الرئيسية منتديات مجلس التعليم العصري اطلعوا الموضوع واعطوني رايكم

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #53937

    التعليم صار في خبر كان يا بنت شنان
    جعفر عباس قرأت ما كتبته احدى الصحفيات قبل بضعة أيام عن ضعف تأهيل المعلمين في السودان، وكيف أن نسبة عالية من المعلمين «لا علاقة لهم بالتربية» كما جاء في عنوان تقريرها، وطغت نبرة الحزن على التقرير وكأنما -ما شاء الله- الشخص المناسب في المكان المناسب في المجالات الأخرى في بلادنا.. ولا يهمك يا نوال، فالحكاية بايظة «مما جميعه»، ومن باب مواساتك سأحكي لك اليوم أشياء عن مصر التي كانت يوماً ما رائدة في مجالات التعليم والثقافة وتصدقت على بلدنا بالمدارس والمعلمين ثم صارت «عبد المعين»، على ذمة الكاتب الإسلامي المعروف فهمي هويدي في مقال له نشر أخيراً بعنوان «أهلاً بكم في مصر الأخرى»، تناول فيه حال المدارس والتعليم في مصر في ضوء شهادات مدرسين وموجهين عاملين في هذا المجال، والمقال يحملك على الضحك «ولكنه ضحك كالبكا».. تضحك على حال التعليم في مصر، ثم تتذكر ان التعليم المصري هو الذي أنجب يوماً ما طه حسين ولطفي السيد والزيات واحمد زويل والباز (الذي في وكالة ناسا) ومحمد البرادعي وطابوراً طويلاً من المثقفين ذوي القامات الفارعة الذين حملوا لواء التنوير في وقت كانت فيه معظم دول المنطقة تعيش في العصر الحجري في مجال التعليم والثقافة.
    قالت إحدى الموجهات لهويدي إنها دخلت حجرة دراسة ووجدت مدرسة تتكلم في حصة التربية الدينية عن المهاجرين والأنصار وتقول إن المهاجرين هم من هاجروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة، بينما الأنصار هم «النصارى» الذين دخلوا الإسلام لاحقاً.. في أيام القراية أم دق كان «تسميع» القرآن يجلب على المتقاعسين ضرباً مبرحاً، وكان على التلاميذ تسميع سورة الحاقة وهي من السور سهلة الحفظ والفهم، وجاء الدور على صاحبنا ليقرا جزءاً من آياتها الـ «52» وبدأ «خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها..» هنا ارتبك وصار يردد «ثم في سلسلة ذرعها.. ثم في سلسلة ذرعها» ورفع رأسه ورأى المدرس يتوجه نحوه رافعاً عصاه فأكمل «ثم في سلسلة ذرعها -تقريبا- خمسون ذراعاً فاسلكوه»، ونال 20 جلدة هي الفرق بين عدد الأذرع في الآية الكريمة والعدد التقريبي الذي جاء به من عنده، ولكنه يبقى تلميذاً صغيراً بينما التي جعلت الأنصار نصارى معلمة تربية دينية! ولعل منكم من يذكر تلك المسابقة التلفزيونية الركيكة (كالعادة) عندما سأل مقدم البرنامج الجمهور داخل الاستديو عن معركة بدر.. وساد الوجوم والهدوء داخل الاستديو وكأنما المطلوب هو القيام بتشطير الذرة باستخدام الساطور.. ثم رفعت فتاة يدها وقالت إن تلك المعركة كانت عبارة عن كلاش (صِدام) بين قروب (مجموعة) من المسلمين وقروب من الكفار.. بس ميرسي (شكرا بالفرنسية) كتير لي ألله، الفيكتوري (النصر) صار من نصيب المسلمين.
    ومن المعروف ان مصر كانت من أوائل الدول التي حظرت الدروس الخصوصية، ولكن وتحت ضغوط من المعلمين قننت وزارة التربية تلك الدروس، واستحدثت نظام المجموعات: بعضها «عادية» نظير 10 جنيهات شهرياً، وبعضها ممتازة نظير نحو 16 جنيهاً شهرياً، واكتشف هويدي ان المعلمين يسمون استدراج الطلاب للانضمام الى المجموعات «صيد الحمام» وعندما يسجل الطالب اسمه في مجموعة يقال عنه انه «دخل العش».. لاحظ لغة تربية الدواجن.. ويقوم مديرو المدارس بتسجيل أعداد تفوق العشرين في كل مجموعة ليدخل ما يدفعونه جيوبهم، وفوق هذا فإنهم يتقاضون مبلغاً ثابتاً شهرياً من كل معلم، أما إذا لم تسمح ظروف طارئة لمعلم ما ان ينتظم في التدريس (بسبب عارض صحي، او حمل وولادة بالنسبة للنساء) فمن حقه أو حقها ان تبيع حصصها لمعلم آخر مقابل أجر شهري محدد… واكتشف هويدي ان بعض مدرسي التربية الفنية يربون الدجاج والبط داخل المدارس، ويحبسونها في غرفة الفنون ليلاً.. وهناك مديرو مدارس يسعون الى الكسب الشريف ومن ثم فإنهم يقيمون أكشاكاً لبيع الفطائر والشطائر للتلاميذ داخل المدرسة، وفي ذات مدرسة اكتشف المدير ان الإقبال على كشكه صار ضعيفاً وقام بتحريات كشفت ان امين المكتبة ينافسه في بيع الحلوى والفطائر التي يضعها تحت طاولة في المكتبة، وبهذا تكون المكتبة قد أدت دوراً مزدوجاً لكونها تحوي غذاء للعقل والبطن (عندنا مدارس ترغم التلاميذ على تحمل قيمة وجبات المعلمين).
    ونبقى مع مقال الأستاذ فهمي هويدي ونسمع كيف ان أحد الموجهين فوجئ بمعلمة تدرس التربية الدينية تقرأ على الصغار سورة «الكافرون» بصوت عال، ثم تتوقف فجأة وتقول إن هناك خطأ مطبعياً تجلى في تكرار الآية «ولا أنتم عابدون ما أعبد»، بل وبكل «ثقة» طلبت من التلاميذ شطب الآية الثانية التي تأتي قبل نهاية السورة! بالتأكيد لم تقرأ تلك المعلمة «سورة الرحمن» وإلا لكتبت مقالاً في الصحف تقول فيه انها اكتشفت ان آية «فبأي آلاء ربكما تكذبان» تكررت عدة مرات، «بسبب خطأ مطبعي»! مرة أخرى أُذكركم بأنني أنقل تلك الحكايات عن فهمي هويدي «لمفكر الإسلامي» الذي أكد بدوره أنه سمع الحكايات من أفواه عاملين مخضرمين في مجال التعليم.
    وهناك الموجهون الذين كانوا مكلفين برصد لجنة امتحانات في قرية في محافظة المنوفية وأقام لهم العمدة وليمة ضخمة وعندما خرجوا من داره فوجئوا بأهل القرية يحاصرونهم ويقدمون لهم أرقام جلوس عيالهم كي «يتوصوا بهم» خلال الامتحانات، واتضح أنهم أسهموا في سداد قيمة الوليمة.. وتقول موجهة انها دخلت إحدى قاعات الامتحانات في مدرسة القرية، فوجدت مدرساً يقف أمام الطلاب ويملي عليهم الأجوبة.. صاحت مطالبة بوقف ذلك العبث، ولكن زميلاً لها عاقلا قال لها: وطي صوتك يا ولية ما توديناش في داهية.. أهل البلد محاوطين المدرسة ولو سمعوا كلامك حيدشدشونا ويرمونا في الترعة…
    ولو كان المصريون يتباهون بأنهم خرموا التعريفة (افتح القاموس لتعرف معنى هذه الكلمة) فنحن من أكل القرنتية التي يسميها المصريون سيد قشطة.. وبالمناسبة فانني لا استسيغ تشبيه الفتاة الحلوة بالقشطة التي كلما رأيتها خامرني الشك بأن مصدرها ليس ضرع البقرة/المعزة بل أنفها.. سامحوني لأن حال التعليم عندنا يثير الإحساس بالقرف.

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد