انقضى القرن العشرين00 ودخلنا في الألفية الثالثة لنقف على أعتاب عهد التحضــــــــّر والتكنولوجيا الحديثة والتقدم العلمي الذي نقل المرأة من حياة المنزل إلى حياة العمل والإنتاج مثل الرجل , لكن هذا التقدّم لم يجعلها بكامل حريتها كما يناشدون بذلك ؛ بل سلبها كل معاني الحريــــّة الحقّة حينما جعلها سلعــــــــــة تتلاقفها أيدي من تلطخت بالدعارة والحقارة فأخذتها لأجواء الإغراء وتــرك الحشمة وترك تعاليــم الدين الحنيف , فقلّما نجد مجموعة مـــــــــــــــــــن النساء مجتمعات يتحدثن عن تعــــــــــــــــــاليم الشريعة الإسلامـــــــــــية وضوابطها؛ فالفئة الغالبة شغلها الشاغل الحديث عن آخر صيحات الموضة , عن الأفلام الخليعة المدبلجة وغيرها والتي لا تستحق أن تذكر حتى بلفظها، وعن الغناء والطرب والأحاديث التي تجعل الإنسان في حالة من الميوعة وإشباع الشهوات فقط والبعد عن الأحاديث والأجواء الروحانية التي تربط المخلوق بخالقه فتتركه فارغ الروح يشبع جوانبه الجسدية والمتعة فقط 0فلا يبقى له دور في هذه الحياة ؛ فيعيش حالة من الضياع وفقدان الهويّة فتنقلب هذه الصورة إلى نكران الذات والبعد عن الغاية التي من أجلها خلقنا الله وهي معرفته وعبادتـــه وإعمار الأرض بالثوابت والقوانين على التمسّك بها 0ولنا في هذه الحياة عبر تاريخها نماذج وروائع من النساء اللواتي عملن وضحين من أجل الرفع من شأن المرأة بالعلم والعمل الصالح وبالقدرات التي منحها إياها الرب الجليل , فأخلصت وجاهدت وتفانت 00 ومن هذه النماذج والتي يجب على كل امرأة أن تحذوا حذوها هي الفقيهة الفاضلة فاطمة بنت الشهيد الأول العالمة المعروفة بـ( ست المشايخ ) فهي تروي عن أبيها , وكان أبوها يثني عليها ويأمر النساء بالاقتداء بها والرجوع إليها في معرفة الأحكام الفقهية والثقافة الإسلامية ؛ فكانت مثال المرأة المؤمنة المثقفة حتى صارت موضع احترام وعناية الفقهاء وعامة الناس, ومن قصصها الدالة على سمو أخلاقها أنها وهبت لأخويها ما يخصها من تركة أبيها هبةً شرعية ابتغاءً لوجه الله تعالى ورجاءً لثوابه الجزيل , وقد عوّضاها بنسخةٍ من القرآن الكريم , وكتابي ( التهذيب ) و( المصباح )للشيخ الطوسي, وكتاب (الذكرى) لأبيها الشهيد 0

ولما توفيت اجتمعت الجموع الغفيرة لتحمل جنازتها, وقد حضر في جنازتها سبعون مجتهداً وعالماً من جبل عامل وفاءً لعلمها وجلالة قدرها ولدورها العظيم في تثقيف نساء مجتمعها اللاتي شعرن بالأسى والحزن لفقدها , والفراغ الذي خلّفته برحيلها , فرحمها الله تعالى وجعل نسائنا اللواتي من اسمى غايتهن هو رضا الله عز وجل ان يتبعنَ خطاها ونقتفي أثرها إنه سميع عليم والحمد لله رب العالمين .

نســـــــــــــــــــــــــــــــــألكم الدعاء