الرئيسية › منتديات › مجلس الثقافة العامة › لمن يحب أن يتعلم طريقه المناقشه أدخل بشرط أتم قراء الموضوع
- This topic has 0 ردود, مشارك واحد, and was last updated قبل 17 سنة، 8 أشهر by مشارق الأنوار.
-
الكاتبالمشاركات
-
17 أبريل، 2007 الساعة 12:53 م #71324مشارق الأنوارمشارك
موضوع جميل ولكن اتمنى تقراء الموضوع كله لانه جميل جدا
>مقدمة
>
>لأن الله غيب .. ولأن المستقبل غيب .. ولأن الآخرة غيب .. ولأن من يذهب
>إلى القبر لا يعود .. راجت بضاعة الإلحاد .. وسادت الأفكار المادية ..
>وعبد الناس أنفسهم واستسلموا لشهواتهم وانكبوا على الدنيا يتقاتلون على
>منافعها .. وظن أكثرهم أن ليس وراء الدنيا شيء وليس بعد الحياة شيء ..
>وتقاتلت الدول الكبرى على ذهب الأرض وخيراتها .. وأصبح للكفر نظريات
>وللمادية فلسفات وللإنكار محاريب وسدنة وللمنكرين كعبة يتعلقون
>بأهدابها ويحجون إليها في حلهم وترحالهم .. كعبة مهيبة يسمونها
>”العلم”..
>
>وحينما ظهر أمر “الجينوم البشري” ذلك الكتيب الصغير من خمسة ملايين
>صفحة في خلايا كل منا والمدون في حيز خلوي ميكروسكوبي في ثلاثة مليارات
>من الحروف الكيميائية عن قدر كل منا ومواطن قوته ومواطن ضعفه وصحته
>وأمراضه .. أفاق العالم كله كأنما بصدمة كهرباية .. كيف ؟ .. ومتى ؟ ..
>وبأي قلم غير مرئي كتب هذا “السفر” الدقيق عن مستقبل لم يأت بعد .. ومن
>الذي كتب كل تلك المعلومات .. وبأي وسيلة .. ومن الذي يستطيع أن يدون
>مثل تلك المدونات .
>
>ورأينا كلينتون رئيس أكبر دولة في العالم يطالعنا في التلفزيون ليقول
>في نبرات خاشعة : أخيراً أمكن جمع المعلومات الكاملة عن الجينوم البشري
>وأوشك العلماء أن يفضوا الشفرة التي كتب الله بها أقدارنا..
>هكذا ذكر ” الله ” بالاسم في بيانه..
>نعم.. كانت صحوة مؤقتة .. أعقبها جدل .. وضجيج .. وعجيج .. وتكلم
>الكثير .. باسم الدين .. وباسم العلم .. واختلفوا ..
>وعادت الأسئلة القديمة عن حرية الإنسان .. وهل هو مسيَّر أم مخيَّر ..
>وإذا كان الله قدّر علينا أفعالنا فلماذا يحاسبنا ؟!
>ولماذا خلق الله الشر ..
>وما ذنب الذي لم يصله قرآن..
>وما موقف الدين من التطور.. ولماذا نقول باستحالة أن يكون القرآن مؤلفا
>..
>
>وعاد ذلك الحوار القديم مع صديقي الملحد ليتردد .. وعادت موضوعاته ..
>عن الجبر والاختيار .. والبعث .. والمصير .. والحساب .. لتصبح مواضيع
>الساعة ..
>
>وتعود هذه الطبعة الجديدة في وقتها وميعادها .. لتشارك في حل هذا اللغز
>.. ولتعود لتثير الموضوع من منطلق العلم الثابت والإشارات القرآنية ..
>واليقين الإلهي الذي لا يتزلزل .
>جاء كتابنا مرة أخرى .. في ميعاده ..
>ومرحبا مرة أخرى بالحوار الهادئ البناء .
>>1/ لم يلـد ولم يولـد
>صديقي رجل يحب الجدل ويهوى الكلام.. وهو يعتقد أننا – نحن المؤمنين
>السذج – نقتات بالأوهام ونضحك على أنفسنا بالجنة والحور العين وتفوتنا
>لذات الدنيا ومفاتنها .. وصديقي بهذه المناسبة تخرج في فرنسا وحصل على
>دكتوراه .. وعاش مع الهيبز وأصبح ينكر كل شيء.
>
>قال لي ساخراً:
>أنتم تقولون : إن الله موجود .. وعمدة براهينكم هو قانون “السببية”
>الذي ينص على أن لكل صنعة صانعاً.. ولكل خلق خالقاً .. ولكل وجود موجدا
>.. النسيج يدل على النسّاج .. والرسم يدل على الرسّام .. والنقش يدل
>على النقّاش .. والكون بهذا المنطق أبلغ دليل على الإله القدير الذي
>خلقه ..
>صدّقنا وآمنّا بهذا الخالق .. ألا يحق لنا بنفس المنطق أن نسأل .. ومن
>خلق الخالق .. من خلق الله الذي تحدثوننا عنه .. ألا تقودنا نفس
>استدلالاتكم إلى هذا .. وتبعاً لنفس قانون السببية .. ما رأيكم في هذا
>المطب دام فضلكم ؟
>
>ونحن نقول له : سؤالك فاسد .. ولا مطب ولا حاجة فأنت تسلّم بأن الله
>خالق ثم تقول مَن خلقه ؟! فتجعل منه خالقاً ومخلوقا ًفي نفس الجملة
>وهذا تناقض..
>والوجه الآخر لفساد السؤال أنك تتصور خضوع الخالق لقوانين مخلوقاته ..
>فالسببية قانوننا نحن أبناء الزمان والمكان .
>والله الذي خلق الزمان والمكان هو بالضرورة فوق الزمان والمكان ولا يصح
>لنا أن نتصوره مقيداً بالزمان والمكان .. ولا بقوانين الزمان والمكان .
>والله هو الذي خلق قانون السببية .. فلا يجوز أن نتصوره خاضعاً لقانون
>السببية الذي خلقه .
>وأنت بهذه السفسطة أشبه بالعرائس التي تتحرك بزمبلك .. وتتصور أن
>الإنسان الذي صنعها لا بد هو الآخر يتحرك بزمبلك .. فإذا قلنا لها بل
>هو يتحرك من تلقاء نفسه .. قالت : مستحيل أن يتحرك شيء من تلقاء نفسه
>.. إني أرى في عالمي كل شيء يتحرك بزمبلك .
>وأنت بالمثل لا تتصور أن الله موجود بذاته بدون موجد .. لمجرد أنك ترى
>كل شيء حولك في حاجة إلى موجد .
>وأنت كمن يظن أن الله محتاج إلى براشوت لينزل على البشر ومحتاج إلى
>أتوبيس سريع ليصل إلى أنبيائه.. سبحانه وتعالى عن هذه الأوصاف علوّاً
>كبيراً ..
>
>”وعمانويل كانت” الفيلسوف الألماني في كتابه “نقد العقل الخالص” أدرك
>أن العقل لا يستطيع أن يحيط بكنه الأشياء وأنه مُهيّأ بطبيعته لإدراك
>الجزئيات والظواهر فقط .. في حين أنه عاجز عن إدراك الماهيات المجردة
>مثل الوجود الإلهي .. وإنما عرفنا الله بالضمير وليس بالعقل .. شوقنا
>إلى العدل كان دليلنا على وجود العادل .. كما أن ظمأنا إلى الماء هو
>دليلنا على وجود الماء ..
>
>أما أرسطو فقد استطرد في تسلسل الأسباب قائلاً : إن الكرسي من الخشب
>والخشب من الشجرة .. والشجرة من البذرة .. والبذرة من الزارع .. واضطر
>إلى القول بأن هذا الاستطراد المتسلسل في الزمن اللانهائي لابد أن
>ينتهي بنا في البدء الأول إلى سبب في غير حاجة إلى سبب .. سبب أول أو
>محرك أول في غير حاجة إلى من يحركه .. خالق في غير حاجة إلى خالق ..
>وهو نفس ما نقوله عن الله ..
>
>أما ابن عربي فكان رده على هذا السؤال “سؤال مَنْ خلق الخالق”.. بأنه
>سؤال لا يرد إلا على عقل فاسد.. فالله هو الذي يبرهن على الوجود ولا
>يصح أن نتخذ من الوجود برهاناً على الله.. تماماً كما نقول إن النور
>يبرهن على النهار .. ونعكس الآية لو قلنا إن النهار يبرهن على النور ..
>
>يقول الله في حديث قدسي :
>( أنا يُستدل بي .. أنا لا يُستدل عليّ ) ..
>فالله هو الدليل الذي لا يحتاج إلى دليل .. لأنه الله الحق الواضح
>بذاته .. وهو الحجة على كل شيء .. الله ظاهر في النظام والدقة والجمال
>والإحكام .. في ورقة الشجر .. في ريشة الطاووس .. في جناح الفراش .. في
>عطر الورد .. في صدح البلبل .. في ترابط النجوم والكواكب.. في هذا
>القصيد السيمفوني الذي اسمه الكون ..
>لو قلنا إن كل هذا جاء مصادفة .. لكنا كمن يتصور أن إلقاء حروف مطبعة
>في الهواء يمكن أن يؤدي إلى تجمعها تلقائياً على شكل قصيدة شعر لشكسبير
>بدون شاعر وبدون مؤلف.
>
>والقرآن يغنينا عن هذه المجادلات بكلمات قليلة وبليغة فيقول بوضوح قاطع
>ودون تفلسف:
>{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن
>له كفواً أحد} سورة الإخلاص:1
>
>ويسألنا صاحبنا ساخراً : ولماذا تقولون إن الله واحد ..؟ لماذا لا يكون
>الآلهة متعددين ..؟ يتوزعون بينهم الاختصاصات ؟
>
>وسوف نرد عليه بالمنطق الذي يعترف به .. بالعلم وليس بالقرآن ..
>سوف نقول له إن الخالق واحد ، لأن الكون كله مبني من خامة واحدة وبخطة
>واحدة .. فمن الأيدروجين تألفت العناصر الاثنان والتسعون التي في جدول
>”مندليف” بنفس الطريقة .. “بالادماج” وإطلاق الطاقة الذرية التي تتأجج
>بها النجوم وتشتعل الشموس في فضاء الكون .
>كما أن الحياة كلها بنيت من مركبات الكربون “جميع صنوف الحياة تتفحم
>بالاحتراق” وعلى مقتضى خطة تشريحية واحدة .. تشريح الضفدعة ، والأرنب ،
>والحمامة ، والتمساح ، والزرافة ، والحوت ، يكشف عن خطة تشريحية واحدة
>، نفس الشرايين والأوردة وغرفات القلب ، ونفس العظام ، كل عظمة لها
>نظيرتها .. الجناح في الحمامة هو الذراع في الضفدعة .. نفس العظام مع
>تحور طفيف ..والعنق في الزرافة على طوله نجد فيه نفس الفقرات السبع
>التي تجدها في عنق القنفذ .. والجهاز العصبي هو هو في الجميع ، يتألف
>من مخ وحبل شوكي وأعصاب حس وأعصاب حركة .. والجهاز الهضمي من معدة
>واثني عشر ، وأمعاء دقيقة وأمعاء غليظة والجهاز التناسلي نفس المبيض
>والرحم والخصية وقنواتها .. والجهاز البولي الكلية والحالب ، وحويصلة
>البول .. ثم الوحدة التشريحية في الجميع هي الخلية .. وهي في النبات
>كما في الحيوان كما في الإنسان، بنفس المواصفات، تتنفس وتتكاثر وتموت
>وتولد بنفس الطريقة ..
>فأية غرابة بعد هذا أن نقول إن الخالق واحد ؟ .. ألا تدل على ذلك وحدة
>الأساليب .
>ولماذا يتعدد الكامل ..؟ وهل به نقص ليحتاج إلى من يكمله ؟ .. إنما
>يتعدد الناقصون .
>ولو تعدد الآلهة لاختلفوا ، ولذهب كل إله بما خلق ، ولفسدت السماوات
>والأرض , والله له الكبرياء والجبروت وهذه صفات لا تحتمل الشركة ..
>
>ويسخر صاحبنا من معنى الربوبية كما نفهمه .. ويقول أليس عجيباً ذلك
>الرب الذي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة ، فيأخذ بناصية الدابة ، ويوحي إلى
>النحل أن تتخذ من الجبال بيوتاً ، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ، وما
>تخرج من ثمرات من أكمامها إلاّ أحصاها عدداً ، وما تحمل من أنثى ولا
>تضع إلا بعلمه .. وإذا عثرت قدم في حفرة فهو الذي أعثرها.. وإذا سقطت
>ذبابة في طعام فهو الذي أسقطها .. وإذا تعطلت الحرارة في تليفون فهو
>الذي عطلها .. وإذا امتنع المطر فهو الذي منعه ، وإذا هطل فهو الذي
>أهطله .. ألا تشغلون إلهكم بالكثير التافه من الأمور بهذا الفهم ..
>
>ولا أفهم أيكون الرب في نظر السائل أجدر بالربوبية لو أنه أعفى نفسه من
>هذه المسئوليات وأخذ إجازة وأدار ظهره للكون الذي خلقه وتركه يأكل بعضه
>بعضاً !
>هل الرب الجدير في نظره هو رب عاطل مغمى عليه لا يسمع ولا يرى ولا
>يستجيب ولا يعتني بمخلوقاته ؟ .. ثم من أين للسائل بالعلم بأن موضوعاً
>ما تافه لا يستحق تدخل الإله، وموضوعاً آخر مهماً وخطير الشأن ؟
>إن الذبابة التي تبدو تافهة في نظر السائل لا يهم في نظره أن تسقط في
>الطعام أو لا تسقط، هذه الذبابة يمكن أن تغيّر التاريخ بسقوطها التافه
>ذلك .. فإنها يمكن أن تنقل الكوليرا إلى جيش وتكسب معركة لطرف آخر،
>تتغير بعدها موازين التاريخ كله.
>ألم تقتل الإسكندر الأكبر بعوضة ؟
>إن أتفه المقدمات ممكن أن تؤدي إلى أخطر النتائج .. وأخطر المقدمات
>ممكن أن تنتهي إلى لا شيء .. وعالم الغيب وحده هو الذي يعلم قيمة كل
>شيء .
>وهل تصور السائل نفسه وصيّاً على الله يحدد له اختصاصاته .. تقدّس
>وتنزّه ربنا عن هذا التصور الساذج .
>إنما الإله الجدير بالألوهية هنا هو الإله الذي أحاط بكل شيء علماً ..
>لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .
>الإله السميع المجيب ، المعتني بمخلوقاته .
>2 / إذا كان الله قدَّر عليّ أفعالي فلماذا يحاسبني؟
>
>قال صديقي في شماتة وقد تصوّر أنه أمسكني من عنقي وأنه لا مهرب لي هذه
>المرة :
>أنتم تقولون إن الله يُجري كل شيء في مملكته بقضاء وقدر، وإن الله
>قدَّر علينا أفعالنا ، فإذا كان هذا هو حالي ، وأن أفعالي كلها مقدّرة
>عنده فلماذا يحاسبني عليها ؟
>لا تقل لي كعادتك .. أنا مخيـَّر .. فليس هناك فرية أكبر من هذه الفرية
>ودعني أسألك :
>هل خُـيّرتُ في ميلادي وجنسي وطولي وعرضي ولوني ووطني ؟
>هل باختياري تشرق الشمس ويغرب القمر ؟
>هل باختياري ينزل عليَّ القضاء ويفاجئني الموت وأقع في المأساة فلا أجد
>مخرجاً إلا الجريمة ..
>لماذا يُكرهني الله على فعل ثم يؤاخذني عليه ؟
>وإذا قلت إنك حر ، وإن لك مشيئة إلى جوار مشيئة الله ألا تشرك بهذا
>الكلام وتقع في القول بتعدد المشيئات ؟
>ثم ما قولك في حكم البيئة والظروف ، وفي الحتميات التي يقول بها
>الماديون التاريخيون ؟
>
>أطلق صاحبي هذه الرصاصات ثم راح يتنفس الصعداء في راحة وقد تصوَّر أني
>توفيت وانتهيت ، ولم يبق أمامه إلا استحضار الكفن..
>قلت له في هدوء :
>أنت واقع في عدة مغالطات .. فأفعالك معلومة عند الله في كتابه ، ولكنها
>ليست مقدورة عليك بالإكراه .. إنها مقدَّرة في علمه فقط .. كما تقدِّر
>أنت بعلمك أن ابنك سوف يزني .. ثم يحدث أن يزني بالفعل .. فهل أكرهته
>.. أو كان هذا تقديراً في العلم وقد أصاب علمك ..
>
>أما كلامك عن الحرية بأنها فرية ، وتدليلك على ذلك بأنك لم تخيَّر في
>ميلادك ولا في جنسك ولا في طولك ولا في لونك ولا في موطنك ، وأنك لا
>تملك نقل الشمس من مكانها .. هو تخليط آخر ..
>وسبب التخليط هذه المرة أنك تتصوَّر الحرية بالطريقة غير تلك التي
>نتصورها نحن المؤمنين ..
>أنت تتكلم عن حرية مطلقة .. فتقول .. أكنت أستطيع أن أخلق نفسي أبيض أو
>أسود أو طويلا أو قصيراً .. هل بإمكاني أن أنقل الشمس من مكانها أو
>أوقفها في مدارها .. أين حريتي ؟
>
>ونحن نقول له : أنت تسأل عن حرية مطلقة .. حرية التصرف في الكون وهذه
>ملك لله وحده .. نحن أيضاً لا نقول بهذه الحرية { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ
>مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } 68 سورة القصص
>ليس لأحد الخيرة في مسألة الخلق ، لأن الله هو الذي يخلق ما يشاء
>ويختار ..
>ولن يحاسبك الله على قِصَرك ولن يعاتبك على طولك ولن يعاقبك لأنك لم
>توقف الشمس في مدارها،
>ولكن مجال المساءلة هو مجال التكليف .. وأنت في هذا المجال حر .. وهذه
>هي الحدود التي نتكلم فيها ..
>أنت حر في أن تقمع شهوتك وتلجم غضبك وتقاوم نفسك وتزجر نياتك الشريرة
>وتشجع ميولك الخيرة..
>أنت تستطيع أن تجود بمالك ونفسك ..
>أنت تستطيع أن تصدق وأن تكذب ..
>وتستطيع أن تكف يدك عن المال الحرام ..
>وتستطيع أن تكف بصرك عن عورات الآخرين ..
>وتستطيع أن تمسك لسانك عن السباب والغيبة والنميمة ..
>في هذا المجال نحن أحرار ..
>وفي هذا المجال نُحاسَب ونُسأل ..
>الحرية التي يدور حولها البحث هي الحرية النسبية وليست الحرية المطلقة
>حرية الإنسان في مجال التكليف..
>وهذه الحرية حقيقة ودليلنا عليها هو شعورنا الفطري بها في داخلنا فنحن
>نشعر بالمسئولية وبالندم على الخطأ ، وبالراحة للعمل الطيب .. ونحن
>نشعر في كل لحظة أننا نختار ونوازن بين احتمالات متعددة ، بل إن وظيفة
>عقلنا الأولى هي الترجيح والاختيار بين البديلات ..
>ونحن نفرق بشكل واضح وحاسم بين يدنا وهي ترتعش بالحمى ، ويدنا وهي تكتب
>خطاباً .. فنقول إن حركة الأولى جبرية قهرية ، والحركة الثانية حرة
>اختيارية .. ولو كنا مسيرين في الحالتين لما استطعنا التفرقة ..
>ويؤكد هذه الحرية ما نشعر به من استحالة إكراه القلب على شيء لا يرضاه
>تحت أي ضغط .. فيمكنك أن تُكره امرأة بالتهديد والضرب على أن تخلع
>ثيابها .. ولكنك لا تستطيع بأي ضغط أو تهديد أن تجعلها تحبك من قلبها
>ومعنى هذا أن الله أعتق قلوبنا من كل صنوف الإكراه والإجبار ، وأنه
>فطرها حرة ..
>ولهذا جعل الله القلب والنية عمدة الأحكام ، فالمؤمن الذي ينطق بعبارة
>الشرك والكفر تحت التهديد والتعذيب لا يحاسب على ذلك طالما أن قلبه من
>الداخل مطمئن بالإيمان ، وقد استثناه الله من المؤاخذة في قوله تعالى:
>{ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ٌ} 106
>سورة النحل
>
>والوجه الآخر من الخلط في هذه المسألة أن بعض الناس يفهم حرية الإنسان
>بأنها علو على المشيئة ، وانفراد بالأمر ، فيتهم القائلين بالحرية
>بأنهم أشركوا بالله وجعلوا له أنداداً يأمرون كأمره ، ويحكمون كحكمه ،
>وهذا ما فهمته أنت أيضاً .. فقلت بتعدد المشيئات .. وهو فهم خاطئ ..
>فالحرية الإنسانية لاتعلو على المشيئة الإلهية ..
>إن الإنسان قد يفعل بحريته ما ينافي الرضا الإلهي ولكنه لا يستطيع أن
>يفعل ما ينافي المشيئة ..
>الله أعطانا الحرية أن نعلو على رضاه “فنعصيه” ، ولكن لم يعط أحداً
>الحرية في أن يعلو على مشيئته .. وهنا وجه آخر من وجوه نسبية الحرية
>الإنسانية ..
>وكل ما يحدث منا داخل في المشيئة الإلهية وضمنها ، وإن خالف الرضا
>الإلهي وجانب الشريعة ..
>وحريتنا ذاتها كانت منحة إلهية وهبة منحها لنا الخالق باختياره .. ولم
>نأخذها منه كرهاً ولا غصباً ..
>إن حريتنا كانت عين مشيئته ..
>ومن هنا معنى الآية : {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ } 30
>سورة الإنسان
>لأن مشيئتنا ضمن مشيئته ، ومنحة منه ، وهبة من كرمه وفضله ، فهي ضمن
>إرادته لا ثنائية ولا تناقض ، ولا منافسة منا لأمر الله وحكمه ..
>والقول بالحرية بهذا المعنى لا ينافي التوحيد ، ولا يجعل لله أنداداً
>يحكمون كحكمه ويأمرون كأمره .. فإن حرياتنا كانت عين أمره ومشيئته
>وحكمه ..
>
>والوجه الثالث للخلط أن بعض من تناولوا مسألة القضاء والقدر والتسيير
>والتخيير .. فهموا القضاء والقدر بأنه إكراه للإنسان على غير طبعه
>وطبيعته وهذا خطأ وقعت فيه أنت أيضاً .. وقد نفى الله عن نفسه الإكراه
>بآيات صريحة :
>{إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ
>أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} 4 سورة الشعراء
>والمعنى واضح .. أنه كان من الممكن أن نُكره الناس على الإيمان بالآيات
>الملزمة ، ولكننا لم نفعل .. لأنه ليس في سنتنا الإكراه ..
>{ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ
>} 256 سورة البقرة
>{ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا
>أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } 99 سورة
>يونس
>ليس في سُنة الله الإكراه ..
>والقضاء والقدر لا يصح أن يُفهم على أنه إكراه للناس على غير طبائعهم
>.. وإنما على العكس ..
>الله يقضي على كل إنسان من جنس نيته .. ويشاء له من جنس مشيئته ، ويريد
>له من جنس إرادته ، لا ثنائية … تسيير الله هو عين تخيير العبد ،
>لأنه الله يسيِّر كل امرئ على هوى قلبه وعلى مقتضى نياته ..
>{ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن
>كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا } 20 سورة الشورى
>{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً } 10 سورة البقرة
>{ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى } 17 سورة محمد
>وهو يخاطب الأسرى في القرآن :
>{ إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا
>مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ } 70 سورة الأنفال
>الله يقضي ويقدِّر ، ويجري قضاءه وقدره على مقتضى النية والقلب .. إن
>شراً فشر وإن خيراً فخير..
>ومعنى هذا أنه لا ثنائية .. التسيير هو عين التخيير .. ولا ثنائية ولا
>تناقض ..
>الله يسيِّرنا إلى ما اخترناه بقلوبنا ونياتنا، فلا ظلم ولا إكراه ولا
>جبر ، ولا قهر لنا على غير طبائعنا ..
>{ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى .
>فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى .
>وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } 5 سورة الليل
>{ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى } 17 سورة
>الأنفال
>هنا تلتقي رمية العبد والرمية المقدَّرة من الرب ، فتكون رمية واحدة..
>وهذا مفتاح لغز القضاء والقدر .. على العبد النية، وعلى الله التمكين،
>إن خيراً فخير، وإن شراً فشر..
>والحرية الإنسانية ليست مقداراً ثابتاً ، ولكنها قدرة نسبية قابلة
>للزيادة ..
>
>الإنسان يستطيع أن يزيد من حريته بالعلم .. باختراع الوسائل والأدوات
>والمواصلات استطاع الإنسان أن يطوي الأرض ، ويهزم المسافات ، ويخترق
>قيود الزمان والمكان .. وبدراسة قوانين البيئة استطاع أن يتحكم فيها
>ويسخرها لخدمته، وعرف كيف يهزم الحر والبرد والظلام ، وبذلك يضاعف من
>حرياته في مجال الفعل ..
>العلم كان وسيلة إلى كسر القيود والأغلال وإطلاق الحرية ..
>
>أما الوسيلة الثانية فكانت الدين .. الاستمداد من الله بالتقرب منه ..
>والأخذ عنه بالوحي والتلقي والتأييد .. وهذه وسيلة الأنبياء ومن في
>دربهم ..
>سخّر سليمان الجن وركب الريح وكلّم الطير بمعونة الله ومدده ..
>وشق موسى البحر .. وأحيا المسيح الموتى .. ومشى على الماء .. وأبرأ
>الأكمه والأبرص والأعمى ..
>ونقرأ عن الأولياء أصحاب الكرامات الذين تُطوى لهم الأرض وتكشف لهم
>المغيبات ..
>وهي درجات من الحرية اكتسبوها بالاجتهاد في العبادة والتقرب إلى الله
>والتحبب إليه .. فأفاض عليهم من علمه المكنون ..
>إنه العلم مرة أخرى ..
>ولكنه هذه المرة العلم “اللدني” ..
>ولهذا يُلخص أبو حامد الغزالي مشكلة المخيَّر والمسيَّر قائلاً في
>كلمتين :
>الإنسان مخيَّر فيما يعلم ..
>مسيَّر فيما لا يعلم ..
>وهو يعني بهذا أنه كلما اتسع علمه اتسع مجال حريته .. سواء كان العلم
>المقصود هو العلم الموضوعي أو العلم اللدنِّي ..
>
>ويخطئ المفكرون الماديون أشد الخطأ حينما يتصورون الإنسان أسير
>الحتميات التاريخية والطبقية .. ويجعلون منه حلقة في سلسلة من الحلقات
>لا فكاك له ، ولا مهرب من الخضوع لقوانين الاقتصاد وحركة المجتمع ،
>كأنما هو قشة في تيار بلا ذراعين وبلا إرادة ..
>والكلمة التي يرددونها ولا يتعبون من ترديدها وكأنها قانون : “حتمية
>الصراع الطبقي” وهي كلمة خاطئة في التحليل العلمي ، لأنه لا حتميات في
>المجال الإنساني ، وإنما على الأكثر ترجيحات واحتمالات .. وهذا هو
>الفرق بين الإنسان ، وبين التروس ، والآلات والأجسام المادية .. فيمكن
>التنبوء بخسوف الشمس بالدقيقة والثانية ، ويمكن التنبؤ بحركاتها
>المستقبلة على مدى أيام وسنين .. أما الإنسان فلا يمكن أن يعلم أحد
>ماذا يُضمر وماذا يُخبئ في نياته ، وماذا يفعل غداً أو بعد غد .. ولا
>يمكن معرفة هذا إلا على سبيل الاحتمال والترجيح والتخمين ، وذلك على
>فرض توفر المعلومات الكافية للحكم ..
>وقد أخطأت جميع تنبؤات كارل ماركس ، فلم تبدأ الشيوعية في بلد متقدم
>كما تنبأ ، بل في بلد متخلف ، ولم يتفاقم الصراع بين الرأسمالية
>والشيوعية ، بل تقارب الاثنان إلى حالة من التعايش السلمي ، وأكثر من
>هذا فتحت البلاد الشيوعية أبوابها لرأس المال الأمريكي .. ولم تتصاعد
>التناقضات في المجتمع الرأسمالي إلى الإفلاس الذي توقعه كارل ماركس ،
>بل على العكس ، ازدهر الاقتصاد الرأسمالي ووقع الشقاق والخلاف بين
>أطراف المعسكر الاشتراكي ذاته ..
>أخطأت حسابات ماركس جميعها دالة بذلك على خطأ منهجه الحتمي .. ورأينا
>صراع العصر الذي يحرك التاريخ هو الصراع اللاطبقي بين الصين وروسيا ،
>وليس الصراع الطبقي الذي جعله ماركس عنوان منهجه .. وكلها شواهد على
>فشل الفكر المادي في فهم الإنسان والتاريخ ، وتخبطه في حساب المستقبل
>.. وجاء كل ذلك نتيجة خطأ جوهري ، هو أن الفكر المادي تصوَّر أن
>الإنسان ذبابة في شبكة من الحتميات .. ونسي تماماً أنّ الإنسان حر ..
>وأن حريته حقيقة ..
>
>أمّا كلام الماديين عن حكم البيئة والمجتمع والظروف ، وأن الإنسان لا
>يعيش وحده ولا تتحرك حريته في فراغ ..
>نقول ردّاً على هذا الكلام : إن حكم البيئة والمجتمع والظروف كمقاومات
>للحرية الفردية إنما يؤكد المعنى الجدلي لهذه الحرية ولا ينفيه ..
>فالحرية الفردية .. لا تؤكد ذاتها إلا ّ في وجه مقاومة تزحزحها..
>أما إذا كان الإنسان يتحرك في فراغ بلا مقاومة من أي نوع فإنه لا يكون
>حراً بالمعنى المفهوم للحرية، لأنه لن تكون هناك عقبة يتغلب عليها
>ويؤكد حريته من خلالها3/ لماذا خلق الله الشر؟
>
>قال صاحبي ساخرًا:
>كيف تزعمون أن إلهكم كامل ورحمن ورحيم وكريم ورءوف وهو قد خلق كل هذه
>الشرور في العالم .. المرض والشيخوخة والموت والزلزال والبركان
>والميكروب والسم والحر والزمهرير وآلام السرطان التي لا تعفى الطفل
>الوليد ولا الشيخ الطاعن.
>إذا كان الله محبة وجمالا وخيرا فكيف يخلق الكراهية والقبح والشر .
>والمشكلة التي أثارها صاحبي من المشاكل الأساسية في الفلسفة وقد انقسمت
>حولها مدارس الفكر واختلفت حولها الآراء.
>ونحن نقول أن الله كله رحمة وكله خير وأنه لم يأمر بالشر ولكنه سمح به
>لحكمة.
>
>{إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ
>مَا لاَ تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ
>وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ (29)} الأعراف-28.
>
>الله لا يأمر إلا بالعدل والمحبة والإحسان والعفو والخير وهو لا يرضى
>إلا بالطيب.
>فلماذا ترك الظالم يظلم والقاتل يقتل والسارق يسرق؟
>لأن الله أرادنا أحرارا .. والحرية اقتضت الخطأ ولا معنى للحرية دون أن
>يكون لنا حق التجربة والخطأ والصواب .. والاختيار الحر بين المعصية
>والطاعة.
>وكان في قدرة الله أن يجعلنا جميعًا أخيارا وذلك بأن يقهرنا على الطاعة
>قهرا وكان ذلك يقتضي أن يسلبنا حرية الاختيار.
>وفي دستور الله وسنته أن الحرية مع الألم أكرم للإنسان من العبودية مع
>السعادة .. ولهذا تركنا نخطيء ونتألم ونتعلم وهذه هي الحكمة في سماحه
>بالشر.
>ومع ذلك فإن النظر المنصف المحايد سوف يكشف لنا أن الخير في الوجود هو
>القاعدة وأن الشر هو الاستثناء ..
>فالصحة هي القاعدة والمرض استثناء ونحن نقضي معظم سنوات عمرنا في صحة
>ولا يزورنا المرض إلا أياما قليلة .. وبالمثل الزلازل هي في مجملها بضع
>دقائق في عمر الكرة الأرضية الذي يحصى بملايين السنين وكذلك البراكين
>وكذلك الحروب هي تشنجات قصيرة في حياة الأمم بين فترات سلام طويلة
>ممتدة.
>
>ثم أننا نرى لكل شيء وجه خير فالمرض يخلف وقاية والألم يربي الصلابة
>والجلد والتحمل والزلازل تنفس عن الضغط المكبوت في داخل الكرة الأرضية
>وتحمي القشرة الأرضية من الانفجار وتعيد الجبال إلى أماكنها كأحزمة
>وثقالات تثبت القشرة الأرضية في مكانها، والبراكين تنفث المعادن
>والثروات الخبيثة الباطنة وتكسو الأرض بتربة بركانية خصبة .. والحروب
>تدمج الأمم وتلقح بينها وتجمعها في كتل وأحلاف ثم في عصبة أمم ثم في
>مجلس أمن هو بمثابة محكمة عالمية للتشاكي والتصالح .. وأعظم الاختراعات
>خرجت أثناء الحروب .. البنسلين الذرة الصواريخ الطائرات النفاثة كلها
>خرجت من أتون الحروب.
>ومن سم الثعبان يخرج الترياق.
>ومن الميكروب نصنع اللقاح.
>ولولا أن أجدادنا ماتوا لما كنا الآن في مناصبنا، والشر في الكون كالظل
>في الصورة إذا اقتربت منه خيل إليك أنه عيب ونقص في الصورة .. ولكن إذا
>ابتعدت ونظرت إلى الصورة ككل نظرة شاملة اكتشفت أنه ضروري ولا غنى عنه
>وأنه يؤدي وظيفة جمالية في البناء العام للصورة.
>وهل كان يمكننا أن نعرف الصحة لولا المرض .. إن الصحة تظل تاجا على
>رؤوسنا لا نراه ولا نعرفه إلا حينما نمرض.
>وبالمثل ما كان ممكنا أن نعرف الجمال لولا القبح ولا الوضع الطبيعي
>لولا االشاذ.
>ولهذا يقول الفيلسوف أبو حامد الغزالي: إن نقص الكون هو عين كماله مثل
>اعوجاج القوس هو عين صلاحيته ولو أنه استقام لما رمى.
>وظيفة أخرى للمشقات والآلام .. أنها هي التي تفرز الناس وتكشف معادنهم.
>
>لولا المشقة ساد الناس كلهم … الجود يفقر والإقدام قتال
>
>إنها الامتحان الذي نعرف به أنفسنا .. والابتلاء الذي تتحدد به مراتبنا
>عند الله.
>
>ثم إن الدنيا كلها ليست سوى فصل واحد من رواية سوف تتعدد فصولها فالموت
>ليس نهاية القص ولكن بدايتها.
>
>ولا يجوز أن نحكم على مسرحية من فصل واحد ولا أن نرفض كتابا لأن الصفحة
>الأولى لم تعجبنا.
>الحكم هنا ناقص..
>ولا يمكن استطلاع الحكمة كلها إلا في آخر المطاف .. ثم ما هو البديل
>الذي يتصوره السائل الذي يسخر منا؟!
>هل يريد أن يعيش حياة بلا موت بلا مرض بلا شيخوخة بلا نقص بلا عجز بلا
>قيود بلا أحزان بلا آلام.
>هل يطلب كمالا مطلقا؟!
>ولكن الكمال المطلق لله.
>والكامل واحد لا يتعدد .. ولماذا يتعدد .. وماذا ينقصه ليجده في واحد
>آخر غيره؟!
>معنى هذا أن صاحبنا لن يرضيه إلا أن يكون هو الله ذاته وهو التطاول
>بعينه.
>ودعونا نسخر منه بدورنا .. هو وأمثاله ممن لا يعجبهم شيء.
>هؤلاء الذين يريدونها جنة ..
>ماذا فعلوا ليستحقونها جنة؟
>وماذا قدم صاحبنا للإنسانية ليجعل من نفسه الله الواحد القهار الذي
>يقول للشيء كن فيكون.
>إن جدتي أكثر ذكاء من الأستاذ الدكتور المتخرج من فرنسا حينما تقول في
>بساطة:
>”خير من الله شر من نفوسنا”.
>إنها كلمات قليلة ولكنها تلخيص أمين للمشكلة كلها ..
>فالله أرسل الرياح وأجرى النهر ولكن ربان السفينة الجشع ملأ سفينته
>بالناس والبضائع بأكثر مما تحتمل فغرقت فمضى يسب الله والقدر .. وما
>ذنب الله؟! .. الله أرسل الرياح رخاء وأجرى النهر خيرا .. ولكن جشع
>النفوس وطمعها هو الذي قلب هذا الخير شرا.
>ما أصدقها من كلمات جميلة طيبة.
>”خير من الله شر من نفوسنا”.
>4/ وما ذنب الذي لم يصله قرآن ؟
>
>هرش صاحبنا الدكتور رأسه ..
>كان من الواضح أنه يبحث لي في الدكتوراه عن حفرة أو مطب يدق عنقي فيه
>.. ثم قال في هدوء وهو يرتب كلماته:
>- حسنًا .. وما رأيك في هذا الإنسان الذي لم يصله قرآن ولم ينزل عليه
>كتاب .. ولم يأته نبي .. ما ذنبه .. وما مصيره عندكم يوم الحساب .. مثل
>اسكيمو في أقاصي القطبين .. أو زنجي في الغابات .. ماذا يكون حظه بين
>يدي إلهكم يوم القيامة.
>- قلت له:
>- دعني أصحح معلوماتك أولا .. فقد بنيت أسئلتك على مقدمة خاطئة ..
>فالله أخبرنا بأنه لم يحرم أحدًا من رحمته ووحيه وكلماته وآياته.
>(( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) )) فاطر.
>(( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً (36) )) النحل.
>
>والرسل الذين جاء ذكرهم في القرآن ليسوا كل الرسل..
>وإنما هناك آلاف غيرهم لا نعلم عنهم شيئًا .. والله يقول لنبيه عن
>الرسل:
>(( مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ
>عَلَيْكَ (78))) غافر.
>والله يوحي إلى كل شيء حتى النحل.
>(( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ
>بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) )) النحل.
>وقد يكون الوحي كتابًا يلقيه جبريل .. وقد يكون نورًا يلقيه الله في
>قلب العبد .. وقد يكون انشراحًا في الصدر .. وقد يكون حكمة وقد يكون
>حقيقة وقد يكون فهمًا وقد يكون خشوعًا ورهبة وتقوى.
>وما من أحد يرهف قلبه ويرهف سمعه إلا ويتلقى من الله فضلاً.
>أما الذين يصمون آذانهم وقلوبهم فلا تنفعهم كتب ولا رسل ولا معجزات ولو
>كثرت.
>والله قال أنه يختص برحمته من يشاء .. وأنه لا يسأل عما يفعل.
>وقد يريد الله لحكمة أن ينذر أحدًا وأن يعذر آخر فيقبل منه أهون
>الإيمان.
>ومن يدرينا .. ربما كانت مجرد لفته من ذلك الزنجي البدائي إلى السماء
>في رهبة هي عند الله منجية ومقبولة أكثر من صلاتنا.
>على أن القراءة المتأملة لأديان هؤلاء الزنوج البدائيين تدل على أنه
>كان لهم رسل ورسالات سماوية مثل رسالاتنا.
>في قبيلة الماو ماو مثلاً نقرأ أنهم يؤمنون بإله يسمونه ” موجايى ”
>ويصفونه بأنه واحد أحد لم يلد ولم يولد وليس له كفو ولا شبيه .. وأنه
>لا يرى ولا يعرف إلا من آثاره وأفعاله .. وأنه خالق رازق وهاب رحيم
>يشفي المريض وينجد المأزوم وينزل المطر ويسمع الدعاء ويصفونه بأن البرق
>خنجره والرعد وقع خطاه.
>أليس هذا الـ “موجايى ” هو إلهنا بعينه .. ومن أين جاءهم هذا العلم إلا
>أن يكون في تاريخهم رسول ومبلغ جاء به .. ثم تقادم عليه العهد كالمعتاد
>فدخلت الخرافات والشعوذات فشوهت هذا النقاء الديني.
>وفي قبيلة نيام نيام نقرأ أنهم يؤمنون بإله واحد يسمونه ” مبولي”
>ويقولون أن كل شيء في الغابة يتحرك بإرادة ” مبولي ” وأنه يسلط الصواعق
>على الأشرار من البشر .. ويكافيء الأخيار بالرزق والبركة والأمان.
>وفي قبيلة الشيلوك يؤمنون بإله واحد يسمونه ” جوك ” ويصفونه بأنه خفي
>وظاهر .. وأنه في السماء وفي كل مكان وأنه خالق كل شيء.
>وفي قبيلة الدنكا يؤمنون بإله واحد يسمونه ” نيالاك ” وهي كلمة ترجمتها
>الحرفية .. الذي في السماء .. أو الأعلى.
>ماذا نسمي هذه العقائد إلا أنها إسلام.
>وماذا تكون إلا رسالات كان لها في تاريخ هؤلاء الأقوام رسل.
>إن الدين لواحد.
>
>(( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى
>وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ
>صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
>وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) )) البقرة.
>
>حتى الصابئين الذين عبدوا الشمس على أنها آية من آيات الله وآمنوا
>بالله الواحد وبالآخرة والبعث والحساب وعملوا الصالحات فلهم أجرهم عند
>ربهم.
>ومعلوم أن رحمة الله تتفاوت.
>وهناك من يولد أعمى وهناك من يولد مبصرا وهناك من عاش أيام موسى ورآه
>رأي العين وهو يشق البحر بعصاه .. وهناك من عاش أيام المسيح ورآه يحيى
>الموتى .. أما نحن فلا نعلم عن هذه الآيات إلا سمعًا .. وليس الخبر
>كالعيان .. وليس من رأى كمن سمع.
>ومع ذلك فالإيمان وعدمه ليس رهنًا بالمعجزات.
>والمكابرون المعاندون يرون العجب من أنبيائهم فلا يزيد قولهم على أن
>هذا ” سحر مفترى “.
>ولا شك أن صاحبنا الدكتور القادم من فرنسا قد بلغه من الكتب ثلاثة ..
>توراة وإنجيل وقرآن وبلغته .. فلم تزده هذه الكتب إلا إغراقًا في الجدل
>.. وحتى يهرب من الموقف كله أحاله على شخص مجهول في الغابات لم ينزل
>عليه كتاب .. وراح يسألنا .. وما بالكم بهذا الرجل الذي لم يصله قرآن
>ولم ينزل عليه كتاب .. ملتمسًا بذلك ثغرة في العدل الإلهي أو موهمًا
>نفسه بأن المسألة كلها عبث.
>وهو لذلك يسألنا ” ولماذا تتفاوت رحمة الله ” .. لماذا يشهد الله
>واحدًا على آياته .. ولا يدري آخر بتلك الآيات إلا سمعًا.
>ونحن نقول أنها قد لا تكون رحمة بل نقمة ألم يقل الله لأتباع المسيح
>الذين طلبوا نزول مائدة من السماء محذرًا:
>(( إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ
>فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ
>الْعَالَمِينَ (115) )) المائدة.
>ذلك لأنه مع نزول المعجزات يأتي دائمًا تشديد العذاب لمن يكفر.
>وطوبى لمن آمن بالسماع ودون أن يرى معجزة.
>والويل للذين شاهدوا ولم يؤمنوا.
>فالقرآن في يدك حجة عليك ونذير .. ويوم الحساب يصبح نقمة لا رحمة.
>وعدم إقامة هذه الحجة البينة على الاسكيمو ساكن القطبين قد يكون إعفاء
>وتخفيفًا ورحمة ومغفرة يوم الحساب .. وقد تكون لفتة إلى السماء من هذا
>الاسكيمو الجاهل ذات ساعة في عمره .. عند الله كافية لقبوله مؤمنًا
>مخلصًا.
>أما لماذا يرحم الله واحدًا أكثر مما يرحم آخر فهو أمر يؤسسه الله على
>علمه بالقلوب.
>(( فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ
>وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) )) الفتح.
>وعلم الله بنا وبقلوبنا يمتد إلى ما قبل نزولنا في الأرحام حينما كنا
>عنده أرواحًا حول عرشه .. فمنا من التف حول نوره .. ومنا من انصرف عنه
>مستمتعًا بالملكوت وغافلاً عن جمال خالقه .. فاستحق الرتبة الدنيا من
>ذلك اليوم وسبق عليه القول .. هذا كلام أهل المشاهدة.
>وما نراه من تاريخنا القصير في الدنيا ليس كل شيء ..
>ومعرفة الحكمة من كل ألم وحرمان أمر لا يعلمه إلا العليم.
>والذي يسألني .. لماذا خلق الله الخنزير خنزيرًا .. لا أملك إلا أن
>أجيبه بأن الله اختار له ثوبًا خنزيريًا لأن نفسه خنزيرية وأن خلقه
>هكذا حق وعدل.
>وكل ما نرى حولنا من استحقاقات هي عدل لكن معرفة الحكمة الكلية وإماطة
>اللثام عن هذا العدل أمر ليس في مقدور كل واحد.
>ولعل لهذا السبب هناك آخرة .. ويوم تنصب فيه الموازين وينبئنا العليم
>بكل ما اختلفنا فيه.
>ومع هذا فسوف أريحك بالكلمة الفصل .. فقد قال الله في كتابه أنه لن
>يعذب إلا من أنذرهم بالرسل.
>((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) ))
>الإسراء.
>هل أرحت واسترحت.
>ثم دعني أقول لك يا صاحبي ..
>إن أعجب ما في سؤالك أن ظاهره يوهم بالإيمان والإشفاق على الزنجي
>المسكين الذي فاته ما في القرآن من نور ورحمة وهدى .. مع أن حقيقتك هي
>الكفر بالقرآن وبنوره ورحمته وهداه .. فسؤالك أقرب ما يكون إلى
>الاستدراج والمخادعة وفيه مناقضة للنفس هي ” اللكاعة ” بعينها .. فأنت
>تحاول أن تقيم علينا حجة هي عندك ليس لها أي حجة.
>ألا ترى معي يا صاحبي أن جهاز المنطق عندك في حاجة إلى إصلاح.
>
>>5/ ( الجنة والنار )
>
>
>كان صديقنا الدكتور واثقا من نفسه كل الثقة هذه المرة وهو يلوك الكلمات
>ببطء ليلقي بالقنبلة
>- كيف يعذبنا الله وهو الرحمن الرحيم على ذنب محدود في الزمن بعذاب لا
>محدود في الأبد ( النار خالدين فيها أبدا )
>ومن نحن وماذا نساوي بالنسبة لعظمة الله حتى ينتقم منا هذا الانتقام ..
>وما الإنسان إلا ذرة أو هبأة في الكون وهو بالنسبة لجلال الله أهون من
>ذلك بكثير .. بل هو اللاشيء بعينه .
>ونحن نصحح معلومات الدكتور فنقول .
>أولا – إننا لسنا ذرة ولا هبأة في الكون .. وإن شاننا عند الله ليس
>هينا بل عظيما ..
>ألم ينفخ فينا من روحه ..
>ألم يسجد لنا الملائكة ..
>ألم يعدنا بميراث السماوات والأرض ويقول عنا :
>( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات
>وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) .
>إن فينا إذا من روح الله .
>ونحن بالنسبة للكون لسنا ذرة ولا هبأة ..
>إننا نبدو بالنظر إلى أجسادنا كذرة أو هبأة بالنسبة للكون الفسيح
>الواسع .
>ولكن ألا نحتوي على هذا الكون ونستوعبه بعقلنا وندرك قوانينه وأفلاكه
>ونرسم لكل كوكب مداره ..
>ثم ينزل رائد الفضاء على القمر فيكتشف أن كل ما استوعبناه بعقلنا على
>الأرض كان صحيحا ..
>وكل ما رسمناه كان دقيقا .
>ألا يدل هذا على أننا بالنظر إلى روحنا أكبر من الكون وأننا نحتوي عليه
>وأن الشاعر كان على حق حينما خاطب الإنسان قائلا :
>وتحسب أنك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر
>
>وإن الإنسان كما يقول الصوفية هو الكتاب الجامع والكون صفحاته .
>إذا الإنسان عظيم الشأن كبير الخطر.
>وهو من روح الله .
>وأعماله تستوجب المحاسبة .
>أما عن الذنب المحدود في الزمان الذي يحاسبنا الله عليه بعذاب
>اللامحدود في الأبد ..
>فمغالطة أخرى وقع فيها الدكتور العزيز الواثق من نفسه .
>فالله يقول عن هؤلاء المخلدين في النار حينما يطلبون العودة إلى الدنيا
>ليعملوا غير ما عملوا ..
>يقول سبحانه :
>( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ).
>أي أن ذنبهم ليس ذنبا محدودا في الزمان بل هو خصلة ثابتة سوف تتكرر في
>كل زمان ..
>ولو ردوا لعادوا إلى ذنبهم وإنهم لكاذبون .
>هي إذن صفحة مؤبدة في النفس وليست سقطة عارضة في ظرف عارض في الدنيا .
>وهو يقول عنهم في مكان آخر :
>( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على
>شيء .. ألا إنهم هم الكاذبون ) .
>هنا لون آخر من الإصرار والتحدي يصل إلى أنهم يواجهون الله بالكذب
>والحلف الكذب وهم بين يديه يوم الموقف العظيم يوم ترفع الحجب وينكشف
>الغطاء ..
>وهذا غاية الجبروت والصلف .
>ولسنا هنا أمام ذنب محدود في الزمان . بل أمام ذنب مستمر في الزمان
>وبعد أن يطوى الزمان وكل زمان ..
>نحن هنا أمام نفس تحمل معها شرها الأبدي .
>ومن هنا كان تأبيد العذاب لهذه النفس عدلا .
>ولهذا تقول عنهم الآية في صراحة :
>( وما هم بخارجين من النار )
>ويقول ابن عربي :
>إن الرحمة بالنسبة لهؤلاء أنهم سوف يتعودون على النار .. وتصبح تلك
>النار في الآباد المؤبدة بيئتهم الملائمة .
>ولا شك أن هناك مجانسة بين بعض النفوس المجرمة وبين النار ..
>فبعض تلك النفوس هي في حقيقتها شعلة حسد وحقد وشهوة وغيرة وغل وضرام من
>الغضب والنقمة والثورة والمشاعر الإجرامية المحتدمة وكأنها نار بالفعل
>.
>مثل تلك النفوس لا تستطيع أن تعيش في سلام .. زلا تستطيع أن تحيا ساعة
>دون أن تشعل حولها حربا .. ودون أن تضرم حولها النيران .. لأن النيران
>هي بيئتها وطبيعتها .
>ومثل تلك النفوس يكون قرارها في النار هو الحكم العدل ويكون هذا المصير
>من قبيل وضع الشيء في مكانه ..
>فلو أنها أدخلت الجنة لما تذوقتها .
>ألم تكن ترفض السلام في الأرض ؟
>وينبغي أن نفهم النار والجنة في الآخرة فهما واسع الأفق ..
>فالنار في الآخرة ليست شواية . وليس ما يجري فيها هو الحريق بالمعنى
>الدنيوي فالله يقول إن المذنبين يتكلمون ويتلاعنون وأن النار فيها شجرة
>لها ثمر ..
>هي شجرة الزقوم التي تخرج من أصل الجحيم .. كما أن فيها ماء حميما يشرب
>منه المعذبون .
>مثل تلك النار التي فيها شجرة الزقوم وفيها ماء ..
>ويتكلم فيها الناس فلا بد أنها نار غير النار :
>( كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم
>لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن
>لا تعلمون ).
>إنهم يتكلمون وهم في النار وهي نار :
>(وقودها الناس والحجارة )
>هذه النار إذا من قبيل الغيب ..
>وما ورد عنها إشارات .
>ولا يجب أن يفهم من هذا الكلام أننا ننكر العذاب الحسي ونقول بالعذاب
>المعنوي ..
>فإن العذاب الحسي صريح لا يجوز الشك فيه ونحن نؤمن بوجوده .
>وإنما نقول إن تفاصيل هذا العذاب وكيفيته .. كما أن كيفية تلك النار
>وأوصافها التفصيلية ..
>هي غيب مجهول .. فهي على ما يبدو في الإشارات القرآنية .. نار غير
>النار ..
>كما أن أجسامنا في تحملها لتلك النار هي غير الأجسام الترابية الهشة
>التي لنا الآن …
>ونفس الشيء في الجنة .. فهي ليست سوق خضار وبلح ورمان وعنب ..
>وإنما تلك الأوصاف القرآنية هي مجرد إشارات وضرب أمثلة وتقريب إلى
>الأذهان .
>( مثل الجنة التي وعدالمتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن
>لم يتغير طعمه )
>” مثل الجنة ” .. أي أننا نضرب مثلا يقرب فهم الجنة إليك ولكن الحقيقة
>أن التفاصيل غيب .
>( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كا -
الكاتبالمشاركات
- يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.