مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #51329
    moro2010
    مشارك

    الارهاب ونظرية امتلاك الحقيقة – أ. د. عبد الاله الصائغ
    يمكن القول: ان الاعتداء الفاجع الذي تعرض له الابرياء في مدينتي (نيويورك وواشنطن) صبيحة الاحد 11 ايلول (سبتمبر) 2001 قد اعاد الي مركز الاهتمام (والدولي) مشكلة الارهاب، وسلط عليها جل الوان الطيف الاعلامي!! ولنقل ابتداء: ان الارهاب باشكاله كافة حصيلة رياضية لعور النظرة، بل عماها! وخيبة المنهج، بله انحطاطه! والعرب ومنذ وهلتهم المبكرة مفطورون علي حب السلام (الاعني الاجمل) قارن الشاعر القديم:

    واذا تعاور في ضميرك مرة
    أمران، فاعمد للأعف الاجمل

    وعلي اعتبار الحرب واعتداد الارهاب فعلين جهولين قارن امرؤ القيس (جاهلي):

    الحرب اول ما تكون فتية
    حتي اذا استعرت وشب ضرامها
    شمطاء جزت رأسها وتنكرت

    تسعي بزينتها لكل جهول
    عادت عجوزا غير ذات خليل
    مكروهة للشم والتقبيل

    اما الدين الاسلامي الحنيف فدعوته الي السلام تمثل همه المركزي، فكان السلام احد اسماء الله الحسني، والسلام والاسلام في اللغة ينتميان الي ارومة واحدة! واذا كانت الحضارة (قارن ادورد تايلر) هي الحوار والجدال النبيل فان الاسلام دعا الي الجدل الحسن مع الآخرين (وجادلهم بالتي هي احسن .. النحل 125) ولم يكنّ القرآن او يرمز، بل كانت دعوته للسلم واضحة صريحة (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة.. البقرة 208) (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها.. الانفال 61)…. وفي موروثنا المعجمي اشارات حاذقة تدين الارهاب (يمكن تحليل طبائع الأمم من خلال معاجمها.. قارن (موم جومسلي) جاء في لسان العرب مادة (رهب) ما يفيد ان الرهبة والرغبة كفتان متعادلتان لميزان واحد!! الرهبة هي الخوف الشديد والفزع غير الطبيعي ومعادلها الدلالي في الانكليزية Fhobia، والراهب صيغة فاعل قد يكون فاعلا او مفعولا به!!!. ولست في معرض الدفاع عن المنظور العربي او الاسلامي وكشف الجدل بين المنزلتين لادراك كراهية العرب بجميع طوائفهم للارهاب بكل معانيه ورفضهم الواعي لاي من دواعيه ومسوغاته! الارهاب مقولة ثقيلة علي متون المعاجم اللغوية والاجتماعية، فاذا سارع العرب بكل دياناتهم والمسلمون بكل مذاهبهم الي استنكار العدوان الارهابي الذي تعرضت له امريكا، فانما هم يترجمون ايمانهم الثابت بمبادئ السلام، و(ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا) كما يقول طرفة بن العبد، ويهتك المستفيد من الارهاب ويعرف المتضرر! العرب في الغرب (اوروبا وامريكا) هم ضحايا الارهاب المحلي والعالمي، فلماذا يقود اللوبي الصهيوني حملة ضد العرب والمسلمين الهاربين من اوطانهم وقومهم والطالبين حماية الغرب لهم من الارهاب الذي يمارس ضدهم؟!
    وقد نعدل قليلا بوصلة القول ليتجه همنا المركزي الي موقف المثقفين العرب من الارهاب والمبدعون مثقفون بالقرينة، والمبدعون ايضا مجسات لا تخطيء ومؤشرات توجه الدارس والباحث! المبدعون العرب ومنذ نعومة اظفار التاريخ كانوا هدف الارهاب الاول لانهم وبجدارة عدوه الاول، لانهم كشفوا منظومات الارهاب وحللوها الي عواملها الاولية (الكذب والقهر والنفاق السياسي..) ألم تشرح ملحمة جلجامش العراقية (2500ق. م) التي سبقت الالياذة اليونانية بستة عشر قرنا!! كيف تعرض المبدع للارهاب المروع قارن (المذهب) في الملحمة الذي يعلل العذاب الحائق بالبطل الممثل للضمير الجمعي (هو الذي رأي كل شيء، فغني بذكره يا بلادي)!! اذن اي قوي قاصم او زعيم غاشم سينام قرير العين ناعم البال وهو يدري ان المبدع (يري كل شيء)؟! (عشتار) مارست الارهاب ضد (جلجامش) فاستنزلت الثيران السماوية لتقتله لكنهاخابت وبدأت ارهابها السري المستند الي الاغراء!! و(شمخة) افلحت مع (انكيدو) فسلبته نقاءه!!. ان الترهيب لا يعيش الا حيث يعشش الترغيب! هما توأمان سياسيان، لا حياة للواحد الا بحياة الآخر. كل ترهيب ترغيب والعكس يطرد!! بالترهيب تقتل الطمأنينة وبالترغيب تذبح المروءة، وفي الحالين يختفي الانسان في الانسان، وتفتقد القيم العليا مصداقيتها، انك لن تجد ارهابا من دون تمويل، من دون جذور دينارية او دولارية!! ولذلك وضعت العرب (الواو مع التاء الطويلة) و(الالف الممدودة مع الهمزة) احرفا رديفة للرغبة والرهبة معا!! للدلالة الحاذقة علي ثقل ايقاعيهما علي النفس فقالت: رهبوت ورغبوت ورهباء ورغباء!! فالاقتران الشرطي مقيم بين الرهباء والرغباء ما اقام (جبل عسيب)! ولن يفلح الارهاب او يستمر حين يحال بينه وبين الثروة الحرام!! وحين سئل امير المؤمنين عن تسويغه لتميز امرؤ القيس بين الشعراء أجاب (لانه يكتب شعره لا عن رغبة ولا عن رهبة) فعلي كرم الله وجهه يقرن الرهبة بالرغبة في جل خطبه وتوجيهاته!! واذا كان المبدع نقيضا للترهيب والترغيب منذ الجاهلية الاولي (مرحلة اوروك ــ جلجامش) والجاهلية الثانية (قبل الاسلام ــ المعلقات) والجاهلية الثالثة (نكوص الوعي الحديث) فقد تعرض خيرة المبدعين للاغتيال او السجن او الاهانة او التسفير او التهميش! قتل لقيط الايادي تحت ارجل الفيلة وقتل طرفة بن العبد (25 سنة) بسيف الحسد والغدر، واعدم عبيد بن الابرص في يوم نحس وتوسط المنخل اليشكري (قطع من وسطه).
    همة باطلة، وهرب النابغة من الحيرة الي الشام ليحتفظ برأسه.. فقد هاله ان ارهاب الحاكم محيط بالمبدع كما الزمان.

    فإنك كالليل الذي هو مدركي
    وان خلت ان المنتأي عنك واسع

    المبدعون منذ القدم ضحايا الارهاب.. فهم بحاجة الي محمية تحافظ عليهم قبل ان ينقرضوا!! وحين اشرف الاسلام كان المبدعون اسرع الناس ايمانا به (لبيد العامري، حسان بن ثابت، الخنساء، ابو ذؤيب الهذلي، ومالك بن نويرة واخوه متمم والحطيئة…) بيد ان المبدعين ومنذ وفاة النبي الامين (ص) وحتي الساعة لم ينعموا بالطمأنينة! فأهين حسان بن ثابت وضرب! وسجن الحطيئ. اما العصر العباسي (132هـ ــ 656هـ) فانه ابتكر اساليب للارهاب جديدة وهي اتهام الضحية قبل قتلها او وضعها في الديماس (سجن أسفل طبقات الارض)! فقتل بشار الصقيلي ودعبل الخزاعي والحلاج والمتنبي (ما اكثر القائمة) اما التهم فهي الصعلكة والشطارة والقرمطة والزندقة والشعوبية والتسويف والتصوف والمجون… وحين سئل شاعر صوفي قبل ان يسلخ جلده في الديماس عن السر قال:

    نظري بدء علتي
    يا معين الضني علي

    ويح قلبي وما جني
    أعنّي علي الضني

    اما ضحايا الارهاب من المبدعين العرب في الجاهلية الثالثة في اكثرهم.. (عبد المحسن الكاظمي ــ احمد سعيد الحبوبي ــ الرصافي ــ الزهاوي ــ الجواهري ــ البياتي ــ بلدن الحيدري ــ مظفر النواب محمد طالب البوسطجي، عزيز السماوي محمد حسين الاعرجي،.. (ضحايا الارهاب في العراق منذ الحكم الوطني.. بل منذ 1914 حتي الآن.. اكثر من قدرتنا علي الاحاطة..).
    ولم يكن الامر حكرا علي العرب! فمن قتل مايكوفسكي وزعم انه انتحر؟ ومن قتل لوركا؟ من قتل نيرودا…؟؟ ثمة Taboo كان وما زال وسيبقي بين المبدع وحلمه، الشعب وحريته، القول الجريء وفعله، الخطأ وصوابه! واخترع الارهاب نظرية لا اخلاقية اسماها (امتلاك الحقيقة) ومالك الحقيقة دائما هو مالك القوة، فالقوي برجاله واسلحته وامواله ومكره هو صاحب الحق Might is Right وايجاز هذه المقولة العمياء ان الحرية عبودية، والشرف انحطاط والصدق كذب والموت حياة!! صاحب القوة (القدرة علي القتل أو الاغناء المادي) يركب موجة الشعارات الجديدة ليظل (أبدا) وفي (كل مكان)، فقد امتلك القوة او الحكم ليبقي.. وقد اضفي (المقدس) علي خطابه القهري وطيشه وحاشيته ثم اضفي (المدنس) علي مخالفيه ومعارضيه.. وحقهم في الماء والهواء..!!
    فهو علي رأي المتنبي (الخصم والحكم) وقد حذر القرآن الكريم من خطورة التخلف فركز علي التعلم والتدبر والتفكر، بعد ان كشف الارهاب الذي مارسه البدو (الاعراب) ضد سكان الحواضر (العرب) فأكد علي ان الاعراب اشد كفرا ونفاقا (التوبة 97) بينما العرب كانوا خير امة اخرجت للناس (آل عمران 110) وكان النبي الامين (ص) يقول (من بدا جفا)!! وقد نبه العالم الراحل: أ. د. علي الوردي (احد ضحايا الارهاب) الي خطورة الغزوة التي قامت بها البداوة ضد الحضارة تلك الغزوة الارهابية التي بدأت ببعث البداوة في حياتنا، بل انفسنا وأوهمتنا ان حنيننا الي منجزات اجدادنا العظام انما هو حنين الي البدائي!! ومات الوردي وهو يحذر من عودة الجاهلية وارهابها بعد ان اتقنت اللعبة وارتدت ازياء العصر!! وما زال كثير من مفكرينا العرب وفلاسفته منصرفين الي تحليل رغبات البدائي الدفينة في التخريب وعدائه المستحكم للعمران والماء والخضراء والجمال والاستقرار، مهتدين باشارات سريعة لابن خلدون، فقراءة العقل البدائي لا تعني تجريح سكان الصحراء فهم اهل فصاحة وكرم وشمم وانما تعني السلوك المستند الي التصحر الروحي والعقلي..! الحصيلة ثمة طائفتان دائما. الاولي خيرة والاخري نقيضة وبين الاثنتين تزدحم مقولات الحياة والموت والبقاء والفناء، ومن خلال غفلة الانسان عن هذا التضاد يبعث الارهاب من اغوار التاريخ فيعبث في الاوطان فسادا.. الوطن العربي اثري اوطان الارض (وغير سليم ان ثروته لا تزيد عن ثروة فنلندا).. ومع ذلك فقد تغرب زعماؤه ومثقفوه هربا من غدر الارهاب وجبنه ونفاقه وازلامه وخطابه عامة! فاذا استنكر المثقفون العرب باديانهم جميع والمسلمون بقومياتهم ومذاهبهم كافة الاعمال الارهابية التي تعرض لها الشعب الامريكي الآمن وبين الضحايا اعداد لا يستهان بها من العرب والمسلمين… فلانهم (المثقفون) ضحايا انظمتهم.. وضحايا الكيد الاستعماري والصهيوني، المثقفون العرب يجوبون ازقة العالم بحثا عن لقمة نظيفة للعيش ولحظة للأمان وقد حيل بينهم وبين اوطانهم وعادت الكتابة جرما يكلف المثقف حياته، ولك ان تدقق القوائم السوداء التي ينشرها الصبيان من اولاد الحكام ومدلليهم ويحددون الولاءات والخيانات ويمنحون حق المواطنة او يمنعونه!! لن تهدأ البشرية ما لم يسكت الارهاب ولن يسكت الارهاب ما لم تنهض محكمة عالمية لمحاكمة رموز الارهاب في كل مكان: الاحياء منهم والاموات.. من دون نفاق سياسي او حسابات نفعية.. ألم تمارس اسرائيل ابشع انواع الارهاب؟ ألم يمارس بعض الزعماء العرب الارهاب بسيف النفط او الوطنية او الدين او الاخلاق؟
    المحكمة الدولية ليست خاضعة لسلطة دولة، بل هي محكمة مؤلفة من المنظمات الشعبية لحقوق الانسان في غرب العالم وشرقه، شماله وجنوبه، وليحدد مفهوم الارهاب وشيء منه الكيل بمكيالين (انا وانت علي ابن عمي وانا وابن عمي علي الغريب) او (يملك الحق من يملك القوة) فالقوة هي قوة الحرية والقانون.. نريد ان نعيش بسلام وان لا يذوق ابناؤنا واحفادنا ما ذقناه من (بعض) الزعماء الجاثمين منذ عقود علي خيرات العرب، ومن محترفي الاكاذيب ومبتكري الخوف والتعذيب وقراصنة العمل السياسي المختبئين خلف المؤسسات الحزبية والاعلامية والاقتصادية، ذوي الغلو اليساري او اليميني، لتنته والي الابد نظرية امتلاك الحقيقة، فلا احد يمتلك الحقيقة لوحده، وليس ثمة امة اشرف من امة ولتتطهر الاوطان من خرافة الشعب الاوحد والحزب الاوحد والزعيم الاوحد.. الشعب الاحق والحزب الاحق والزعيم الاحق.. والفكرة الاحق.. فالارهاب لا يعيش الا في الامكنة التي طرد عنها اهلها، وغادرتها الحرية وهجرها الوعي، الامكنة التي تعد النقد شتيمة والتصويب او الاعتراف بالخطأ سقوطا وتنازلا.

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد