مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #55979
    شاف الويل
    مشارك

    بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه ، أما بعد :

    فالزهد هو عبارة عن انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه ، و هو ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة و أن يخلو قلبك مما خلت منه يداك ، و يعين العبد على ذلك علمه أن الدنيا ظل زائل ، و خيال زائر فهي كما قال تعالى: ( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً ) ” سورة الحديد : 20 ” و سماها الله ” متاع الغرور ” و نهى عن الاغترار بها ، و أخبرنا عن سوء عاقبة المغترين ، و حذرنا مثل مصارعهم و ذم من رضي بها و اطمأن إليها ، و لعلمه أن وراءها داراً أعظم منها قدراً و أجل خطراً ، و هي دار البقاء ، يضاف إلى ذلك معرفته و إيمانه الحق بأن زهده في الدنيا لا يمنعه شيئاً كتب له منها ، و أن حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها ، فمتى تيقن ذلك ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة ، فأما ما ينفع في الدار الآخرة فالزهد فيه ليس من الدين بل صاحبه داخل في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (المائدة:87) .

    حقيقة الزهد:

    و ليس المقصود بالزهد في الدنيا رفضها فقد كان سليمان و داود – عليهما السلام – من أزهد أهل زمانهما ، و لهما من المال و الملك و النساء ما لهما ، و كان نبينا صلى الله عليه و سلم من أزهد البشر على الإطلاق ، و له تسع نسوة ، و كان على بن أبي طالب و عبد الرحمن بن عوف و الزبير و عثمان – رضي الله عنهم – من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال ، و غيرهم كثير ، و قد سئل الإمام أحمد : أيكون الإنسان ذا مال و هو زاهد ، قال : نعم ، إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصانه ، و قال الحسن : ليس الزهد بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال ، و لكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك ، و أن تكون حالك في المصيبة ، و حالك إذا لم تصب بها سواء ، و أن يكون مادحك و ذامك في الحق سواء .هذه هي حقيقة الزهد، وعلى هذا فقد يكون العبد أغنى الناس لكنه من أزهدهم ؛ لأنه لم يتعلق قلبه بالدنيا،وقد يكون آخر أفقر الناس وليس له في الزهد نصيب ؛لأن قلبه يتقطع على الدنيا.

    من أقسام الزهد:

    و الزهد في الحرام فرض عين ، أما الزهد في الشبهات ، فإن قويت الشبهة التحق بالواجب ، وإن ضعفت كان مستحباً ، و هناك زهد في فضول الكلام و النظر و السؤال و اللقاء و غيره ، وزهد في الناس ، و زهد في النفس حيث تهون عليه نفسه في الله ، و الزهد الجامع لذلك كله ، هو الزهد فيما سوى ما عند الله ، و في كل ما يشغلك عن الله ، و أفضل الزهد إخفاء الزهد، وأصعبه الزهد في الحظوظ .

    من فضائل الزهد:

    لقد مدح الله تعالى الزهد في الدنيا و ذم الرغبة فيها في غير موضع فقال تعالى: ( و فرحوا بالحياة الدنيا و ما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ) ” سورة الرعد : 26 ” وقال عز وجل: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس:24)

    و قال: ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم و الله لا يحب كل مختال فخور ) ” سورة الحديد : 23 ” . و قال تعالى حاكياً عن مؤمن آل فرعون أنه قال: ( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع و إن الآخرة هي دار القرار ) ” سورة غافر : 39 “. و عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ” كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ؛ فإنها تزهد في الدنيا و تذكر الآخرة ” . و عن سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنه قال : أتى النبي صلى الله عليه و سلم رجل فقال : يا رسول الله دلني على عمل ، إذا أنا عملته ، أحبني الله ، و أحبني الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : “ازهد في الدنيا يحبك الله ، و ازهد فيما في أيدي الناس يحبوك “. و عن سهل بن سعد – رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء ” .

    الأنبياء أزهد الناس:

    الأنبياء و المرسلون هم قدوة البشر في الزهد في الدنيا و الرغبة في الآخرة : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) و من طالع حياة سيد الأولين و الآخرين علم كيف كان صلى الله عليه و سلم يرقع ثوبه ، و يخصف نعله ، و يحلب شاته ، و ما شبع من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض ، و كان لربما ظل اليوم يتلوى لا يجد من الدقل ( رديء التمر ) ما يملأ بطنه ، و في غزوة الأحزاب ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع ، و يمر على أهله الهلال ثم الهلال ثم الهلال لا يوقد في بيتهم النار ، طعامهم الأسودان : التمر و الماء ، و كان يقول : ” اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار و المهاجرة “. و عن عائشة – رضي الله عنها قالت : ” إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي ينام عليه أدماً حشوه ليف ” ، و أخرجت رضي الله عنها كساءً ملبداً و إزاراً غليظاً فقالت : ” قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذين “.

    طويت الدنيا عمن هم أفضل منا:

    ويكفي أن في الزهد التأسي برسول الله صلي اله عليه وسلم وصحابته الكرام ، كما أن فيه تمام التوكل على الله ، وهو يغرس في القلب القناعة،إنه راحة في الدنيا وسعادة في الآخرة . و الزاهد يحبه الله ويحبه الناس فإن امتلكت فاشكر، وأخرج الدنيا من قلبك ، وان افتقرت فاصبر فقد طويت عمن هم أفضل منك ، فقد كان نبيك صلي الله عليه وسلم نيام على الحصير حتى يؤثر في جنبه ، ومات وفي رف أم المؤمنين عائشة حفنة من الشعير تأكل منها ، وكنت إذا دخلت بيوت رسول الله صلي الله عليه وسلم نلت السقف ، وخطب عمر بن الخطاب وهو خليفة المؤمنين وعليه إزار به اثنتا عشرة رقعة .

    لقد طويت الدنيا عنهم ولم يكن ذلك لهوانهم على الله ، بل لهوان الدنيا عليه سبحانه .، فهي لا تزن عنده جناح بعوضه ، وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها . فلا تأس ولا تجزع على ما فاتك منها ، ولا تفرح بما أتاك؛ فالمؤمن لا يجزع من ذلها ولا يتنافس في عزها له شأن و للناس شان ، وكن عبداً لله في عسرك و يسرك و منشطك ومكرهك ، وسواء أقبلت عليك الدنيا أو أدبرت فإقبالها إحجام ، وإدبارها إقدام ، والأصل أن تلقاك بكل ما تكره فإذا لاقتك بما تحب فهو استثناء.

    من كتابات
    د/سعيد عبد العظيم

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد