الرئيسية منتديات مجلس الثقافة العامة مذكرات اميرة عربية السيدة سالمة

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #42397
    albsmah
    مشارك

    مذكرات أميرة عربية

    كلما تصفحت مذكرات السيدة سالمة ابنة السيد سعيد بن سلطان, سلطان عمان وزنجبار (1804 ـ 1856), وهي اميرة شرقية عربية وابنة سلطان عربي كبير تخرج قبل اكثر من مئة عام على تقاليد قومها فتتزوج شابا المانيا وتهجر من اجله وطنها وملك أبيها وتترك حياة العزة المقصود لتلوج بها الاقدار في ديار الغربة بين لندن وبرلين, وتستبدل حياة الاختلاط والسفور في اوروبا بحياة الحريم والحجاب في المشرق وباسمها العربي سالمة بنت سعيد اسما عجميا هو البرنسيس اميلي

    روث, ثم تضيق بها الحياة بعد عشرين عاما, او تضيق هي ذرعا بالحياة الاوروبية فتحن الى الرجوع الى وطنها الاول, فتعكف تكتب باللغة الالمانية قصة حياتها وتجاربها وتستعيد ذكريات بلادها وبني قومها, كلما قرأت هذه المذكرات على رغم ثرائها, ونبرة الاسى وابداء الحسرة والندم والاسف لما اقترفته ايدي الاميرة ومن اعانتهم من اشقائها بحق اخيها السلطان.

    وبعيدا عن تتبع الاحداث, ومتابعة الاسباب والمسببات وتوقع النتائج والتي كان للاستعمار البريطاني آنئذ اليد الخفية والجلية في كل ما تبع ذلك من مآس وكوارث دفع فواتيرها الوجود العربي الاسلامي في شرق افريقيا بصورة عامة وفي جزيرة القرنفل زنجبار على وجه الخصوص, اقول رغم ثراء هذه المذكرات بالاحداث, الا انها حملت ما هو اهم واثرى من مجرد سرد الاحداث الشخصية, لتتطرق الاميرة الى مناقشة الكثير من الظواهر الاجتماعية, ودحض الكثير من التهم التي الصقت عن عمر المجتمع العربي الاسلامي وبالذات وضع المرأة,

    وعادات وتقاليد الشعوب وطقوس الزواج, والاحتفال بمقدم رمضان والعيد و.. الخ من المواضيع التي يرى فيها الغرب غرائبية هذا الشرق وغموضه.

    وعن عوامل الندرة في موضوع الكتاب, ان كتابة السيرة الذاتية في الغرب والمذكرات الشخصية في الغرب هو فن ادبي رائع عرفه الغربيون على اختلاف اممهم وفي كل عصورهم وبرعوا فيه حتى زخرت به آدابهم واصبح تراثا فكريا بارزا, عكس ما هو حاصل في عالمنا الغربي الذي اتخذه بعض كبار محترفي الكذب من الساسة والعسكريين السابقين وبعض رجالات الاحزاب بل وحتى بعض الصحفيين المحترفين والاعلاميين اسلوبا ومنهجا في تسطير اكبر عدد من (المنجزات الشخصية) الوهمية حتى فقدنا نحن القراء الثقة في الكثير مما اصطلح على تسميته بـ (المذكرات) يستثنى من ذلك اقل القليل بل والنادر من هذه الكتابات.

    ورغم ان هذا الاثر الذي تركته اميرة عربية من نساء الشرق في القرن التاسع عشر عاشت في بيت ابيها السلطان في اقصى بقعة حكمها العرب وهي زنجبار, زاخرا بالتفاصيل والمشاهد عن الحياة الداخلية, السياسية منها والاجتماعية في زنجبار في تلك الحقبة من الزمان, بل وتعتبر المؤلفة في هذه النقطة بالذات اول امرأة بل اميرة عربية كتبت في هذا الموضوع عن معاينة وعلم واطلاع, فقد كانت نفسها هي شاهدة العيان وهي الرواية. وبطبيعة الحال فهي تعرض من الصورة

    الجانب الذي تراه او تفهمه او يوافق هواها وقد يجانبها الحق والصواب في بعض الاحيان. ورغم ان الكتاب لم يكتب بالعربية, الا انه يعد بصدق عربي المصدر والروح والسمات. نشأت الكاتبة في زنجبار في بيت ابيها السلطان, تحت ظل امها الشركسية وكانت كما تصفها صلبة الرأي قوية العزيمة كما كانت كثيرة الورع والتقوى طيبة الخلق وديعة صبورا سموحا تتقبل الامور باستسلام تام للقضاء والقدر..

    كما يجب ان تكون.. شديدة الحنو على وحيدتها وافرة الحب لها ولذلك كانت عاطفة الامومة تطغى عندها على صلابتها وقوة شكيمتها فلا تصمد كثيرا امام رغبات ابنتها وطلباتها او لعلها لم تشأ ان تكون وحيدتها اقل ذلالا من بقية بنات السلطان وبنيه.

    اما مأساتها (وهي موضوع جل فصول الكتاب) فتتلخص باختصار, انها اشتركت بمحض الصدف ـ او هكذا تدعي

    ـ وبتأثير من اختها خولة في مؤامرة مع اخيها برغش ضد السلطان الجديد ماجد (اخيها الحبيب) كما تصفه دوما. وقد نالها من هذه الحركة الرعناء الارهاق والقلق وخسران الصحة والمال وجفوة الاهل والاصحاب فنزحت الى املاكها في الريف متعبة نادمة وعاشت فيه فترة مبعدة منفية ثم عادت الى المدينة وصالحها اخوها ماجد وصفح عنها, فعادت بينهما علاقات يمكن وصفها بـ (الرسمية) دون ان يعود اليهما ما كان يربطهما منذ طفولتهما من اخاء عميق وود صاف متين.

    ولكن عودة العلاقات هذه اثارت ضدها ضغينة شركائها في المؤامرة وعلى رأسهم برغش وخولة, وكان تأثير الاخيرة عليها كبيرا, والظاهر انها وهي لما تزل في حدود الثامنة عشرة من عمرها قد حارت في امرها ولم تعد تعرف ما يجب ان تعمل وكيف تتصرف فاعتزلت اهلها واصدقاءها وفي غمرة هذه الحالة النفسية العصيبة والقلق الفكري التقاها تاجر الماني شاب يعمل في زنجبار متعلق به قلبها وبادلها الحب واتفقا على الزواج, ولعلنا نجد في هذا التصرف الغريب اثرا من

    طبعها المتميز بالاتيان بغرائب الامور واصطياد اوابد الافعال في محاولة لاثبات وجودها وتأكيد شخصيتها بعد الذي لقيته من الاهمال والجفاء.

    واذ لم يكن زواجهما ممكنا في زنجبار فقد هربت منها الى عدن حيث لحق صاحبها بعد شهور ثم سافرا معا الى المانيا حيث ظنا ان المقام سيستقر بهما هناك ويحالفهما الحظ وهناء العيش.

    لكن الاقدار كانت لهما بالمرصاد, فقد توفي زوجها بعد وصولهما بثلاث سنوات في حادث اصطدام تاركا لها اطفالا ثلاثة وتبعة ثقيلة انحطت على كاهلها. وكانت ضربة القدر الثانية وفاة اخيها السلطان ماجد الذي كانت تطمح في ان يعينها في مصيبتها او ان يسمح لها بالعودة الى بلادها. وان كانت الاميرة قد حققت فيما بعد رغبتها بزيارة زنجبار فزارتها عام 1885.

    وعما يجب ان يذكر بالشكر والامتنان, كما جاء في مقدمة الترجمة العربية لهذه المذكرات, لهذه الكاتبة العربية انها رغم تنصرها (ولنا تحفظ هنا على حقيقة تنصرها الفعلي نظرا لما تذكره من فصول تتحدث فيها عن دينها الاسلام ووضع المرأة في ظل تعاليمه

    وتشريعاته) وان نوه المترجم انها ظلت وفية مخلصة لأهلها وبلادها و(دينها الاول), فخورة بهم دوما كما يظهر ذلك من ثنايا كتابها, فهي اذا ما اضطرت الى ذكر شأن من شئون الشرق عما لا يستسيغه الغربيون, كحجاب المرأة او تعدد الزوجات او تملك الرقيق, ومثل هذه المواضيع التي اعتبرت من المحرمات البريطانية في منطقة الخليج وشرق افريقيا, فنراها تنبري للدفاع عن الفكرة وتبريرها دفاعا شديدا لا ينقص من نبل قصدها اتسامه احيانا بالبراءة والسذاجة.

    وكان من اثر تربيتها الشرقية القويمة ومتانتها ان حياة الغرب لم تؤثر فيها فقد حكمت عليها الظروف للعيش بينهم كل حياتها ولكنها كما يظهر من كتابها لم تستسغ قط نمط حياتهم وتقاليد مجتمعهم.

    على ان ما يهمنا من فصول الكتاب رغم اهمية الكتاب كوثيقة تاريخية, ما جاء في الفصل الخامس عشر الذي تتحدث فيه عن اكثر المواضيع دقة وخطرا وهو الكلام عن وضع المرأة في الشرق, فتقول: (انني لاحس ولا شك بخطر الكلام في هذا الموضوع..

    ربما لكثرة التصورات المغلوطة في الغرب عن هذا الموضوع وامتلاء المخيلة الغربية الى يومنا هذا بمثل هذه التصورات التي تشكلت وتتشكل كل يوم بفعل الاعلام وكتابات بعض المستشرقين, بعض المستشرقين او من يحملون النظرة الاستشراقية من تلاميذ بعض اولئك المستشرقين من العرب والمسلمين.. فإن كوني شرقية الاصل

    والمولد والنشأة سيعرضني للاتهام بالتحيز الى بلادي القديمة وبنات جنسي. ولهذا السبب فما اظنني سأنجح في تصحيح الافكار الخاطئة عن وضع المرأة الشرقية وعن علاقتها بزوجها وهي الافكار الشائعة في اوروبا عامة.

    ولعل السر في شيوع هذه الافكار الخاطئة هو التسرع في الاحكام والاخذ بمظاهر الاشياء فقط واستقاء المعلومات من غير مصادرها الاصلية. فعلى الرغم من شيوع المواصلات وسهولتها بين اوروبا والشرق, فما يزال الشرق في نظر الغربيين بلد الغموض والسحر وقصص الخيال والخرافات. وعلى هذا الاساس فهو يستهوي الكثيرين للكتابة عنه لغرض الربح او الشهرة. فاذا حدث ان مر سائح ما مرورا عابرا في الشام او تونس او القسطنطينية او الظاهرة لا يتأخر عن

    الكتابة عن هذه الاماكن كتابة الخبير العالم بها وكل مصادر علمه هو خدم الفندق الذي ينزل فيه او اصحاب الحمير التي تنقله في تنقلاته.

    وليته يكتفي بما يسمع ويرى بل انه يطلق لخياله العنان فيضيف الى كتابه اشياء خيالية لا اساس لها من الصحة والواقع ليضفي على كتابه مظهرا من مظاهر الجدة والاهمية ويضمن له النجاح وسرعة الانتشار. ولا يمر وقت طويل حتى يصبح هذا الكتاب مصدرا وحجة تستقى منه المعلومات وتبنى عليه الاحكام.

    وهذا ما يحدث بالفعل حتى يوما هذا, فهذه الكتابات رغم ادعاءات من كتبها الحياد والموضوعية واتباع اساليب البحث العلمي الا انها تحمل بعض المغالطات والتفسيرات الخاطئة المبنية على معلومات يمكن وصفها بـ (الساذجة) لأنها مستقاة من غير ذوي الدراية والاختصاص والعلم. اما عن حقيقة كون هذه الكتابات مراجع ومصادر وحججا ذلك لانها ربما تكاد تكون الوحيدة وان اردنا التخفيف او تجميل هذه الحقيقة فنقول انها (النادرة) التي تناولت تاريخ المنطقة, منطقة الخليج وشرق افريقيا حيث التواجد العربي في تلك البقاع في ذلك الوقت.

    ولهذا ـ برأينا ـ تأتي اهمية هذه المذكرات, حيث انها ذات قيمة مزدوجة, وهي قيمة التوثيق الدقيق, وقيمة النظرة المنصفة, كون الكاتبة ابنة المنطقة وتعرفها معرفة جيدة جغرافيا وتاريخيا واجتماعيا, ولأنها تنفذ الى اعماق المجتمع بدراية ومعرفة بعاداته وتقاليده وتعاليم الدين وشرائعه. لذلك فقد دحضت تلك الحجج الغربية التي تتحدث عن بؤس الشرقيات وذلهن وغير ذلك من نعوت العطف والرثاء او الازدراء والاستخفاف. ومرد هذه الاحكام ـ على حد تعبيرها ـ اذا احسنا الظن بنيات اصحابها, هو النظر السطحي السريع, في حين ان الحكم

    الصحيح على الاحوال الاجتماعية يتطلب النفاذ الى بواطن الامور واصولها وهذا لا يتأتى في زيارة عابرة لا تدوم ان طالت الا بعض اجزاء الساعة.

    ثم تعطي العديد من الامثلة على ذلك المتسرع في النظر الى بعض الامور والقضايا الهامة التي يحييها المجتمع فتقول: (وعلى الرغم مما يشتهر به العربي من حب الضيف وكرم الوفادة فإنه ينفر ممن يحاول التطفل على دخائل حياته واسرار بيته.

    فكثيرا ما كنا نستقبل في بيوت السلطان بعض الزائرات الاوروبيات. فكان الحديث مع الواحدة منهم يقتصر على غرائب الازياء والثياب, فثيابها غريبة علينا وثيابنا مصدر العجب والدهشة لها, ثم نقدم لها اطايب المأكول والمشروب حسب ما تقتضيه الضيافة العربية وبعد ان يرش عليها الخدم ماء الورد تودعنا محملة بهدايا الوداع كما هي العادة, وتخرج من عندنا وهي ليست اكثر علما بأحوالنا وطباعنا منها حين دخلت علينا, فهي قد كانت في قصر الحريم وانها شاهدت البائسات المحجبات من نساء القصر, وانها اعجبت بلباسنا الغريب وحلينا النفيسة وقدرتنا على التربع على الارض نجفة ورشاقة. وليست اكثر من هذا. وحالها حال الاخريات ممن سبقنها او جئن بعدها.

    فهي لم تتبسط في الحديث معنا ولم تنفد الى دخائلنا ولم تر من البيت غير مكان الاستقبال الذي قادها الخدم اليه واخذوها منه. فكيف يصح لزائرة مثل هذه ان تدعي العلم ببواطن الامور والنفاذ الحاد الى دخائلها ومن ثم اصدار الاحكام عنها؟

    اضافة الى مناقشة العديد من القضايا التي تهم الاسرة التي هي نواة المجتمع, فتتحدث ـ بالامثلة ـ عن ان المرأة الشرقية ليست ذلك المخلوق المظلوم المضطهد البائس الذي لا حول له ولا مقام في الحياة كما يحلو للغرب احيانا ان يروج.

    على ان ما يحمد للغرب على اية حال في هذا النوع من الكتابات الجغرافية, السياحية, الغرائبية, الانثروبولوجية انما ليست فقط تلقى الرواج الكبير, بل وتلقى كل الدعم والتشجيع من حكومات ومؤسسات

    ودوائر وشركات ودور نشر متخصصة, بل ان الكتابات والكتب الاستطلاعية السياحية سواء بشكل دليل سياحي او بحث انثروبولوجي متخصص بفئة او قومية او جنس بشري او بقعة معينة من بقاع الارض هي الاكثر مبيعا والاغلى سعرا.

    المصدر:

    مذكرات اميرة عربية

    بقلم: السيدة سالمة بنت السيد سعيد بن سلطان

    ترجمة: عبدالمجيد حسيب القيسي

    مطبوعات وزارة التراث القومي والثقافة, سلطنة عمان, دون ذكر لسنة النشر

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد