بسم الله الرحمن الرحيم

ما هي الصلاة ؟ أهي صلة العبد بربه ؟ أهي نظام في اليوم للفرد المسلم والجماعة المسلمة ؟ أهي دعاء وضراعة ورفع اكف الى الله سبحانه وتعالى ؟ أهي رحمة مهداة من الله الى العباد ؟ اهي اسلوب للحياة واتباع لنمط من انماط التكاليف ليتعود المجتمع السمع والطاعة والنظام والنظافة ؟ اهي مؤتمر للاسرة الصغيرة خمس مرات في اليوم ومؤتمر للاسرة الكبيرة مرة واحدة في الاسبوع ومؤتمر عام للمجتمع المسلم مرتين في كل عام ؟
في الحقيقة ان الصلاة مجموع ذلك كله … فالصلاة : صلة بين العبد وربه والرابطة التي تربط الارض بالسماء ومعراج المؤمنين الى ربهم ..

مجتمع الصلاة مجتمع جاد لا يعرف العبث
مجتمع الصلاة مجتمع جاد لا يعرف العبث يقظ لا يعرف النوم .. له رغبة في العلم يفتش دائما عنه ويبحث عن المعرفة ، ويضرب في فجاج الارض للوصول اليها وفي الاثر ( اطلبوا العلم ولو في الصين ) و ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) .
مجتمع الصلاة نظيف اليد والقلب ، طاهر الظاهر والباطن ، ابعد ما يكون عن امراض القلب من الحقد والغل والحسد والتجسس والغيبة والنميمة لانه انس بحب الله ، قال الله تعالى : (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا ) وطاهر الظاهر ايضا لانهم يتطهرون خمس مرات في اليوم يطهرون اجسادهم بالماء فلا تمرض الا على سبيل رفع الدرجات ، ويطهرون ارواحهم بالصلاة فلا تنحرف ويطهرون اموالهم بالزكاة فلا تنقص قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) وقوله تعالى ( يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ” ما نقص مال من صدقة ” . من هنا كان مجتمع الصلاة مجتمعا طاهرا .
ومجتمع الصلاة قد تجد فيه الفقير ولكن لا تجد المحتاج .. تجد من قتر عليه الرزق ولكنك لا تجد المتسول .. تجد فيه الاغنياء ولكن لا تجد فيه مظاهر الشح والبخل .. فهم كرماء اولياء يعالجون مرضاهم بالصدقة وينمون اموالهم بالزكاة ويكفرون ذنوبهم بالإحسان قال الله تعالى : (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) .
مجتمع النظام والطاعة
ومجتمع الصلاة مجتمع النظام والطاعة ، مجتمع الصدق والعفة ، مجتمع لا يعرف الفوضى لانه يخطط لمستقبله فلا يعرف الارتجالية ولا الطفرة في انجاز اموره وهو مجتمع مطيع لا يعرف العصيان او التمرد ولا الخروج على امر الحاكم المسلم وكيف يخرج عليه وهو الذي اختاره ! والقائم على شرع الله تعالى ! .
مجتمع الصلاة مجتمع العزة والكرامة لا تحتل ارضه ولا تستعمر بلاده ولا يرضى بالعيش الذليل ولا يقبل الخضوع لانسان قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) .
مجتمع الصلاة لا تحيط به النكبات ولا تستذله المصائب ، فان حلت به هرع الى الصلاة واذا دهمته الخطوب اتجه الى الله تعالى ، ومن يقدر على كشف الضر سواه ! ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم اذا احاطت به ظروف صعبة يقول : ( ارحنا بها يا بلال ) يدعوه الى اقامة الصلاة . فهنا العز الذي لا ذل معه والقوة التي لا ضعف فيها والامن الذي لا يلابسه خوف .
الصلاة اعظم طاقة للتحرر
ان الصلاة بهذا التصور اعظم طاقة للتحرر … تحرر الفرد وتحرر الجماعة ، ولذا كانت وسيلة النصر الاولى انما تكمن في الصلاة ، ولقد اقامها الرسول صلى الله عليه وسلم في ميدان القتال قال الله تعالى : (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذ ْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ) فالصلاة لا تسقط في سفر ولا تتعطل في مرض ولا تتوقف في ميدان قتال … الصلاة في السلم دعامة الامن والاطمئنان ووسيلة لاشاعة المحبة والتعاون في المجتمع ، والصلاة في ميدان القتال طريق النصر ، والصلاة في المرض مدعاة للشفاء ، والصلاة في السفر مطية الوصول الى الهدف وتحقيق الغرض ، والحياة بحاجة الى رجال احرار لا يسجدون الا لله ولا يخضعون الا لحكمه … رجال لا تستذلهم شهوات نفوسهم ولا تستعبدهم ارادة الجبارين .
لا خير يرتجى فيمن ترك الصلاة
من لا خير فيه لربه لا خير فيه لنفسه ولا لمجتمعه ولا للناس اجمعين ، ومجتمع الصلاة لا يقيم وزنا لتاركي الصلاة ولا يسند اليهم مواقع العمل الهامة لانهم لا يحتكمون الى ربهم بل الى شهواتهم ، وهذه حقيقة يجب ان ننتفع بها في حياتنا العملية وذلك بان ننظر الى الاشخاص من خلال معرفتهم لربهم ومن واقع ايمانهم ونضع هذه المرشحات في المرتبة الاولى ثم نبحث معا عن العلم والخبرة التي ترشح لتلك الوظيفة .
لقد اراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان يختار قائدا لجيشه في حرب الروم وكان عمر بصيرا باقدار الرجال ، لقد انتدب اكفأ القادة واحزم الولاة من خلال خشوعهم في الصلاة ومواهبهم في الحياة ، فكان اتقان الصلاة رشح هؤلاء لمناصب القيادة والامارة .
كيف اختار عمر قائده ؟
فالنعمان بن مقرن قائد معركة نهاوند المشهورة لم يكن عمر يعرف اسمه لكنه حين دخل المسجد راى رجلا يصلي صلاة خاشعة فامتلأ قلبه اعجابا به وامتلأت نفسه ثقة به ، وكان الرجل مفتول الذراعين مرفوع القامة قوي العضلات ، وسأل امير المؤمنين : من هذا ؟ فقيل له : النعمان بن مقرن ، فقال : عليّ به ، فلما مثل بين يديه قال له عمر : لقد انتدبتك لامر عظيم ، فقال الرجل العملاق : يا امير المؤمنين ان كنت تريدني لجمع الصدقات فاني لا اصلح لذلك وان كنت تريدني للجهاد والاستشهاد في سبيل الله فاني اصلح له ، فقال عمر : بل اردتك للجهاد والاستشهاد ، ثم ولاه امارة الجيش ، وقد كانت اول اعماله في المعركة ان طلب من جنده ان يتوضأوا ليصلوا صلاتهم قبل الالتحام بعدوهم ، وبعد الصلاة مباشرة طلب اليهم ان يرفعوا ايديهم قائلا : ايها الناس اني داع فأمّنوا .. اتدري بماذا دعا ؟ لقد قال: اللهم ارزق النعمان استشهادا في سبيلك يفتح على المسلمين فقالوا جميعا : آمين ، ثم التحم بالعدو في كر متواصل متتابع الحملات حتى انكشف ذلك العدو ، ولكن القائد العملاق كان قد دفع الثمن .. لقد خر صريعا في الميدان تنزف الدماء منه بينما هو في النزع الاخير اذ اقترب منه معقل بن يسار فساله وهو يحتضر هل تم النصر ؟ قال معقل : نعم ، فقال : الحمد لله اكتبوا لامير المؤمنين بذلك ، ثم فاضت روحه .
ان حكام المسلمين وقادتهم يجب ان يكونوا من الرجال الاقوياء … الاقوياء في ابدانهم حتى لا يملأ الهلع نفوسهم اذا احاطت بهم الخطوب … والاقوياء في عقولهم حتى لا يلقوا ببلادهم ومصائرهم في قبضة الاعداء نتيجة لطفرة في الرأي او عجالة في التفكير … واقوياء في ارواحهم فلا تغرهم الدنيا ولا يحرصون على حطامها الفاني … فهل نحن فاعلون ؟ نرجو من الله تعالى ذلك . قال الله تعالى : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .