كتب المتأمل ما يلى
————————
على رأي أحد المعلقين الرياضيين في إحدي القنوات الفضائية العربية، وذلك عندما يريد أن يتحدث عن موضوع مهم فيقول: “الموضوع كبير” !
نعم إنه موضوع كبير، وجد خطير، وهنا أريد أن أتحدث عن التخريب المنظم وسط الفوضى المنظمة التي تعيشها ليبيا بأكملها، والحديث هنا عن مدينة طرابلس بالخصوص، والتي أصبحت في السنوات الأخيرة تحتمل أكثر من طاقتها من حيث عدد السكان، وذلك بسبب أن الدولة لم تشجع التوسع الجغرافي لا بالدعم المادي ولا بالتوعية. ثم إن المركزية في الإدارة لشئون الدولة ركزت في مدينة طرابلس ولم توزع علي باقي المدن، مع عدم منح استقلالية القرار نوعا ما، مع تهميش هذه المدن. الشيء الذي شجع سكان هذه المدن علي الهجرة إلى مدينة طرابلس. وهذا أخل بالتوازن السكاني في البلاد، فسبب أزمة سكن، وأزمة سير خانقة بسبب كثرة السيارات، مع عدم وجود طرق تستوعب هذا الكم الهائل من الزيادة في السيارات. ولكم في ما حدث من ازدحام شديد يوم حادث حريق الطريق السريع بتاريخ 2005.01.31 خير دليل، وهذا حدث بسبب غلق جزء فقط من الطريق السريع.
عندما نتحدث عن الطرق فالإنجازات الخلاقة في هذا المجال تلجم الأفواه، فكل يوم يتم تخريب طرقات بغرض تجديدها، وبعد تدميرها يوقف العمل بها ! وتبقى أسوا مما كانت عليه، ولماذا كل هذا؟
تعددت الأسباب والموت واحدة !
لقد تحولت العديد من الطرق من طرق معبدة إلى طرق ترابية، وهذا يعكس مدى التقدم الذي نعيشه علي كل الأصعدة، بما فيها أعظم شبكة طرق أنجزت مع عدم التخطيط المسبق للتنفيذ، فترى شركة الكهرباء يتداخل عملها مع توصيلات شركة البريد، وشركة المياه مع الصرف الصحي، وكل يغني على ليلاه. لماذا وصل الحال في ليبيا إلى هذا الحد من التخلف وسوء الإدارة؟
وبمناسبة الحديث عن الطرق فسأحكي لكم قصة حقيقية من واقع حياتنا المرير والذي يدعوا للأسف والإحباط. كان هناك مجموعة من الليبيين المقيمين بالخارج منذ أكثر من خمس وعشرون عاما، ولم يقم أحد منهم بزيارة ليبيا منذ ذلك الوقت، وعندما سمع أحدهم بالانفراج الحاصل في معاملة المقيمين بالخارج، وعدم سجنهم عند وصولهم بسبب أو بغير سبب، قرر العودة إلى الوطن. فلما أراد أصدقائه إقناعه بالعدول عن قراره، أبى وأصر على موقفه، فقد سئم حياة الغربة وأراد زيارة البلاد ورؤية الأهل والعباد، حتى وإن كانت حريته الثمن. ولما تحقق له ما أراد وأصبح علي أرض الوطن، هاله ما رأى من خراب وفساد، وما آل إليه حال البلاد والعباد، وهو الذي كان يتوقع شيئا آخر بعد قضاء خمس وعشرون سنة بعيدا عن الوطن، فقرر الرجوع إلى بلاد الغربة وقد فعل. وعندما سمع أصدقائه برجوعه إليهم سالما من كل شر، فرحوا وبعد أن قاموا بتهنئته علي سلامته علهم يشتمون من خلاله رائحة الوطن البعيد، سألوه عن حال ليبيا، فكان رده بسيطا موجزا وفي جملة واحدة ولكنها معبرة جدا وتصف الحال في مرارة وأسى بالغبن، قال لهم: “عندما سافرت من ليبيا في سنة 1978 كان الطريق المؤدي إلى بيتنا معبدا، وعندما رجعت بعد ربع قرن وجدته قد أصبح ترابيا”. ولهذا وبفضل الإنجازات تغير اسم العاصمة من (طرابلس ) إلى
(تراب بس)
——————————–
اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه.
فصبر جميل والله المستعان.