الرئيسية منتديات مجلس شؤون العائلة للنقاش للنقاش ((اطفال العرب في الشوارع )) من السبب

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #71632

    لا يكاد يخلو شارع واحد في بعض الدول العربية من تلك الظاهرة “أطفال الشوارع”، فمن يتجول في مصر أو المغرب أو سوريا أو الأردن أو موريتانيا يمكن أن يتأكد من أن نسبة لا بأس بها من أطفال العرب أصبحوا يعيشون في الشارع، إنهم أطفال قد يختلفون في ملامحهم، لكنهم يتفقون في معالم المأساة التي يعيشون تحت لهيبها، وتذهب الدراسات العلمية التي تصدر عن مراكز بحوث محلية أو دولية إلى أن هؤلاء الأطفال يتعرضون لأشكال مختلفة من العنف والاغتصاب، ويتم توظيفهم في التسول، وهناك من يقوم بتشييد مؤسسات إجرامية على أكتافهم!.

    بحوث ودراسات مزمنة

    ما أكثر ما يسطر العرب من دراسات تبحث مشاكلهم وأزماتهم، لكن لا مشكلة تحل، ولا أزمة يتم التخلص منها. حكى لي أحد الأصدقاء من العاملين في مجال البحث الاجتماعي أن لقاء جمعه بأحد الباحثين الأجانب، وتطرق الحديث بينهما إلى المشكلات التي تعاني منها مصر، فقال له الباحث الأجنبي: المشكلة “الفلانية” لماذا لم تعدوا بحثاً حولها؟ فأجاب الصديق: هناك عشرات البحوث لدينا تفحص هذه المشكلة. أخذ الأجنبي يعدد له مشكلات أخرى فيرد عليه بطابور من العناوين البحثية التي لا تنتهي، فما كان من الباحث الأجنبي إلا أن قال له: طالما أنكم بحثتم كل هذه المشكلات فما السر إذًا في حالة التراجع التي يعاني منها مجتمعكم؟ حكى لي صديقي أنه لم يستطع الإجابة عليه، وسألني إن كان لدي إجابة على هذا السؤال، فقلت له: نعم.

    إن الباحثين الذين ربتهم الحكومات في منطقتنا العربية تعودوا على القفز على الأسباب الحقيقية للمشكلات مثلما يفعل المسئولون في مجتمعاتهم، وفي الحالات القليلة التي يتناولون فيها مشكلات مجتمعاتهم بقدر أعلى من الصراحة والموضوعية بعيداً عن إيحاءات الحكومات، فإن أحداً من المسئولين لا يتخذ أي قرار بتنفيذ حل اقترحه بحث لمشكلة ما، فالمسألة لا تعدو أن تكون إنتاجاً لأوراق تسودها أحبار تتكدس فوق أرفف المكتبات، في الوقت الذي تتكدس وتتجذر فيه المشكلات في الواقع، ومن بينها بالطبع مشكلة أطفال الشوارع.

    اختراع الحكومات العربية

    ودعونا نحلل كيف يتعامل المسئولون في المجتمعات العربية مع هؤلاء الأطفال، إن كافة تصريحاتهم تصرخ بكراهية هؤلاء الأطفال الذين هم في النهاية اختراع وحيد من بين اختراعاتهم المتعددة، إن لسان حالهم يكاد يفصح عما في قلوبهم من رغبة في جمع هؤلاء الأطفال كما يتم جمع الكلاب الضالة في بعض الشوارع العربية ليتخلصوا منهم بعد ذلك من خلال الأساليب والطرق العربية الخاصة، وليس في هذا الكلام أدنى مبالغة، ويكفي للتدليل عليه أن نذكر بالكيفية التي يتعامل بها الأمن مع هؤلاء الأطفال، فهذا الضابط الذي يركل أحدهم بحذائه الميري ربما عامل الكلب الذي يقتنيه ابنه بطريقة أكثر رقة، ويكفي أيضاً في هذا السياق أن نشير إلى أن مؤسسات رعاية الأحداث في الكثير من المجتمعات العربية تعد أكاديميات متخصصة في تخريج المجرمين للمجتمع، وهو أمر لا يخفى على أحد، إن الإنسان أعجز ما يكون عن حل مشكلة من يكره، بل لا نستبعد أن يقوم بتعقيد مشكلته أكثر وأكثر.

    ولنترك مسألة كراهية الحكومات العربية لأطفال شعوبها (وكبارهم طبعاً)، وننتقل إلى بعد آخر من أبعاد تعامل تلك الحكومات مع مشكلة أطفال الشوارع، ويتمثل في مسألة الجدية في حل المشكلات، وفي هذا السياق يقفز سؤال: هل المسئولون عن هذه المشكلة جادون في التماس حلول لها؟ إنني أزعم أن أغلبهم لا يتمتع بالجدية الكافية في هذا السياق، وقد يكون تفسير “طناش” الحكومات عن حل المشكلة متمثلاً في رغبة دفينة في إيجاد طابور طويل عريض من الأطفال الذين يشكلون رصيداً هائلاً لتجارة الأعضاء البشرية!. وقد يكون هناك حرص على وجود هذا الطابور البشري من الأطفال معدومي الهوية ومنزوعي الحقوق من أجل استخدامهم كعمالة رخيصة لدى “بهوات” المجتمعات العربية، بل قد نشتط ونتوقع استخدامهم كعناصر لا دية لها في أنواع من التجارة الهادفة إلى دعم المزاج العربي، والتي أحياناً ما يرعاها بعض الكبار داخل الدول العربية.

    التكافل العربي

    ولكن إذا كان هذا هو شأن الحكومات فما بال المجتمعات العربية؟ ماذا حدث للإنسان العربي؟ إن هناك مفهوماً مهماً يتراجع لديه، وهو مفهوم التكافل. وقد شكل هذا المفهوم ملاذاً أخيراً لحماية الواقع العربي من الكثير من المشكلات التي تتولد عن الأداء الحكومي المستند إلى سياسات فاشلة، فهؤلاء الأطفال الذين يقذف بهم إلى الشارع نتيجة موت العائل أو فقره أو خطئه يعدون ضحايا لتلاشي فكرة التكافل داخل العائلة أو الحي أو العشيرة أو حتى الطبقة، ويبدو أن الحكومات العربية أفلحت في أن تفسد بعض القطاعات من أبناء شعوبها، فتحولت الجمعيات الاجتماعية التي تتكون بجهود أهلية إلى مجرد “سبوبة”! وما أكثر ما تجد اليوم من يبحث عــن عشرين أو ثلاثين يتيماً لينشئ جمعية لرعاية الأيتام “يسترزق” منها، والأدهى من ذلك أن الكثيرين أصبحوا أكثر ميلاً إلى إنشاء جمعيات يمكن أن تحقق “سبابيب” أكثر في مجالات أخرى تدعمها بعض الدول والمؤسسات الدولية الغربية بسخاء، مثل مجال حقوق الإنسان.

    إن الحكومات وبعض القطاعات داخل المجتمعات العربيــة تربي وحشاً اسمه “أطفال الشوارع”، يمكن أن يلتهم الجميع في لحظة! ويكفي في هذا السياق أن نشير إلى أن هؤلاء الأطفال -الذين يتحولون بمرور الوقت إلى شباب ورجال- يشكلون وقوداً ضخماً لأعمال عنف وتخريب تعكس تذمراً واضحاً بانت أماراته في العديد من العواصم العربية، ويكفي في هذا السياق أن نشير إلى أن الأحداث التي شهدتها مصر يومي 18 و19 يناير 1977، والتي أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات “انتفاضة الحرامية”، تم تحريك عمليات النهب والسلب والتدمير فيها من خلال أطفال وشباب الشوارع الذين كانوا يتحركون وقتها بالآلاف، وقد أصبحوا الآن -بفضل سياسات حكوماتنا الرشيدة- يتحركون بالملايين. إنهم ينتشرون داخل كافة المناطق الحيوية داخل المدن العربية، في محطات السكك الحديدية وبالقرب من مراكز صناعة القرار من وزارات ومؤسسات ومجالس تشريعية تحتضنها الشوارع العربية التي يعاني أغلبها من احتقانات مزمنة، وقد تنفجر في لحظة غير متوقعة!.

    إن ثقافة المكاتب هي التي خلقت ثقافة أطفال الشوارع، ونعني بثقافة المكاتب نمط التفكير الذي يعتمد على الكلام والثرثرة النظرية أكثر مما يستند إلى معطيات الواقع، كما أن صناعة القرارات في ضوئه تتم بعيداً عن مشكلات وأوجاع الشارع الحقيقية، ولم يعد هناك شك في أن الأيام القادمة ستشهد صراعاً محتدماً بين هاتين الثقافتين داخل المجتمعات العربية.

    منقول من موقع اسلام اون لاين

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد