مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #54667

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وحزبه :
    الكلمة صورة المعنى والمعنى صورة العقل وعصارة الفكر وقيمة النفس وجوهر المتكلم وميزان الذوق ومقياس العطاء وعنوان العلم ومؤشرُ اتجاهِ قائلها ، اذ كل اناء بالذي فيه ينضح ، ويحضرني في هذا المعنى مثال يجري على السنة الناس ـ والامثلة عصارة العبقريات وثمرات التجارب ـ يقول ذلك المثل : الكلام صفة المتكلم .
    الكلمة بالنسبة للمستمع توجيه الى جهة بالتصريح او التلميح ، والكلمة تبني او تهدم ، فكم من كلمة اصلحت بين متخاصمين وكم من كلمة فرقت بين متعاضدين ، ولكل كلمةِ خيرٍ اثرها في بناء المجتمع ودعم قوته ، ولكل كلمة شر اثرها في تصدع المجتمع وإضعاف روابطه ، والكلمة كالسلاح فالسلاح في يد العاقل نعمة يستعمله في دفع الشر ، وهو في يد الجاهل والسفيه والمجنون نقمة يستعمله حيث شاء له هواه فربما قتل نفسه او صديقه او اعتدى او ظلم ، لذلك اعد الله سبحانه لكل كلمة كاتبا واعد لقائلها جزاءا ـ ان خيرا فخير وان شرا فشر ـ قال الله سبحانه وتعالى : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } وكلمة الخير من خير العمل وقد تكون اجدى نفعا من المال فما كلنا يستطيع ان يفرّج كربة المكروب ويرثي نكبة المنكوب من ماله الخاص ولكنه اذا حث اخوانه ونبّه زملاءه استطاع ان يحقق ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنكم لن تسَعوا الناس باموالكم فسعوهم بألسنتكم ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( الدالّ على الخير كفاعله ) والكلمة قد تصد من الشر ما لا يصده السلاح ، والكلمة قد توصل الى بِِـر لا يُنال بالقوة ، والكلمة الطيبة لا تسع اوعية السطور طيبها ونفعها ، والقلم اقصر من ان يطاولها ، والكلمة الطيبة ترفع صاحبها الى مقامات لا ينالها بماله في الاخرة عند الله وفي الدنيا بين العقلاء والجهلة ايضا ، قال الله تعالى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } ويكفي انها تبدل العداوة محبة ولذا حثنا الله سبحانه في كثير من آيات القران الحكيم على الكلمة الطيبة بشتى صنوفها ومواضعها ، وزيّـنها لنا حتى جعلها من الصفات اللازمة للايمان لزوم النتائج للمقدمات ، قال سبحانه وتعالى في معرض ذكر صفات المؤمنين : { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } وقال سبحانه : { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } وقال سبحانه : {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ } وقال سبحانه : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } وقال سبحانه : { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } وقال سبحانه : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } ، وشبّه سبحانه الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة لا يعدم الخير منها او ظلها او منظرها ، وهكذا فالكلمة الطيبة لا يعدم قائلها جوازيها في الدنيا والاخرة .
    اما الكلمة الخبيثة فانها من اخبث العمل وهي ثمرة النفس الخبيثة وهي تهدم ما لا يهدمه المعول ( الفأس ) وتفسد ما لا يفسده الساحر وتوقع في المجتمع من الضرر ما لا يوقعه الوباء المعدي وتجلب على صاحبها من الويل ما لا يجلبه عليه عدوه قال الشاعر :
    يموت الفتى من زلة بلسانه وليس يموت الفتى من زلة القدم
    يخسر الانسان بكلمة من الشر دنياه واخرته ، فالمسلم اذا نطق بكلمة تخالف عقيدة الاسلام حُكم عليه بالردة والعياذ بالله ، فان لم يتب فارقته زوجته وحل دمه وماله ولا يرثه ولده ولا والده ولا وارثه وهو في الاخرة من الخاسرين يخلد في النار مؤبدا ـ انظر اخي العاقل الى هذه العبرة ـ حد شارب الخمر في الاسلام اربعون جلدة بينما حد القاذف ثمانون جلدة بنص القران الحكيم ولا تقبل للقاذف بعدها شهادة ابدا ولو حج الى بيت الله سبعين حجة ( على رأي الحنفية ) . الكلمة الخبيثة ترمي صاحبها في النار قال صلى الله عليه وسلم : ( … وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار سبعين خريفا ) .
    والنميمة كلمة وهي تُـنزل صاحبها الى مرتبة الديوث ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة قتّات ( نمام ) ولا ديوث ) والنمام في نظر الناس ايضا لا يربو على هذه المرتبة ولذا نهانا القران الكريم عن كلمة السوء وحذرنا عواقبها قال سبحانه : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } وشبّه الكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة … شجرة الحنظل لا ظل ولا رائحة ولا منظر ولا ثمرة ، ولقد عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر وسماها الموبقات يعني المهلكات وعدّ من السبع الموبقات قذفَ المحصنات المؤمنات الغافلات ، وما القذف الا كلمة باللسان .
    واعلم اخي المؤمن ان السكوت عن كلمة الخير عندما تدعو الحاجة اليها لا تقل اثما في نظر الاسلام وميزان القران عن النطق بكلمة الشر ، فالسكوت عن كلمة الخير من صفات المنافقين قال سبحانه في وصف المنافق : { وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } والخلاصة فان الكلمة طــــاقــــة نسأل الله خيرها ونعوذ بالله من شرها ، ومن لا يحترم كلمته هانت عليه نفسه ، واحترام الكلمة ان يكون صاحبها اول عامل بها {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} والحمد لله رب العالمين .

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد