الرئيسية منتديات مجلس التعليم العصري الليل والانسان: بين العلم والادب ووجع الاسنان

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #51279

    الامر لا يخلو من صعوبة، فمنذ بدء الكون، على الرغم من ان هذا البدء لم يبت به لحد الان بنحو علمي ونهائي، كان الليل والنهار وكانا صورتين متقابلتين.. متضادتين. متداخلتين.. لا غنى لاحدهما عن الاخر.
    انه نظام (الازواج) في الطبيعة لكي تستمر الحياة، ماء ويابسة، حر وبرد، رجل وامراة، سماء وارض، ثلج ونار، ليل ونهار.
    ومنذ اقدم الازمنة قامت الطبيعة بتوزيع الادوار توزيعا دقيقا، ولم تجر اية تغييرات على تلك الادوار بالرغم من ملايين السنين التي مرت.
    ارتبط النهار بالنشاط والحركة والعمل واليقظة، وارتبط الليل بالهدوء والسكينة والراحة والنوم، حتى ان الوظائف العضوية لجسم الانسان تكيفت لهذا التوزيع واصبحت جزءا من فسلجته العامة.
    في استفتاء مبني على تحليلات طبية قامت باجرائه مجموعة مؤلفة من اربعة اطباء حول موضوعة (النوم) ظهر ان الاشخاص الذين تقتضي طبيعة اعمالهم ان يسهروا ليلا ويناموا نهارا يكونون عرضة للامراض بنسبة تصل الى 45% زيادة على اقرانهم على الرغم من ان ساعات النوم التي يمضيها الطرفان واحدة او متقاربة جدا.
    وتشير استنتاجات المجموعة الطبية الى ان الذين يعانون من حالة (النوم غير الاعتيادي) على حد تعبيرها، ترتفع عندهم نسبة الامراض العضوية بنحو ملموس بخلاف الاعتقاد السائد من ان ما يتعرضون له ينحصر في مجموعة من الامراض النفسية.
    تساؤلات ليلية
    ثمة الكثير مما يطرحه الليل حول نفسه وما يثيره من تساؤلات قد لا نمتلك الاجابة عنها، فعلى صعيد الاساطير والتراث الانساني مثلا كان النهار رمز النور والخير والحياة فيما كان الليل رمز الظلمة والشر والموت، به اقترنت صورة القبر والعذاب وصور الخوف والجريمة والاعمال الشريرة.
    في القران الكريم تردد لفظ الليل في معظم السور الشريفة وان شئنا التحديد فقد ورد ذكره في 92 اية تناولت صوره ووظائفه وحالاته المختلفة، ومع ذلك فالكتاب الكريم يضعنا امام تساؤل كبير ليس بامكاننا الاجابة عنه او الاجتهاد فيه.
    لقد جاءت لفظتا (الليل والنهار) مجتمعتين في 44 اية بمختلف المعاني والاغراض، وقد احتلت لفظة النهار المقام الاول (اي وردت لفظة النهار قبل لفظة الليل) في 7 مواضع في حين ورد اسم الليل قبل النهار 37 مرة، وهذا الفارق الكبير لم يأت جزافا، لانه ليس من باب المصادفة ولا من وضع البشر، فكلام الله سبحانه وتعالى محسوب بدقة وتقدير وحكمة.
    عدو النساء
    من المعروف بان الخيال الانساني عادة ما ينشط ليلا، ولكن هذا النشاط لا يتوقف على الخيال وحده فمعه تتصاعد حمى المخاوف والاوهام، ترى لماذا يحدث ذلك كله؟.
    عن هذا الاستفسار يقول علماء النفس، ان حواس الانسان وخاصة السمع والبصر تعمل طيلة النهار على ارباك الذهن واشغال الفكر وحث المخ على اصدار اوامر متتابعة من شانها تلقي الصور والاصوات المختلفة، وبما ان الطبيعة العملية لاجواء الليل توفر للذهن الفكر والمخ، الراحة المطلوبة فان الفرصة تكون سانحة لانشغالات جديدة هي ما يطلق عليها بتحليقات الخيال واطلاقاته الى عوالم رحبة واسعة من غير قيود ولا عقبات.
    ويجب ان نلاحظ هنا بشيء من الاهمية، بان (حركة) النهار تصرف المرء عن نفسه الى الاخرين، حيث يعمل ويفكر ويناقش ويتحاور.. الخ وان (سكون) الليل يصرفه عن الاخرين الى ذاته، ولهذا يتأمل (وحدته) او مصيره او حاله فيفكر مثلا بمستقبله (هو).. وبالمرض والموت والحب والزواج وشؤون الحياة والغيب المختلفة، ولكن بنوع من الفردية غالبا ما تثير قلقه او هواجسه.
    وعلى العموم فالهواجس الليلية وما يصاحبها من مخاوف تكاد تكون صفة مشتركة بين الناس، واذا استثنينا القلة القليلة من اولئك الاشخاص الذين يعانون اصلا من مرض نفسي اسمه (الخوف من الليل) او من الظلام بصورة طبيعية او تحت تاثير حالة مكتسبة كالتعرض لحادث معين فان الناس الاخرين جميعهم عرضة للهواجس ولكن بنسب متفاوتة، فهي تزداد عند الشخصيات القلقة او في الظروف غير الطبيعية.
    ويؤكد علماء النفس ان لا فرق في ذلك اي في المعاناة من الهواجس والمخاوف بين مستويات الناس الثقافية والمعاشية وان كانت للبيئة والتربية دور مؤثر فابن القرية اكثر تماسكا ” من ابن المدينة في مواجهة (ماديات) الليل ومخاوفه على الرغم من انه مثلا “اشد ايمانا واقناعا” بالاشباح والجن والشياطين، ولكن نمط المعيشة والسلوك الاجتماعي للقرية يبنيان الفرد بناء خاصا يجعله في موقف القوي لمواجهة متاعب الحياة العامة في الليل والنهار، فهو صبور شجاع بطاقة احتمال عالية.
    واذا كانت الهواجس الليلية صفة انسانية مشتركة بغض النظر عن التفاوت والمستويات بين الناس، فانها والحالة هذه تضع الرجال والنساء على قدم المساواة، الا ان علماء النفس يزعمون بانها تشتد عند النساء بحكم تكوين المرأة الطبيعي وحاجتها الى الحماية والامن اكثر من الرجل.
    آلام الاسنان
    تذهب النظريات الحديثة في الطب النفسي الى القول بان التفكير يسبب الالم والعكس صحيح، وتبدو هذه النظرية صائبة جدا في التطبيقات العملية لها، فالطفل الذي يبكي نتيجة تعرضه للاذى يصار الى اسكاته بلعبة تستهويه او اشغال الذهن او تحويل الى وجهة اخرى.
    بعض الاعمال المرهقة والاشغال التي تقتضي جهدا عضليا او فكريا، تؤدي الى احساس كبير بالتعب، ولكن هذا الاحساس لا يظهر اثناء الانغمار في العمل الا بنسبة ضئيلة فيما تشتد الحالة ليلاً.
    كثير من المرضى وعلى وجه الخصوص اولئك الذين يعانون من حمى والتهاب الفقرات والمفاصل لا تظهر نوبات الالم الحادة عليهم الا اثناء الليل او عند الذهاب الى النوم.
    على ان اكثر تلك الالام الليلية شيوعا هي الام الاسنان، وحين طرحنا الاستفسار على احد الاطباء الاختصاص اشار الى ان هذه الالام الليلية حقيقة علمية وليست وهما ولا علاقة لها بانشغال الذهن او عدم انشغاله.
    * كيف؟
    – عند الذهاب الى الفراش ليلا يحدث توسع في عصب السن وارتفاع في ضغط الدم يؤديان الى زيادة في احتقان السن الملتهب، والاحتقان يؤدي بدوره الى زيادة في اشتداد الالم.
    من طرائف الليل انه وطيد الصلة بالحمل والولادة، والمرأة الحامل تخشاه اكثر من اي وقت اخر، غير ان ذلك لا يقوم على سند علمي، وتردّ احدى اختصاصيات التوليد على هذا المعتقد الشائع، بانه ناتج عن الحالة النفسية للحامل وليس لاي سبب اخر، فالمراة التي تنتظر الولادة عادة ما تكون منشغلة التفكير بما قد يتمخض عن ولادتها من مصاعب او عسر او الام او وفاة الطفل، وهذا التفكير يتضاعف لديها ليلا نتيجة المصاعب الليلية نفسها، اي انها قد تخشى مثلا عدم توفر المواصلات لتبلغ المستشفى في الوقت المطلوب، او صعوبة احضار القابلة الماذونة… الى اخر ما يمكن ان يطرأ على بالها، ولكن على العموم لا توجد اية علاقة بين الليل والولادة.. فالاوقات جميعها ملك المرأة الحامل!!
    اجواء شاعرية
    لا نكاد نعرف كالارق رديفا وملازما لحكاية الليل، والارق شكوى معروفة يندر ان ينأى عنها الانسان، ولكنها تتفاوت تفاوتا واضحا، فقد تكون مؤقتة لظرف طارئ وقد تستمر زمنا طويلا قد تتحول معه الى حالة مرضية.
    يقول علماء النفس بان الارق عادة ما يكون مصحوبا بالخوف والقلق على الرغم من حالات الخوف والقلق في بعض الاحيان مجهولة غير معلنة امام صاحبها، والتشخيص العام هو نتيجة اضطرابات نفسية، والحالة تشتد عند من يعانون من مشكلات حياتية لا يستطيعون حلها او مواجهتها، كما تزداد لدى المدمنين على الكحول والمخدرات، وقد يعود السبب احيانا الى عوامل فيزيولوجية وبايولوجية كالتغيرات الحاصلة في عمل الهرمونات، وايا كان القول في الليل فان اصدقاءه الدائمين هم الادباء والعشاق والمبدعون، ويبدو من الاستقراء الاولى لخارطة هذه الشرائح، ان بها حاجة ماسة اكثر من غيرها الى نوع من الوحدة والتأمل والاختلاء بالذات لا يوفرها غير الجو الليلي!!
    في استفتاء مصغر توجهنا به الى 20 اديبا عراقيا وجدنا بان هناك 6 منهم قادرون على انجاز اعمالهم الابداعية في اي وقت من اوقات اليوم و 5 منهم (يفضلون) الليل، فيما كان هناك 9 ادباء قد اختاروا الليل حصرا، وقد تركزت معظم الاجابات حول اسباب اختيارهم لهذا الوقت بانه يمنح الذهن، الصفاء الكافي ويهبهم الفرصة الذهبية للتحليق بالخيال ومحاورة الذات واستلهام الصور.. الخ، ويبدو ان الشارع الشعبي قد استوحى نوعا من الموروث العام لفهم الحالة الشعرية، فراح يطلق على كل مكان جميل هادئ يقل فيه وتخيم عليه سحنة قريبة من سحنة الليل المقمر اسم (جو شاعري)، ومن الثابت بان الليل في الشعر الانساني يؤلف موضوعا غاية في الطرافة والافاضة، والامر نفسه ينسحب على ساحة الغناء، فما زالت موالات (يا ليل.. يا عين) تحتل صدارة التراث الغنائي.. ومازال الليل مصدر العتاب واللوم والعذاب.. والمناجاة، ويبقى الكلام الشعبي محملا بالخبث والتندر وهو يؤكد على ان كلام الليل يمحوه النهار، وكأن مواعيد الليل لا تصلح للايفاء!!
    اصدقاء واعداء
    (لقد جربت في اثناء سنوات الدراسة المنصرمة ان اذهب الى النوم في التاسعة مساء واستيقظ في الثالثة بعد منتصف الليل لابدأ المذاكرة والتحضير، وكانت النتيجة ايجابية للغاية)، هكذا يرسم الطالب الجامعي وسام الجامعة (كلية الهندسة). صيغة التعامل مع واجباته المدرسية، لانني-كما يقول- اشعر بقدرة مضاعفة على الفهم والاستيعاب.
    انا اكره الليل، وخاصة ليل الشتاء-يقول السيد عبدالجبار محمود- لانه طويل واحلام لا تتحقق وكوابيس لا تنتهي، ويكره السيد هوبي عبدالرزاق وقت الليل لانه زمن مقتطع من اعمارنا.. زمن ضائع ولكنه محسوب علينا. المعلمة فوزية الجبوري ترى فيه ملاذها الوحيد للراحة من عناء البيت وضجيج المدرسة وطلبات العيال، ويرى الحاج عباس الحسني في الليل فرصة الاسرة الذهبية لتجتمع وتلتقي وتتشاور وتعزز علاقة الحب بين افرادها، اما الصيدلي عبدالقادر ابراهيم فيقول (حين اكون مرتاحا وسعيدا فلا فرق عندي بين الليل والنهار، لان الوضع النفسي للانسان هو الذي ينعكس على الوقت ويحدد هويته)، وتشير الانسة خلود محمد (خياطة-خريجة معهد ادارة) الى ان الليل يمنحها القدرة على الابداع والابتكار و(التفنن في عملي، لان افكاري لا تتوزع بين المطبخ ومشاغل البيت وصخب الاطفال)، ويرى فيه السيد جواد خليل (تربوي)، مدعاة لتفجر الاحزان والكابة على الرغم من انه يفتح ابواب النفس واسعة للاستلهام والتفكير، وتعتقد السيدة سهام فهد (مهندسة معمارية) بان الله سبحانه وتعالى قد خصّه بنوع من الافضلية في مجال العبادة والتعبد.. وفيما اقول انا، بان من ادركه الحب الحقيقي يوما يعرف بان الليل لعنة لا تطاق، فان الحصري القيرواني كانت له صيغة سؤال، لا اعذب ولا اجمل منها (يا ليل الحب متى غده) وكانت له اجابة اكثر عذوبة ويأسا.. اقيام الساعة موعده؟!

    #647932
    حسناء
    مشارك

    أخي أيمن
    ما استخلصته من موضوعك أخي
    أن النهار قد خلقه الله للعمل والسعي والتحصيل
    وأن الليل قد خلقه سبحانه وتعالى للراحة والسكينة ومن ثم للعبادة والتهجد والانفراد بالذات والتقرب إلى الله عز وجل

    سلمت يداك أخي على ما اوردته من تحليل وتفصيل للموضوع

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد