من جديد مع الدم العراقي الذي أغرق دجلة ،

مع المواطن العراقي كلقمة سهلة يرسلونه الى الموت وقتما يشاؤون ،

مع العذاب العراقي وهو في مركز بوصلة الخطر الدائم ؛

ولكن هذه المرة فإن الدم العراقي أكثر غزارةً والمصيبة أفجع .والحادثة فيها من التصميم المسبق على أن يكون الإنسان العراقي رخيصاً الى هذا الحد المثير للأعصاب والمشاعر والمخاوف أيضاً.

فجيعة الكاظمية وجسر الأئمة ومئات القتلى والجرحى هي حصيلة متحصلة من عنف مقنّن.

وليس مصادفة أن يسقط هذا العدد من الضحايا الأبرياء الذين طوّقهم صباحٌ دموي ألقى بهم الى حتفهم خنقاً وغرقاً وهلعاً في وطن لا يعرف رأسه من رجليه ،

بينما ساسته الجدد اثبتوا باليقين القاطع أنهم فزاعاتٌ لا تُفزع أحداً ولا تخيف. بدءاً من رئيس الجمهورية الطالباني ومروراً بالجعفري وحكومته حكومة المحاصصات الضعيفة وانتهاء بالشلل الطائفية التي تركض وراء أوهامها وعقلياتها المتخلفة التي تسببت بهذا القتل الجماعي لأهلنا الضحايا المساكين .

هذه جريمة كبرى بحجم نوايا جريمة هيروشيما والفاعل واحد مهما تغير شكله واختلف زمانه وتعددت نواياه ،

هيروشيما الكاظمية لم تكن عفوية ،

ولا هي مجرد إشاعة أطلقها إرهابي بعثي ،

ولا هي سموم توزع في الشوارع على السابلة ،

ولا هي مقصرية وزيري الداخلية والدفاع ،

ولا هي نتيجة لصراع الأحزاب الدينية والعلمانية على السلطة ،

ولا هي من مشاكل الدستور السخيف ؛

إنما هي من كل هذا وذاك ؛

من هذا اللملوم الهجين .

هي خليط مخلوط من نشارة وعجين وعسلٍ وسم وحلوى كان على المواطن العراقي أن يبتلع الطُّعم في كل يوم وساعة حتى ترتاح الرؤوس الخاوية ، بأمل أنها توجه رسائلها لمن يعنيه الأمر من أنها تستطيع أن تحشد أنصارها في كل وقت وحين بهذه الكثافة المليونية ؛

استعراض عضلات بائس ،

هذه الرسائل المكهربة نفهمها ، لكن البعض لا يريد أن يفهمها ،

الناس بسطاءٌ وطيبو القلوب وعلى نياتهم يرزقون ،

لكن السياسيين والمتدينين السحرة ثعالب ماكرة غادرة ،

يقتلون القتلى ويمشون في جنازاتهم ،

يذرفون دموع التماسيح ويتبادلون الاتهامات من على شاشات الفضائيات ، كأن الأمر هو غريزة قذرة متوطنة في نفوسهم ،

هجوم الصدريين على وزيري الدفاع والداخلية ليس له ما يبرره ،

وزير الصحة يهرف بما لا يعرف ،

كتلة الصدر (اتهمت) جماعة الحكيم المستوزرين صراحة بتقصيرهم ،

السنّة قرؤوا الفاتحة من على الفضائيات وقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ،

جماعة الحكيم صاموط لاموط ، لأنهم اعتادوا على هذا من الصدريين المتوترين على طول الخط ، وكأنهم فقدوا بستان الأغا ،

وأبناء الخايبة أكلوها خنقاً وغرقاً وهلعاً من أحزمة وهمية ناسفة ،

وأمهاتنا الطيبات شفناهن بأسوأ حالٍ ودموعنا تتطافر على هذه البشاعة التي اقترفها (…………) مجهولون ،

قتلونا بالمفخخات والهاونات والأحزمة الناسفة والانتحار الجنسي بحثاً عن صبايا الجنّة ، واليوم يقتلوننا بالإشاعات !!

صيحة واحدة من طفلٍ ربما كان يمزح مع صديقه ، حتى تحول الجسر الى مقبرة بالجملة والمفرد ؟؟؟

من يصدق هذا ؟

هل العراقيون هكذا بعد تجارب الحروب والفزع الذي تركه صدام حسين فيهم وسنتي الاحتلال التي جربوا عليهم فيها أنواع الإرهاب والضغوط النفسية القاسية ؛ بعد كل هذه المرارات تفزعهم صيحة واحدة حتى يلقوا بأنفسهم وبالمئات في نهر دجلة ؟؟؟؟

غريب ما يجري وأغرب منه أن نصدق .

هل هذه ضريبة الحرية ؟ لكن زادت عن حدها يا جماعة ! فلسنا أول شعب ينال حريته حتى ولو بطريقة الاحتلال !!

هل هي ضريبة الصراع المذهبي المستتر تارة والمعلن تارة أخرى؟

لا أريد أن أصدق هذا ، لأن الذين يموتون عراقيون وليسوا هنوداً وهم لِبنة التأسيس الجديد !

هل هي ضريبة الصراع السياسي المتبرقع بالدين مرة وبالعلمانية ثانية ؟

لا أدري ..

هل هو ضريبة (سوء التفاهم) بين الشيعة أنفسهم ؟

…………………………………………………

هل هو فعل إرهابي تداخلت فيه الظروف والمصادفات والحظ السيئ للعراقيين ؟؟

يمكن القول : نعم .

أمام هذه المصيبة الكبيرة ؛ أمام هيروشيما الكاظمية ، أمام الموت العراقي المسفوح على الشوارع ، لا يمكن إلا أن نقول :

نعم .

إنه فعل إرهابي …

ولكن أي نوع من الإرهاب هذا ؟؟

……………………

هزات كثيرة وكبيرة وخطيرة عصفت بالشعب العراقي والحكومة تبرر وتوجِد الأسباب وتتوصل الى النتائج وتطمئن الناس بأن الخير قادم وإن شوكة الإرهاب انكسرت ولم يبقَ إلا الوقت القليل ..

حكومة عجيبة وغريبة :

ما بيها ولا واحد شريف يقدم استقالته ويستحي من نفسه ويتوارى عن الأنظار ، حتى نقول : نعم شعروا بفداحة المسؤولية وجسامة المخاطر وإنهم غير قادرين على حماية الشعب !

ماكو ولا جريذي منهم يخجل من نفسه ويترك مكانه للأكفأ منه !!

محاصصات وطائفيات وعملاء وخونة ولصوص ولفط وشفط وفساد إداري لا نظير له ،

سنة وشيعة وأكراد بمنتهى الصلافة يقودون الناس الى الموت الجماعي المجاني ثم يعلنون الحداد ويظهرون على الفضائيات لابسين القوط السود !!

شنو هاي الخرابيط ؟

شنو هاي الاستهانة بأرواح العراقيين ؟

شنو هاي البلوه السودة ؟

…………………….

إذا بزونة تموت بالمكسيك نص الحكومة تستقيل !

وإذا حمار عطس في بريطانيا بلير يحسّب لجمعية الرفق بالحيوان ألف حساب !

والجماعة هنا يموت العراقيون بالآلاف وهم يتعاركون بالفضائيات بلا حياء ؟؟

هل نقول البقية في حياتنا ؟

لا.

نقول :

البقاء لله بس ؛

الظاهر راح يزحلكون البقية من جسر ثاني !