الرئيسية منتديات مجلس المال والإقتصاد التأمينات الاجتماعية .. إزعاج للدول الغنية

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #49633
    mobi
    مشارك

    من بين أغرب الادعاءات التي سمعناها في إطار المناقشات الدائرة بشأن مسألة التأمينات الاجتماعية، التي أصبحت تعكر صفو أكثر دول العالم ثراءً، أن برامج المعاشات ذات الفوائد المحددة والممولة من قِـبَل الحكومة (مثل نظام الضمان الاجتماعي في أمريكا) أصبحت عتيقة الطراز. ويؤكد أصحاب هذا الادعاء أن هذه البرامج كانت ملائمة للاقتصاد الصناعي الذي كان سائداً في فترة الكساد الأعظم، ومناسبة لجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها أصبحت عتيقة اليوم في ظل اقتصاد ما بعد الصناعة الذي يعتمد على التكنولوجيا المتطورة وعمل الشبكات المعقد.

    ويقترح مؤيدو هذه الحجة نموذجاً مختلفاً. فكما تجد الشركات اليوم سعادة أكبر في دعم معاشات العاملين من خلال الإسهام في حسابات العاملين الخاصة، يتعين على الحكومات اليوم أن تقدم المساهمات في حسابات ذات ملكية خاصة (أو تجعل هذا إلزامياً). ومن المفترض أن تتقلب قيمة هذه الحسابات مع السوق صعوداً وهبوطاً بدلاً من الاعتماد على مخطط محدد للفائدة يضمن للمنتفع مبلغاً حقيقياً ثابتاً من الموارد المتاحة عند التقاعد.

    والحقيقة أن هذه الحجة غريبة، لأنها تدرك الحقائق الاقتصادية المرتبطة بالموقف على نحو معكوس. فحين يصبح هناك العديد من الشركات التي تقدم للعاملين معاشات ذات فائدة محددة على الأمد البعيد، فإن الحكومة تجد مزايا أقل في إنشاء مخطط مواز محدد الفائدة وإلزام العاملين بالمشاركة فيه. وفي النهاية ففي عالم كهذا، يستطيع العاملون الذين يرون قيمة عظيمة في معاش التقاعد ذي الفائدة المحددة أن يعملوا لدى الشركات التي تقدم مثل هذه المعاشات.
    إن الفوائد الرئيسية الناشئة عن إلزام الحكومة العاملين أيضاً بالإسهام في نظام وطني للضمان الاجتماعي تتراكم لصالح هؤلاء العاملين الذين يقدرون إلى حد كبير نظام معاش التقاعد المحدد الفائدة لكنهم لم يتمكنوا بعد من فهم الخيارات الحقيقية المتاحة لهم. كما أنها تصب أيضاً في صالح العمال الفقراء الذين يفتقرون إلى قوة المساومة اللازمة لحث أصحاب العمل على تقديم معاشات التقاعد التي يريدونها حقاً ـ والتي يحتاجون إليها.

    لكننا اليوم لن نجد العديد من الشركات التي قد تبدي الرغبة في تقديم خطط ذات فوائد محددة على الأمد البعيد لمعاشات التقاعد. ومن بين الأسباب وراء هذا أن الشركات اليوم أصبحت أكثر إدراكاً لهشاشتها على الأمد البعيد مما كانت أثناء العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. حتى أن شركة IBM الأمريكية التي تتباهى باستقرارها لا ترغب في المجازفة بتقديم خطط محددة الفائدة.

    كانت المجازفات المترتبة على معاشات التقاعد المحددة الفائدة تتوازن من خلال فائدتين تعودان على الشركات التي قدمت هذه المعاشات. أولاً، إن ترك العامل الشركة كان يعني عادة تحصيل معاش تقاعده بنسبة تخفيض، الأمر الذي كان يزيد من ولائه للشركة. ثانياً، كانت الافتراضات المتفائلة للمحاسبين المؤيدين بشأن العائدات المترتبة على الاحتياطي المتراكم من معاشات التقاعد، علاوة على ارتفاع قدرة الشركات الضخمة على تحمل قدر أكبر من المجازفة، تؤدي إلى تلميع الصورة المالية التي تستطيع الشركات الظهور بها أمام المستثمرين.
    أما اليوم فقد أصبحت النظرة إلى هذه المجازفات تؤدي إلى تضخيمها إلى الحد الذي يجعل الفوائد تبدو ضئيلة. ونتيجة لهذا فقد أصبحت شريحة متزايدة الصغر من أصحاب العمل تقدم أي خطة ولو قريبة الشبه من معاشات التقاعد المحددة الفائدة.

    والحقيقة أن هذا الانخفاض في معاشات التقاعد الخاصة ذات الفائدة المحددة في المركز الغني من الاقتصاد العالمي، يعتبر أمراً في غاية السوء، ذلك أن تصميم أسعار الأصول يوحي بأن العاملين من الشباب ومتوسطي العمر يحبذون معاشات التقاعد المحددة الفائدة إلى أقصى الحدود. ويؤكد التاريخ أن الفجوة بين العائدات المتوقعة على الأصول التي تتسم بمعدلات مجازفة متدنية، مثل السندات الحكومية أو سندات الاستثمار، وبين الاستثمارات التي تتسم بمعدلات مجازفة مرتفعة مثل الأسهم والعقارات السكنية، كانت مرتفعة للغاية. إلى درجة ما، وكما يؤكد خبراء اقتصاد من أمثال روبرت بارو الأستاذ في جامعة هارفارد، وعلماء رياضيات مثل بينويت مانديلبروت، فقد يكون السبب وراء هذا راجعاً إلى أن الاستثمارات التي تتضمن مجازفة مرتفعة هي في الواقع أكثر اشتمالاً على المجازفة مما تؤكده النظريات، وأكثر مما تقترحه الحسابات الخاصة بالأساليب المالية القياسية.

    ووفقاً لوجهة نظري على الأقل، فإن هذا يرجع جزئياً إلى أن ذكرى أعوام مثل 1930 و2000، حين كان أداء السندات رديئاً للغاية، ما زالت تشغل حيزاً أكبر مما ينبغي من أذهان المستثمرين. والحقيقة أن العاملين وحاملي الأصول الأخرى يقدرون إلى حد عظيم قيمة السلامة والأمان، والقدرة على التوقع، وعلى ذلك فإن خطة معاش تقاعد ذات فائدة محددة لا بد أن تكون ذات قيمة مرتفعة إلى أقصى الدرجات. ولكن في عالم اليوم، فإن الحكومات الوطنية فقط تتمتع بقدر من الضخامة يسمح لها بأن تفعل ذلك مع تقديم أي نوع من أنواع الضمان التي تؤكد أن أصول معاش التقاعد سوف تظل موجودة في الواقع حين يتقاعد العمال. وأنا على درجة من الإيمان بالديمقراطية الاجتماعية تجعلني أعتقد أنه إذا كانت هناك خدمة اقتصادية أو فائدة يقدرها الناس إلى حد كبير وأن الحكومة فقط هي التي تستطيع تقديم مثل هذه الخدمة، فإن الحكومة تصبح ملزمة في هذه الحال بتقديمها.
    ندرك نحن خبراء الاقتصاد وجود العديد من نقاط الضعف في محاولة توسيع نشاط الحكومة إلى ما هو أبعد من دورها الأساسي في تقديم المنافع العامة الحقيقية مثل الدفاع، السلامة العامة، والعدالة، علاوة على تزويد المواطن بالحوافز اللازمة لمعادلة التأثيرات الناجمة عن حالات الإخفاق الحقيقية للسوق. وإذا كانت الأسواق الخاصة تتمتع بالمرونة التي توفرها لها قدرتها على استخدام ذراعين، فإن البيروقراطية الحكومية لا تتمتع من المرونة إلا بالقدر الذي توفره لها قدرتها على استخدام إبهامين على أفضل تقدير.

    لكن تحصيل الضرائب المفروضة على رواتب الملايين من العاملين، وتحرير عشرات الملايين من شيكات التقاعد، يشكل ذلك النوع من المهام الروتينية شبه الآلية التي تستطيع الحكومة أن تؤديها بكفاءة. ومع تراجع الشركات الخاصة عن برامج معاشات التقاعد المحددة الفائدة، فإن أهمية اضطلاع الحكومة بهذه المهمة باتت أشد وضوحاً في مجتمع ما بعد الصناعة وعصر الشبكات مما كانت عليه في أي وقت مضى.

    جيه برادفورد ديلونج – 29/12/1426هـ

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد