مع مرور خمسة وعشرين عاما على تأسيس مجلس التعاون الخليجي، والذي يأتي في ظل ظروف وتحولات كبيرة في العالم، وخصوصا في الوطن العربي، وعلى الأخص في منطقة الخليج العربي، وفي الوقت الذي تنعقد فيه القمة السادسة والعشرون للمجلس في ابوظبي، نتوقف اليوم لنحسب الإنجازات التي جرى تحقيقها، والإخفاقات التي عانينا ولا نزال نعاني منها. ولنطرح الأسئلة على هذه التجربة من (التعاون) بما لها وما عليها.

أولا، نعتقد أن التجربة التعاونية مهمة في حد ذاتها، على الصعيدين السياسي والاقتصادي لتعزيز مسيرة التعاون في ظل المشكلات العالقة في المنطقة من حولنا، وقضايا الإصلاح والديمقراطية وغيرها من القضايا الهامة لمجتمعاتنا الخليجية، وعلى رأسها تلمس احتياجات المواطنين وظروفهم الاقتصادية والتحولات العميقة التي تحدث في هذه المجتمعات، لجهة متابعتها وملاحقة مساراتها حتى لا تخرج عن المسار الصحيح للتحول الذي نريده وينبغي أن نتحكم به.وعليه فإننا نرى ضرورة تحقيق قدر كبير من التوافق بين دول مجلس التعاون على مجموعة من القضايا التي لا بد من تحقيقها، بدءا من الشأن الاقتصادي الداخلي الذي يخص دولنا الخليجية، وما ينطوي عليه هذا الشأن الاقتصادي من تفاصيل وهموم ومشكلات لا بد من إيجاد الحلول لها، ومرورا بالتوافقات فيما يخص علاقة كل دولة من دول المجلس بمحيطها وبعروبيتها أولا، وبدول العالم التي تملك ناصية القرار الدولي ثانيا، وبما يسمح لدولنا بالمشاركة في اتخاذ القرارات التي تحمينا من تداعيات هذه المرحلة التي تحمل الكثير من الأخطار.

وعلى هذا الصعيد يمكن أن نلمس أن الإنجازات التي حققتها دول مجلس التعاون لم تكن في المستوى المطلوب الذي يحقق طموحات شعوبنا التي تتطلع إلى مزيد من الحرية والاستقرار، حيث لا تزال شعوبنا تنتظر الكثير على مستوى التغيير والمساهمة في اتخاذ القرارات المصيرية لبلداننا. فلا يزال الكثير من البرامج والخطط قيد الأدراج وفي انتظار التنفيذ على أرض الواقع، الأمر الذي يشيع شعورا بالتباطؤ أو حتى بالمماطلة وعدم القدرة على تحقيق الطموحات.
ومع أننا نؤمن أن مجلس التعاون قد وجد ليبقى كما قال أمينه العام، لكن هذا البقاء لا معنى له إلا إذا كان هذا المجلس يقوم بدوره الحقيقي في تسيير عجلة التطور والتغيير الفاعلين، من خلال تلمس قضايا المواطن الخليجي وحاجاته ورغباته في الوحدة والتعاون، بعيداً عن الشعارات واللقاءات العابرة والاتفاقات البطيئة. ومن هنا فإنه من الضروري أن تتعمق القناعات، وتزداد الروابط وبالتالي تتقدم التجربة التي أصبحت ناضجة وتخطت منعطفات الهزات والتقلبات التي عصفت بالمنطقة، خصوصا في سياق الإصلاحات والتغيير الديمقراطي المنشود. ومن دون ذلك ستبقى الشعارات مجرد كلام في الهواء أو قرارات في الأدراج.

إن أي مراجعة لتجربة التكامل الاقتصادي بين دول المجلس تشير إلى البطء النسبي الذي تعاني منه هذه التجربة، قياسا إلى ما يحدث في العالم بين القوى والتكتلات الدولية، وخصوصا بالنظر إلى الوحدة الأوروبية في هذا المجال. وعلينا أن نشدد في هذا المجال على أن في إمكان مجلس التعاون الخليجي أن يكون كتلة قوية تلعب دورا مهما وحاسما في الكثير من القضايا العربية والدولية، وأن لا نكتفي بدور المتفرج في ما يجري من حولنا، لأن المخاوف التي تصل إلى أي دولة عربية أو دولة من دول الجوار سوف تصل إلى دولنا، سواء كان الأمر على المستوى الاقتصادي أو السياسي والأمني والعسكري. فنحن اليوم في عالم تتصل حلقاته ببعضها البعض على نحو شديد التفاعل والتقارب. كما أن من الضروري التأكيد على أن شعوبنا باتت تعايش قضايا المنطقة والعالم وما يجري فيه من إرهاصات ومن تحركات عالمية سواء في الحديث عن ضرورة الديمقراطية أو الإصلاح السياسي، وهو أمر يستدعي التحرك السريع من أجل متابعة هذا الوعي المتنامي لدى الشعوب، ولا يجوز إغفال طموحها إلى المشاركة الفاعلة والحقيقية في الحياة الاقتصادية والسياسية. فثمة شعور لدى البعض بالتغييب للشعب ودوره في بناء الدولة وتسيير شؤونها، وهناك شعور ايضا لدى البعض بتغييب المرأة خصوصا عن لعب دور الشريك الفاعل والأساسي في كل الأدوار السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بعض الدول.

إن مواجهة هذه التحديات تستدعي الإسراع في اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة لتحقيق أهداف وتطلعات المنطقة وشعوبها، وهذا يتطلب الإسراع في الإصلاح المنشود الذي ينبع من الداخل، وحتى لا يفرض علينا الإصلاح من الخارج. وبعد، فإنه رغم كل ما حققه المجلس، فلا يزال المواطن الخليجي يمتلك الكثير من التطلعات على مستويات عدة، فهناك آمال وتطلعات ومصالح على صعيد الحياة اليومية، وأخرى على مستوى المواطنة الخليجية وما يضفي عليها قيمتها ومعناها على امتداد دول المجلس، إذ أن من الأهمية بمكان إقرار الهوية الموحدة لأبناء دول المجلس واعتمادها في هذه الدول، فهي خطوة شديدة الاهمية ولا بد منها من أجل مزيد من التقارب والتلاحم. وأخيرا نحب أن نقترح إنشاء برلمان خليجي قد يكون خطوة مهمة على طريق الإصلاح والتغيير الديمقراطي الذي نسعى إليه، فمثل هذا البرلمان يمكن أن يسهم في المزيد من التفاعل بين شعوب دول مجلس التعاون وتلاحمها بما فيه مصلحة هذه الشعوب ومصلحة دولنا كلها، ويبقى أن توضع آليات قيام هذا البرلمان، والخطط الكفيلة بإنجاحه ومنحه دورا في الحياة السياسية والاجتماعية..الخ