الرئيسية منتديات مجلس التعليم العصري القدرات العقلية..وعلاقتها الجدلية بالتحصيل العلمي

مشاهدة 3 مشاركات - 1 إلى 3 (من مجموع 3)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #54613
    أميرالجن
    مشارك

    القدرات العقلية..وعلاقتها الجدلية بالتحصيل العلمي

    يحظى موضوع القدرة الابتكارية والتفكير العلمي والموهبة باهتمام كبير من قبل العلماء والمتخصصين في علم النفس والتربية منذ النصف الثاني من القرن الماضي،والدليل على ذلك،الزيادة المطردة في عدد البحوث والدراسات التي تنشر في مختلف بلدان العالم،مما يبرز مدى الاهتمام المتزايد بالقدرة الابتكارية من قبل الباحثين السيكولوجيين والمربين.

    ويرجع هذا الاهتمام المتزايد الى التطورات الحديثة الي يشهدها علم النفس،وعلوم التربية من جهة،والتقدم العلمي والتكنولوجي من جهة أخرى،بالإضافة الى توجه العلماء الى دراسة الابتكار كقدرة عقلية نامية،يمكن تربيتها منذ السنوات المبكرة من حياة الفرد،وذلك بالكشف عنها بواسطة اختبارات،وطرق علمية تساعد على انتقاء الأفراد الذين يتميزون بهذه القدرة لتوفير المناخ البيئي والتربوي المناسب لنموها نموا سليما.

    ولا شك ان الاهتمام بالمبتكرين والقدرات الابتكارية له ما يبرره،ذلك انه من مقومات الحضارة الإنسانية،إذ ان الحضارات وجدت بالعقول المبتكرة،وبقيت صامدة في وجه الأحداث بما تحتويه من مبتكرات أبنائها مثل، الحضارة اليونانية،والحضارة الصينية وغيرها من الحضارات،مما يعني ان الأمم ترقى وتزدهر بما لديها من عقول نيرة مبتكرة.ومن هنا نجد المربين اليوم يولون اهتماما بالغا بالمبتكرين،ومحاولة البحث عنهم،وتخصيص لهم الأقسام الخاصة بهذا بغرض تربيتهم تربية تتوافق مع قدراتهم الابتكارية(1).

    لقد بدأت مجتمعات العالم الثالث تتفطن في السنوات الأخيرة الى أهمية العقول المبتكرة في بناء الحضارة،وتقليص الهوة التي تفصلها عن المجتمعات المتطورة،فخصصت لذلك الأموال الطائلة،وبدأت تغير أنظمتها التربوية وتوجيهها وجهة تتوافق مع أهدافها ومطامحها لتحقيق الغايات المنشودة،إيمانا منها بأهمية عنصر التجديد في الحضارة،وهو ما يعني الإيمان بأهمية التربية في بناء وتجديد الحضارة، حيث ان عنصر التجديد هو من أهم مقوماتها.

    والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها،ان الحضارة اذا فقدت عنصر التجديد لسبب ما،فإنها تصبح مهددة بالركود،ثم الانحطاط..وإذا كان للإصلاح عـدة أغراض،فان من أهمها،شحذ عبقرية الأمة ودفعها الى الإبداع والتجديد انطلاقا من خدمة التراث الأصيل.فالاكتشاف لمجاهل الكون،هو إثراء للمعرفة وللمنظومة التربوية بحكم موقعها كالعمود الفقري في كيان الأمة الحضاري الشامل والمتكامل،والتي تحتاج الى الإصلاح لتساهم بدورها في عملية التغيير المنشود.فالتربية هي من أهم وسائل الرقي الحضاري والازدهار الثقافي(2).وبذلك يمكن القول ان الحضارة اذا خلت من عنصر التجديد،فإنها تفقد حيويتها ونموها.

    وإذا كانت المدرسة في مرحلتيها الأولى والمتوسطة،تمثل حلا بديلا للمشكلة التربوية،فان السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الاتجاه هو، الى أي حـد تساهم المدرسة في تنمية قدرات ومواهب وآراء الأفراد المتعلمين وخاصة فيما يتعلق بالقدرة على التفكير الابتكاري التي تعد من أهم القدرات العقلية التي تجعل الفرد يساهم في عملية البناء الحضاري؟،ذلك باعتبار ان الأمم اليوم ترقى وتزدهر بما لديها من عقول مبتكرة ومجددة.

    والحقيقة أن الإجابة على هذا التساؤل المطروح،تتطلب دراسة علمية،تكشف عن مدى العلاقة القائمة بين ما يحصله الفرد المتعلم في هذا النظام التربوي وقدرته الابتكارية،فضلا عن تكوينه في الجوانب الأخرى من شخصيته،ذلك ان شخصية الإنسان تبقى وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة.

    مفهوم القدرة العقلية:

    لا شك ان مفهوم القدرة العقلية،يعد مصطلحا حديث الظهور(نسبيا)،فقد نشأ هذا المفهوم في ميدان علم النفس التطبيقي(3)،وكان في نهاية القرن التاسع عشر متصلا بالدراسات التجريبية،وفي بداية القرن العشرين،ظهر في فرنسا مرتبطا بقياس الذكاء في أبحاث العالم”الفرد بينه” ثم تطور على يد العالم الانجليزي”تشارلز سبيرمان” الذي رفض مصطلح”الذكاء”لأنه يحمل الكثير من المعاني، وقام باستبداله بمصطلح”العامل العام” الذي يعبر عن الطاقة العقلية العامة التي تهيمن على جميع النشاطات العقلية الأخرى،وذلك حسب مقتضيات نظريته المعروفة بـ”نظرية العاملين”(4).

    ويتفق معظم علماء النفس على التعريف الاجرائي للقدرة العقلية،باعتبار انه ما ينتج عن الأداء العقلي،كالقدرة العديدية،والقدرة الابتكارية،حيث يرى العالم”فيري وارن” ومعه”بينجهام” ان القدرة العقلية هي”القوة على أداء الاستجابة،وتشتمل على المهارات الحركية،كما تشتمل على حل المشاكل العقلية”(5).وهو ما يعني التخلص من المفهوم الفلسفي للقدرة العقلية،واعتبار الاستجابة موقفا مشخصا لهذه القدرة من حيث ان الاستجابة لا يقوى عليها الفرد إلا بفضل هذه القوة الواعية.

    كما اعتبر العالمان المذكوران،ان الاستجابة لا تخلو من هذه القدرة او القوة التي تتجلى فيها القدرة العقلية.والواقع انه اذا كنا لا نجهل أهمية الوعي في سلوك الفرد الاصطفائي،فإننا لا نستطيع اعتبار ان كل الاستجابات هي استجابات واعية، والسبب في تبني هذه الرؤية يعود الى ان الرجلين(وارن_وبينجهام) كانا ينتميان للمدرسة السلوكية التي بنيت نظريتها النفسية على عاملي المنبه(المثير) والاستجابة.

    أما العالم”ثرستون” فيرى ان القدرة العقلية هي صفة يحددها سلوك الفرد،أي بمعنى أنها صفة تتحدد بما يمكن ان يؤديه الفرد او ما يقوم به”(6).فهي(القدرة العقلية) صفة تظهر نتيجة لأداء معين،وبهذا فإنها تمثل سلوكا ظاهريا يمكن ملاحظته وبالتالي قياسه.

    وجاء ضمن تعريفات معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية على لسان مؤلفه د. احمد زكي بدوي التعريف التالي:” القدرة العقلية تعني مقدرة الفرد العقلية على إنجاز عمل ما او التكيف في العمل بنجاح..وهي تتحقق بأفعال حسية او ذهنية،وقد تكون فطرية او مكتسبة(عن طريق التعلم)،كما ان هناك قدرات عامة،وهي تمثل عامل مشترك بدرجات متفاوتة مع جميع القدرات الخاصة او مع مجموعة منها”(7).

    ويتضح من خلال التعاريف السالفة الذكر للقدرة العقلية،ان هناك اختلافا بين الباحثين في تحديدهم لهذا المصطلح،فبعضهم لا يفرق بينه وبين الاستعداد،والبعض الآخر يربطه بالتصنيف وان هذه الاختلافات ترتبط باتجاه الباحث ومنهجه في البحث.فتعريف العالم فيليب فرنون(القدرة العقلية تعني وجود طائفة من الأداء الذي يرتبط بعضه ارتباطا عاليا،ويتمايز الى حد ما كالطائفة مع غيره من التجمعات الأخرى للأداء،أي ارتباطه بالطوائف الأخرى) يلاحظ انه مرتبط ارتباطا وثيقا بنظريته في البنية العقلية المتمثلة في نظرية”التنظيم الهرمي” التي تقول بالذكاء العام..فالعوامل الطائفية الكبرى تليها العوامل الطائفية الصغرى..الخ.

    وتتلاقى التعاريف السابقة،على ان القدرة العقلية ترتبط بالأداء،غير ان البعض منها قد وقع في الخلط بين الاستعداد والقدرة،وهو ما يعني انه لا فرق بين الاستعداد والقدرة إذا كان المقصود بالتدريب عملية (التعليم) بمعناها الواسع،وبالتالي تفاعل الفرد مع بيئته.أما قبل التدريب، فان القدرة العقلية تبقى مجرد استعداد يميل الى الجانب الفطري،وبهذا يظهر الفرق بين القدرة والاستعداد.

    ومن جانبه قدم الباحث فؤاد البهي السيد حلا لهذه الإشكالية،حين اعتبر ان الأداء العقلي “هو القدرة العقلية،والأداء المزاجي..وان الانفعال هو سمة الشخصية،والأداء الحركي هو المهارة اليدوية”

    الملكـة العقلية..وكيفية تنميتها:

    الملكة العقلية هي قوة عقلية او فكرية او شعورية او إرادية،تعتمد أساسا لتفسير الظواهر العقلية،وكان ينظر لها في السابق على أنها إحدى قوى العقل البشري كالذكاء او الإرادة.وتفسر عن طريق عملها وتفاعلها مع جميع الظواهر العقلية،إلا ان علماء النفس عدلوا عن هذا الرأي(8).

    وقد بنيت هذه النظرية بالأساس على التأملات الفلسفية منذ أيام ارسطو،بالإضافة الى التفسيرات الفرضية التي كانت تقسم الدماغ تشريحيا ووظيفيا الى أقسام منفصلة يسفر كل منها عن إحدى نواحي النشاط العقلي كملكة التذكر،وملكة الانتباه،وملكة التخيل وغيرها من الملكات الأخرى(9).ونتيجة لهذا المفهوم او التفسير للعقل البشري،ظهرت نظرية”التدريب الشكلي” التي ترى انه من أجل تنمية ملكة من الملكات يجب توافر الشروط الضرورية لتدريبها، وكان هذا التدريب يعتمد على المواد الدراسية،حيث انه من أجل تكوين ملكة التذكر(مثلا) ينبغي اختيار المواد الدراسية التي تنمي هذه الملكة،كالمحفوظات وغيرها من المواد التي تعتمد على الحفظ،وكذلك لتنمية ملكة التفكير لا بد من تدريس مادة الرياضيات،ويجب ان يكون المنهج الدراسي حسب نوعية الملكات المراد تدريبها وتنميتها لدى الفرد المتعلم.أما دوافعه واهتماماته،فم يكن لها اعتبار،ولذلك برز منهج المواد الدراسية المنفصلة في التربية والتعليم انطلاقا من اعتبار ان كل ملكة منفصلة عن الأخرى.وبالتالي كانت المواد الدراسية منفصلة أيضا عن بعضها البعض كالرياضيات،والقراءة، والمحفوظات،والعلوم..الخ.

    لقد ارتكزت هذه النظرية على فروض منطقية من حيث التناسق والبناء، التي يمكن حصرها في النقاط التالية:

    ان السلوك يتأثر بمجموعة من الملكات العقلية المستقلة عن بعضها البعض،كالتفكير والادراك والتذكر ..الخ.

    ان الملكات العقلية يمكن تنميتها من خلال تدريبها على أنواع معينة من التمارين.
    ج- ان أثر التدريب الخاص بالملكات العقلية،ينتقل الى كل نواحي الحياة المتعلقة بكل ملكة على حدة.

    د- هناك ضرورة لوضع مناهج لتدريب الملكات العقلية في أوساط الطلاب دون النظر لرغباتهم واهتماماتهم،مثل ان دراسة المنطق والرياضيات ينمي القدرة على التفكير،وان دراسة اللغويات ينمي أيضا القدرة على التذكر.أما دراسة العلوم التجريبية،فانه ينمي القدرة على الملاحظة(10).

    لكن هذه النظرية واجهت انتقادات كثيرة،حيث أثبتت الأبحاث العلمية التي اجريت في موضوع القدرات العقلية،بطلان هذه النظرية،وخاصة بعد ظهور منهج التحليل العاملي الذي يعتمد على تحليل مصفوفات معاملات الارتباط.وتتمثل الحقائق العلمية التي أثبتت بطلان نظرية الملكات العقلية،والتي أدرجها الباحث فؤاد البهي السيد في كتابه(القدرة العددية) في النقاط التالية:

    ـ وجود تداخل بين النشاطات العقلية،وعدم انفصالها عن بعضها-كما تدعي النظرية المشار اليها- حيث انه اذا سلمنا(جدلا) باستقلالية الملكات وانفصالها عن بعضها البعض،فانه ينبغي ان يكون معامل الارتباط بين كل اختبار وآخر يقيسان ملكتين مختلفتين مساويا للصفر..لكن الدراسات الحديثة في القياس العقلي ترى انه لا يوجد معامل ارتباط مساويا للصفر بين اختبارين يقيسان جانبين عقليين مختلفين،بل يكون دائما ارتباطا جزئيا.

    ـ ان أي اختبار لقياس ملكة كالتذكر(مثلا) ينبغي ان يكون له صدق مضمون،بحيث لا يقيس إلا ملكة التذكر فقط،لكن الدراسات في القياس العقلي،ترى انه مهما كانت درجة صدق الاختبار عالية،فانه يقيس نواحي متداخلة.

    ـ ان الملكات العقلية تعتمد على الاختبارات البسيطة التي تقيس فقط الجانب الذي صمم من أجله،بينما تعتمد عملية قياس القدرة على الاختبارات البسيطة والمعقدة معا،ولهذا فان مفهوم القدرة العقلية هو أعم من مفهوم الملكة العقلية،واذا كانت الملكات العقلية تميل الى تجزئة النشاط العقلي،فان مفهوم القدرة العقلية يميل الى التجميع،وهو بهذا يتفق ويتلاقى مع الإيجاز العلمي.

    #672695

    مشكور عزيزى على الموضوع
    تحياتى

    #672882
    أميرالجن
    مشارك

    اشكرك مهرة الشرق على المرور .

مشاهدة 3 مشاركات - 1 إلى 3 (من مجموع 3)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد