مشاهدة 4 مشاركات - 1 إلى 4 (من مجموع 4)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #45994
    غاليتي
    مشارك

    بوجهها الجميل المشرق كانت منذ دقائق تجلس أمام المدفأة باسمة حالمة تلاعب دميتها البالية . وحين أقبلت أمها أسرعت بالوقوف أمامها تحرك فمها الأرجواني القاني تشدو بأنشودة الأمل والسعادة ، أنشودة الحياة تستلطف أمها لتسمح لها أن تخرج لتقطف الورود.

    وجاءت الموافقة سريعا فهذا الملاك الصغير لا يقوى أحد على رده وكورقة شجرا ندية لامستها نسمات الصبح المدفأة فطارت خرجت من الدار تسابقها خصلات شعرها الذهبية لتبدوا أجمل من كل الصور قصدت ورود الحاكورة فهي تحبها كما تحب الحياة .

    تحب أن تهديها لكل من تحب وكم هم كثيرون ، في حين جلست أم بيسان مكان طفلتها أمام المدفأة العتيقة تنظم عقدا لصغيرتها تحلم مع كل خرزه من خرزاته حلما وحياة وردية تتمناها لها .حلمت بتعليمها وزواجها وبالأحفاد يملأون عليها الدار . وانتقلت بعينيها إلى صورة زوجها الشهيد التي سكنت زاوية الغرفة وراحت تردد: “أعدك بأن أجعلك دوما تعيش في ذاكرتها كما تعيش في قلبي وروحي”… و ارتسمت على ثغرها ابتسامة أشهى من زهر الرمان قل ما تراها على وجهها الحزين ، ولكن ضجيجا يقترب من الباب بددت تلك الابتسامة سريعا و لمحت بين الجموع بيسان تحمل الورود….

    لا بل هم يحملون بيسان أسرعت نحوهم ليقع العقد على الأرض …راحت تتفقد طفلتها وقد أخفت ورود وريدها الحمراء ألوان ثوبها ..تلعثمت في الكلام …سألت أسئلة كثيرة ..

    لم يفهمها أحد لكنها أرادت أن تعرف ما حدث وجاءها الجواب الذي حاولت أن تقنع نفسها أنه بعيد كل البعد عما حدث ، قالوا أصابتها رصاصة يهودي حاقد ..صرخت وقد سبقت دموعها كلماتها : “ما عدت أفهم ما يجري أحقا أصابو بيسان ؟أحقا قصدوها؟”…

    هي بالذات؟!! ترى ما كان جرمها؟!! هل قذفتهم بالورود ؟!هل هددت أمن قطعانهم بأنشودتها ؟! أم لعل جسدها النحيل أثار شكوكهم المجنونة؟؟ آه ياحبيبتي………..

    أطفقت عليها تمسح الدماء عنها تبحث عن الحياة في وجهها ..أحست بداخلها بروح طفلتها تنسحب من جسدها النحيل كما تنسحب شمس المغيب من سماء المساء ترددت على أثرها صرخات مدوية في أعماقها :”لا لن تغيب بيسان” ..ضمتها إلى صدرها أرادت أن تدخلها في أعماقها وتسجنها بين ضلوعها كي لا يصل الموت إليها …أن تمدها بحياة من حياتها كي تعيش ولو للحظات حتى لا تراها تموت بين أحضانها ، التفتت إلى الحضور وقالت بصوتها المبحوح هاهي الحرارة تدب في جسدها من جديد ستعيش بالتأكيد… أنكس الجميع رؤسهم وهم يغالبون الدمع .

    وبعد لحظة أحست بيدي بيسان الضعيفتان تجذبها ..”حبيبتي زهرة حياتي ستكونين بخير”..همست لها بصوتها خافت: “أمي أنشدي لي.. أريد أن أسمع الأنشودة”.. أحاطتها بذراعيها وضمتها إليها وراحت تنشد لها وهي توقن بداخلها بأنها تنشد لها هذه المرة أنشودة الموت…

    ومع آخر كلمات الأنشودة كانت آخر أنفاس بيسان …أحست هي بذلك كما أحس الجميع بذلك وراحت تدور بعينيها بين الجموع تنتقل بنظراتها الحائرة هنا وهناك وكأنها تسألهم المعونة على أمرها ، تطلب أن ينقذوا وحيدتها لكن آه.. من ذا يعين على قدر الله على صعود الروح؟؟

    ردد الجميع إنا لله وإنا إليه راجعون ..ها قد استشهدت بنت الشهيد ..بيسان زهرة الربيع الرطبة قبل أن تعرف طعم الحياة ومعنى أنشودتها كتحفة ، التي ما إن أخذت مكانها ولمعت حتى كسرت كغصن يافع… ما إن أورق في شجرة الحياة حتى قطع ..التفتت أم بيسان إلى صورة زوجها و همست:”عذرا أيها الشهيد لم تمهلني رصاصة الغدر والجبن أن أفي بوعدي”.. ولمحت بعينيها الغارقتين في الدموع عقد صغيرتها وقد انتثرت حباته على أرض الدار وملأت المكان قبل أن تكمله تصاعدت منها أنفاسا غص بها صدرها…. لقد انتثرت معه كل أحلامي وآمالي بل كل حياتي . عادت إلى طفلتها لتقبل جبينها المضيء قبلة امتزجت فيها الدموع بالدماء ، قبلة ودعت فيها طفلتها وأحلامها وحياتها…

    وداعا يا وردتي …وداعا يا آخر آمالي

    وداعا طفلتي….

    منقوول

    #613515
    نسمات
    مشارك

    يااااااااااه قصة غاية في الجمال تسلمين على اختيارك ياغاليتي

    والى المزيد

    #613557
    طير
    مشارك

    تشكري علي هذا القصة .الغاوية
    تشكري ..عزيزتي

    #613943

    قصة جميلة الف شكر غاليتي

مشاهدة 4 مشاركات - 1 إلى 4 (من مجموع 4)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد