مشاهدة 7 مشاركات - 1 إلى 7 (من مجموع 7)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #45718
    ام يحيى
    مشارك

    انها يوميات طالب …تفنن في صياغتها لتصل اليكم..انها يوميات مثخنة بالمعاني..فقط عليك التفاعل معها لتعلم من انت..

    يالا يا بت أنتي وهيه .. يالا ياهباب البرك ..كل واحدة تتملى خط ..ومفيش حد يسيب سجرة ..

    عشان ورب الكعبة اللي حلاقي وراه فص قطن واحد على سجرة حكسر عضمه ..

    يالا .. جاتكوا الهم ع الصبح …

    مع قدوم شهر سبتمبر من كل عام يبدأ موسم جمع القطن في الريف والصعيد المصري

    ويقف مقاول الانفار متولي السرساوي حاملاً خرزانته التي لا ترحم قوي أو ضعيف من هؤلاء الأطفال البؤساء حيث لم تتجاوز أعمارهم جميعاً الرابعة عشر ربيعاً ..

    حرمهم آبائهم من بداية العام الدراسي كغيرهم من الأطفال .. ومن فرحة الاستعداد للمدرسة بالمريلة الجديدة ..والشنطة ..والكراريس والأقلام ..

    وفي مصطلحات جمع القطن لابد لكل طفل أن ( يتملى خط ) حيث يتم زراعة القطن في خطوط

    ويناط لكل طفل منهم مهمة جمع القطن على أحد جوانب تلك الخطوط …

    ـ يا سي متولي .. عايزة طاجية عشان الشمس حامية جوي ..

    ـ بقولك إيه يابت .. أنا مش عايز دلع ع الصبح .. غوري يا بت اتملي خطك

    تمتد جذور عائلتي للريف المصري في محافظة البحيرة .. حيث كانت نشأة والدي ..

    ورحلة كفاحه في استصلاح أرض جدي ..واكتملت القصة بتخرجه من كلية الزراعة ..

    فأصبحت تمثل الأرض له رمزاً في حياته وليس مجرد مصدر للرزق ..فيها ذكرياته وكفاحه ..

    ومع حلول شهر سبتمبر من كل عام يبدأ موسم الحصاد ..والذي ألازم فيه والدي حتى حلول شهر أكتوبر وبداية الدراسة .. وكانت من الفرص النادرة للتأمل والحديث مع والدي في كثير من أمور الحياة

    والتي دائما ما كانت تمتد للحديث عن التاريخ والسياسة ..ومعها بعض التحابيش عن ذكريات صباه ..

    وقصص الشقاوة في فترة الشباب ..

    ومع سطوع الشمس تأتي عربة متهالكة تحمل أكواماً من الأطفال المكلفون من قبل متولي السرساوي بجمع القطن بناء على رغبة آبائهم في استغلال هؤلاء البؤساء كمصدر رزق إضافي للأسرة …كان منظر الأطفال يصيبني بحالة من الاكتئاب الحاد .. فكنت اقرأ كلمة القهر ..

    في كل تصرف وسلوك أراه أمامي …قهر الآباء لأطفالهم وإجبارهم على العمل تحت رحمة هذا المتولي الذي لا يعرف لكلمة الرحمة مدلولاً في قاموسه السلوكي ..

    فقد كان يحمل خرزانته الطويلة ..ولا يتردد لحظة واحدة في قهر أي طفل ..وضربه بأبشع الطرق ..

    عندما يشعر أن الطفل قد يتطلع إلى طلب أي من الطلبات الغير مقبولة في دستور العمل ..

    كالرغبة في الاستراحة لخمس دقائق من أشعة الشمس الحارقة .. أو الرغبة في تناول لقيمات صغيرة من الطعام في غير مواعيد الراحة الرسمية والمحددة من قبل متولي السرساوي مسبقاً ..

    وهى فترة راحة وحيدة وطويييييلة .. مدتها ساعة واحدة ..عند حلول الظهر من كل يوم …

    ـ يا بابا أنا مخنوق من التهريج اللي بيحصل ده !!!!!!

    ـ فيه إيه بس ؟؟ إهدى كده …

    ـ أنت مش شايف اللي بيحصل من الزفت متولي ..

    كان هذا المتولي لا يجرؤ على الحديث معي .. أو حتى الاقتراب مني ..

    لعلمه التام أنني ربما أنهال عليه بخرازنته أمام الأطفال ..

    فلا يثيرني في حياتي ويخرجني عن شعوري ..بل ويسيطر علي شيطاني ..

    سوى معايشة قهر إنسان لإنسان .. ربما لأننى عايشت ذلك القهر في عمر الخامسة ..

    ومع إغترابي مع أسرتي في الخليج .. لا أعلم .. الثابت من الآمر أن مشاهدتي للقهر

    قد تدفعني لأي تصرف قد يصل لحد الهمجية مع الشخص الظالم .. خاصة وإن كان الشخص المقهور ضعيف ..ذليل ..لاحول له ولا قوة ..وكانت أتعس أيام متولي السرساوي هى أيامه التي يقضيها في أرض أبي .. لتخوفه من بلوغي لحظة الانفجار ..

    ومع أن عمري في ذلك الوقت لم يتجاوز الرابعة عشرة إلا أنه ومع قهره وجبروته وسطوته على هؤلاء البؤساء لا يملك مجرد التذمر إذا قهرته أنا أمام الجميع وبعثرت كرامته …

    واقع مختل عقلياً ..

    هذا كان وصفي البسيط لتلك المسرحية الهزلية التي كنت أشاهدها كل عام ..

    وذات مرة لمحت فتاة صغيرة كان يناديها أقرانها ( وردة ) .. كانت لا تتعدى السادسة من العمر ..

    وتعمل في صمت .. و لا تتحدث مع أحد .. وتعلو وجهها ابتسامة خفية ..اختبئت خلف أسوار القهر ..

    والعنف ..والاإنسانية ..

    ـ تعالي يا وردة .. سيبي خطك وتعالي عايزك

    ـ أنى خايفة سي متولي يضربني

    ـ أستغفر الله العظيم .. يعنى أولعلكوا في متولي ده ع الصبح .. أنا بقولك تعالي

    وتأتي الفتاة على استحياء وعينيها مثبتتان على هذا المتولي والواقف كخيال المأته على قمة الأرض

    ـ أنتى أبوكي مين ؟؟

    ـ سعد العكازي

    ـ وبيشتغل أيه ؟؟

    ـ أبويا مسافر العراق

    ـ طب ومين اللي بيقولك تيجي تشتغلي ؟؟

    ـ عمي

    ـ وأنتى ليه مش بتقوليله أنك صغيرة لسه على الشغل ؟؟

    ـ يالهوي يا بيه .. ده كان يجطعني من الضرب هو وأمي

    أستغفر الله العظيم ..ضرب .. ضرب .. ضرب ..

    متولي بيضربها .. وعمها بيضربها .. وأمها بتضربها …

    كان هذا الواقع المرير هو ما دفعني للتفكير في رد الفعل السلوكي عند المصريين والذي يقبل القهر دون أدنى تذمر ..وكأن القهر قد أصبح أحد مفردات الحياة الطبيعية .. مثله مثل الماء والهواء والطعام

    بل وربما قد اكتسب الجهاز الهضمي للمصريين مع التطور التاريخي لحياتهم خلايا جديدة في غشاء الامعاء تستطيع إفراز الانزيمات الهاضمة للقهر ..فلا يشعرالإنسان إلا بمرارة بسيطة عند تناوله من الفم .. ولكن لا يلبث بعد ابتلاعه أن يتم هضمه بسرعة البرق ويتم إمتصاصه في الجسم وينقله الدم إلى كل خلايا الجسم ..

    ـ يابابا في نقطة مش قادره تدخل مخي ..

    ـ نقطة إيه ؟؟

    ـ القهر اللي أنا شايفه ده ..

    ـ أنت مش قريت تاريخ ..؟؟

    ـ أيوه ..

    ـ طب إيه الجديد ؟؟ وإيه اللي أنت مش فاهمه ؟؟

    ـ لا .. في فرق …قهر مستعمر .. أو أسر حاكمة يفرق ..

    ـ يعني ؟؟؟

    ـ يعني اللي بشوفه ده قهر جديد خالص .. ماقريتش عنه في تاريخ ..ده قهر المصريين للمصريين ..

    كانت النقاشات الطويلة مع والدي هي أجمل ما يميز تلك الفترة من كل عام ..

    فمصر وتاريخها الحديث ..وتحديداً بعد قيام الثورة ..قد تطور تطوراً لم يشهده التاريخ منذ بدء تاريخ

    القهر في التاريخ المصري شئ بديهي ..تلاحظه مع أول صفحات تتناولها عينيك في كتاب التاريخ ..

    قهر ملوك الفراعنة للشعب منذ فجر التاريخ .. قهر الرومان للشعب المصري قبل قدوم الإسلام ..

    قهر الدويلات المختلفة والتي حلت بعد دخول الإسلام وصراعتها المتتالية ..وكأن المفعول به الوحيد هو الشعب المصري .. قهر ملوك الأسرة العثمانية وخلفاء محمد علي بامتداد التاريخ ..

    ثم قهر الاستعمار الفرنسي والانجليزي .. فأنت لن تقرأ في كتب التاريخ سوى القهر ..

    ثم تأتي المحنة .. فيترابط أبناء الشعب لإنقاذ مصر .. ثم تزول الغمة .. ثم يعاود القهر سيطرته ..

    وهكذا .. أما القهر الذي كنت أشاهده ولازلنا جميعاً نشاهده .. فهو قهر جديد تماماً ..

    ـ أنا سؤالي محدد يابابا … مين القيادات اللي ماسكه البلد دلوقت ؟؟

    ـ حددلي حاجة وأنا أقولك ..

    ـ مثلاً .. مدير أمن محافظة الغربنوفية ..

    ـ اللواء عبدالرحيم فخري

    ـ منين الراجل ده ..؟؟

    ـ معرفش .. روح اسأل

    واذهب للبحث في سجلات الأنساب المتراكمة .. واذهب للأستاذ مرسي الموظف القديم قدم الأهرامات في السجل المدني ..

    ـ ممكن يا أستاذ مرسي تشوفلي اللواء عبدالرحيم فخري ده مين ..؟؟

    ـ أيوه يا سيدي .. ثانية واحدة ..عبدالرحيم درويش .. عبدالرحيم طنطاوي .. عبدالرحيم فخري ..

    أهو .. لقيته ..بص يا سيد ..

    عبد الرحيم فخري ..أبوه الحاج سيد فخري ..وده من مواليد محافظة المنوفية ..مركز تلا ..

    ووالده كان مزارعاً بسيطاً ..وأخد فدانين أرض ملك من اللي

    وزعهم عبدالناصر في فترة الإفساد ( قصدي الإصلاح الزارعي ).

    كانت إجابة الأستاذ مرسي موظف السجل مذهلة .. فقد تصورت أن عبدالرحيم فخري ينحدر من سلالة أحد الإقطاعيين القدماء والوارثين صفة القهر من جينات آبائهم ..والتي تمتد للأصل التركي ..

    ولكني فوجئت بأن عبدالرحيم فخري هو المواطن المصري .. الذى كان يروي القطن المصري مع والده ..بل ويجمع المحصول ..وربما كان من ضمن مجاميع متولي السرساوي المقهورة ..

    مفاجأة مذهلة ..

    إحنا يا مصريين اللي ماسكين بلدنا دلوقت ..مفيش مستعمر ولا يحزنون ..إحنا اللى بنقهر نفسنا بنفسنا ..

    هل أدركتم قصدي بأن القهر الذى يشهده الشعب المصري في الخمسين عاماً الأخيرة هو نوع جديد تماماً من القهر لم يشهده منذ فجر التاريخ ..إنه قهر أبناء الشعب للشعب ..قهر المصريين للمصريين

    كان لي أحد الأصدقاء يقول دائماً .. إن المصريين في الخمسين عاماً الأخيرة ..هم عبيد يعيشون جميعاً بأفكار سادة ..

    فما إن تشاهد أي مشاحنة في العمل أو في الشارع .. حتى تسمع تلك المقولة من طرفي النزاع ..

    أنت ما تعرفش أنا مين ؟؟

    ودفعني الفضول ذات مرة للبحث في شجرة عائلتي الكريمة .. علّنى أجد أحد الرموز ..

    و أستطيع أنا الآخر عندما أدخل في نزاع مع أحد هؤلاء المحسبين المنسبين والذين زاد عددهم عن السبعين مليون ..أن أقول أنا الآخر ..

    أنت ماتعرفش أنا مين ؟؟

    وبحثت وبحثت .. فلم أجد في عائلتي وزيراً أو باشا أو ملكاً أو سلطاناً ..ياخساره ..

    جدي لوالدي كان تاجراً للأخشاب .. وجدي لأمي كان محاسباً ( يعني موظف ).

    أمال يا أخويا الناس اللي ليل نهار عمّالين يقولوا .. أنت ماتعرفش أنا مين ..هما فعلاً مين ؟؟؟

    وأتذكر على الفور مقولة صديقة الساخرة .. عبيد يعيشون بأفكار سادة ..وتشابكت الخيوط بشده .. واختلط الحابل بالنابل ..وتعقدت الصورة ..

    وأصبح المجتمع المصري يعيش في حالة لم يعرفها تاريخه من قبل على الإطلاق .. نعم .. إن المصريين تعودوا على القهر عبر التاريخ .. ولكنه قهر المستعمر

    القهر الذي دفعهم للترابط والتماسك من أجل تحرير الأرض ..أو قهر ملوك الأسر الحاكمة ممن عاشوا في أبراجهم العاجية ..فتعلم المصريون من هذا القهر كيف يصنعون سوياً بيوتهم من الطين والحطب

    ويقف الأخ إلى جانب أخيه عندما يأتي فيضان النيل ..ليسند معه جدار بيته ..ويحميه من الفيضان الذي لا يرحم .. نعم .. كان هذا القهر سواء من الأسر الحاكمة أو من الطبيعة هو القهر الذى يربط أبناء الشعب مع بعضهم البعض بنسيج واحد ..

    كنا جميعاً لا نلبس إلا بيجامات الكستور التي كانت تحيكها لنا جدتي ..فأصبحنا الآن نلبس الترنج الاديداس .. والبانتاكور .. والشورت .. وآخرون عرايا تماماً ..

    هل أدركتم ما أقصده بالقهر الجديد ..أصبحت مقاليد حكم مصر في يد المصريين ..

    فتطلع المصريون إلى العيش بأفكار سادتهم ممن قرأوا عنهم في تاريخهم ..

    وقهر المصريون أنفسهم ..وظلم الشعب المصري نفسه بنفسه ..وتحلل نسيج المجتمع …

    وهذا هو السبب الرئيسي ..

    عارفين ليه ..؟؟؟

    إن القهر كان ولازال ..أحد الأسباب الرئيسية نحو الزحف ..الزحف نحو الغربة ..

    ليس فقط هروباً من القهر الداخلي ..بل للحصول على الأسلحة المناسبة لمواجهة هذا القهر ..

    إنه المال ..بل ومظاهره المختلفة ..فكان الاستهلاك ..ولازال بحثي عن أسباب الغربة مستمراً ..

    ولكن يبقى لهذا حديث آخر ..

    المهم ..أنني لم أرَ وردة ثانية .. اختفت وردة وسط خضم القهر .. ولا أعرف أين ذهبت بها الحياة ..

    فربما الآن عند أول خناقة مع جارتها بترقع بالصوت الحياني وتقولها

    أنتى ما تعرفيش أنا مين ؟؟

    وربما تمسك وردة الآن الخرزانة لابنتها لتجبرها على جمع القطن مع متولي السرساوي والذي لازلت أذكر ابتسامته الصفراء عند رحيله في المغربية وسؤاله لي ..

    تؤمر بحاجة يا محمود بيه ؟؟

    فلم أكن الشر لأحد في حياتي سوى لتلك النوعية من البشر ..كان فيضان النيل يأتي كل عام ..

    ليزيل هؤلاء البشر من الوجود على أرض الكنانة ..ويزيل معها كل وساخات العام ..

    ليعود الماء صافياً نقياً ..يروي المصريين البسطاء ..وتعود الأرض خصبة مليئة بالخير ..

    وتبقى الكنانة شامخة أبية ..

    *طالب مصري*منقول

    #611323
    فتيان
    مشارك

    الله الله الله الله الله الله الله مااروع هذا الموضوع وما اروع الحكمة فيه
    اخترتي فعرفتي كيف تختارين من المواضيع
    شكرا لك

    سلام على ارض السواد التي في محياها يسجد السيف والقلم

    #611397

    شكراااااااا عالموضوووووووووووع

    ونتمنى من الجميع يكتبون نفس هالمواااااضيع

    #611580
    ام يحيى
    مشارك

    السلام عليكم..

    شكرا فتيان..على رايك الجميل..واتمنى ان تكون قد فهمت المغزى.

    شكرا..

    ياسمين..

    #611581
    ام يحيى
    مشارك

    السلام عليك..

    انت الي شكرا صدقوني..على اهتمامك للموضوع..وان شاء الله يكون عجيك انت وكل الاعضاء..

    ياسمين..

    #611588
    كريم
    مشارك

    السلام عليكم ياسمين…عن جد موضوع شيق وجميل وندعو الجميع للاستفاده شكرا جدا ياسمين ونسعد بافكارك الشيقه من صديقك كريم

    #611589
    ام يحيى
    مشارك

    السلام عليك..

    شكرا كريم على اهتمامك..ونتمنالك عن جد الاستفادة دوما..

    ياسمين…….

مشاهدة 7 مشاركات - 1 إلى 7 (من مجموع 7)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد