ؟؟؟!! .

    ذكر خراب بيت المقدس على يد بخت نصر

    ——————————————————————————–

    لما توفي سليمان، عليه السلام، ملك بعده ابنه رحبعم، بضم الراء والحاء المهملتين وسكون الباء الموحدة وفتح العين المهملة ثم ميم، وفي أيامه اختل نظام الملك، وخرج عن طاعته عشرة أسباط، ولم يبق تحت طاعته سوى سبطين، وصار الأسباط العشرة ملوكاً تعرف بملوك الأسباط، واستمر الحال على ذلك نحو مائتين وإحدى وستين سنة.

    وكان ولد سليمان في بني إسرائيل بمنزلة الخلفاء للإسلام، لأنهم أهل الولاية، وكان الأسباط مثل ملوك الأطراف والخوارج، وارتحل الأسباط إلى جهات فلسطين وغيرها بالشام، واستقر ولد داود ببيت المقدس.

    واستمر رحبعم على ما استقر له من الملك، وزاد في عمارة بيت لحم وغزة وصور، وعمر أيلة وجددها وملك سبع عشرة سنة ومات.

    ثم ملك بعده ابنه أفيّا، بفتح الهمزة وكسر الفاء التي هي بين الألف والياء على مقتضى اللغة العبرانية وتشديد الياء المثناة من تحتها ثم ألف، وكانت مدة ملكه ثلاث سنين ومات .

    ثم ملك بعده ابنه أسا، بفتح الهمزة والسين المهملة ثم ألف، وكانت مدة ملكه إحدى وأربعين سنة ومات .

    ثم ملك بعده ابنه يهوشافاط، بفتح الياء المثناة من تحتها وضم الهاء وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وبعدها ألف ثم فاء وألف وطاء مهملة، وكان رجلاً صالحاً كثي العناية بعلماء بني إسرائيل وكانت // مدة ملكه خمساً وعشرين سنة ومات.

    ثم ملك بعده ابنه يهورام، بفتح الياء المثناة من تحتها وضم الهاء وسكون الواو ثم راء مهملة ثم ألف وميم، وكانت مدة ملكه ثماني سنين ومات .

    ثم كان بعده ابنه أهزياهو، بفتح الهمزة والهاء المهملة وسكون الزاي المعجمة ثم مثناة من تحتها ثم ألف وهاء ثم واو، وكانت مدة ملكه سنتين ومات .

    ثم كان بعده أهزياهو فترة بغير ملك، وحكمت في الفترة المذكورة امرأة ساحرة أصلها من جواري سليمان، عليه السلام، واسمها عثلياهو، بفتح العين المهملة والثاء المثلثة وسكون اللام وفتح الياء المثناة من تحتها وبعدها ألف ثم هاء مضمومة ثم واو، ويقال عثليا بغير هاء ولا واو، وتتبعت بني داود، فأفنتهم وسلم منها طفل أخفوه عنها، وكان اسم ذلك الطفل يواش بن أحزبوا، واستولت عثلياهو سبع سنين، فيكون آخر الفترة وعدمت عثلياهو في أواخر سنة ثمان وسبعين وسبتمائة لوفاة موسى، عليه السلام.

    ثم ملك بعد عثلياهو يؤاش وهو ابن سبع سنين، ويؤاش، بضم الياء المثناة من تحتها ثم همزة وألف وشين معجمة، وفي السنة الثالثة والعشرين من ملكه رمم بيت المقدس وجدد عمارته، وملك أربعين سنة ومات.

    ثم ملك بعده ابنه أمصياهو، بفتح الهمزة والميم وسكون الصاد المهملة ومثناة من تحتها ثم ألف وهاء ثم واو، وملك تسعاً وعشرين سنة، وقيل: خمس عشرة وقتل .

    ثم ملك بعده عزياهو، بضم العين المهملة وتشديد الزاي المعجمة ثم مثناة من تحتها ثم ألف وهاء ثم واو، وملك اثنتين وخمسين سنة ولحقه البرص، وتنغصت عليه أيامه، وضعف أمره في آخر وقته، وتغلب عليه ولده يوثم ومات .

    ثم ملك بعده ابنه يوثم، بضم المثناة من تحتها وسكون الواو وفتح الثاء المثلثة ثم ميم، وفي أيامه كان يونس النبي، عليه السلام، وملك ست عشرة سنة ومات .

    ثم ملك بعده ابنه آحز، بهمزة ممدودة ممالة أيضاً وحاء مهملة مفتوحة ثم زاي معجمة، وملك ست عشرة سنة ومات .

    ثم ملك بعده ابنه حزقيا، بكسر الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة وكسرر القاف وتشديد الياء المثناة من تحتها ثم ألف، وكان رجلاً صالحاً مظفراً، ولما دخلت السنة السادسة من ملكه انقرضت دولة الخوارج ملوك الأسباط، الذين نبهنا عليهم عند ذكر رحبعم بن سليمان، وانضم من بقى من الأسباط إلى حزقياً، ودخلوا تحت طاعته، وكان من الصلحاء الكبار وكان قد خرج عليه سنحاريب ملك بابل والموصل، ونزل حول بيت المقدس في ستمائة ألف راية، فنصره الله وأهلك عسكر سنحاريب، ووقع سنحاريب في أسره ثم أطلقه وسيره إلى بلاده، وكان قد فرغ عمر حزقيا قبل موته بخمس عشرة سنة، فزاده الله في عمره خمس عشرة سنة، وأمره أن يتزوج، وأخبره بذلك نبي كان في زمانه، وهو أشعيا، وأشعيا هو الذي بشر بالنبي، صلى الله عليه وسلم، وبشر بعيسى، عليه السلام، وملك حزقيا تسعاً وعشرين سنة ومات .

    ثم ملك بعده ابنه منشا، بميم ونون مفتوحتين وشين معجمة ومشددة وألف وملك خمساً وخمسين سنة ومات.

    ثم ملك بعده ابنه آمون، بهمزة ممالة وميم مضمومة ثم واو ونون، وملك سنتين، ومات.

    ثم ملك بعده ابنه يوشيا، بضم المثناة من تحتها وسكون الواو وكسر الشين المعجمة وتشديد المثناة من تحتها ثم ألف، ولما ملك أظهر الطاعة والعبادة وجدد عمارة بيت المقدس وأصلحه، وملك يوشيا إحدى وثلاثين سنة ومات.

    ثم ملك بعده ابنه يهوياخين، بياء مثناة من تحتها مفتوحة وهاء مضمومة وبعدها واو ثم ياء مثناة من ساكنة ثم نون، ولما ملك غزاه فرعون مصر، وهو الأعرج، فأخذ يهوياخين أسيراً إلى مصر فمات بها، وكانت مدة ملكه ثلاثة أشهر.

    ولما أسر يهوياخين ملك بعد أخوه يهوياقيم، بفتح المثناة من تحتها وضم الهاء ثم واو ساكنة وياء مثناة من تحتها // وألف وقاف مكسوة ويا مثناة من تحتها ساكنة وميم، وفي السنة الرابعة من ملكه تولى بخت نصر على بابل، وكان ابتداء ولايته في سنة تسع وسبعين وتسعمائة لوفاة موسى، عليه السلام، وتفسير بخت نصر بالعبرانية -عطارد وهو ينطق- سمي بذلك لتقريبه العلماء والحكماء وحبه أهل العلم.

    واختلف المؤرخون فيه هل كان ملكاً مستقلاً بنفسه أم كان نائباً للفرس، والأصح عند الأكثر: أنه كان نائباً للملك اسمه لهراسف، وبين ولاية بخت نصر والهجرة الشريفة ألف وثلثمائة وتسع وستون سنة ومائة وسبعة عشر يوماً، وقد مضى من الهجرة الشريفة إلى عصرنا تسعمائة سنة، فيكون الماضي من ولاية بخت نصر إلى آخر تسعمائة من الهجرة الشريفة ألفين ومائتين وتسعاً وستين سنة وفي السنة الرابعة من ملكه، وهي السابعة من ملك يهوياقيم، سار بخت نصرر بالجيوش إلى الشام، وغزا بني إسرائيل لما حصل منهم من التغيير والتبديل وفعل القبيح فلم يحاربه يهوياقيم ودخل تحت طاعته فأبقاه بخت نصر على ملكه، ورجع بنو إسرائيل إلى الله تعالى، وتابوا عن المعاصي، فرد الله عنهم بخت نصر وبقي يهوياقيم تحت طاعة بخت نصر ثلاث سنين، ثم خرج عن طاعته وعصى عليه، فأرسل بخت نصر وأمسك يهوياقيم، وأمر بإحضاره، فمات يهوياقيم في الطريق من الخوف، فكانت مدة ولايته نحو إحدى عشرة سنة، وانقضى ملكه في أوائل سنة ثمانٍ لابتداء ملك بخت نصر.

    ولما أخذ يهوياقيم المذكور إلى العراق استخلف مكانه ابنه يخنيو، بفتح المثناة من تحتها والخاء المعجمة وسكون النون وضم المثناة من تحتها ثم واو، فأقام موضع أبيه مائة يوم، ثم أرسل بخت نصر من أخذه إلى بابل وأخذ معه أيضاً جماعة من علماء بني إسرائيل من جملتهم: دانيال النبي، وحزقيل النبي، وهو من نسل هارون، عليه السلام، وحال وصول يخنيو سجنه بخت نصر. ولم يبرح مسجوناً حتى مات بخت نصر.

    ولما أمسك بخت نصر يخنيو نصب مكانه على بني إسرائيل عم يخنيو المذكور، وهو صدقيا، بكسر الصاد المهملة وسكون الدال المهملة وكسر القاف وفتح الياء المثناة من تحتها مع التشديد وبعدها ألف، واستمر صدقيا تحت طاعة بخت نصر، وكان أرميا النبي، عليه السلام، في أيام صدقيا فبقى يعظه ويعظ بني إسرائيل لما أحدثوا من المعاصي والطغيان ونقض التوبة، ويهددهم ببخت نصر وهم لا يلتفتون إلى وعظه.

    وفي السنة التاسعة من ملك صدقيا عصى على بخت نصر، وكان أرميا، عليه السلام، قد رأى بخت نصر قديماً، وهو صبي أقرع، ورآه يأكل ويتغوط ويقتل القمل، فقال له: ما هذا؟ فقال: أذى يخرج ومنفعة تدخل وعدو يقتل، فقال له: سيكون لك شأن، فـأخذ أرميا من بخت نصر أماناً لبيت المقدس ومن فيها، وكتب له الأمان في جلد، فلما صار الملك إلى بخت نصر وعصى عليه صدقيا، كما تقدم، قصد بخت نصر بيت المقدس، فلما بلغ سهول الرملة وأعلم أرميا بذلك سار إليه وأعطاه الأمان، فنظره وقال: هو أماني ولكني مبعوث، وقد أمرت أن أرمي بسهمي فحيثما وقع سهمي طلبت الموضع، فرمى بسهمه فوقع في قبة بيت المقدس وأخبرهم بذلك.

    ثم سار بخت نصر بالجيوش، وكان معه ستمائة ألف راية، ودخل بيت المقدس، وأعانهم على ذلك النصارى قال الله تعالى: ] أُؤ’لُئكُ ما كَانَ لَهُــم أَن يَدخُلُوهَاَ إلا خائفِينَ [ .

    قال: وهم النصارى، لا يدخلون المسجد إلا مسارقة عن قدر عليهم عوقبوا ] لَهُـْمـ فيِ الدُّنـيَــا خِــزْى‘ [ قال: يعطون الجزية عن يد ] وَهُــم صَــاغِـُرونَ [ .

    ذكر عمارة بيت المقدس الثانية

    ——————————————————————————–

    لما جرى ما ذكر من تخريب بيت المقدس ولبثه على التخريب سبعين سنة، عمّره بعد ذلك بعض ملوك الفرس واسمه عند اليهود، كورش. وقيل : اختلف فيه، فقيل: هو دارا بن بهمن، وقيل: هو بهمن المذكور وهو الأصح. وكان كريماً متواضعاً علامته على كتبه: من أردشير بهمن، عبدالله، وخادم الله، والسائس لأمركم، وتفسير بهمن بالعبرانية: الحسن النية.

    ذكر خراب بيت المقدس الخراب الثاني

    ——————————————————————————–

    لما جرى ما تقدم شرحه من رفع المسيح إلى السماء استمرت بيت المقدس بعده عامراً بعده أربعين سنة، وتولى على بني إسرائيل جماعة من الملوك واحداً بعد واحد إلى أن ملك طيطوس الرومي، وكان محل ملكه مدينة روما من بلاد الفرنج ففي السنة الأولى من ملكه، قصد بيت المقدس، وأوقع باليهود، فقتلهم وأسرهم عن آخرهم إلا من اختفى، ونهب القدس وخربه، وأحرق الهيكل وأحرق كتبهم، وأخلى القدس من بني إسرائيل: ] كَــأَن لَّــمْ تـَغْـنَ بِاْلأَمْـسِ [ ، ولم يعد لهم بعد ذلك رئاسة ولا حكم.

    وكان ذلك بعد رفع المسيح بنحو أربعين سنة كما تقدم وهو لمضي ثلاثمائة وست وسبعين سنة من غلبة الإسكندر ولثمانمائة وإحدى عشرة سنة مضت لابتداء ملك بخت نصر. وهذه المرة التي ذكرها الله تعالى في القرآن العظيم، فقال: ] فَإَذا جَـاَءَ وَعْـدُ الآَخِـرَةِ [ من إفسادكم وذلك قصدهم قتل عيسى، عليه السلام، حين رفع، وقتلهم يحيى، عليه السلام، فسلط الله عليهم الفرس والروم وخردوش وطيطوش حتى قتلوهم وسبوهم ونفوهم عن ديارهم فذلك قوله تعالى: ] لِـيِـَسُـئوُا وُجُوهَكــُمْ – بإدخال الهم والغم والحزن- وَلِـيْدخُــلُواْ المَـسجِــدَ كَـمَا دَخـَلُوهُ أَوَّلَ مَـرَّةٍ وَلِــيُـتَبِروا مَا عَلوَا تتَـبـيراً Æ عسَى رَبُكُم أَن يَرحَمَكُمْ [ ، بعد انتقامه منكم فيرد الدولة إليكم وإن عدتم إلى المعصية عدنا إلى العقوبة. قال قتادة: فعادوا، فبعث الله محمداً، r، فهم يعطون // الجزية عن يد وهم صاغرون.

    وبين مدة التخريب الثاني والهجرة الشريفة خمسمائة وثمان وخمسون سنة بالتقريب، فيكون الماضي من خراب بيت المقدس الثاني إلى آخر سنة تسعمائة هجرية ألفاً وأربعمائة وثمانٍ وخمسين سنة بالتقريب وهو تاريخ تشتت اليهود إلى البلاد، والله سبحانه وتعالى أعلم .

    ذكر عمارة بيت المقدس الشريف المرة الثالثة

    ——————————————————————————–

    لما جرى ما ذكر من تخريب طيطوس بيت المقدس وما فعله في اليهود تراجع إلى العمارة قليلاً وترمم شعثه واستمر عامراً حتى سارت هيلانة أم قسطنطين المظفر إلى القدس وابنها قسطنطين، كان ملكاً في رومية، ثم انتقل منها إلى قسطنطينية وبنى سورها وتنصر، وكان اسمخا بزنطية فسماها القسطنطينية.

    وزعمت النصارى أنه بعد ست سنين خلت من ملكه ظهر له في السماء شبه الصليب فأمر بالنصرانية، وكان قبل ذلك هو ومن تقدمه على دين الصابئة يعبدون أصناماً على أسماء الكواكب السبعة، ولمضي عشرين سنة من ملك قسطنطين المذكور اجتمع ألفا وثمانمائة وأربعون أسقفاً، ثم اختار منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً، فحرموا آريوس الإسكندري لكونه يقول إن المسيح كان مخلوقاً، واتفق الأساقفة المذكورون لدى قسطنطين ووضعوا شرائع النصرانية بعد أن لم تكن، وكان رئيس هذه البطارقة بطريق الإسكندرية ومن هنا كان أصل النصرانية في الروم .

    وكان قبل ذلك في سنة إحدى عشرة خلت من ملكه سارت أمه هيلانة، المتقدم ذكرها، إلى القدس في طلب خشبة المسيح التي تزعم النصارى أن المسيح صلب عليها، ولما وصلت إلى القدس أخرجت خشبة الصليب، وأقامت لذلك عيد الصليب، وبنت كنيسة قمامة على القبر الذي تزعم النصارى أن عيسى دفن فيه، وبنت المكان المقابل لقمامة المعروفة يومئذ بالدركاه، وكنيسة الجيسمانية التي بها قبر مريم، عليها السلام، وغير ذلك، وخربت هيكل بيت المقدس إلى الأرض وهو الذي كان في المسجد، وأمرت أن يلقى في موضعه قمامات البلد وزبالته، فصار موضع الصخرة الشريفة مزبلة .

    وبقي الحال على ذلك حتى قدم عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وفتح بيت المقدس الشريف على ما سنذكره عند ذكر الفتح العمري إن شاء الله تعالى. قال المشرَّف عن كعب قال: كانت قبة صخرة بيت المقدس طولها في السماء اثنى عشر ميلاً وكان أهل أريحاً وعمواس يستظلون بظلها، وكان عليها ياقوتة تضيء بالليل كضوء الشمس، فإذا كان النهار طمس الله ضوءها، فلم تزل كذلك حتى أتت الروم فغلبوا عليها. فلما صارت في أيديهم قالوا: تعالوا نبني عليها أفضل من البناء الذي كان عليها فبنوا عليها على قدر طولها في السماء وزخرفوه بالذهب والفضة. فلما فرغوا من البناء دخله سبعون ألفاً من الرهبان وشمامسهم في أيديهم مجامر الذهب والفضة وأشركوا فيها فانقلبت عليهم فما خرج منهم أحد .

    فلما رأى ملك الروم ذلك جمع البطارقة والشمامسة ورؤساء الروم فقال لهم: ما ترون؟ قالوا: نرى أنا لم نرض إلهنا، فلذلك لم يقبل بناءه، قال: فأمر به الثانية فبنوها وأضعفوها فيها النفقة ودخلوها سبعين ألفاً مثل ما دخلوا أول مرة، ففعلوا كفعلهم. فلما أشركوا انقلبت عليهم. ولم يكن الملك معهم، فلما رأى ذلك جمعهم ثالثة وقال لهم: ما ترون؟ قالوا: لم نرض ربنا كما ينبغي فلذلك خرجت ونحب أن تبني ثالثة، فبنوا الثالثة حتى إذا رأوا أنهم قد أتقنوها وفرغوا منها جمع النصارى وقال: هل ترون من العيب شيئاً؟ قالوا: لا، فكلها بصليب الذهب والفضة، ثم دخلها قوم اغتسلوا وتطيبوا، فلما دخلوا أشركوا كما أشرك أصحابهم فخرت عليهم ثالثة، فجمعهم ملكهم رابعة واستشارهم، وكثر خوضهم في ذلك.

    فبينما هم على ذلك إذ أقبل عليهم شيخ كبير عليه برانس سود وعمامة سوداء قد انحنى ظهره يتوكأ على عصا وقال: يا معشر النصارى إلى بنوا فيه كنيسة القمامة- وأنا أريكم الموضع إن هذا المكان قد لعن أصحابه وأن القدس قد نزع وتحول إلى هذا الموضع- وأشار إلى الموضع إلى الموضع الذي بنوا فيه كنيسة القمامة وأنا أريكم موضع ولستم تروني بعد هذا اليوم أبداً اقبلوا مني ما أقول لكم وأغواهم وزادهم طغياناً وأمرهم // أن يقلعوا الصخرة ويبنوا بحجارتها الموضع الذي أمرهم به، فبينما هو يكلمهم ويقول لهم ذلك إذ خفي فلم يروه وازدادوا كفراً وقالوا فيه قولاً عظيماً، فخربوا المسجد، وحملوا العمد وغيرها وبنوا بها كنيستهم الكنيسة التي في الوادي جهنم. وقال لهم: إذا فرغتم من هذه فأفرغوه واتخذوه مزبلة لعذراتكم. ففعلوا ذلك حتى كانت المرأة الحائض تطرح خرق حيضها عليه من القسطنطينية.

    واكبوا على ذلك حتى بعث الله محمداً، صلى الله عليه وسلم، وأسرى به إليها وذكر فضلها، حكى ذلك صاحب ( مثير الغرام) وقال: وقد تقدم عن بخت نصر هو الذي خرب عمارة سليمان، وهذا الذي رواه المشرف عن كعب الأحبار يقتضي أن الذي خرب عمارة سليمان وتغلب عليها إنما هم الروم، وهذا غير مستقيم اللهم إلا أن نجعل ملك الفرس المتقدم الباني لها بعد تخريب بخت نصر بناء المكان على نعت بناء سليمان، عليه السلام.

    قصة المعراج وما وقع لنبينا محمد ليلة الإسراء بالمسجد الأقصى

    ——————————————————————————–

    لما بعث الله رسوله، صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه الوحي وأمره بإظهار دينه وأيده بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة، أسرى به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله وهو بيت المقدس من إيلياء وقد فشا الإسلام في قريش وفي القبائل كلها.

    وكان الإسراء ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة. وقال ابن الجوزي: وقد قيل: كان ليلة السابع والعشرين من رجب، واختلف الناس في الإسراء برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقيل: إنما كان جميع ذلك في المنام والحق الذي عليه أكثر الناس ومعظم السلف وعامة المتأخرين من الفقهاء والمتحدثين والمتكلمين أنه أسري بجسده، e، يقظة، لأن قوله تعالى: ] وَمَا جعَلْنا الُّــرؤياَ الَّــتيِ أََريناكَ إلاَّ فِتْنَـةًَ للِنــَّاسِ [ تدل على ذلك ولو كانت الرؤيا نوم ما افتتن بها الناس حتى ارتد كثير ممن كان أسلم.

    وقال الكفار: يزعم محمد أنه أتى بيت المقدس وجع إلى مكة في ليلة واحدة والعير تطرد إليه شهراً مقبلة وشهراً مدبرة. ولو كانت رؤيا نوم لم يستبعدوا ذلك منه، قال ابن عباس، رضي الله عنهما: هي رؤيا عين رآها النبي، صلى الله عليه وسلم، رؤيا منام، قال الله تعالى: ] مَا زَاغ البَصَرُ وَماَ طَغىَ (17)[ أضاف الأمر إلى البصر، وقوله تعالى: ]مَا كَذبَ الفُؤادُ مَا رَأى (11) [ أي لم يوهم القلب العين غير الحقيقة بل صدق رؤيتها. واختلف السلف والخلف: هل رأى محمد، صلى الله عليه وسلم، ربه ليلة الإسراء، فأنكرته عائشة، رضي الله عنها. وروي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه قال: رآه بعينيه ومثله عن أبي ذر وكعب والحسن وكان يحلف على ذلك. وحكي مثله عن ابن مسعود // وأبي هريرة والإمام أحمد بن حنبل، رضي الله عنهم، وحكى النقاش عن الإمام أحمد أنه قال: أنا أقول بحديث ابن عباس بعينيه رآه، رآه، حتى انقطع نفس الإمام أحمد.

    واختلفوا في أن نبينا هل كلم ربه عز وجل، ليلة الإسراء، فذكر عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال: أوحي إليه بلا واسطة. وإلى هذا ذهب المتكلمون أن محمداً كلم ربه، عز وجل، في ليلة الإسراء، وحكوه عن ابن عباس وابن مسعود.

    واختلف في المكان الذي أسرى به ربه منه: فروي عنه، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ” بينما أنا نائم في بيت أم هانئ بنت أبي طالب – وفي رواية: بينما أنا في الحطيم وربما قال: في الحجر مضطجعاً، ومنهم من قال: بينما أنا بين النائم واليقظان، وكانت ليلة الاثنين إذ هبط عليّ الأمين جبريل، عليه السلام”، وذكر القصة.

    وكان من حديث المعراج الشريف ما روي عن النبي، عليه السلام، أنه قال:” أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبته متى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين”. وفي رواية: فلما دخلت المسجد إذا أنا بالأنبياء والمرسلين قد حشروا إلى من قبورهم، ومثلوا لي وقد قعدوا صفوفاً صفوفاً ينتظرونني فسلموا علي، فقلت: يا جبريل من هؤلاء القوم؟ قال: إخوانك الأنبياء والمرسلين، زعمت قريش أن لله شريكاً، وزعمت النصارى أن لله ولداً، إسأل هؤلاء النبيين هل كان لله، عز وجل، شريك؟ ثم قرأ: ] وَسئَل من أَرسَلنَا مِن قَبلِكَ مِن رُّسُلِنا أَجَعَلناَ مِن دُونِ الرَّحمنِ ءَالِهةً يُعبدونَ (45) [ .

    قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر في كتاب التنزيل له: إن هذه الآية أنزلت على النبي، صلى الله عليه وسلم، ببيت المقدس ليلة الإسراء، وقد عدها غيره من العلماء في الشامي والذي قاله أبو القاسم أخص مما ذكروه، فلما أنزلت وسمعها الأنبياء، عليهم السلام، أقروا لله عز وجل بالوحدانية. قال عليه الصلاة والسلام: ” ثم جمعهم جبريل وقدمني فصليت بهم ركعتين، قال صلى الله عليه وسلم: ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، e، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا بآدم، عليه السلام، فرحب بي ودعا لي بخير.

    ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، e، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا ببني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا، عليهم السلام، فرحبا بي، ودعوا لي بخير.

    ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، فذكر مثل الأول، ففتح لنا فإذا أنا بيوسف، عليه السلام، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحب بي، ودعا لي بالخير.

    ثم عرج إلى السماء الرابعة، وذكر مثله، فإذا أنا بإدريس، فرحب بي، ودعا لي بالخير، قال الله تعالى: ] وَرَفــعناهُ مكَاناً علِيــّاً (57) [

    ثم عرج إلى السماء الخامسة، فذكر مثله، فإذا أنا بهارون، فرحب بي، ودعا لي بخير.

    ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فذكر مثله -فإذا أنا بموسى، فرحب بي، ودعا لي بخير.

    ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فذكر مثله، فإذا أنا بإبراهيم، عليه السلام، مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألفاً ملك لا يعودون إليه.

    ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال. قال: فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى الله تعالى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة.

    فنزلت إلى موسى فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى بك واسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم. قال: فرجعت إلى ربي فقلت: يا ربي خفف عن أمتي فحط عني خمساً، فرجعت إلى موسى فقلت: حط عني خمساً، قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف.

    قال: فلم أزل أرجع بين يدي ربي وبين موسى حتى صارت خمس صلوات، قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف.

    قال: يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون // صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشراً، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئاً، فإن عملها كتبت له سيئة واحدة.

    قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، فأخبرته فقا

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد