الرئيسية منتديات مجلس الثقافة العامة الاحقية في فلسطين

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #51915
    maisa
    مشارك

    يحتوي هذا البحث على حقائق حول عدم أحقية اليهود في أرض فلسطين
    بموجب ما جاء في التوراة والإنجيل وفي آي التنزيل الرجاء قرائته جيدا

    حقائق حول عدم أحقية اليهود في أرض فلسطين
    بموجب ما جاء في التوراة والإنجيل وفي آي التنزيل

    إعداد:
    د/ ربيع بن محمد بن علي
    الأستاذ بالجامعة الإسلامية

    ملحوظة مهمة:
    يحق لأية دور نشر ولكل غيور أو فاعل خير أن يقوم بنشر هذا الكتاب وبترجمته لأية لغة في العالم شريطة مراعاة الدقة المتناهية، كما يحق لمن رغب في ذلك القيام بتوزيعه وطبعه للمرة الأولى وذلك دون الرجوع للمؤلف الذي احتسب الطبعة الأولى من هذا العمل لوجه الله تعالى طالباً منه الأجر والمثوبة والقبول، إنه وليّ ذلك والقادر عليه وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

    الإهداء
    إلى قدس المسلمين التي لا يجوز لأحد تاريخياً ولا دينياً- وبموجب ما جاء في الكتاب المقدس وفي آي التنزيل وعلى ألسنة جميع الأنبياء والمرسلين- أن ينازعهم فيها.
    إلى عز الإسلام وفخر المجاهدين ومهد النبوات، إلى زهرة المدائن وعبق التاريخ ومهبط الرسالات.
    إلى مهبط الملائكة الأصفياء ومبعث جلّ الرسل والأنبياء ومسرى الرسول ومعراجه إلى السماء.
    إلى عزمات صحابة الصادق الأمين، وثمرة كفاح الفاروق أمير المؤمنين، وهمة الصدق في يمين الناصر صلاح الدين، وغضبة الق في سيوف الحفدة الميامين.

    أول ما تستدعيه الذاكرة المؤمنة عندما تذكر فلسطين .. المسجد الأقصى والقدس الشريف، والسر في ذلك ببساطة شديدة يكمن في ارتباط هذين المكانين بمعتقدات المسلمين وبعباداتهم، وبجهادهم وبقرآنهم وبنبيهم, كما يَمْثل في ارتباطهما بوحدة الدين وانتقال السيادة والإمامة إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم لكونها ونبيها أولي الناس بإبراهيم عليه الصلاة والسلام , الذي طلب ذلك لذريته عندما قال له ربه (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي)، فأجابه سبحانه: (قال لا ينال عهدي الظالمين .. البقرة/ 124).
    لكن وبتبجح منقطع النظير يتردد دائماً وأبداً علي ألسنة زعماء أبناء صهيون وحاخاماتهم, أن بيت المقدس ملك لشعب يهود, وأن القدس الشريف عاصمة دولتهم المزعومة, ونذكر ضمن هذه التصريحات ما جاء على لسان أحد رؤساء وزرائهم السابقين وهو إيهود باراك الذي لم يكتف بالقول بأن “ستكون هناك أورشليم أكبر مما كانت عليه منذ الملك داود, وستكون موحدة ومعترفا بها من العالم كعاصمة لإسرائيل”، حتى أتبع القول بالعمل فسمح وقت أن كان رئيساً للوزراء لزعيم الحزب المتطرف المعارض والذي أضحى رئيساً للوزراء فيما بعد آريل شارون، باعتباره أول زعيم يهودي يتعامل مع قضية القدس بجدية ويسعى للقضاء على الوجود العربي والإسلامي بها, بإرسال كتيبة من العسكر يبلغ قوامها ثلاثة آلاف, لحمايته أثناء اقتحام المسجد الأقصى في غرة رجب1421هـ الموافق 29سبتمبر لعام 2000م، أي في ذكرى تحرير صلاح الدين للقدس في رجب 583هـ سبتمبر 1187م، ومنذ تلك اللحظة والعالم يشهد – دون أن يحرك ساكناً- حرب الإبادة الجماعية الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني المسلم، وحجم التدمير الذي تتعرض له بلاده بكل همجية وعنصرية، كما يرقب الانحياز الأمريكي الأعمى والصمت الغربي المريب لإسرائيل وما تقوم به من أعمال عدوانية حتى على الأطفال والنساء والعجزة في بقعة هي من أطهر بقاع الأرض.
    والأمر الذي ينبغي أن يعيه كل مسلم, أن رفع شعار (أن تكون القدس عاصمة لإسرائيل الموحدة) والعمل من ثمّ على تحريرها من سكانها العرب والمسلمين .. إنما ينبع لدي أولئك الساسة ورجال الدين من منطلق عقدي هو أنها الأرض التي وعدوا بها على ألسنة رسلهم, وقد تم التخطيط لهذه الانطلاقة منذ بداية هذا القرن على يد (هرتزل) الذي فكر في إقامة دولة يهودية سياسية، ثم عدل عن ذلك لما بدى له معارضة مؤتمر الحاخامات, وعدم رغبة يهود العالم في النزوح عن بلادهم التي استقروا فيها, الأمر الذي دعاه لأن يعمل على تحويل الموضوع من قضية سياسية إلى قضية دينية يلهب بها عواطف جماهير اليهود, وقد رأى أن فلسطين هي المكان الوحيد الذي يناسب هذه الدعوة الجديدة, باعتبارها حسب ما تقضى به عقائد اليهود الباطلة (أرض الميعاد) .
    وانتصرت فكرة (هرتزل) التي تضمنت – على ما جاء في وقائع المؤتمر الصهيوني الأول المنعقد في مدينة (بازل) السويسرية في سبتمبر من عام 1898 – قيام دولة إسرائيل في فلسطين بعد خمسين عاماً، وقيام إسرائيل الكبرى التي تشمل على حد زعمهم الحدود التاريخية والدينية الممتدة من النيل إلى الفرات بعد مائة عام- وهي ما تسعى الآن جاهدة في سبيل تحقيقه من خلال غزو العراق عن طريق حلفائها من الأمريكان والغرب المدعومين من حكام العرب الخونة وأنظمة حكمهم المستبدة المذعورة- ودعا هرتزل في سبيل تحقيق فكرته لإزاحة السلطان عبد الحميد الثاني خليفة المسلمين, الذي كان يمثل العقبة الكؤود أمام تحقيق الحلم الصهيوني، وكان لهرتزل فيما بعد ما أراد، فقد احتضن المؤتمر اليهودي العالمي فكرته عام 1905 أي بعد وفاته بسنة واحدة وعمل اليهود من ساعتها على تقويض الخلافة الإسلامية, و ساعدهم في كل هذا ولازالت قوى كبرى حاقدة على الإسلام والمسلمين.
    ومن يوم أن وعد (بلفور) وزير خارجية بريطانيا يهود العالم بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين في 2/11/1917 ليعطي من لا يملك من لا يستحق، والأحداث تتواصل بسرعة مذهلة, فما أن أقامت إسرائيل دولتها في 15/5/1948 واعترفت بها روسيا بعد ثمان دقائق, وأمريكا بعد نصف ساعة, وقررتا أن إسرائيل خلقت لتبقى .. حتى دخلت في 5/6/1967م في حرب مع جيرانها من العرب, استولت خلالها على القدس الشريف والضفة الغربية وغزة وجنوب لبنان ومرتفعات الجولان وأرض سيناء.
    ثم ما لبث أن فجع العالم الإسلامي بعدها بـ (مناجم بيجن) يضيف إلى البعد السياسي الذي انتزعه الصهاينة دون أي مستند لوضع القدس، بعدأ آخر دينياً وذلك أثناء تعقيبه على خطاب الرئيس (السادات) أمام الكنيست حيث قال مؤكداً هذا الحق المزعوم:
    “إن حق إسرائيل في فلسطين حق أبدى تاريخي تشهد له الكتب, ومنها القرآن نفسه”، وبعد استدلاله بقول الله تعالى على لسان موسى: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين .. المائدة/ 21)، أردف يقول “إن الله فرض لنا الأرض المقدسة دون سائر الخلق فلا يجوز لأحد دينيا أن ينازعنا فيها” .
    ونسى هذا وكل من يردد قوله أن (الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.. الأعراف/128)، ومصداقه في كتب القوم ما جاء في سفر (لاويون25: 23) من قول الرب في خطابه لبني إسرائيل: “والأرض لا تباع بتةً. لأن لي الأرض وأنتم غرباء ونزلاء عندي”، كما نسي هو وكل من قال بقوله أن سنة الله تقضى بألا يمكن إلا لمن يقيم العدل في الأرض، ويشيع الصلاح بين جنباتها، كي تنسجم حركه الكون مع من فيه، وبذا يعمر الكون بذكر الله، ويشدو من فيه بتوحيده، إذ الكون وما فيه ومن فيه ما خلق إلا لهذا (وإن من شيء إلا يسبح بحمده.. الإسراء/44)، (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون.. الذاريات/56).
    كما نسي هؤلاء أو تناسوا أن تاريخهم الأسود بماضيه البائس وحاضره اليائس، ملطخ بدماء الأبرياء ومليء بانتهاك حرمات رب الأرض والسماء، ومفعم بالتآمر على أنبياء الله والصلحاء من عباده ومترع بكتمان وتحريف الكلم عن مواضعه وحافل بضروب الظلم ومختلف الجرائم، وتلك أمور تحول- من دون شك ووفق سنن الله في خلقه- دون التمكين في الأرض أو التمايز عن الخلق، ذلك أن الذي فضلهم في وقت من الأوقات على العالمين، ووعدهم- إن هم أقاموا عهده- بالتمكين، هو الذي قضى على ألسنة رسله وفى جميع كتبه- ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه- ألا يمكن إلا لعباده الصالحين، وألا ينال عهده الظالمين، يقول الأعمش سألت سعيد بن جبير عن قول الله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون .. الأنبياء/105)، فقال: الزبور: التوراة والإنجيل والقرآن، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الزبور: الكتب التي نزلت على الأنبياء، والذكر: أم الكتاب الذي يكتب فيه الأشياء قبل ذلك، وبمثله قال ابن جرير والثوري ومجاهد .
    وإذا كان أبناء صهيون يدَّعون أن نصوص كتبهم بل ونصوص قرآننا المتبرئ منهم ومن فعالهم تشير إلى وعد قطعه الله على نفسه أن يمكن لإبراهيم ولنسله من بعده في أرض فلسطين (أرض الميعاد)، فإن هناك مجموعة من الحقائق المهمة التي تجدر الإشارة إليها والتذكير بها وتتمثل في:

    الحقيقة الأولى:
    تعليق موعود الله لبنى إسرائيل على استيفاء شروط: إن وعد الله بالسيادة والإمامة كان بالنسبة لبنى إسرائيل وعداً مشروطاً بتنفيذ التعاليم، وبصون أوامر الرب وبحفظ العهود والمواثيق التي أخذت عليهم، وذلك بعد أن أتى الله إبراهيم رشده وكان عالماَ ببره وإيمانه، وبعد أن منحه أرض الميعاد وجعلها في بنيه وذريته من إسحاق وإسماعيل قائلاَ له ..”اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. فأجعلك أمة عظيمة، وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة. وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض. فذهب أبرام كما قال له الرب”.. هكذا كانت البداية على حد ما جاء في سفر التكوين- أحد أسفار العهد القديم في الكتاب المقدس- الإصحاح 12 العدد1-4.
    ولقد أوضح القران ما أوضحته الكتب السماوية الأخرى، أن استخلاف الأرض – سيما أرض الميعاد- لأىٍّ، له ثمن لا بد من دفعه وتحمله، وينحصر ذلك الثمن- باختصار شديد- في عبادة الله وحده وصون أوامره واجتناب نواهيه، وذلك قوله سبحانه: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً.. النور/55)، ولا يبعد أن تكون الإشارة بالاستخلاف لمن قبلنا في الآية، لبني إسرائيل، بل هذا ما جزم به القرطبي وابن كثير وغيرهما وترجح لدى الآلوسي وغيره.
    كما ذكر لنا المولى في غير ما سورة، تفاصيل ما كان لذرية إسرائيل بن إسحاق من تمكن إبان فترة صلاحهم، وكيف أن الله أورثهم – بعد أن كانوا مستضعفين-مشارق الأرض ومغاربها، وبوأهم – بعد ذل وقهر من فرعون وملئه- مبوأ صدق، ومكنهم من أرضهم وديارهم وجناتهم، وإن كانت بالنسبة لبني إسرائيل-على ما يبدو – تجربة قاسية وامتحاناً صعباً كشف عن جزعٍ ولؤمٍ في طباع سوادهم الأعظم أحس به موسى عليه السلام حينما بثوا شكواهم إليه من جراء ما عايشوه من بطش قال الله في شأنه: (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون* قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين* قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون .. الأعراف/126- 129).
    والقصة باختصار أنه لما طال مقام موسى – عليه السلام – ببلاد مصر وأقام بها حجج الله وبراهينه على فرعون وملئه، وهم مع ذلك يكابرون ويعاندون.. دعا عليهم بقوله: (ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاَ في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم.. يونس/88).
    وشاءت إرادة الله أن يجيب دعاءه فأمره أن يخرج ببني إسرائيل ليلاَ من مصر وأن يمضي بهم خفية حيث يؤمر، دون إذن من فرعون، الأمر الذي أثار حفيظته، وكان هذا الفرعون الجبار العنيد قد تسلط عليهم، يستعملهم في أخس الأعمال ويكدهم ليلاَ ونهاراَ في أشغاله وأشغال رعيته، ويقتل مع ذلك أبناءهم ويستحي نساءهم إهانة لهم واحتقاراَ، وخوفاَ من أن يوجد منهم الغلام الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته منه، فيكون هلاكه وذهاب دولته على يديه .
    وقد كان، فقد أغرقهم الله في اليم الذي فرقه لموسى فجاوزه هو ومن معه من بني إسرائيل، وأقرّ أعينهم وهم ينظرون إلى فرعون وإلى جنده وقد أغرقوا في صبيحة يوم واحد، كما قال تعالى: (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم* وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون .. البقرة/49، 50)، وأورثهم بعد ذلك ديارهم وأموالهم وملكهم بعد أن أخرجهم الله منها كما قال تعالى: (فأخرجناهم من جنات وعيون* وكنوز ومقام كريم* كذلك وأورثناها بني إسرائيل.. الشعراء/57-59)، وقال: (كم تركوا من جنات وعيون* وزروع ومقام كريم* ونَعمة كانوا فيها فاكهين* كذلك وأورثناها قوما آخرين.. الدخان25- 28)، وأسبغ الله عليهم – بعد ذلك- نعمه الظاهرة والباطنة والدينية والدنيوية، واستقرت الدولة الموسوية على بلاد مصر بكمالها- وإن لم يعودوا إليها بعد خروجهم – وبلاد الشام مما يلي بيت المقدس ونواحيه كما قال تعالى: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون.. الأعراف/137)، وقال: (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات.. يونس/93)، وتمت إرادة الله الحاصلة في تمكين أهل الحق وإهلاك أهل الباطل والماثلة في قوله سبحانه: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين* ونمكن لهم في الأرض ونريَ فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون.. القصص/5، 6) .
    ولكن ظلت نفوس بنى إسرائيل مع كل ذلك مشرأبة ومتطلعة وطالبة بلاد المقدس التي قصدها من قبل جدهم إبراهيم عليه السلام، مهاجراَ من وطنه الأصلي بالعراق ووعدهم ضمن من وعدهم بها، وجاءت الأوامر إثر ذلك تتراَ على يد وعلى لسان نبيهم موسى عليه السلام على ما ورد في نصوص كتبهم من نحو ما جاء في الإصحاح 6 العدد17، 18من سفر التثنية أن “احفظوا (أي إن كنتم تريدون ذلك) وصايا الرب إلهكم وشهاداته وفرائضه التي أوصاكم بها . واعمل الصالح في عيني الرب لكي يكون لك خير وتدخل وتملك الأرض الجيدة التي حلف الرب لآبائك”، وما جاء في الإصحاح السابع منه في العدد11- 16″احفظ الوصايا والفرائض والأحكام التي أنا أوصيك اليوم لتعملها. ومن أجل أنكم تسمعون هذه الأحكام وتحفظون وتعملونها يحفظ لك الرب إلهك العهد والإحسان اللذين أقسم لآبائك. ويحبك ويباركك ويكثرك ويبارك ثمرة بطنك وثمرة أرضك.. ونتاج بقرك وإناث غنمك على الأرض التي اقسم لآبائك أنه يعطيك إياها. مباركاً تكون فوق جميع الشعوب لا يكون عقيم ولا عاقر فيك ولا في بهائمك. ويرد الرب عنك كل مرض وكل أدواء مصر الرديئة التي عرفتها لا يضعها عليك بل يجعلها على كل مبغضيك. وتأكل (أي وتفني) كل الشعوب الذي الرب إلهك يدفع إليك”.
    ومما يتضح منه كذلك أن الوصية بالوعد بتوريث الأرض مشمولة بالوعيد إذا انقلبوا، ما جاء في الإصحاح 4 من العدد 25-27من سفر التثنية “إذا ولدتم أولاداً، وأولاد أولاد، وأطلتم الزمان في الأرض وفسدتم وصنعتم تمثالاً منحوتاً صورة شيء ما، وفعلتم الشر في عيني الرب إلهكم لإغاظته. أشهد عليكم اليوم السماء والأرض أنكم تبيدون سريعا عن الأرض التي أنتم عابرون الأردن إليها لتمتلكوها. لا تطيلون الأيام عليها بل تهلكون لا محالة. ويبددكم الرب في الشعوب فتبقون عدداً قليلاً بين الأمم التي يسوقكم الرب إليها” ، وما جاء في الإصحاح8 العدد17- 20من نفس السفر: “لئلا تقول في قلبك: قوتي وقدرة يدي اصطنعت لي هذه الثروة. بل اذكر الرب إلهك أنه هو الذي يعطيك قوة لاصطناع الثروة لكي يفي بعهده الذي أقسم لآبائك كما في هذا اليوم. وإن نسيت الرب إلهك وذهبت وراء آلهة أخرى وعبدتها وسجدت لها أشهد عليكم اليوم أنكم تبيدون لا محالة. كالشعوب الذين يبيدهم الرب من أمامكم كذلك تبيدون لأجل أنكم لم تسمعوا لقول الرب إلهكم”.
    ونظير ذلك نطقت به التوراة السامرية ، وفيها على غرار ما جاء في نص العبرانية الأخير: “ولئلا تقول في سرك حيلي وعظم يدي اصطنعت لي الأيسار هذا. بل تذكر الله إلهك أنه المعطي لك القدرة على اكتساب الغنى حتى يثبت عهده الذي أقسم لآبائك، لإبراهيم ولإسحاق وليعقوب كاليوم هذا. وتكون إن نسيان تنسي الله إلهك فتضل في اتباع آلهة آخر وتعبدها وتسجد لها، أشهدت عليكم اليوم، أن هلاكا تهلكون. كالشعوب الذين الله مهلك من قدامكم كذلك تهلكون جزاء أن لم تسمعوا من أمر الله إلهكم”، وفى الإصحاح التاسع منها 4-6 “لا تقل في سرك إذ يدفع الله إلهك إياهم من بين يديك قولاً: لزكاتي أدخلني الله لوراثة الأرض هذه، ولفجور الشعوب هؤلاء الله قارضهم من بين يديك. ليس بزكاتك ولا بسلامة قلبك أنت داخل لوراثة أرضهم، بل لفجور الشعوب هؤلاء الله قارضهم من بين يديك وحتى يثبت الأمر الذي أقسم لآبائك لإبراهيم ولإسحاق وليعقوب. فاعلم أن ليس لزكاتك الله إلهك معطيك الأرض الحسنة هذه وراثة إذ شعب قاسى العرف أنت”، وفي العدد الأول من نفس النسخة والسفر والإصحاح: “كل الوصايا التي أنا موصيك اليوم تحفظون للامتثال حتى تبقوا وتكثروا وتدخلوا وترثوا الأرض التي أقسم الله لآبائكم”.
    وفي مثيلها من التوراة العبرانية: “جميع الوصايا التي أنا أوصيكم بها اليوم تحفظون لتعملوها لكي تحيوا وتكثروا وتدخلوا وتمتلكوا الأرض التي أقسم الرب لآبائكم”، وفي الإصحاح 11عدد8، 9تثنية: “احفظوا كل الوصايا التي أنا أوصيكم بها اليوم لكي تتشددوا وتدخلوا وتمتلكوا الأرض التي انتم عابرون إليها لتمتلكوها. ولكي تطيلوا الأيام على الأرض التي أقسم الرب لآبائكم أن يعطيها لهم ولنسلهم أرضاً تفيض لبناً وعسلاً”.
    وفى سفر اللاويين 20: 22-24 “تحفظون جميع فرائضي وجميع أحكامي وتعملونها لكي لا تقذفكم الأرض التي أنا آت بكم إليها لتسكنوا فيها. ولا تسلكون في رسوم الشعوب التي أنا طاردهم من أمامكم، لأنهم قد فعلوا كل هذا فكرهتهم. وقلت لكم ترثون أنتم أرضهم وأنا أعطيكم إياها لترثوها أرضا تفيض لبناً وعسلاً، أنا الرب إلهكم الذي ميزكم من الشعوب”.
    وليس هناك أكثر صراحة في تعليق الجواب علي الشرط وتوقف التمكين – سواء الذي حدث لهم أيام موسى وما أعقبها أم في عهد سليمان- على أمر الطاعة وحفظ الوصايا، مما جاء في سفر الملوك الأول9: 3-9في مخاطبة الله لسليمان بن داود عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام وفيه: “قال له الرب قد سمعت صلاتك وتضرعك الذي تضرعتَ به أمامي، قدستُ هذا البيت الذي بنيتَه لأجل وضع اسمي فيه إلي الأبد وتكون عيناي وقلبي هناك كل الأيام. وأنت إن سلكت أمامي كما سلك داود أبوك بسلامة قلب واستقامةٍ وعملت حسب كل ما أوصيتك وحفظت فرائضي وأحكامي. فإني أقيم كرسيَّ ملكك على إسرائيل إلى الأبد كما كلمت داود أباك قائلأً: لا يعدم لك رجل عن كرسيّ إسرائيل. إن كنتم تنقلبون أنتم أو آبناؤكم من ورائي ولا تحفظون وصاياي – فرائضي- التي جعلتها أمامكم بل تذهبون وتعبدون آلهة أخرى وتسجدون لها. فإني أقطع إسرائيل عن وجه الأرض التي أعطيتهم إياها والبيت الذي قدسته لاسمي أنفيه من أمامي ويكون إسرائيل مثلا وهزأة في جميع الشعوب. وهذا البيت يكون عبرة، كل من يمر عليه يتعجب ويصْفُرُ ويقولون لماذا عمل الرب هكذا لهذه الأرض ولهذا البيت. فيقولون من أجل أنهم تركوا الرب إلههم الذي أخرج آباءهم من أرض مصر وتمسكوا بآلهة أخرى وسجدوا لها وعبدوها، لذلك جلب الرب عليهم كل هذا الشر”.
    وفي سفر التثنية 30: 15-20على لسان موسى عليه السلام: “أنظر، قد جعلتُ اليوم قدامك الحياة والخير والموت والشر. بما أنى أوصيتك اليوم أن تحب الرب إلهك وتسلك في طرقه وتحفظ وصاياه وفرائضه وأحكامه لكي تحيا وتنمو ويباركك الرب إلهك في الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها. فإن انصرف قلبك ولم تسمع بل غويت وسجدت لآلهة أخرى وعبدتها. فإني أنبئكم اليوم أنكم لا محالة تهلكون، لا تطيل الأيام على الأرض التي أنت عابر الأردن لكي تدخلها وتمتلكها. أشهد عليكم اليوم السماء والأرض، قد جعلت قدامك الحياة والموت، البركة واللعنة، فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك. إذ تحب الرب إلهك وتسمع لصوته وتلتصق به لأنه هو حياتك والذي يُطيل أيامك لكي تسكن على الأرض التي حلف الرب لآبائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يعطيهم إياها”.
    والسؤال: هل وفي بنو إسرائيل بعهودهم ومواثيقهم؟ وهل نفذوا تعاليم دينهم؟ وهل التزموا بأوامر أنبيائهم؟ وهل تغير حال أشياعهم .. في واقعنا المعاصر عن حال أسلافهم في الأزمان الغابرة؟.

    الحقيقة الثانية
    إخلال بني إسرائيل بشروط موعود الله:
    إن الجواب المنصف عن الأسئلة ـ سالفة الذكر ـ والبعيد عن كل تعصب، يدعونا لأن نسوق ـ لإثبات نقض سوادهم الأعظم لجميع المواثيق وخرقهم لجميع العهود وعصفهم بجميع الأوامر وتآمرهم على جميع الأنبياء ـ طرفاً مما جاء في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم، ذلك أن ما أحدثه الله لبنى إسرائيل من نعم وتمكين ومن إنجاء وتفضيل على العالمين، كان ينبغي أن يقابل بالشكر والاعتراف بالجميل والانكباب على عبادة الله وحده وعدم الإشراك به، لكن ما حدث منهم كان على العكس من ذلك تماماً فقد وقع منهم ما أحس به موسى عليه السلام وما تخوف منه، فما أن تجاوزوا معه البحر قاصدين ما اشرأبت إليه نفوسهم وتطلعت إليه أفئدتهم من دخول الأرض المقدسة، حتى تناسوا كل ما أوصاهم به ربهم على لسانه، وراحوا وهم في صحبته يؤملون أنفسهم بعبادة الأصنام بل وشرعوا- دون ما حياء ولا استحياء- يطلبون ذلك منه، وفي ذلك يقول سبحانه: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون* إن هؤلاء متبّرٌ ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون* قال أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين .. الأعراف/138-140).
    وبعد أن قال لهم موسى كلمته ووعظهم بأن ما يطلبونه يعد جهلاً فاضحاً يجب أن يربأوا بأنفسهم عنه، وبعد أن أوصاهم وأرشدهم لما فيه صلاحهم، تعجل الذهاب لملاقاة ربه تحرقا وشوقا وطلبا لرضاه، واستخلف عليهم أخاه هارون ورجاه الترفق بهم ووصاه بالإصلاح وعدم الإفساد، لكن أنى لهارون ولا لمئات أو حتى لآلاف من مثله أن تفلح دعوتهم مع قوم يجرى الكفر وإغاظة الرب به في نفوسهم مجرى الدم في العروق، لقد تحدثت جميع الكتب السماوية عما جرى من بنى إسرائيل عقب ذلك وذكرت أنه ما أن ذهب موسى لميقات ربه حتى أعلمه سبحانه من هناك بأن قومه اتبعوا السامري واتخذوا العجل معبوداً لهم من دون الله ، وذلك بعد أن فشلت معهم دعوة هارون وبعد قوله لهم: (يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري .. طه/90)، وبعد أن كان جوابهم له (لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى .. طه/91)، الأمر الذي أوقع هارون في حرج مع أخيه موسى ظناً من الأخير أن هارون قصر في نهيهم عن عبادة العجل أو لم يحسن تنفيذ ما كلفه به في قوله: (اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين .. الأعراف/142)، أو خشية أن يقول له: (فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي .. طه/94).
    وكان حاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط فألقوها عنهم وعبدوا العجل! وذلك بعد أن صاغوه من الذهب والحلي الذي استلبوه من مصر واصطحبوه معهم، وكان هارون قد أشار عليهم أن يلقوا به في حفرة فيها نار فيجعلونه سبيكة واحدة حتى إذا رجع موسى عليه السلام رأى فيه ما يشاء ، لكن كان ما حكاه القرآن في قوله سبحانه: (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً)، أي أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والآخرة وحسن العاقبة كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم وإظهاركم عليه وغير ذلك من أيادي الله، وقيل هو ما وعدهم به سبحانه من الوصول إلى جانب الطور الأيمن، وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن، وغير ذلك مما وعد الله تعالى أهل طاعته، (أفطال عليكم العهد)، بنسيان ما سلف من نعمه وما بالعهد من قدم (أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي .. طه/86) ، وكان الغضب الذي أصابهم بإرادتهم وافترائهم أن أذلهم الله ولم يقبل منهم توبة حتى يقتل بعضهم بعضاً كما قال تعالى: (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم .. البقرة/54).
    وجاءت تصريحات التوراة والإنجيل والقرآن بعبادة القوم ومن تلاهم من الأبناء والأحفاد لغير الله وبقتلهم الأنبياء بغير حق وبنقضهم المواثيق التي أخذها الله عليهم في معظم فترات حياتهم، مما يعنى أن ما حُكى عنهم في هذا الصدد مما لا يستطيعون إنكاره أو تكذيبه هو الذي أدي بهم إلى إيقاع وعيد الله بهم من تشتيت ومحق كانوا هم السبب فيه.
    ففي سفر الملوك الثاني 17: 11- 20 “عملوا أموراً قبيحة لإغاظة الرب. وعبدوا الأصنام التي قال الرب لهم عنها لا تعملوا هذا الأمر. وأشهد الرب على إسرائيل وعلى يهوذا ـ أي بنيهما ـ عن يد جميع الأنبياء وكل راء قائلا: ارجعوا عن طرقكم الردية واحفظوا وصاياي- فرائضي- حسب كل الشريعة التي أوصيت بها آباءكم والتي أرسلتها إليكم عن يد عبيدي الأنبياء. فلم يسمعوا بل صلبوا أقفيهم كأفقية آبائهم الذين لم يؤمنوا بالرب إلههم. ورفضوا فرائضه وعهده الذي قطعه مع آبائهم وشهاداته التي شهد بها عليهم وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً وراء الأمم الذين حولهم الذين أمرهم الرب أن لا يعملوا مثلهم. وتركوا جميع وصايا الرب إلههم وعملوا لأنفسهم مسبوكات عجلين وعملوا سواريَ وسجدوا لجميع جند السماء وعبدوا البعل. وعبّروا بنيهم وبناتهم في النار وعرفوا عرافة وتفاءلوا وباعوا أنفسهم لعمل الشر في عيني الرب لأغاظته. فغضب الرب جداً علي إسرائيل ونحاهم من إمامه ولم يبق إلا سبط يهوذا وحده. ويهوذا أيضا لم يحفظوا وصايا الرب إلههم بل سلكوا في فرائض إسرائيل التي عملوها. فرذل الرب كل نسل بني إسرائيل وأذلهم ودفعهم ليد ناهبين حتى طرحهم من أمامه”، فهل بعد تحدي الرب وإغاظته وإعلان الكفر به وعبادة العجل والأصنام وجند السماء وغير ذلك من دونه، من ذنب؟.
    وعلى لسان موسى كليم الله ورد في سفر التثنية 9: 23، 24 “عصيتم قول الرب إلهكم ولم تصدقوه ولم تسمعوا لقوله. قد كنتم تعصون الرب منذ يوم عرفتكم”، وفيه31: 27-30 يقول: “إني أنا عارف تمردكم ورقابكم الصلبة، هو ذا وأنا بعد حيّ معكم، اليوم قد صرتم تقاومون الرب، فكم بالحريّ بعد موتي. اجمعوا إلىّ كل شيوخ أسباطكم وعرفاءكم لأنطق في مسامعهم بهذه الكلمات وأشهد عليكم السماء والأرض .لأني عارف أنكم بعد موتى تفسدون وتزيغون عن الطريق ألذي أوصيتكم به ويصيبكم الشر في آخر الأيام لأنكم تعملون الشر أمام الرب حتى تغيظوه بأعمال أيديكم. فنطق موسى في مسامع كل جماعة إسرائيل بكلمات هذا النشيد إلى تمامه”، وأقام عليهم بذلك حجة الله.
    وعلى لسان عيسى روح الله جاء في إنجيل متى 23: 31-33 “أنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء . فاملأوا أنتم مكيال آبائكم. أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم”.
    وما بين هذين النبيين من أولي العزم، من زمن امتد بهم عشرات القرون، و ضم خلاله مئات بل آلاف الأنبياء، (كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون .. المائدة/70).
    ونذكر مما ورد على لسان بعض أولئك الأنبياء وفي أسفارهم ما جاء في سفر يشوع 7: 10-11من قول الله له: “قال الرب ليشوع: قم لماذا أنت ساقط على وجهك. قد أخطأ إسرائيل بل تعدوا عهدي الذي أمرتهم به بل أخذوا من الحرام بل سرقوا بل أنكروا”، وسفر الملوك الأول 19: 9-10من قول الرب لإيليا (إلياس عليه السلام): “ما لك ههنا يا إيليا. فقال: قد غرت غيرة للرب إله الجنود لأن بنى إسرائيل قد تركوا عهدك، ونقضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف، فبقيت أنا وحدي وهم يطلبون نفسي ليأخذوها”، وسفر إشعياء وعلى لسانه 28: 14-15 في عبارات تحمل البشارة بمقدم النبي محمد صلي الله عليه وسلم منقذ البشرية من شرورهم: “اسمعوا كلام الرب يا رجال الهُزء ولاةَ هذا الشعب الذي في أورشليم. لأنكم قلتم قد عقدنا عهداً مع الموت وصنعنا ميثاقاً مع الهاوية، السوط الجارف إذا عبر لا يأتينا لأننا جعلنا الكذب ملجأنا وبالغش استترنا”، “آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع. لأن أيديكم قد تنجست بالدم وأصابعكم بالإثم، شفاهكم تكلمت بالكذب ولسانكم يلهج بالشر. ليس من يدعو بالعدل وليس من يحاكم بالحق يتكلمون على الباطل ويتكلمون بالكذب.. أعمالهم أعمال إثم وفعل الظلم في أيديهم. أرجلهم إلى الشر تجري وتسرع إلى سفك الدماء الزكي، أفكارهم أفكار إثم، في طرقهم اغتصاب وسحق. طريق السلام لم يعرفوه وليس في مسالكهم عدل، جعلوا لأنفسهم سبلاً معوجة كل من يسير فيها لا يعرف سلاماً. من أجل ذلك ابتعد الحق عنا ولم يدركنا العدل” إشعياء59: 2-4، 6-9، وسفر إرمياء 2: 4-5-7-9-10 وعلى لسانه في عبارات تحمل أيضاً الإشارة والبشارة بمقدم رسول الرحمة وخاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه ونبي من هم أهل لحمل رسالة الله وتنفيذ أوامره ووصاياه: “اسمعوا كلمة الرب يا بيت يعقوب وكل عشائر بيت إسرائيل.. ماذا وَجد فيّ آباؤكم من جور حتى ابتعدوا عني وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً .. وأتيت بكم إلى أرض بساتين لتأكلوا ثمرها وخيرها فأتيتم ونجستم أرضي وجعلتم ميراثي رجساً.. لذلك أخاصمكم بعد يقول الرب، وبني بنيكم أٌخاصم. فاعبروا جزائر كتيم وانظروا وأرسلوا إلى قيدار”، يعني جد النبي محمد من جهة إسماعيل، كناية عن إرساله- صلى الله عليه وسلم – وتحول النبوة إليه بدل بني إسرائيل، و(تكتم) اسم بئر زمزم سميت بذلك لأنها كانت اندفنت بعد جرهم، فصارت مكتومة حتى أظهرها عبد المطلب، وفي حديث زمزم: (إن عبد المطلب رأى في المنام قيل: احفر تكتم بين الفرث والدم) .
    وفي أرميا 3: 20-21 حكاية عن جرائمهم: “حقاً إنه كما تخون المرأة قرينها هكذا خنتموني يا بيت إسرائيل يقول الرب..عوّجوا طريقهم نسوا الرب إلههم”، وفي 5: 19- 21-22-23-25منه “تقولون لماذا صنع الرب إلهنا بنا كل هذه، نقول لهم كما أنكم تركتموني وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم هكذا تعبدون الغرباء في أرض ليست لكم .. اسمع هذا أيها الشعب الجاهل والعديم الفهم الذين لهم أعين ولا يبصرون، لهم آذان ولا يسمعون. أإياي لا تخشون.. وصار لهذا الشعب قلب عاص ومتمرد، عصوا ومضوا .. آثامكم عكست هذه وخطاياكم منعت الخير عنكم”، وفي 19: 5-6- 7-11-15 منه “وبنوا مرتفعات للبعل ليحرقوا أبنائهم بالنار- يعني جهنم لأنهم تسببوا لهم في ذلك- محرقات للبعل الذي لم أوصِ ولا تكلمت به ولا صعد على قلبي. لذلك ها أيام تأتي .. أنقض مشورة يهوذا وأورشليم في هذا الموضع وأجعلهم يسقطون بالسيف أمام أعدائهم وبيد ظالمي نفوسهم وأجعل جثتهم أُكلاً لطيور السماء ولوحوش الأرض .. هكذا أكسر هذا الشعب وهذه المدينة كما يُكسر وعاء الفخاري بحيث لا يمكن جبره بعد، وفي توفة يدفنون حتى لا يكون موضع للدفن.. هاأنذا جالب على هذه المدينة وعلى كل قراها كل الشر الذي تكلمت به عليها لأنهم صلبوا رقابهم فلم يسمعوا لكلامي”.
    وفي سفر حزقيال 22: 3-9، 12، 15، 16خطاباً لمن سكن منهم أورشليم القدس: “أيتها المدينة السافكة الدم .. الصانعة أصناماً لنفسها لتتنجس بها. قد أثمت بدمك الذي سفكت ونجست نفسك بأصنامك التي عملت وقربت أيامكِ وبلغت سنيّكِ فلذلك جعلتكِ عاراً للأمم وسخرة لجميع الأراضي. القريبة إليك والبعيدة منك يسخرون منك يا نجسة الأمم يا كثيرة الشغب. هو ذا رؤساء إسرائيل كل واحد حسب استطاعته كانوا فيك لأجل سفك الدم. فيك أهانوا أباً وأماً، في وسطك عاملوا الغريب بالظلم، فيك اضطهدوا اليتيم والأرملة.ازدريتِ أقداسي ونجست سبوتي. كان فيك أناس وُشاةٌ لسفك الدم وفيك أكلوا على الجبال، في وسطك عملوا رذيلة.. فيك أخذوا الرشوة لسفك الدم، أخذتِ الربا والمرابحة وسلبت أقرباءكِ بالظلم ونسيتني.. أبددك بين الأمم وأذرِّيك في الأراضي وأزيلُ نجاستك منك. وتتدنسين بنفسك أمام عيون الأمم، وتعلمين أني أنا الرب”، وبداهة أن يكون الكلام لمن يقطنونها من بني إسرائيل.
    وفي سفر دانيال وعلى لسانه9: 4-9، 11 جاء قوله “صليت إلى الرب إلهي، واعترفت وقلت: أيها الرب .. أخطأنا وأثمنا وعملنا الشر وتمردنا وحدنا عن وصاياك وعن أحكامك. وما سمعنا من عبيدك الأنبياء .. كل إسرائيل قد تعدى على شريعتك وحادوا لئلا يسمعوا صوتك، فسكبت علينا اللعنة والحلف المكتوب في شريعة موسى عبد الله لأننا أخطأنا إليه..”، وفي سفر هوشع وعلى لسانه 4: 1-3: “اسمعوا قول الرب يا بني إسرائيل، إن للرب محاكمة مع سكان الأرض لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة الله في الأرض. لعنٌ وكذب وقتل وسرقة وفسق يعتنقون، ودماء تلحق دماء. لذلك تنوح الأرض ويذيل كل من سكن فيها مع حيوان البرية وطيور السماء، وأسماك البحر أيضا تنتزع”.
    وفي سفر عاموس2: 4 “رفضوا ناموس الله ولم يحفظوا فرائضه وأضلتهم أكاذيبهم التي سار آباؤهم ورائها”، وفي سفر يونان بن أمتّاي(يونس بن متى) عليه السلام 1: 1 قال له الرب: “قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنه صعد شرهم أمامي”، وفي سفر ميخا 3: 9-11وعلى لسانه: “اسمعوا هذا يا رؤساء بيت يعقوب وقضاة بيت إسرائيل الذين يكرهون الحق ويعوجون كل مستقيم. الذين يبنون صهيون بالدماء وأورشليم بالظلم. رؤساؤها يقضون بالرشوة، وكهنتها يعلمون بالأجرة”.
    وفي سفر حبقوق 2: 12 “ويل للباني مدينة بالدماء وللمؤسس قرية بالإثم”، وفي سفر صَفَنْيَا 3: 1-4 “ويل للمتمردة المنجسةِ المدينة الجائرة. لم تسمع الصوت لم تقبل التأديب لم تتكل على الرب لم تتقرب إلى إلهها. رؤساؤها في وسطها أسود زائرة قضاتها ذئاب مساء لا يبقون شيئاً إلى الصباح .. كهنتها نجسوا القدس خالفوا الشريعة”، وفي سفر زكريا: 7: 9-12، 14 “اقضوا قضاء الحق واعملوا إحسانا ورحمة، كل إنسان مع أخيه. ولا تظلموا الأرملة ولا اليتيم ولا الغريب ولا الفقير ولا يفكر أحد منكم شراً على أخيه في قلبكم. فأبوا أن يُصغُوا وأعطوا كتفاً معاندة وثقلوا آذانهم عن السمع. بل جعلوا قلبهم ماساً لئلا يسمعوا الشريعة والكلام الذي أرسله رب الجنود بروحه عن يد الأنبياء الأولين فجاء غضب عظيم من عند رب الجنود.. وأعصفهم إلى كل الأمم الذين لم يعرفوهم، فخربت الأرض ورائهم لا ذاهب ولا آئب فجعلوا الأرض البهجة خراباً”.
    وفي سفر ملاخي 2: 8، 9، 17 وعلى لسانه: “أما أنتم فحدتم عن الطريق وأعثرتم كثيرين بالشريعة.. فأنا أيضا صيرتكم محتقرين ودنيئين عند كل الشعب كما أنكم لم تحفظوا طرقي بل حابيتم في الشريعة.. لقد أتعبتم الرب بكلامكم وقلتم بم أتعبناه، بقولكم كل من يفعل الشر فهو صالح في عيني الرب وهو يسرّ بهم. أو أين إله العدل”، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
    وعلى غرار ذلك وردت آيات كثيرة توضح هي الأخرى نقض بنى إسرائيل للمواثيق والعهود، بل وتنص على كثير مما تضمنته تلك المواثيق من بنود كم كانت ستعود عليهم بالخير والنفع في أمور دينهم ودنياهم وأخراهم لو أنهم أقاموا حكم الله فيها، لكن لتوليهم وعصيانهم عوقبوا من الله بما استحقوا، نذكر من ذلك قوله تعالى: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما أتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون* ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين* ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين .. البقرة/63-65)، (وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلاً منكم وأنتم معرضون* وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون* ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان.. البقرة/83-85)، (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم.. البقرة/93)، (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجداً وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً* فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير الحق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً * وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيماً* وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم.. النساء/154-157)، (ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل* فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم .. المائدة/12-13)، والآيات في ذلك في القرآن وفي الأسفار أكثر من أن تعد، وحسبنا منها ما ذكرنا.
    فأنى لقوم لم يحققوا في أنفسهم فعل الشرط أن يتحقق لهم من قِبل الرب أو ينتظروا منه جوابه وجزاءه؟.

    الحقيقة الثالثة:
    (موعود الله لبنى إسرائيل موقوت بفترة زمنية محددة)
    وكما كان وعد الله لبنى إسرائيل مشروطا بوصايا وبعهود لم يصونوها، ومنوطا بتعاليم ومواثيق لم يراعوها.. فقد كان مرهوناً كذلك وموقوتا بفترة زمنية محددة، شاء الله لها أن تختم بنبي الله عيسى عليه السلام الذي تآمر بنو إسرائيل على قتله هو الآخر وصلبه- كما تآمروا على قتل غيره- لولا أن رفعه الله إليه وألقى شبهه على غيره.
    لذا كان مجيء عيسى عليه السلام- بعد أن تناوب عليهم ومن بنى جلدتهم لكن دون جدوى عدد غير قليل من الأنبياء والمصلحين – كان مجيئه محاولة أخيرة لإرجاعهم إلى سابق عهدهم حتى ينزعوا إلى صبغة الله، ولا يرغبوا عن ملة آبائهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وتمهيداً في الوقت ذاته لمرحلة جديدة يتوقف عندها وحي السماء إلى الأرض، وتستمر بالتالي إلى الأبد، الأمر الذي ينذر بخطورة ما وصل إليه القوم من ختم على القلوب من جراء غلقها أمام كل خير، ويؤذن بفقدان الأمل في إرجاع الأمر على يد هؤلاء مرة ثانية إلى ما كان عليه، ويعنى كذلك- وهذا هو الأهم- أن انتهاء مدتهم التي قدرها الله لهم لوراثة الأرض والنبوة له ما يبرر.
    ويفسر لنا ذلك- أعني فقدان الأمل في إصلاح بن إسرائيل – سر تركيز دعوة عيسى عليه السلام على التبشير بنبي آخر الزمان ففي إنجيل يوحنا 14: 15-17، 26، 29، 30وما بعدها يقول لحوارييه: “إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي. وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم .. وأما المعزى الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم… وقلت لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون. لا أتكلم أيضاً معكم كثيراً لآن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء”، وفيه15: 26-27″متى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء”، وفيه على لسان المسيح عليه السلام 16: 5-8، 12-14 “أما الآن فأنا ماض إلى الذي أرسلني وليس أحد منكم يسألني أين تمضي. لكن لأني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم. لكني أقول لكم الحق إنه خير لكم أن انطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى ولكن إن ذهبت أرسله إليكم. ومتى جاء ذاك يوبخ العالم .. إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم” .
    فقول عيسى عليه السلام: إن الآب “يعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد”، إنما يكون لما يدوم ويبقى معهم إلى آخر الدهر، ومعلوم أنه لم يرد بقاء ذاته فعلم أنه بقاء شرعه وأمره، وهذا يبين أن المبشر به المشار إليه بقول عيسى: (معزياً آخر)، صاحب شرع لا ينسخ بل يبقى إلى الأبد بخلاف المتحدِث بذلك وهو عيسى نفسه الذي أعلن عن انتهاء مهمته التي أوكلها إلى صاحب البشرى صلى الله عليه وسلم، كما يبين أن هذا الآخر المزمع مجيئه لم يكن معهم في حياة عيسى وإنما يكون بعد ذهابه وتوليه عنهم، وذلك كله- بالطبع- مما لا ينطق إلا على محمد صلوات الله عليه، القائل عن نفسه: (أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيسى)، كما ينطبق على أمته وعلى كل من آمن من أهل الكتاب بدعوته.
    ومصداق ذلك فيما جاء في كتب القوم ما ورد في سفر التكوين49: 10 “لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب”، أي يزول الملك من اليهود بأسرهم بعد فترة من الزمان وعلى وجه التحديد بعد تمام حكم موسى وعيسى – عليهما السلام- وإلى أن يتم ذلك فسيظل ملك اليهود في سلالة يهوذا أكبر أبناء سيدنا يعقوب وسيكون آخر عهدهم بالملك والنبوة على يد (المشترع) إشارة إلى المسيح عيسى- عليه السلام- فإذا جاء بنى الإسلام (شِيلون) الذي استعلن – بالفعل- من جبال فاران والذي اجتمعت إليه – حقاً – بعد انتظار، شعوب العالم، والذي خضعت له – صدقاً- عن طريق الفتوحات سائر الأمم .. يزول ملك بني إسرائيل ويبطل العمل بالتوراة .
    وابتناء على ما سبق فإرسال محمد بن عبد الله عليه السلام يعد من دلائل صدق عيسى وموسى- عليهما السلام – ولو لم يظهر لبطلت نبوتهما بل ولبطلت نبوات الأنبياء لتبشيرهم جميعا بنبوته عليه السلام، وذلك قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ..آل عمران/81)، فظهور نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ تصديق لنبوآتهم وشهادة لها بالصدق، وقد أشار سبحانه إلى هذا المعنى في قوله: (بل جاء بالحق وصدق المرسلين.. الصافات/37)، فإن المرسلين بشروا به وأخبروا بمجيئه، فمجيؤه تصديق لهم إذ هو تأويل ما أخبروا به، كما أن تصديقه المرسلين شهادة منه بصدقهم وإيمان بهم، وعليه فصدقهم كان بمجيئه وبشهادته، ومثل هذا قول المسيح لبني إسرائيل: (إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يديه من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد.. الصف/6)، فإن التوراة لما بشرت بعيسى عليه السلام وبنبوته، كان نفس ظهوره تصديقاً للمرسلين من قبله، ثم لما بشر عيسى عليه السلام برسول يأتي من بعده اسمه (أحمد) كان ظهور هذا الأخير المبشر به تصديقاً لعيسى، كما كان ظهوره تصديقاً كذلك للتوراة، فعادة الله في رسله أن السابق يبشر باللاحق، واللاحق يصدق السابق ، والله سبحانه لا يخلف وعده ولا يكذب خبره .
    وقد أدرك هذه الحقيقة كل من آمن من أحبار اليهود وقساوسة النصارى وغيرهم من دعاة الحق والخير والصلاح والإصلاح بل وشهد لهذه الحقيقة ذاتها كل من أقر بنبوته ممن لم يدركه، أو سمع به وكان مانعه من الإيمان به الحقد والبغي والحسد، أو خوف ضياع الملك والسيادة .
    ونذكر من ذلك فيما يخص قضية انتقال موعود الله لبني إسماعيل، ما جاء عن يونس بن بكير عن سلمة بن يسوع عن جده قال: قال يونس، وكان نصرانيا فأسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجران: (بسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران، سلم أنت، إني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أما بعد:- فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب.. والسلام)، فلما أتى الأسقف الكتاب وقرأه فظع به وذُعر ذُعراً شديداً، فبعث إلى رجل من أهل عمان يقال له شرحبيل بن وداعة، وكان من همدان، ولم يكن أحد يدعى إلى معضلة قبله، فدفع الأسقف كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل فقرأه، فقال الأسقف: ما رأيك يا أبا مريم؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة .. إلى آخر ما جرى بينهما.
    ونظيره ما جاء عن محمد بن سعد قال: أخبرنا علي بن محمد عن أبي عبيدة بن عبد الله، وعبد الله بن محمد بن عمار بن ياسر وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: سكن يهودي بمكة يبيع بها تجارات، فلما كانت ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس من مجالس قريش: هل كان فيكم من مولود هذه الليلة؟ قالوا: لا نعلمه، قال: انظروا يا معشر قريش وأحصوا ما أقول لكم، ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة أحمد، وبه شامة بين كتفيه فيها شعرات ، فتصدع القوم من مجالسهم وهم يعجبون من ح

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد