الرئيسية منتديات مجلس التعليم العصري مفهوم المقايضة (( بحث ))

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #71847

    مفهوم المقايضة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    مقدمة: يقصد بالمقايضة مبادلة السلع والخدمات بعضها ببعض دون إستخدام للنقود، مثال هذا أن يبيع شخص ما حصان لشخص آخر مقابل الحصول على ثور أو عدد من الماعز، أو أن يقوم صاحب المزرعة باستئجار خدما تبعض الأفراد مقابل إعطائهم قدرا معينا من المحصول في النهاية وهكذا…
    ولقد كانت صفقات المقايضة شيئا شائعا في المجتمعات البدائية قديما قبل إستخدام النقود، ولكننا مازلنا حتى في الوقت الحاضر نجد أمثلة عديدة لها في البلدان المتخلفة إقتصاديا، فالعمال الزراعيون مثلا قد يقبلون العمل في كثير من الحالات غلة عينية، وحلاق القرية قد يقبل أجرة في كثير من الحالات في شكل كميات من السلع أو الخدمات، وكثير من أهل القرى في البلدان المتخلفة مازالوا يحصلون على العديد من إحتياجاتهم من سوق القرية بعمليات المقايضة، كذلك قد تأخذ المقايضة مكان في البلدان المتقدمة إقتصاديا في حالات إستثنائية.
    وفي عصر من العصور القديمة كانت المقايضة تمثل مرحلة هامة من مراحل التطور الإنساني والإقتصادي، فلقد عاش الإنسان مرحلة من الزمن عيشة بدائية إنعزالية كان يحاول أن يشبع فيها معظم إحتياجاته من غذاء وكساء بمجهوده الشخصي، ودون أن يفطن إلى المكاسب التي يمكن له تحقيقها من جراء التخصص في إنتاج بعض السلع ومبادلتها مع آخرين من أقرانه الذين يمكن أن يتخصصوا في إنتاج سلع أخرى.
    وهكذا جاءت المقايضة في عصر يتمثل في قفزة هائلة في تاريخ الإنسان إنتقلت به من مرحلة بدائية إتسمت بالإنعزالية الإقتصادية على مستوى المجتمع الواحد إلى مرحلة جديدة تمثل بداية التخصص. وبداية مرحلة الإقتصاد التبادلي القائم على المقايضة أصبح في مركز يسمح له بمبادلة بعض السلع أو الخدمات التي يتقن إنتاجها ببعض السلع والخدمات التي يتقن الآخرون إنتاجها.
    ولكن المقايضة كان لها عدد من الصعوبات أو المتاعب التي ظهرت وإزدادت تدريجيا ثم تفاقمت خصوصا مع إزدياد درجة التخصص في الأعمال، ومن هذه الصعوبات نذكر ما يلي:
    – مشكلة تحقيق التوافق المزدوج للرغبات
    – صعوبة قياس القيم
    – صعوبة تجزئة أنواع عديدة من السلع.
    الفصل الاول:
    أولا: تعريف النقود على أساس تجريبي:
    يفضي إستعمال تعريفات مختلفة للنقود إلى حدوث خلط في كل من النظرية النقدية والسياسية النقدية، وصناع السياسة النقدية ينشدون النصيحة من الإقتصاديين حول السلوك الصحيح للسياسة النقدية، مما يتطلب من الإقتصاديين أن يعرفوا أولا تلك النقود، وبالإضافة إلى ذلك فإن النتائج التي تصل إليها البحوث حول أثر النقود على المتغيرات الإقتصادية تعتمد جزئيا على التعريف الذي تبناه الباحث للنقود، فلكي نفهم المشاكل التي ينطوي عليها تعريف مكونات ما يسمى نقودا من الملائم أن تبحث المحاولات التي تبذل لتحديد التعريف الصحيح للنقود.
    فأحد هذه المحاولات تنصب على تعريف النقود بناءا على العلاقة بين النقود والدخل القومي، فالنقود تشتمل كل المكونات التي يكون لها صلة وثيقة بالدخل القومي، بحيث تكون مكونات ما يسمى نقودا مرتبطة إرتباطا قويا بالدخل القومي، والتغيراتفي تلك المكونات

    تعريف النقود:
    – هناك عدة تعريفات للنقود كما طرحها النقديون مثال ذلك تعريف “جون كلاين-“john-klein الذي يقول هي أي شيء يلقى قبول عاما كوسيلة لتسديد الديون.
    – أما الإقتصادي “إميل جيمز- “emile james فقد عرف النقود بأنها طل سلعة تسمح بحكم القانون أو العرف لكل مشتر أو مدين بالدفع مقابل سلعة أو تسديد دين دون رفضها أو مناقشة قيمتها من قبل البائع أو الدائن.
    – أما “إدوارد شابيرو- “edward shapiro فقد عرف النقود بأنها أي شيء مقبول عموما كوسيلة دفع مقابل السلع والخدمات وتسديد الديون.

    تعتبر عناصر نقدية مكونة للغلرض النقدي.
    ولقد اتبع ميلتون فريدمان هذا المدخل لتعريف النقود، ولكن النتائج التي توصلت إليها البحوث لتعريف النقود وفقا لمدى إرتباط عناصرها بالدخل القومي، لم تقدم أساسا صلبا لإختيار مجموعة محددة من الأصول وإعتبارها نقودا، ومن ثمة فكتاب مختلفون توصلوا إلى أن عناصر مختلفة ترتبط إرتباطا وثيقا بالدخل، وإن الفروق بين نتائج البحوث التي تبنت عناصر مختلفة لمكونات النقود كانت من الصفر وبحيث لا يعتبر الفرق بين نتائجها معنويا، ولكنها رغم ذلك توصلت لمكونات متباينة لتعريف النقود.
    والمحاولة الثانية لتعريف النقود تنصب على تعريف النقود على أنها وسيلة للمبادلات وعلى هذا فإن عناصر النقود هي: وحدات العملة والودائع تحت الطلب والعملة المساعدة والشيكات السياحية وهي عناصر تستخدم في آداء وظيفة وسيط المبادلات.
    وهناك محاولة ثالثة ترى أن عناصر العرض النقدي تشمل بالإضافة إلى العناصر التي ينطوي عليها تعريف النقود كوسيط للمبادلات. جميع العناصر التي يمكن أن تحول إلى نقد سائل وبتكاليف زهيدة، وفقا لهذه المحاولات فإن الودائع الآجلة أو الودائع الزمنية أو حسابات الإدخار تعتبر من عناصر النقود لأن البنوك تقبل قيام قيام مالكي تلك الودائع بتحويلها إلى ودائع تحت الطلب، كل ما هنالك أن يضحي مالكها بعائد الفائدة الذي كان سيحصل عليه، بالإضافة إلى أن البنوك تقبل أن يحسب الفرد من الوديعة الآجلة في أي وقت.
    ولكن الغموض الذي يكنف المحاولات السابقة لتعريف النقود، قاد إلى أن تعريف النقود يجب أن يحدد على أساس تجريبي مضمون، هذا الأساس هو أن:
    “ما يمكن أن نسميه نقودا يجب أن ينصب على قياس للنقود يمكننا من التنبؤ وتفسير حركات المتغيرات الإقتصادية والتي يفترض أن النقود على أفضل وجه ممكن”.
    (1) التعريف العام للنقود:
    تعرف النقود بأنها أي شيء يستخدم من قبل الأفراد ويلقى قبولا عاما كوسيط للإستبدال في المعاملات الإقتصادية ويصلح في الوقت ذاته لقياس القيم وحفظ الثروة وتسوية الديون والإلتزامات. ويلاحظ أن الأساس في تعريف النقود هو القبول العام لها كوسيط للإستبدال. وسوف يتضح معنا هذا التعريف بجلاء من العرض التالي الذي نبين فيه نشأة النقود في ظرف الحاجة التي تفادي صعوبات المقايضة، وكيف تطورت أنواعها بعد ذلك بما يلائم التطور في إحتياجات المجتمعات منها.
    ثانيا: التطور من مرحلة المقايضة إلى مرحلة النقود السلعية:
    لم تكن الصعوبات التي تكلمنا عنها بالنسبة للمقايضة تجعل منها أمرا مستحيلا، حيث كان بوسع طرفي التبادل أن يبحثا دائما عن بعض الحلول التي تذللها. ولكن مهما كان فإن هذه الصعوبات كانت تقيد من فرص المبادلات بدرجة شديدة حتى أنه لا يمكن تصور حدوث أي تقدم أو تطور ملموس في الإقتصاد التبادلي في ضل ظروف المقايضة. ولكن ما هي الحلول التي بها الناس صعوبات المقايضة ? وكيف نشأت النقود من جراء هذا ? إذا تمعن الدارس في أمر الصعوبة الرئيسية الأولى للمقايضة وهي صعوبة تحقيق التوافق المزدوج للرغبات لوجود أن بالإمكان تذليلها عن طريق إجراء عدد أكبر من المبادلات، فبدلا من أن يجهد بائع السلعة “س” الذي يرغب في الحصول على السلعة “ص” نفسه في العثور على الفرد الذي يمتلك “ص” ويريد ان يبيعها مقابل “س” بالتحديد فإن بإمكانه أن يجري عدة صفقات مقايضة متتالية لغرض الوصول إلى هدفه في النهاية، مثلا يبيع السلعة “س” مقابل “ج” ثم يبيع “ج” مقابل “د” ثم يبادل الأخيرة بالسلعة “ص” التي يريدها. ومن الواضح أن هذا الحل كان يتضمن بذل مجهودات أكبر من جانب الأفراد. ولكن من الناحية الأخرى بدأ يتضح من مرحلة ما أنه لو أمكن الإتفاق على سلعة ما تستخدم كوسيلة للإستبدال في كل حالة لسهل الأمر كثيرا، فإذا جرى إتفاق ضمني بين أفراد المجتمع على مبادلة سلعتهم بسلعة معينة يختارونها لأمكن إعتبار هذه السلعة وسيطا للإستبدال وأمكن بالتالي إجراء أية صفقة مقايضة على خطوتين إثنتين بدلا من عديد الخطوات: الأولى مبادلة أي سلعة بالسلعة الوسيطة المختارة والخطوة الثانية هي مبادلة هذه السلعة الوسيطة بالسلعة المطلوبة، وهذا ما حدث فعلا وكان بداية إستخدام النقود.وخلاصة الكلام أنه إزاء صعوبة تحقيق التوافق المزدوج في الرغبات وإزاء المتاعب التي يتضمنها إجراء عدد من صفقات المقايضة المتتالية لتفادي الصعوبة المذكورة، بدأ المتعاملون يتعارفون على سلعة معينة لإستخدامها كوسيلة للإستبدال. وإذا بحثنا في تاريخ المجتمعات القديمة سنجد أن الأفراد لم يقتصروا في البداية على إستخدام سلعة واحدة فقط كوسيلة للإستبدال بل كان هناك عدد من السلع المتفق عليها لهذا الغرض، فلقد أستخدمت الماشية بأنواعها والفراء والجلود والزيوت النباتية والخمور وأدوات الصيد وأنواع عديدة من المعادن مثل النحاس والفضة والذهب وكذلك الجواهر النفيسة، بل وإستخدم الإنسان نفسه حينما كانت تجارة العبيد شيئا شائعا في المجتمعات القديمة. وبمرور الزمن إكتشف الناس بالتجربة أن بعض السلع الوسيطة التي أستخدمت كانت أصلح من غيرها في إجراء المبادلات من حيث سهولة حملها وخفة وزنها وإمكانية تجزئتها عند اللزوم إلى أقسام أو كميات صغيرة جدا ومن حيث سهولة تمييز نوعيتها، والقدرة على الإحتفاض بها لفترات طويلة دون أن تتعرض للتلف وكذلك من حيث إرتفاع قيمتها بالنسبة للسلع الأخرى، وقد فضلت المجتمعات بعض المعادن على غيرها مثلا فضلت الفضة على النحاس بأنواعه وفضل الذهب عن الفضة، وهكذا لم يكن غريبا أن إتجهت المجتمعات في تطورها التدريجي وبحثها عن أفضل أنواع النقود إلى الإقتصار على إستخدام المعادن النفيسة مثل الذهب والفضة. وأصبحت هذه المعادن تلقى قبولا عاما من جانب الأفراد، بمعنى أن كل واحد على إستعداد أن يبادل منتجاته أولا بالذهب أو الفضة ثم بحيازته لهذه المعادن النفيسة يستطيع أن يحصل على حاجاته من أي سلعة أخرى. ولقد تم إستخدام الذهب والفضة حتى فترات قديمة من التاريخ من قبل الأفراد ودون تدخل الحكام، فكان الأفراد يحصلون على المعادن النفيسة بكميات التي تلزم لمبادلاتهم ، فإذا تمت الصفقات فيما بينهم قاموا بوزن الكميات الضرورية من هذه المعادن لتسوية قيمة هذه الصفقات وذلك بإستخدام موازين حساسة كانوا يحملونها معهم. وبعد ذلك تم إختراع صك النقود ، ومن أهم التطورات التالية ولقد قام الحاكم بوزن المعدن النفيس بدقة في قطع ذات أوزان مختلفة مميزة الشكل ونقشها بعبارات مختصرة تدل على قيمتها ووزنها وإسم الحاكم مصدر لها، وربما صورت عليها صورة هذا الحاكم أيضا. هذه القطع النقدية المحددة الوزن والشكل التي قام الحاكم بإصدارها لتسهيل المبادلات بين الناس هي ما عرف منذ القدم بإسم العملات النقدية، ولقد سهل هذا الإختراع عمليات التبادل التجاري الكثير حيث أصبح أصبح على البائعين والمشترين أن يحددوا قيمة صفقاتهم بكمية من المعدن النفيس ثم يقوموا بتسوية هذه القيمة بإستخدام العملات النقدية دون الحاجة إلى الميزان الحساس.
    ثالثا: من عصر النقود المعدنية إلى عصر النقود الرمزية والإنتمائية:
    ولقد إمتد عصر النقود المعدنية أمدا طويلا إلى أن ظهرت النقود الورقية في أواخر القرن 18 في أنجلترا ثم في غضون القرن الماضي في عدد آخر من البلدان الغربية إلى أن إنتشر إستخدامها بعد هذا في كل بلدان العالم خلال القرن 20م. ولكن نظام النقود المعدبية لم يتوقف عن العمل عند ظهور النقود الورقية، بل ظل يعمل إلى غاية الحرب العالمية الأولى ثم بدأ يضعف تدريجيا إلى أن أصيب بأزمات حادة في العشرينات ثم في أوائل الثلاثينات مما أدى إلى إنهياره تماما، ويلاحظ أن معظم النقود المعدنية التي نستعملها في وقتنا الحاضر تختلف جوهريا في طبيعتها عن تلك النقود المعدنية التي كانت متداولة من قبل، فالنقود المعدنية في وقتنا الحاضر لها قيمة زهيدة جدا لا تعبر عن قيمتها السلعية وذلك بعكس النقود المعدنية المتداولة قديما حيث كانت قيمتها النقدية معبرة عن قيمتها السلعية، والتفرقة الهامة بين النقود المعدنية والنقود الورقية هي أن الأولى نقود سلعية والثانية نقود رمزية، وكما ذكرنا من قبل فإن أي نوع من أنواع النقود هو وسيط لإستبدال قيمة حقيقية مستقلة عن قيمته كنقود وهي القيمة التي يحوزها أصلا كسلعة.
    أما النقود اللرمزية من الناحية الأخرى فليس لها في حد ذاتها أي قيمة سلعية ومع هذا فبعد عدة أزمان من ظهور النقود السلعية والنقود الورقية فقد حل عصر النقود الرمزية محل النقود السلعية في القرن 20م وأصبح مفهوم لدينا جميعا لاآن أن النقود ليست مرغوبة في حد ذاتها وإنما للإشياء التي تشتريها.
    إن النقود التي يحصل عليها العامل مثلا مقابل أعماله لا يمكن أن تأكل أو تشرب أو تلبس ولكن العامل يفضل أن يتسلم أجره في هذه الصورة النقدية عن تسلمه هذا الدخل في صورة كمية من السلع التي ساهم في إنتاجها والسبب في هذا واضح وهو ثقته بأن النقود تلقى قبولا عاما في السوق الذي يشتري منه حاجاته.
    وأخيرا نصل إلى النقود المصرفية أو الإنتمائية والتي ظهرت وتطورت تطور هائل في عصر النقود الورقية وأصبح لها أهمية كبرى من كافة المجتمعات الحديثة، ففي وقتنا الحاضر ينقسم عرض النقود معظم بلدان العالم إلى قسمين. الأول يتكون من العملات الورقية والعملات المعدنية الصغيرة المساعدة لها وهي جميع نقود رمزية تصدر عن البنوك المركزية. القسم الثاني يتكون من نقود مصرفية ولها خصائصها التي تميزها عن العملات وهي أنها نقود إنتمائية ويتم خلقها عن طريق البنوك الخارجية. والملاحظ في معظم بلدان العالم أن القسم الأكبر من النقود عبارة عن نقود مصرفية وهي تتمثل في الودائع التي تحتفظ بها البنوك ويمكن التصرف فيها عن طريق إستعمال الشيكات ولا يظن البعض خطأ أن الودائع متساوي ما يحتفظ به الأفراد من نقود لدى البنوك فهي تفوق هذا بكثير.

    من الكتاب

    أولا: الوظائف الأساسية للنقود:
    (1) النقود وسيط للإستبدال Medium of Exchange
    إن الوظيفة الأولى الأساسية التي ميزنا بها النقود هي عملها كوسيط عام للإستبدال. وضرورة إيجاد شيء ما ليقوم بهذه الوظيفة يرجع إلى أنه في غياب مثل هذا الوسيط فإن عمليات الإستبدال تتم عن طريق المقايضة وتتطلب تحقيق التوافق المزدوج للرغبات. ولقد إتضح لنا مدى التعقيدات التي تجابه تحقيق مثل هذا التوافق المزدوج للرغبات مما يؤدي إلى ضرورة عقد صفقات مقايضة متتالية بغرض إجراء المبادلة المطلوبة. وهذه الظروف ولا شك تؤدي إلى تقييد المبادلات ومن ثم تحول دون حدوث أي تقدم في الإقتصاد التبادلي. فإذا استخدمت النقود كوسيط للإستبدال فإن عملية المقايضة الواحدة تتفكك تلقائيا إلى عمليتي شراء وبيع منفصلتين وتزول الحاجة كلية إلى مسألة التوافق المزدوج للرغبات. ونضيف إلى هذا أن كفاءة النقود كوسيط للإستبدال تتطلب توافر عدة مميزات عامة لها مثلا أن تلقى قبولا عاما بين الناس دون تردد وأن يكون لها قيمة مرتفعة بالنسبة إلى وزنها حتى يسهل حملها وأن تكون قابلة للتجزئة إلى وحدات صغيرة. ومما يذكر أن جميع هذه المميزات تتوافر في العملات الورقية والعملات المعدنية المساعدة.
    (2) النقود كمقياس للقيم Measure of Value
    الوظيفة الثانية الأساسية للنقود هي قياس القيم. فمن عيوب المقايضة عدم وجود مقياس عام للقيم مما يقتضي قياس قيم السلع المختلفة بعدد من المقاييس مما يعقد في إجراء الصفقات ويعرقل من إتمامها بسهولة وبدقة. ووحدة النقود تعمل مثل أي وحدة من وحدات القياس في أي مجال من المجالات. فكما إننا نستخدم ميزان الحرارة Thermometre في قياس درجة حرارة الجسم ونستخدم المتر أو الياردة في قياس الأطوال والمسافات فإننا نستطيع أن نعتمد على النقود في قياس قيم السلع المختلفة. وتعمل النقود أيضا كمقياس للقيم الآجلة أو المدفوعات الآجلة Standard of Deferred Payments. فالنشاط الإقتصادي كما نعرف لا يخلو من صفقات تنظم في تواريخ مستقلة أو مدفوعات أو ديون يتفق على تسويتها في فترات مؤجلة، والنقود هنا أيضا تقوم بوظيفتها كمقياس للقيم بمعنى أن الإتفاق على قيم الصفقات أو المدفوعات أو الديون الآجلة يقدر بوحدات نقدية.
    (3) النقود كمستودع للقيمة أو الثروة .A Store of Value
    إن إستخدام النقود في ظروف النشاط الإقتصادي كوسيط للإستبدال يتضمن بالضرورة وجود فواصل زمنية Time Intervals ما بين الحصول عليها وإنفاقها. ومن ثم فإن هناك حتما قدرا من النقود يبقى لدى الأفراد والمشروعات دون إستخدام لمدى من الزمن قد يقصر أو يطول. وهكذا فإن إستخدام النقود كوسيط للإستبدال يتضمن بالضرورة إستخدامها في حفظ القيمة أو الثروة.
    ولكن وظيفة النقود كمستودع للقيمة أو الثروة لا تتوقف في المكان الأول على إستخدامها كوسيط للإستبدال بل هي تتعلق أصلا بكون النقود أصلا Asset من الأصول المالية. فالفرد أو المشروع قد يعمل على الإحتفاض بجزء من ثروته أو بكل ثروته في شكل نقدي حينما يرى أن هذا هو أفضل الأشكال للإحتفاظ بالثروة على مدى الزمن. وهناك عوامل عديدة تتدخل في مجال المقارنة بين النقود والأصول الأخرى المالية والحقيقة التي تتنافس معها كمستودع للثروة، وسوف نقوم بدراسة هذه العوامل بشكل مستقل في الفصل الخاص بالطلب على النقود. ومع ذلك ينبغي علينا أن نعرف الآن على الأقل أن النقود تتميز على غيرها من الأصول المالية والحقيقة بأنها كاملة السيولة Perfectly Liquid بمعنى إمكانية التصرف فيها في أي وقت كان لشراء أي شيء من الأسواق أو لتسوية أي إلتزام. فإذا إحتفظ الفرد بثروته في شكل نقدي فإنه يتمتع بميزة السيولة Liquidity، أما إذا إحتفظ بثروته في شكل أصل من الأصول الأخرى المالية أو الحقيقية ثم ظهرت حاجته إلى النقود فإنه لابد وأن يعمل أولا على تحويل قيمة هذا الأصل إلى نقود وهذه المسألة قد لا تتم بسهولة في زمن قصير ويحتمل أن تأدي إلى خسارة جزء من قيمة الأصل. ولكن من الناحية الأخرى يجب أن نأخذ في الإعتبار ما للأصول الأخرى المالية والحقيقية من مزايا تفضل بها النقود كمستودع للثروة، منها مثلا إمكانية إكتساب دخل من جراء حيازتها وهذا ما لا يتوفر على الإطلاق للنقود. ومن ثم يجب مقارنة ميزة السيولة النقدية أمام مزايا الأصول الأخرى قبل أن يقرر الشخص الإحتفاظ بثروته في شكل أو آخر.
    ثانيا: مدى إعتماد النقود في أداء وظائفها الأساسية على الثبات النسبي في قيمة الوحدة منها.
    حينما نتكلم عن قيمة الوحدة من النقود فإننا لا نقصد بالطبع القيمة النقدية Monetry Value، فهذه بالتعريف ثابتة لا تتغير، وإنما نقصد القيمة الحقيقية Real Value. والقيمة الحقيقية للنقود هي عبارة عن القوة الشرائية لها- أي كمية السلع أو الخدمات التي يمكن أن تبادل بها في الأسواق. وهناك إرتباط عكسي بين قيمة وحدة النقود ومستوى الأسعار Price Level، فقيمة وحدة النقود ترتفع كلما إنخفض مستوى الأسعار للسلع والخدمات والعكس صحيح. وعلى وجه الدقة فإن قيمة الوحدة من النقود تساوي مقلوب المستوى العام للأسعار، فإذا إرتفع هذا إلى الضعف مثلا إنخفضت القيمة الشرائية لوحدة النقود إلى النصف.
    ولقد عرفنا من قبل أن وظيفة النقود كوسيلة للإستبدال تعتمد على القبول العام لها في سداد قيم السلع والخدمات، وكذلك أيضا أن القبول العام للنقود يتطلب توافر درجة كافية من الثقة في النقود. ومثل هذه الثقة في النقود يمكن أن تهتز بسبب إنخفاض قيمتها حينما يرتفع مستوى الأسعار. ولكن إنخفاض قيمة النقود يجب أن يحدث أولا بشكل حاد جدا قبل أن يتسبب في عدم قبولها كلية كوسيط للإستبدال، ويحدث هنا حينما تضطرب الأحوال الإقتصادية لدرجة أن يسجل مستوى الأسعار إرتفاعا شديدا أو متتاليا في فترات متقاربة من الزمن. ولكن في ظروف أخرى تقل في حدتها عن مثل هذا الموقف نجد أن العملة النقدية التي تنخفض قيمتها تظل تعمل كوسيط للإستبدال بالرغم ما يسببه هذا من متاعب وقلق بالنسبة للأفراد والمشروعات. وعموما يمكن القول أن كفاءة النقود في أداء وظيفتها الأولى كوسيط للإستبدال تنخفض كلما إنخفضت قيمة الوحدة منها من خلال إلرتفاع المستوى العام للأسعار لا يتدخل في كفاءتها كوسيط للإستبدال. على العكس فإن العملة التي ترتفع قيمتها يمكن أن تأدي وظيفتها كوسيط للإستبدال بشكل أفضل.
    أما بالنسبة للوظيفة الثانية للنقود كمقياس للقيم الحاضرة والمدفوعات الآجلة فإن الأمر جد مختلف. فالتقلبات في قيمة الوحدة من النقود سواءا بالإرتفاع أو بالإنخفاض سوف يؤدي إلى جعلها أقل كفاءة في قياس القيم الحاضرة للسلع والخدمات وربما غير صالحة على الإطلاق في حساب المدفوعات الآجلة. والسبب في هذا واضح، فأي مقياس للأشخاص يجب أن يتمتع في حد ذاته بالثبات كي يؤدي المهمة المطلوبة منه. وهناك مواقف عديدة من التجارب النقدية لدول العالم حدثت في أعقاب الحروب العالمية والأزمات الإقتصادية الشديدة ظلت فيها النقود تؤدي وظيفتها كوسيط للإستبدال بالرغم من تدهور قيمتها ولكنها رفضت من جانب الأفراد والمشروعات كمقياس للقيم والمدفوعات الآجلة. وفي مثل هذه الظروف كانت الأسعار للسلع والخدمات أو عناصر الإنتاج تقدر من جانب المتعاملين بالذهب أو بوحدات أخرى ذات قيمة ثابتة.
    أما عن كفاءة النقود في آداء وظيفتها الثالثة كمستودع للثروة فهي تتمشى طرديا مع التقلبات في قيمة النقود. فما أن تبدأ قيمة النقود في الإنخفاض من خلال إرتفاع مستوى الأسعار حتى يلجأ الأفراد إلى الإسراع في الإنفاق ما يأتيهم من نقود وذلك لكيلا يعانوا من أية خسائر ملموسة من جراء الإحتفاظ بها. وعموما كلما إرتفع مستوى الأسعار في فترات متقاربة كلما إنخفضت القيمة الحقيقية لوحدة النقود بشكل ظاهر وكلما أصبحت ميزة “السيولة” التي تتمتع بها النقود كأصل من الأصول ذات أهمية وبالتالي تقل رغبة الأفراد في الإحتفاظ بثرواتهم في شكل نقدي ويزداد ميلهم إلى تكوين ثروات من الأصول الحقيقية (مثل السلع الإنتاجية والسلع الإستهلاكية المعمرة ) حيث أن قيمة هذه الأصول ترتفع في ظل نفس الظروف. والعكس صحيح، فإرتفاع قيمة النقود يشجع الأفراد على الإحتفاظ بثرواتهم في شكل نقدي بالمقارنة بالأصول الأخرى البديلة للإحتفاظ بالثروة وذلك بالرغم من أن النقود لا تدر دخلا كما نعرف.
    ثالثا: وظائف النقود في النشاط الإقتصادي الحديث:
    إن بحث وظائف النقود في النشاط الإقتصادي الحديث يستلزم التمييز بين نوعين من هذه الوظائف، أولها الوظائف الفنية Functions Technicalأو الحيادية Neutral، وثانيهما الوظائف الديناميكية Dynamyc Functions. أما الوظائف الفنية أو الحيادية فتشمل تلك الوظائف الأساسية للنقود التي سبق أن تكلمنا عنها وهي الوساطة في الإستبدال، قياس قيم السلع والمدفوعات الآجلة، وحفظ الثروة. والسبب في تسميتها بالوظائف الفنية أو الحيادية أنها متعلقة بطبيعة النقود وضرورية لسير وإستمرار النشاط الإقتصادي ولكنها لا تؤثر في مجراه أو معدل نموه. أما الوظائف الديناميكية فسميت كذلك لأنها هي التي تؤثر إيجابيا في إتجاهات النشاط الإقتصادي أو في معدل نموه، وهي تعتمد أولا على الكيفية التي تتغير بها كمية النقود على مستوى الإقتصاد ككل وما يمكن أن يؤدي إليه هذا من تغير في مستوى الإنتاج والتوظيف، وكذلك تعتمد على خلق ظروف نقدية معينة من قبل الأجهزة المسئولة في الدولة بهدف زيادة أو وإنقاص حجم الدين العام Public Debt أو إعادة توزيع الثروة أو التأثير في توازن التجارة الخارجية.

    (1) الوظائف الفنية أو الحيادية للنقود وأهميتها لسير النشاط الإقتصادي
    حينما نستعرض صورة النشاط الإقتصادي الحديث في أي مجتمع سنجد أن هذا يتميز بدرجة عالية من التخصص وتقسيم العمل، ومن ثم فإن إستمراره من يوم لآخر ومن عام لآخر قائم على أساس الإعتماد المتبادل Interdependence بدرجة خطيرة. وفي ظل هذه الظروف تقوم الوظائف الفنية للنقود بدور أساسي لسير النشاط الإقتصادي وتيسير دورانه بشكل مستمر. فالأفراد من القطاع المنزلي يبيعون خدمات عناصر الإنتاج التي بحوزتهم إلى المشروعات داخل قطاع الإنتاج مقابل الحصول على الأجور والأرباح والفائدة والريع والتي تدفع لهم في شكل نقدي. والنقود هنا تعمل كوسيط للإستبدال من حيث إنها تلقى قبولا عاما كوسيلة مدفوعات Means of Payments من جانب الأفراد مقابل خدمات عناصرهم الإنتاجية، كما إنها تعمل أيضا كمقياس للقيم من حيث أن أثمان عناصر الإنتاج تقدر جميعا بوحدات نقدية. أما داخل قطاع الإنتاجفإن المشروعات تعتمد بصفة مستمرة على النقود في إتمام معاملاتها مع بعضها البعض. فكما ذكرنا فإن هناك درجة مرتفعة من الإعتماد المتبادل بين المشروعات بسبب إتباع مبدأ التخصص وتقسيم العمل إلى درجات بعيدة ولذلك فإن كل مشروع تارة في مركز البائع لمنتجات أولية أو وسيطة للمشروعات الأخرى مقابل الحصول على نقود وتارة أخرى في مركز المشتري لمنتجات أولية أو وسيطة من المشروعات الأخرى مقابل القيام بمدفوعات نقدية لها. والنقود في هذا تؤدي وظائفها كوسيط للإستبدال ومقياس للقيم وكذلك في قياس المدفوعات الآجلة حينما يتم الإتفاق بين المشروعات على صفقات أو مدفوعات في تواريخ لاحقة. وكذلك تؤدي النقود دورها كمستودع للقيمة حيث أن ظروف المعاملات الإقتصادية تحتم دائما على المشروعات أن تحتفظ بأرصدة نقدية سائلة لفترات قد تطول أو وتقتصر. ولكي تؤدي النقود هذه الوظائف خير أداء لابد أن تتوافر بالكميات المطلوبة منها لا أكثر ولا أقل. ولعله لا يخفي علينا الآن لماذا تختل حالة التعامل بين المشروعات ومن ثم حالة النشاط الإنتاجي ككل في أوقات تدهور قيمة النقود وإهتزاز الثقة بها كوسيط للإستبدال أو مقياس للقيم.

    #813470

    وددت الاشادة بدور اخي الفاضل كاره في اعداد هذا البحث

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد