بسم اللله الرحمن الرحيم
أخي الأسير الثائر:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… تحية الوطن وبعد:
من عمق الجراح، والحق المستباح،ألف تحية مكللة بأسمى آيات التقدير والاحترام.
أبعث هذه الكلمات التي كتبتها من آهات أم تبحث عن أبنائها القتلى،من صرخات طفل تحدى بحجره المقدس مجنزرة صهيونية، من دموع أبناء الشهداء والأسرى والمعتقلين، من قنابل الاستشهاديين والاستشهاديات،من السيارات المفخخة والعبوات الناسفة، ومن فوهات بنادق المقاتلين الأشاوس، من أشجار الزيتون وزهر الحنون، أرسلها لك يا أخي القابع خلف قضبان سجن لعين؛ نجح فيه ذلك الإرهابي أن يأسر جسدك ولكنه فشل في أسر قلبك النابض بحب فلسطين.
أرسل هذه الرسالة وأنا أعلم جيداً أنها ليست كلمات تندثر من قلبي بل من كل جوانحي لتصل إلى قلبك يا أخي، فمهما تحرك قلمي الحزين وكتب لكنه كلا ولن يستطيع أن يصف ما بداخلي من جراح وحزن وقلق على حالك في تلك الزنزانة اللعينة، أعلم ما تعانيه من تعذيب وتنكيل وشتائم وذل، ولكن صبراً إن الله مع الصابرين، فإذا استحكمت حلقاتها فرجت.. وأنا الذي قلت عنها لا تفرج، وإن الصبر مفتاح الفرج، وأنا على يقين أن قلبك في هذه اللحظات يرد على قلمي ويقول: سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري.. سأصبر حتى يأمر الله في أمري.. سأصبر حتى يقول الصبر إني صبرت على شيء أمر من الصبر ..
أخي الأسير لا تقلق علينا فإن جوعنا ذلك الشارون أو شردنا أوحرمنا الماء والهواء؛ فنحن في وجه الظلم والظالمين منتصبون، أمام هذا الصمت العالمي صامدون، سنقابل بقوافل الاستشهاديين وبالسيارات المفخخة التي ستزلزل عمق الكيان الصهيوني، سنجعل مصاص الدماء الذي لا ترقأ له عين إلا برؤية الدم الفلسطيني يسيل يموت ألف مرة، سنجعل من هذه الأرض التي تنضح بالطهارة مقبرة جماعية لأحفاد القردة والخنازير، ستنجب أمهاتنا أمثال محمد الدرة وإيمان حجو وفارس عودة سنزرع فيهم الصمود والتحدي كما زرعه فينا غسان كنفاني وعز الدين القسام، سنزرع في نساء هذه الأرض ما زرعته دلال المغربي في نفس الاستشهادية آيات الأخرس وأمثالها من النساء التي هزت ذلك الأخطبوط.
أخي الأسير رغم أنني أعلم أنك على علم بالصمت العربي أمام هذه الفظائع المرتكبة بحق شعبنا والشعب العراقي، لكني أؤكد لك أننا لن نستنجد بهم اللئام،فسندعهم ينامون على عروشهم ويملئون ما يستطيعوا من كنوز الوذامَ،ولا يبالوا بقصف أو دمار أو حطام، ويتكلموا بصوت أمريكا عن السلام،سندعهم نيام، فنحن نعلم جيداً أن أمس فلسطين واليوم العراق فماذا غداً؟؟ سنثبت لهم أن الدائرة ستدور عليهم وعلى عروشهم الخاوية، فحسبنا صمود شعبنا، وأمهات عجزت أرحام أمهات العالم أن تنجب مثل أشبالهن، حسبنا ولسنا بحاجة إلى قممهم الفاشلة وكلماتهم الخائبة فنحن يأسْنا ويأسُنا زاد من صمودنا، لن نسألهم المساعدة، ولن نحزن فإن الله معنا وكما قال تعالى (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا نحزن إن الله معنا) هذا هو ردنا عليهم وعلى صمتهم ولكن رد الله تعالى قريب عليهم وعلى صمتهم إن شاء الله.
نم قرير العين يا أخي ولا تحزن إن الله معنا،وكما تعلمنا من صمودك وتضحياتك وما زرعته في نفوسنا من حب الوطن وعشق ترابه النديّ،التي لولاك لما استطعنا أن نتحدى بصدورنا العارية قنابل وصواريخ الطائرات، لما استطاع طفل في عمر الزهور أن ينسى ألعابه ويتحدى بحجره مجنزرة إرهابية، لما استطاعت فتاة تشبه القمرأن تجعل نفسها أشلاء تدمر الكيان الصهيوني،لما استطعنا أن نقف صامدين أمام هذا الواقع المرير الذي يتربع فوق أنياب الجرافات وأمام فوهات البنادق.
أما أبناءك الذين عاشوا منذ صغرهم يفتقدون الحنان الأبوي فنحن أخوة لهم وآباؤناآباء لهم يبثون في قلوبهم الأمن والأمان، ويبعثون في روحهم الصبر والفخر، أمهم الأم الفلسطينية التي ضحت بالكثير من أجل إسعاد أطفالها الصغار، نحن دوماً بجانبها لو استطعنا لكنا أنفاسها التي تطلقها كنسمات رقيقة تجرح هذا الصمت العربي الخانق، فنحن هكذا الشعب الفلسطيني يداً واحدة متشبثين بالتراب ورافضين الخنوع، وأبداً لن تنسكب منا الدموع، ولن نرضى إلا إلى القدس الرجوع، هذه هي القضية واضحة المعالم؛ والظلم فيها مبرح؛ والتآمر واضح؛ والنفاق معلن؛ والجبن سائد، ولكن على ذرة تراب لن نساوم، وبالمقلاع والحجر سوف نقاوم، ولن نركع سنبقى منتصبين كقوس قزحي في وجه ذلك العدو اللعين حاملين على ظهورنا الهوية وأعباء القضية، تسري في أنوفنا رائحة النار والبارود، ولن نرضى بالذل أو الاستعباد، وسيبقى شعارنا شجر الزيتون المتشبث في هذه الأرض، شعارنا دماء الشهداء والجرحى وصمود الأسرى، شعارنا الحق والحرية لفلسطين.
و أخيراً يا أخي قد جف حبري ولكن قلبي ما زال يتحدث، وأعرف أن هذه الكلمات القلائل لم تعبر جيداً عما في داخلي، أتمنى من الله أن يجمعنا تحت سماء أرض المحشر وفوق تراب القدس الطاهر، والعلم الفلسطيني يرفرف فوق قبة الصخرة ؛لنصلي معاً في المسجد الأقصى المبارك.
كل التقدير والاحترام لأسرانا البواسل