( المشهد الاول )
استيقظت من نومي على نغمة ( تن تن ) ، وبعدها قال مساعد الطيار : الرجاء من المسافرين ترك احزمة المقاعد مربوطة لحين توقف الطيارة توقفا كليا .
حينها ادركت اننا وصلنا مطار القاهرة
وما ان وصلت لقاعة الوصول فإذا بحشد هائل من الناس من جنسيات مختلفة ينتظرون دورهم لختم جوازاتهم ، فوقفت باحدى الطوابير وأخرجت جوازي الاحمر من حقيبتي ووضعته في جيب قميصي حتى يأتي دوري .
في تلك اللحظة لمحني شخص كان واقفا بالقرب مني ، فابتسم ابتسامة عريضة ، وسألني قائلا : الاخ عماني ؟
قلت : نعم
قال : اهلا وسهلا ، منوّر يا باشا .
قلت : بوجودكم
فعلا استغربت كيف عرف هذا الشخص بأني عماني ؟!
هل انه راى جوازي ؟ مع العلم انني عندما سحبت الجواز من حقيبتي كانت واجهة الجواز التي بها الكتابة والشعار منطبقة على راحة يدي .
أم ان هناك اشياء اخرى لا اعلمها تدل على اني عماني ؟

(المشهد الثاني ) بعد قاعة الوصول
سائق سيارة الاجرة ……….
الحمد لله على السلامة يا ريّس …
ليموزين تكييف من هنا الى المهندسين بــ 45 جنية بس .
قلت : بس كيف …. قال : توصيلك للمهندسين سعره 45 جنيه
قلت : على اي اساس عرفت اني ذاهب للمهندسين ؟
قال : ما هو يا استاز اغلب العرب بيحبوا يسكنو المهندسين .
قلت : امممممم موافق .

(المشهد الثالث ) في الطريق الى المهندسين

السائق : من فين يا باشا ؟ من السعودية ؟ قلت : لا
قال : من الكويت ؟ قلت : لا
قال : يعني من الامارات ؟ قلت : لا
اخذ يعدد دول الخليج كلها إلا سلطنة عمان فلم يذكرها قط .
قال : امال انته من فين ؟!
قلت : من عُمان
قال : آه يعني بتاع الملك عبدالله ( والله اجدع ناس ) .
قلت : من الملك عبدالله ؟!!!!
قال : بتاع الاردن
قلت : انا من سلطنة عمان وليس عمّان .
قال : آه فهمت دلوأتي ، يعني انته بتاع الشيخ زايد بن سلطان ( والله اجدع ناس )
قلت في نفسي ان هذا انسان جاهل غير متعلم وليست لديه اي ثقافة .
بعد ساعة من هذا المشوار وصلنا المهندسين واستأجرت شقة في شارع اسمه شارع جامعة الدول العربية .

(المشهد الرابع ) الاهرامات
في اليو الثاني قمت بزيارة الاهرامات ، وركبت الخيل لأول مرة في حياتي .
ولكن اذهلت واصابني الاحباط والاسى عندما سألني شاب في العشرينات من عمره ( سايس الخيل) عن نفس الاسئلة التي سألها سائق سيارة الاجرة بالامس مع اختلاف بسيط فقط .
بعد ذلك صعقني بكلامه الذي جعلني انفجر من الضحك عليه حين قال : هو انتو لسه بتحاربوا بالسيوف في بلدكم ؟
وايضا حين قال : هو انتو عندكم اهرامات زيّنا ؟
طبعا ما كان من واجبي إلا ان اوضح له الصورة عن وضع السلطنة في هذا العصر ، والتطورات التي دخلت عليها واصبحت دولة عصرية متقدمة .

(المشهد الخامس ) شرم الشيخ
بعد ان انهيت زياراتي وجولاتي في القاهرة ومشاهدة الآثار الفرعونيه التي استغرقت خمسة ايام . قررت الذهاب الى شرم الشيخ .
قطعت تذكرة السفر الى شرم الشيخ وتوجهت الى تلك المدينة الساحلية الجميلة الهادئة .
وعند خروجي من مطار شرم الشيخ التقيت بشخص اسمه ( احمد ) .
سألته من اي بلد ؟ قال : من الامارات العربية المتحدة .
ففي تلك اللحظة خطرت ببالى فكره وهي اننا سنسكن في فندق واحد وسنقضي وقتاً ممتعاً في هذه المدينة ، ونضع جدول موّحد لنا لزيارة الاماكن السياحية فيها .
فما كان له إلا ان يبادلني نفس السؤال ، ويسألني من اي بلد انا .
قلت : انني من سلطنة عمان
فأحسست ان تقاسيم وجهه وملامحه قد تغيرت .
فقلت : ما الخطب يا رجل ؟ قال : آسف لقد انكرت لك الحقيقة فأنا لست من الامارات بل من بلدك عُمان .
في تلك اللحظة قررت الغاء الفكرة التي خطرت في بالي ، وقلت في نفسي : كيف اقضي وقتي مع شخص ينكر وطنة ومولده واصله ؟
وطبعا سألته لماذا انكرت ذلك من البداية ؟
قال : يا اخي الناس هنا لا يعرفون اي شيء عن عمان .
قلت : وما العيب انك تقول من عمان ؟ فيمكنك ان تعرّف الشخص الذي لا يعرف ، أما انك تنكر وتخجل من بلدك لكونهم لا يعرفونها فإنك تساعد على عدم معرفتهم بها.
ولكن للاسف سقّط َ من عيني
سحبت حقيبتي وأشرت الى سيارة الاجرة وتوجهت الى الفندق بمفردي .

(المشهد السادس ) القاهرة بتاريخ 17/11/ 1998 م
استيقظت من نومي الساعة الحادية عشر صباحا ، ووضعت الفطار ، وفتحت التلفاز ( طبعا على القنوات المصرية فقط )
اخذت احوّل من قناة الى قناة الى ان وصلت الساعة الواحدة والنصف ظهرا تقريبا ، فإذا بالقناة الثانية المصرية تعرض برنامج لا اذكر اسمه بالتحديد ، ولكن كان يتحدث عن ملامح عُمان وكان ذلك بمناسبة العيد الوطني في سلطنة عمان .
ولكن للاسف الشديد كان البرنامج قد تم تصويره في عام 1979 م
فقلت في نفسي : ياه اين نحن الان واين كنا في ذلك الزمان ، فكيف لقناة ان تعرض هذا البرنامج الذي مضى عليه عشرين عاما ؟!!
فما كان من واجبي إلا ان اتصل بالملحق الاعلامي في القاهرة .
وفعلا رفعت سماعة الهاتف وطلبت الملحق الاعلامي واخبرته بما رأيت .
فما كان رده إلا ان يقول : اننا طلبنا من وزارة الاعلام في عمان بارسال نسخة جديدة عن عمان وعن معالمها في الفترة الجديدة على الاقل عام 1995 م ولكن لم يتم الرد علينا .

( المشهد الاخير ) مطار القاهرة
سلمت مفتاح الشقة الى بواب العمارة ، واخذت سيارة الاجرة ، وتوجهت الى المطار .
دخلت قاعة المغادرين ، وتوجهت الى احدى الموظفات التي تنهي اجراءات الركوب في الطيارة ،
وفي تلك اللحظة وإذا بشخص من خلفي يضع يده على كتفي وقال : ازيك يا برنس ؟
فالتفت نحوه وإذا بالشخص الذي رأيته في قاعة الوصول وانا قادم من مسقط والذي سألني ان كنت عماني او لا .
سألته من انت ؟ قال : انا مندوب الملحقية الثقافية العمانية بالقاهرة ، كنت انهي اجراءات السفر لاحد الطلبة المغادرين .

حينها تبسمتُ ولكني ظللتُ غارقا في دهشتي … كيف عرف اني عمانيٌ بجنسيتي