مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #37404
    shark2
    مشارك

    إن مفهوم عصر النهضة الإيطالية من زاوية الفن أنه عصر تطوير لقدرات الفنون وانطلاق الفنان ذي الشخصية الخلاقة نحو واقعية جديدة في تصوير الطبيعة وما تحويه من عناصر وأشكال تتصدرها الشخصية الإنسانية .
    وسواء رأى البعض إن النهضة تعني إحياء أمجاد العالم القديم في الفنون أم أنها كما كانت مقصورة في الماضي تعني الثورة الثقافية في إيطاليا وأثر هذا الفن على العلوم في أوروبا الشمالية فإن النهضة قامت على أكتاف أولئك المجددين الذين أزاحوا عراقيل القرون الوسطى ونادوا بحرية الفكر والبحث فما أن بلغت روح النهضة إلى الفنانين حتى تبددت الأحوال القديمة وتحرك الفنانون إلى المستويات الفنية العالمية لعصر النهضة وكان منهجهم الديني هو الملهم الأول لفنهم وعلى ذلك فإن أعمال التصوير والنحت التي اتخذها الفنانون من حياة المسيح والعذراء والقديسين قد وجدت سلبيتها إلى مجال الحياة اليومية وأضفى الفنانون على هذه الأعمال مسحة مؤثرة قربتها إلى قلوب البشر .
    وانجلت الحجب عن أبصار الفنانين في عصر النهضة واستطاعوا بأعينهم المتحررة ونزعتهم الإنسانية أن يدخلوا الطبيعة من أوسع أبوابها وأن يجولوا في مشاهدها الرائعة على الغرم من انشغالهم بالموضوعات الدينية اليومية وأصبح الوجود كله وليس الجانب الديني منه فقط هو الميدان الرحيب يجول فيه فنان عصر النهضة .
    وعمل النحاتون والمعماريون في عصر النهضة بالروح ذاتها التي عمل بها المصورون فهذا – دونا -بنظراته التي استمدت مقوماتها من العالم المحيط به الذي يفيض إنسانية وينبض بالبهجة كل ذلك في إطار من معتقداته الدينية .
    ويمكن تقسيم عصر النهضة تقسيما ملائما إلى مرحلتين دامت كل منها قرنا من الزمان استوعبت القرن الخامس عشر حينما تطور كل من جنوب إيطاليا وشمالها على حدة والمرحلة الثانية التي انضم فيها شمال إيطاليا إلى جنوبها في وحدة شاملة .
    وتتميز فنون النضهة في الشمال بأنها أكثر منطقية وأكثر دقة من واقعية الجنوب فقد ارتبطت أعمال الفنانين الشماليين في عصر النهضة بتقاليد الفن القوطي التي بقيت آثارها في المخطوطات المصورة وفي زخرفة الكاتدرائيات وهذا يوضح شدة ارتباط فنان الشمال بالبيئة واهتمامه بإبراز التفاصيل في أعماله الفنية .

    ليوناردو دافنشي ( 1452 – 1519 ):

    ليوناردو دافنشي عبقرية من عبقريات عصر النهضة تميزت في الفنون كما تميزت في العلوم وكانت آثاره التي خلفها في الفن إشارة إلى الاتجاهات الحديثة التي جاءت بعده كما كانت آثاره العلمية النبوءة التي حققتها عصور تلته .
    وكانت حياة ليوناردو دافنشي مثل كثير من فناني عصره يلفها غموض الأساطير ولد سنة 1452م في انشيانو بلدة صغيرة بجوار مدينة فنشي من أب كان موثوقا وأم ريفية وقد أحاط بنشأته جو ريفي يلقي فيه نماء النبات مع الطيور والحيوان والحشرات فأثار ذلك اهتمامه الدائم بالحياة العضوية وقد كان حبه للحيوان يدفعه أن يجوب الأسواق لشراء الطيور وإطلاق سراحها

    ويروى افزاري مؤرخ العصر إن ليوناردو دافنشي كان جميل الملامح إلى حد يلفت الأنظار وكانت هبة الحديث عنده تجذب إليه معاصريه ، وتشير الأحاديث التي بقيت من ليوناردو دافنشي إلى انه قدم مع ابيه فلورنسة سنة 1469م وأن أستاذه الأول هو فيروشيو الذي ظل يعمل معة حتى سنة 1476 م

    وقد كان فيروشيو أحد الفنانين الصناع في عصر النهضة الفلورنسي برزت براعته في كل ما تناوله من أعمال غير أن مقدرة فيروشيو تميزت في فن النحت اكثر مما تميزت في التصوير ونلمح في هذه الأعمال النحتية تشابها مع ورسم ليوناردو دافنشي الباكرة في فترة عمله معه .
    ولقد أنجز ليوناردو دافنشي في الحقبة الأولى من حياته التي تقع في النصف الثاني من القرن الخامس عشر مجموعة أعمال ربما من أبرزها لوحته – عذراء الصخور – حيث تتمثل أستاذيته الأداء ونضارة التعبير والتوازن بين الجمال الطبيعي وجمال المثالي ويبدو في هذه اللوحة وتحضيراتها تأثر ليوناردو دافنشي بمثاليات الذوق القوطي ، وقد حملها ليوناردو دافنشي إلى ميلانو دليلا على أستاذيته ومقدرته في الاداء وتلقته أواسط ميلانو بالترحاب

    ووكلت إليه أعمالا وحقق أروع أعماله لوحته لسيسليا جاليراني وأدى ليوناردو دافنشي في هذه الفترة دوره كمصور للبلاط وحقق أروع أعماله لوحته الحائطية – العشاء الأخير – التي اعدت بتكليف من أحد أهالي ميلانو لدير الإخوة الدومنيكان وقد كثرت الكتابة حول هذه اللوحة وتوالت عليها الفنون لاصلاح ما افسدته الأيام منها على أن أروع ما في العشاء الأخير هو القدرة التعبيرية التي أودعها ليوناردو دافنشي هذا العمل من خلال الأثر الذي تحدثه حركة المجموعة ومن خلال لحظة التعبير التي اختارها فأسلاف ليوناردو دافنشي اختاروا لهذا الموضوع اللحظة الساكنة التي يعكف فيها كل حواري على تلامذته في حين اختار ليوناردو دافنشي ذروة الحدث حين يشير المسيح إلى أن أحدهم سيخونه ومن هنا تتميز لوحة ليوناردو دافنشي بالعنصر الدرامي فضلا عن اتسامها بوحدة التكوين وترابطه .

    ومضت سنتان بين الانتهاء من العشاء الأخير ورحيل ليوناردو دافنشي قضاها في ضروب من التكليف الرسمي ومارس ليوناردو دافنشي في هذه الفترة موهبته الأخرى كعالم ومخترع إذ أخذ يخطط للدفاع عن لومبارديا ضد غزو الفرنسيين .ورحل ليوناردو دافنشي من ميلانو إلى فينيسيا ليدرس خيل القديس مرقص فقد رسم الحيوان وتعبق حركتة إحدى هواياته وتمثل هذه الزيارة التي جاءت في فترة نضج ليوناردو دافنشي أثره على الفن الفينيسي لعل هذا اللقاء مع فينيسيا أكثر ما يتمثل في أعمال مصورها جيورجيوني
    وفي سنة 1500م عاد ليوناردو إلى فلورنسه بعد ههجرة دامت قرابة عشرين عاما ولكن فلورنسة التي شهدت في شبابه فقدت جذوتها فقد ماتت فيها روح لورنزودي مديتشي وسادها نزاع في الدين وجدل في السياسة واصبحت الروح الجديدة تتطلب من الفن تعبيرا بطوليا كلاسيكيا فكان ليوناردو من بعض الوجوه رائد هذ الاتجاه الذي قدرته فلورنسة .

    على أن اروع اعمال هذه الحقبة من حياة ليوناردو هي لوحتة الشهيرة – موناليزا – الجوكندة وهي تصوير هذا الجمال الغريب هذا المزاج من الحس الغامض والتعبير النفسي الذي يستحوذ على الرائي إن الموناليزا أكثر من لوحة هي عالم واكتشاف لرؤى الفنان ابتسامة غامضة ساخرة تذكرها بوجوه الملكات والقديسات القوطيات في كنائس رانس ونورمبرج ولكنها أكثر نضارة وأشد وقعا في تعبيرها الحسي .
    وقد استحوذت الموناليزا على مشاعر الكتاب والشعراء من كل الاجيال منذ فازاري حتى فاليري وما زالت حتى الآن تثير كل يوم تأويلا وتفسيرا جديدا وهي بثبات تكوينها وخلفيتها التي تمثل منظرا من الصخور ضاربا في غياهب بعيدة وبالوانها العجيبة الساحرة في غموضها تجتذب الآلاف الذين يطوفون حولها كل عام في مكانها من متحف اللوفر وأخيرا خرجت الموناليزا من مستقره في طواف أحاطه الضجيج وعتبر من أهم أحداث العالم الفنية .

    ولكن ليوناردو كان قبل كل شيء رساما بارعا ملك بلاغة احط في رسومه للحيوان والنبات ومجموعة رسومه المعروفة برسوم وندرسور والتي توضح رؤاه الغريبة تعد اروع أعماله الشخصية مات ليوناردو في 5 مايو 1519م ، وخلف مجموعة كبيرة من هذه الرسوم ومعها مخطوطاته التي انطوت على عديد من النبوءات العلمية تحققت بعده ، لقد كان ليوناردو معجزة من معجزات عصر النهضة معجزة علمية ومعجزة فنية ولكن هذا الفنان الذي أحاط

    الغموض بجوانب كثيرة من حياتة استهوى عالمة الفني النقاد الذين ما زالوا يسبرون أغواره ويخرجون منه كل يوم تفسير جديد ، على أن هناك من الحقائق الثابتة حول تقديم دور ليوناردوومكانته في الفن فهو يمثل انقطاع خط الفنانين الفطريين الذين كان بوتتشللي ختامهم ويحدد بداية عصر المحدثين فقد اكتشف عالما مجهولا هو عالم الجو وصاغ بنظرته العلمية كيمياءه التشكيلية من الظل والنور وقدم من خلال اعماله اكتشافات هي معطيات فن التصوير ومن خصائصه وحدة اكتشافات تتمثل في معالجة انعكاسات النور على الجو وافتتاح رؤيا جديدة تغيب فيها ثقل الأشكال المادية وتخفي النظرة النحتية لتفسح السبيل للنظرة التصويرية الخالصة .

    واكتشافات ليوناردو هي التي افسحت الطريق لأعمال كوريجيو المشعة ولالتقاء النور والظل عند رامبراندت ولنظرة الفنانين التأثيرين في القرن التاسع عشر كما أن العالم المعاصر ما زال يلقي في ابداعات ليوناردو مصدرا من مصادره لمس دافنشي القمم الشاعرية العليا التي يمكن أن يصل التصوير إلى ذروتها وقد لمسها بمقدرة على اتحاد الغريب نظرة العلم وعاطفة الفن وحقق بذلك المواءمة والخلق بين محبة الطبيعة وتفسيرها العلمي .

    مايكل أنجلو:

    لا يقف مايكل انجلو عند حدود إطار حياته بين مولده على مشارف فلورنسه في 6 مارس سنة 1475 وموته بروما في 18 فبراير 1564 كما أنه يظل عند نطاق مكانه وعصره عصر النهضة الإيطالية وانما يتخطى حدود العصر والمكان محلقا في أفق الإنسانية كلها كرمز لعبقرية أبدعت في أربعة فنون كبرى النحت والتصوير والعمارة والشعر وكمصورة من صراع الإنسان ضد قدرة ونزاعه الدائم معه وعذاب الروح الاسيرة وهي تتخبط في ظلام الدنيا كان ميكل انجلو في حياته التي أوشكت أن تكتمل قرنا من الزمان رمزا للصراع المتصل بين عبقرية بطولية وإدارة صريعة الأسى والقلق والعذاب لقد ذاق غيره من أبطال الإنسانية مرارة هذا الصراع ولكنه انتصروا عليه أما هو فظل أسيرا له يستعذبه ويطوق نفسه بخناقة وكأنه لا يريد الخلاص منه كان دانتي مثله يعاني مأساة هذا الصراع ولكنه كان على بيتهوفن كان في قرارة نفسه ابن المرح المسرة وإن لم يجد من حياته وظروفه صفوا يستبقى هذا المرح أما ميكل أنجلو فكان ابن الأسى والصراع كلماته تنطق به ” إن راحتي في الأحزان وآلاف المسرات لا تساوي عاصفة من عواصف الروح “.ولئن كان في نفسه تجذاب إلى الحزن والصراع والقلق محيط حياته كان أرضا خصبة لهذه النفس المعذبة العليلة صاغ هذا المحيط من الأحداث وأوجد من الأشخاص ما جعل هذه الصورة الحزينة المتكسرة تلقي كل أبعادها وعمقها فهو لم يكد يولد حتى فقد أمه في طفولته وعاش في رعاية مرضعته زوجة قطاع أحجار كان ينتسب غليها أنها أرضعته مع لبنها موهبة النحت ووجد هواه من صباه مع الفن فالتحق بمرسم دومينكو جيرلاندايو أكبر أساتذة الرسم في فلورنسه ولكنه كره الرسم وتطلع إلى النحت لأنه يحقق أحلامه البطولية والتحق بمدرسة لورنزو دي مديتشي بحدائق سان ماركو ولقي من الامير رجال الفكر والفن في ايطاليا تقديرا واهتماما فعاش في قلب النهضة الإيطالية وتتلمذ على برتولدو الذي تلقى تعاليمه دوناتللو في فن النحت وارتبط عن طريقة بالاقدمين . وفي جو آل مديتشي بين تعاليم أفلاطون ومثل الحياة الفكرية في عصر النهضة كان العالم الوثني والديني المسيحية يتصارعان في نفسه ولكنه كن في هذه الفترة إغريقيا ينحت الساتير وابولون ومعركة القنطورس . ولا تلبث روحه المولعة بالعذاب أن تتطلع خلف أسوار حديقة سان ماركو بجوها الأفلاطوني إلى لهيب الصراع الديني والاجتماعي الذي يشعله سافونارولا ويمضي ميكل انجلو تابعا له متأثرا به وإن لم يبد هذا الأثر في فنه خلال هذه الفترة ويشارك الفنان الشاب في هذه الأحداث وتلظى نفسه باللهيب الذي احرق جثمان سافونارولا في ثورة عارمة …. ويصوغ في هذه الفترة من أساه وحزنه وهو شاب في الثالثة والعشرين ، تمثاله الشهير – الرحمة – القائم في كنسية القديس بطرس ممثلا حوار هذه النفس الدائم مع الأسى وينحت بعد تمثال الرحمة تمثاله العملاق – داود – فتلفت عبقريته البابا يوليوس الثاني الذي كان يحلم باستعادة روما مكانتها كمركز لاشعاع ثقافي للعالم ، ويدعو البابا النحات الفلورنسي إلى روما ليقيم مقبرة له تكون صرحا مشيدا من الفن العظيم . وتتوافد على نفس الفنان أحلامه العملاقة التي ضاقت عنها أعمال شبابه فلا تمثاله هرقل بقوته الخارقة ولا تمثاله باكوس النشوان بالحياة ولا تماثيل المذابح الكنائسية قد أرضت طموحه العارم وتطلعه وإنما هو يحلم بصرح كبير يحيط به أربعون تمثالا ملحمة من المرمر يسجل في مقاطعتها أعماقا من تأملاته وفكره … وكان ميكل انجلو قد انتهى في هذه الأيام من مشروع وضع فيه قدراته كرسام حين عهد إليه مع ليوناردو دافنشي .بتزيين إحدى قاعات فلورنسه . وانقسمت المدينة إلى معسكرين متحمسين لأكبر عبقريتين في عصر النهضة ، وخرجت رسوم مايكل انجلو للمشروع مفعمة بعمق التعبير الذي كان شاغل نفسه وبتجريد معنى الأحداث والمعارك وتحويلها إلى رموز ، في حين جاءت رسوم ليوناردو تحليلية مسجلة لدقائق الحدث وكان هذان العملان مدرسة لعصرهما ، استوحى منهما رافاييل وبارتولوميو واندريادلسارتو من عباقرة شباب عصر النهضة . ولكن مايكل انجلو يرى في النحت هبة حياته ومن اجل هذا كانت حماسته لمشروع يوليوس الثاني الذي هجر من اجله فلورنسه إلى روما … وامتد هذا الحماس إلى البابا الكبير فارسل مايكل أنجلو إلى محاجر كرارا لينقي أحجار صرحه … وكان الفنان سعيدا بهذا التكليف فهو يود أن يكون المبدع الكامل لعمله ، النحات والصانع والمهندس معا ولكن خط الصراع وهو خط من محاور حياته يضيق عليه الخناق ويتحرك في شخص برامانتي المهندس وغيره من معاصريه فيقضي مايكل أنجلو عن البابا ويقف العمل في حمله الكبير تنتزعه منه نزوة من نزوات يوليوس الذي كلفه بتزيين سقف مصلى السستينا .. كن مايكل أنجلو يؤمن أن التصوير أدنى من النحت وأنه فن حسي لا يتسع لحمله العميق ولكنه لم يستطع التحلل من تكليف البابا وأخذ يفكر في أسلوب جديد لعمله يتفق ونداء النحت في نفسه … يقول مايكل أنجلو : ” إن التصوير يرتفع من النحت والنحت يهبط حين يقترب من التصوير ” . وقد أراد أن يترجم عبارته في الرموز التي أعدها ليخاطب بها الناس من قبة السستينا رموز زادت على الثلاثمائة رسم ، ارتفع بها عن إتقان مدرسة فينسياز انشغالها بروعة الألوان . وعن التعبير عن المعنى المادي للاشياء المرئية في مدرسة فلورنسه ليكمل البذرة التي تنبت في فن جيوتو وأينعت في فن مازاشيو وليصور بأسلوب عملاق قريب من النحت نشأة الدينا التي نبتت في فن الإنسان وخروج النور من الظلام والخطيئة والطوفان وجعل الجسم الإنساني مسرحا للتعبير عن أعمق المشاعر والأحاسيس وأودع التصوير رموزا عملاقة تحكي قصة الدنيا وأتم أنجلو سقف كنيسة السستينا حوالي سنة 1512 . وعاد مرة أخرى إلى حلمه الكبيرصرح يوليوس الثاني ولكن البابا لا يلبث أن يموت وينتخب مكانه ليو العاشر … ويأخذ مايكل انجلو في هذه المرة ينحت تمثاله العظيم – موسى وتماثيل العبيد فلا يلبث البابوات الجدد من آل مديتشي أن يستخدموه ليخلد مجد أسرتهم وكما دفعه يوليوس الثاني إلى التصوير دفعه آل مديتشي إلى فن العمارة إذ كلفه ليو العاشر بتصميم واجهة كنيسة سان لورنزو ومصلى آل مديتشي ويقبل مايكل أنجلو هذين التكليفين بحماسة قائلا : ” إن لدى إرادة تحقيق هذا العمل الذي سيكون مرآة العمارة والنحت لإيطاليا كلها ” . كذلك كلفه البابا كليمنت السابع -أثناء هذا العمل – بتصميم مكتبته ، فيقبل على هذا العمل لأنه يرى العمارة قريبة من النحت ، وإدراكها يتطلب الإحساس بالشكل والإنساني وتكوينه في الوقت نفسه كان ورثة يوليوس الثاني يهددونه لأنه لم يتم مشروعة وأحقاد معاصريه تطارده وأحاسيس نفسه المعذبة تنحت في أغوارها المخاوف والقلق فيرفض العيش الرغد في البيت الذي خصصه له كليمنت السابع ، ويهيم على وجه ويشارك في ثورة فلورنسه ضد الإمبراطورية سنة 1527م وينغمس بنارها ” فبدون النار لا يستطيع فنان أن يصهر الذهب وإن ينقيه ” كما كان يقول …. وتنتهي عصور الاضطراب وتعود فلورنسا إلى الأباطرة ويقضى هو فترة مرض عضال يستأنف بعده نحت تماثيل آل مديتشي ثم يعاود مرة أخرى العمل في مشروع يوليوس الثاني ولكنه يدعي إلى تصوير مجموعة يوم القيامة في قبة السستينا يكمل بها بداياته عن خلق الدنيا وسفر التكوين بعد أن جاوز الخمسين . .. ,اختتم هذا العمل الكبير سنة 1541م ، وألتقط انفاسه ليفرغ من صرح يوليوس الثاني الذي بدأه منذ خمسة وثلاثين عاما ألهبته خلالها سياط تكليف البابوات والأباطرة وصرفته عن حلمه الأكبر ومرة أخرى تصرفه أوامر البابا بولس الثالث عن حلمه ليصور لوحتين من الفريسك في كنيسة بولين ، صور في إحدهما صلب القديس الشهيد .. وكانت الشيخوخة قد دبت معالمها في قواه وأجهدت كيانه ولكنه أصر هذه المرة أن يتم صرح يوليوس ، أختصر الصرح الذي لم يكتمل والتماثيل الأربعين في مجموعة يقف وسطها تمثال موسى عملاقا من التعبير النحتى ينتصر على هزال فن النحت بعد الإغريق بل يتفوق على نحاتي اليونان القدماء الذين جعلوا محور تصوير جمال الجسد في حين تخطى مايكل انجلو هذا المحور ليجعل من النحت ملحمة للتعبير عن أعماق الكون وفكرة الأبد . إن عيني لا ترى الأشياء الفانية … ولو لم تكن روحي قد صيغت على غرار الخالق لقنعت بالجمال الخارجي الذي يبهر الأنظار ولكن هذا الجمال باطل فروحي إذن تتجه نحو الجمال الكوني ” . حول هذا المعنى دار حواره مع الأحجار وبهذه الروح حمل أدوات النحات والمصور معا في هذا الفنان الذي عاش شبابه بين مثل أفلاطون في حديقة سان ماركو كان يؤمن أيضا مع سقراط أن هدف الفن هو تمثيل الروح الداخلية للأشياء وكان ينتظر الطبيعة نظرته إلى عدو يسجن الروح الإنسانية ويأسرها ومن أجل هذا كان يدرسها ليتخلص منها ويتفوق عليها وهو يرى ” أن الحرارة لا يمكن إن تنفصل عن اللهب ، وأن الجمال لا ينفصم عن الأبدية ” ومن أجل هذا كانت نفسيته مهيأة لتحول صوفى عميق فهذا الفنان الذي عاش في صراع بين الوثنية والمسيحية يستقبل فترة من صفاء الروح والقلب يقفه عن كنيسة القديس بطرس التي عين مهندسا ومشرفا عليها سنة 1547م فيقبل هذه المهمة كواجب مقدس ويكتب لأبن أخيه يقول إن كثيرين يعتقدون أن الله اختارني لهذا المكان … ولذا فإني لا أستطيع أن أتركه .. إني أخدم هنا حبا في الله .. وأضع تحت قبة هذا المصلى كل آمالي وتطلعاتي ” . ويلاحقه في هذا المكان حسد معاصريه والروح العدائية التي بذروتها براماتي حوله .. ولكن مايكل انجلو يعترف برغم هذا العداء بعبقرية برامانتي كمهندس ، ويروي في التصميم الأول الذي كان قد أعده للكنيسة ” صراحة في التعبير ووضاء وحرية من يبعد عنها فإنما يبعد عن الحقيقة ” . لقد كان نايكل انجلو ينشد في هذه المرحلة صفاء الروح وسلامها ولكن الأحزان تزحف إلى نفسه لدق كان يقول دائما : ” أن صديق الوحدة ” فلما أطلت على حياته الماركيزة بسكارا فيتوريا كولونا أرسلت في نفسه مزاجا من الحب والمسرة والأشجان لقد راعه جمالها الروحي وهبة الحياة السامية في نفسها … كانت محبة وشاعرة ومنبعا من الصفاء وفي نفسها جمال عصر النهضة وما شعه من فكر وأحلام وتطلع ثقافي . وكان لقاؤهما معا كل أحد في كنيسة سان سلفاسترو أروع ما جادت به الدنيا عليه من هبات .. أراد أن يصورها وينحت لحبها التماثيل ولكن هبة السماء في ملامحها استعصت عليه فاستيقظت ملكاته القديمة كشاعر تغنى في شبابه وسكبه بين رسومه وأوراقه وراح يكتب لها الغنائيات من أجل حبهما العنيف . كانت فيتوريا روحا من القداسة فتحت لنفسه عالم الصفاء الديني وكانت مثله حزينة الروح محلقة في غياهب فكرة الموت ، تتغلب على أساها الداخلي وخيانة زوجها لها بالتطلع إلى الله والاقتراب من روح هذا الفنان التعيس ، وفي ظلالها أتم أروع أعماله : يوم القيامة : – لوحات كنسية بولين أعمال كنيسة القديس بطرس – وكان هي تمضي نحو الخمسين في حين كان هو شيخا قد تخطى الستين ودار حبهما حول الدين والفن وكل ما في الحياة من روح نبيل وأرادت فيتوريا إن تمنح حياته العاصفة بعض الهدوء والراحة وعاشت قريبة منه في روما ولكن الموت عاجلها وضرب سحابة من الأحزان حول حياته حين رأى ملامحها الأثرية تنطفئ منها الحياة ، وانطلقت صرخة من أعماقه : كيف يموت مل هذا النبل وسمو الروح والفكر ! ؟ وفي غمرة هذا الأسى كتب بكائياته يصورها فيها كمطرقة ا
    لنحات تبعث م المادة أنبل الأفكار ويسجل انتصار الحب على الموت قائلا : ” هل يستطيع الموت أن يزهو اليوم بأنه اطفأ شمس الشموس ؟ ! إن الحب قد انتصر وها هي ذي تحيا به على الأرض وفي السماء بين القديسين ” . وتأبى الاحزان تأتي فرادى فيموت بعد فيتوريا صديقه الحميم ومساعدة أوربينو الذي عمل معه في صرح يوليوس الثاني . وعند موته أرسل هذه الصيحة إلى أبن أخيه : أمس في المساء مات أوربينو … لقد تركني آسفا ضائعا حتى ليبدو لي أن أموت معه من أجل حبي له … لقد كان رجلا عظيما وفيا …منذ ارتحل زاولتني رغبة العيش وفارقتني السكينة “. وصهرت هذه الأحزان روحه وسكنت نفسه هذه التعبيرات الدرامية الجبارة التي غزت هواء الفن في روما وأرسلت عواصفها في أناقة فن البندقية فبعث في أعمال تينتوريتو قبسا من وهج مايكل انجلو ، خرج بالتصوير عن إطاره التقليدي هدأت هذه الروح العاصفة التي صيرت فن النحت رموزا عملاقة جياشة بالعواطف التي مهدت الطريق لعبقريته رودان لتستقبل مرحلة من الأسى الدرامي الحزين كان تمثال الرحمة الشهير باسم بيتا روندانيني ختاما لها هذا التمثال الذي صاغه مايكل انجلو مرثيه لحياته وأراده أن يكون شاهدا على قبره إنه يمثل موضوعه الذي
    عالجه في مراحل متعددة منذ شبابه … المسيح المسجى والأم الثكلى الصورة التقليدية التي سجلها في تمثال كنيسة القديس بطرس تصبح هنا عمودا من الأسى الإنساني الحزين ، وأنينا قدسيا يكاد يهمس بروح الفنان وصراع حياته ومقاطع النحت يهدأ فيها الصخب كختام رائع لسيمفونة عميقة النغمات . .

    رافاييل:

    ولد رافاييل في أوربينو وكانت مدينة في الأقاليم مقدارا لها أن تعيش بعيدا عن التيارات الفنية لو لم ينشئ بها فردريك دي مونتفيلتر مركزا ثقافيا كبيرا وقد قدم هذا البلد أثنين من أكبر فناني العالم هما برامانتي ورافاييل وكان والد رافاييل مصورا وشاعرا متواضعا ولكنه كان يدرك عظمة ليوناردو وبيروجينو ومات حين كان رافاييل في سن الحادية عشرة .. التحق رافاييل بمدرسة بيروجينو سنة 1500 حين كان في السابعة عشرة وساهم في زخرفة قاعة بيروجيا … وقد أتيح لرافاييل أن يستمتع بآثار بلاط أوربينو وأن يصقل في رؤاها نظرته الفنية كما تعلم على يدي بيروجينو التعبير عن الجمال الحسي والرقة الحافلة بالعطايا والهبات وقد تمثل رافييل في أعماله الأولى روح أستاذه ولكنه لم يلبث أت تطور بهذه الروح وتحول بنظرته الجمالية من التعبير الحسي إلى الرقة والسمو مبتعدا عن تقاليد القرن السابق ومن هذه الخصائص ولد فنان عظيم على أوروبا نظرته الجماليه زهاء ثلاثة قرون . وقد مر رافاييل عبر أعماله بتطورات وأضاف خلال عمره القصير خبرات إلى تجاربه الفنية وفي اعماله الأولى نلمح خروجه على تأثير أستاذه بيروجينو كما نرى في تتويج العذراء والمادونلة على العرش بين القديسين – رقة ومحبة صافية وألوانا صريحة تصاحب الشكل وهو ما تخلو منه أعمال بيروجينو التي تتميز بالصلابة وتناسق توزيع النور والظلال . .. وفي الجميلات الثلاث نرى رافاييل ستحوذ على عنصر الحركة يخضعه لمقتضيات الجمال وما لبث الفنان إن استكمل نضجه في لوحة زواج العذراء وفي سنة 1504م سافر رافاييل إلى فلورنسه ليستكمل معرفته وفي هذه المدينة يتطور أسلوبه الفلورنسي بين 1504 ، 1508 وكانت فلورنسه بالنسبة لرافاييل هي مايكل أنجلو وليوناردو دافنشي ولكنه لم يمض على غرارهما فظل ملتزما نظرته في الجمال ورغبته في الكمال الحرفي وأنجز رافاييل روائع عدة تمثل نموذجا في التعبير الجمالي … ومر رافاييل فترة بتأثيرات من نماذج القديم ومن مايكل انجلو ولكنة عندما بدا العمل للقصر البابوي في لوحاته : انتصار الدين : ومدرسة أثينا : ظهر اسلوبه الخاص بعد تمثل كل التأثيرات وطواها في نفسه وقد حقق رافاييل في هذه اللوحات مثال عصر النهضة : الفلسفة الجمال – الشعر – العدالة – كما حقق تطلعات البابا يوليوس الثاني وأحلامه … وفي مدرسة اثينا نرى الفنان يستخدم الفضاء لا للدلالة على اللانهائية كما كان يفعل بيروجينو وإنما لاداء وظيفي يتعلق بتوزيع الأشخاص وبمقتضيات التكوين القائم على الصراحة المعمارية وتحول رافييل من الموضوعات الدينية إلى الموضوعات التاريخية وبخاصة بعد موت يوليوس الثاني وتولى ليو العاشر الذي كان معينا بتصوير جلائل الأشياء والأحداث فوجد عند رافاييل بغيته في التعبير عن مثالية الجمال والسمو والعظمة …
    وقد استحوذ عبقرية رافاييل على إعجاب ليو العاشر فأراد أن يقرن أعمال مايكل أنجلو التي كان يعدها لقبة مصلى السستينا فعهد إليه بتصميم سجادة لمصلى الكنيسة تعتبر من روائع فنه وقد وطرق رافاييل بعد ذلك هذا الوجه من وجوه التعبير أكثر من مرة وفضلا من موضوعاته الدينية والتاريخية أبدع مجموعة من الصور الشخصية منها صور حبيباته فقد حفظ التاريخ قصة حبه لمرجريت ابنة الخباز التي أخلص لها حتى موته كما حفظ قصة خطبته الحزينة لماريا بيبيينا التي ماتت قبل زواجهما وسجلها في لوحته العذراء بمتحف بولونيا ولم تقف عبقرية رافاييل عند فن التصوير فهو قد خلف في العمارة تصميماته لكنيسة القديس بطرس وقصر باندولفيني في فلورنسه وغيرهما …. وقد مات رافاييل في شبابه بعد أن أحترق من عناء العمل ومن جو روما الصاخب المشحون بالمؤامرات ولكن روما عرفت كيف تحيط بالمجد اسم أكبر عبقرياتها تضع جسده في بانتيون الخالدين فقد تمثل في شبابه روحها الوثابة المتطلعة إلى النهوض وتمثل في فنه جهود جيل عانى من اجل تجارب الخبرة وأضاف إلى لغة الفن ثمار تجاربه في البحث عن الفضاء والتكوين والتشريح والمنظور وليس رافاييل إلا ثمرة هذا الجيل وطفله المقدس المختار الذي يمثل سحر فن التصوير وروحه المترنمة في صفاء ورصانة تذكر بموسيقي الطفل المقدس موزار ….

    تيسيان:

    هو أعظم عبقرية فنية انجبتها فينيسيا وهو رابع العمالقة الكبار ليوناردو مايكل انجلو رافاييل … ولد سنة 1477م في بييفي دي ككادوري وما إن بلغ التاسعة من عمره حتى اسلمه ابوه إلى عم يقيم في فينيسيا حيث يدرس على بلليني وغيره من المصورين الرسميين .. لا ح في اعماله الأولى التأثير اللوني من جيورجيوني وقد شارك في عمل لوحات من الفريسك بفينيسيا … وما إن دهم مرض الطاعون حتى فر تيسيان إلى بادوا حين مات جيورجيوني صريع الوباء .. وفي سنة 1523 بدأت صداقة تيسيان مع الدوج أندريا جبريتي هذا المواطن
    الفينيسي الذي كان رجل سياسة ورجل حرب انقذ فينيسيا من غزو الاتراك .. وفي سنة 1526 تعرف تيسيان على أحد النبلاء : بيزو أرتينو ..وإلى هذه الفترة ترجع أعماله التي سادتها الرؤى المرحة المترنمة بالحياة المشغوفة بالحركة الدائبة وهو هذه الأعمال يحول الحقيقة إلى ذبذبات من اللون والنور يمثلان مزاجا موفقا في فنه وفي سنة 1530 م ماتت زوجة تيسيان فهجر بيته وعاش في بيت يطل على البحر أمام جزيرة مورانو بيت كان ملتقى أهل الفكر والفن وعبقريات عصره .. وهناك عمل من أجل المركيز دي مانتوا وعن طريقه اتصلت الوشائج بينه وبين بلاط أوربينو وعندما قدم شارلكان ملك اسبانيا إلى ايطاليا بدعوة من كليمنت السابع رسم تيسيان صورته واتصلت العلاقة بينه وبين البلاط الاسباني .. وفي

    سنة 1543م تعرف تيسيان على البابا بولس الثالث ورسم صورته ثم دعى إلى روما حيث استقبل استقبالا رائعا تحت تأثير مايكل أنجلو ولكن كلا الرجلين ظل محتفظا بشخصيته ونماذجه … بقد عبر مايكل انجلو من خلال نموذج من الداخل وعبر تيسيان عن روحها الخارجية في جوها المحيط بها …
    ما ترمز له ” أفروديت براكسيتيل ” في هذا العصر نفسه … وظل تيسيان مصورا لبلاط شارل ولأبنه فيليب من بعده ، كما صور بولس الثالث وغيرهم من عظماء عصره إلى جانب موضوعاته الميثلوجية التي عالجها بحيوية وانطلاق وجعل منها قصائد من اللون والنور ، وعنائياته الغزلية ورمزه مجتمع عصره .. وعاش تيسيان حتى التاسعة والتسعين ومات بالطاعون الذي فر منه في شبابه .. وأتيح له خلال هذه السنين الطوال أن يطرق عوالم التصوير المتعددة فهو مصور المناظر الذي سجل بألوانه روعة الجبال التي صحبت رؤاه في صباه الذي تفتح على هضاب الألب الشاهقة وهو مصور العرايا من نماذج من الجمال البيض المتلألئ بالنور وهو مصور الأشخاص طرق بنظراته الموضوعية مجالا جديدا من مجالاتها إذ عنى عند تصوير الأشخاص البورترية أن يسجل في الوجه حياته وشخصيته وزمنه على عكس رافاييل الذي يمثل بوجهه نماذج بشرية لا ترتبط بلحظة أو زمن بذاته …وكذلك طرق تيسيان التصوير الديني فقد كانت حرفية فنه تغذيها قوة إيمانه بالله وعقيدته في العذراء والمسيح والقديسين ومن هنا عالج تيسيان هذه

    الموضوعات علاجا يضيئه نور الأيمان الديني فهذا الفنان الذي صور متع الحس وأثرى لغة اللون وحلق في الأساطير كان له ايضا همهماته اللونية ونبضاته حين يطرق الموضوع الديني ومثل مايكل انجلو كانت آخر أعماله لوحة الرحمة التي تناظر تمثال الرحمة – روندانيتي عند نحات عصر النهضة … وإذا كان مايكل أنجلو قد فتح بتمثاله طريقا للفن الذي جاء بعده فإن تيسيان هو الأب الذي انحدر منه فيلاسكيث وروبنزوفان إيك ورامبرانت وبوسان وفاتو ، وهو الذي كان أحد مصادر إلهام التأثيرين الفرنسيين في تعاليمه التي تشير غل تحويل كل المرئيات إلى ألوان تسيح في النور ..

    تينتوريتو :

    فنان من الشعب وجد تعبيره الفني في روح مايكل أنجلو التي خالطت في نفسه تعاليم تيسيان وتكون من هذا المزاج فن تينتوريتو العارم الذي استطاع بمضمونه الديني وباكتمال صنعة الأداء أن يجد مكانه في مدرسة فينيسيا بمنأى عن تيار المانرزم الذي سادها في منتصف القرن وأن يخرج بخصائصه المميزة عن فن معاصريه عمالقة عصر النهضة …. لقد سخر تينتوريتو فنه من أجل معاهد فينسيا وكنائسها واستطاع بأسلوبه الجهير إن يربط الجمهور بالعمل الفني من خلال لوحاته الدينية التي لمست عنصر الأيمان ورهافة العقيدة وجانب القصة في حياة الأنبياء والقديسين … ولد تينتوريتو في فينيسيا 1518م من أسرة متواضعة وظل وفيا لمدينته عاكفا على فنه لم تحفل حياته بالإحداث والهزات التي حلفت بها حياة مايكل أنجلو … ولم تحطها الأضواء التي أحاطت برافاييل … وفي سنة 1545م أنجز لوحته – معجزة سان مارك – التي حققت له التقدير والشهرة وفي هذه الفترة نفسها أنجر الفنان أعماله التي تمثل العهد الأخير والتي تحتل الآن مكانها في متحف البرادو … على أن

    أخصب فترات حياة تينتورتو هي تلك الفترة التي قضاها بين سنتي 1564 و 1588م في زخرفة جدران مدرسة سان روكو بفينيسيا وحقق فيها أروع أعاله وفي مقدمتها لوحته الدرامية – صلب المسيح – بتكويناتها العارمة المتفجرة وتلك الديناميكية النفسية التي يساهم النور واللون في إحداثها .. وإلى هذه السنوات أيضا ترجع لوحة تينتورتو – الهروب إلى مصر – حيث يتمثل مشهد من أروع المشاهد الطبيعية في فن التصوير وقد كان هذا الموضوع من الموضوعات التي استحوذت قلب تينتورتو صور منه بعد ذلك – مريم المصرية – ومريم المجدلية- . … على أن تينتورتو لم يكن مصورا دينيا فقط فقد خلف مجموعة من الصور الشخصية وعرج مثل معاصريه على الموضوعات الأسطورية : – باكوس وفينيس – وسزوان في الحمام- وفي جميع هذه الأعمال تتمثل شخصية تينتورتو المميزة وأسلوبه الذي قام على التزاوج بين النور والظلمة ، الفضاء والحركة ، مع أستاذيه في الأداء اللوني وفي إضفاء جو من السحر على الحياة . إذا لم يكن اسم تينتورتو قد أحاط به البريق الذي أحاط باسم رافاييل أو تيسيان فإن عالمه الزاخر قدم رؤى متدفقة عميقة الأثر بين تراث هذا العصر .

    الجريكو:

    يتمثل وجه أسبانيا المميز في القرن السادس عشر في عبقرية دومنيكو تيوتوكوبولوس المعروف باسم الجريكو فهو قدم فنا تخطى حدود مكانه وعصره وأعماله تشير إلى مساهمة أسبانيا في صنع العبقرية الإنسانية في الفن ، تلك العبقرية التت تعرف الإقليمية ولا تتقيد بالزمن والتي تجعل
    اسم الجريكو يضفي على هذه الحقبة من حياة أسبانيا الفنية قيمة خاصة … ولد الجريكو كما تشير الوثائق الرسمية سنة 1541م في مدينة كاندي بجزيرة كريت وكانت كريت من بلاد جمهورية فينيسيا في هذا الوقت تجمع مزيجا من الكاثوليك الفينيسيين واليونان الارثوذكس … وكانت أسرة الجريكو واسعة الثراء فأتاحت له ظروفه الاجتماعية أن يلتقي ثقافة كلاسيكية رفيعة امتزجت في نفسه بالإنسانية الإيطالية .. ولقي الجريكو في كريت مدرسة شائعة مزدهرة للفن القوطي تصاحبها تأثيرات فينيسية ، فتأثر بحرفية الفن البيزنطي من بعض الوجوه وبنغمة الحياة والحركة في الفن الإيطالي من وجوه أخرى .. وقد قدم الجريكو فينيسيا في سن باكر حاولي عام 1560م فوجد في هذا المكان المناخ الفني الملائم لتنمية أسلوب فنه على الخط الشرقي ممثلا في الفن البيزنطي والخط العربي ممثلا في الفن الإيطالي … وتشير الوثائق إلى إن الجريكو تتلمذ على تيسيان ثم وقع فترة تحت تأثير تينتوريتو فقد وجد لديه صدى لثورة نفسه الداخلية ومنفذا للتعبير عنها كما تلقن منه طريقة توزيع الأشخاص والمجموعات في اللوحة وعلاقة الأشخاص بالفضاء ، وكذلك استوحى من فيرونزي بعض اتجاهاته في التكوين والثراء اللوني
    في لوحاته … على إن عبقرية الجريكو وتطلعه الدائب ورغبته في الوقوف عند مواطن الإبداع في عصره كل ذلك دفعه إلى أن ينتقل من فينيسيا إلى روما … وإذا كان الجريكو فد تشرب ملكة التعبير اللوني من فينيسيا فإنه تلقن من روما براعات التعبير بالشكل … وعاد من هذه الرحلة الرومانية مكتمل الهبات ، ليستقر في مدريد وينجز بعض أعماله التي أراد أن يطاول بها حلم ميكل انجلو الذي سجله على قبة السستينا … وانتقل الجريكو سنة 1577 إلى طليطلة فوجد فيها الجو الملائم لإشراقات عبقريته وعاش وسط تقدير أهلها بقية سنوات النضج والازدهار في حياته . .. واتصلت الأسباب بين الجريكو وبين صفوة عصره من المفكرين والشعراء والكتاب ورجال العلم وأتسع نطاق اهتمامه مثل أقرانه من فناني عصر النهضة فشملت المآسي الإغريقية والعمارة والعلوم وأطل من بلدته طليطلة على كل ثقافة العصر وتياراته … وحمل الجريكو إلى توليدو في هذه الفترة خير تعاليم إيطاليا بعد إن أضفى من أعماق نفسه ظلالا من الأبدية وطوع اللون ليكون أداة تعبيره خالصة عن المضمون النفسي الدفين لأعماله وأصبحت الأشخاص عنده رموزا لمعان وعقائد وأحاسيس في عالم يسود فيه الشهداء والقديسين وتسكنه أرواح غريبة توحي بها نبضات اللون وأعماقه … ليس هذا النظام متسعا لسرد أعمال الجريكو يكفي إن نشير إلى بعض لوحاته الدينية الهامة : الروح القدس – بمتحف مدريد ولوحاته بكاتدارئية توليدو ومجموعة لوحاته للكاردينالات والاساقفة مثل لوحة – كاردينال تافيرا – بمستشفى توليدو – ودفن كونت دي أوجاز – بكنيسة سانتو تومي بتوليدو التي تعد من أهم أعماله الممثلة لجماع تجاربه الفنية والتي تحمل جوهر التلاقي بين الشرق والغرب في فنه ……… إن أعمال الجريكو تحقق لقاء معجزا
    بين السماء والأرض في عالم خاص يضرب في غياهب المجهول وتعيش فيه كائنات متطلعة إلى ما وراء الأشياء لا تفكر في وجودها بقدر ما تحلم بما إليه تصير كائنات تتخذ ملامحها وثيابها وزينتها من عالمنا ولكنها مع ذلك تشبهه …. وما فنان مثله تؤكد أعماله أن الدنيا ليست غلا معبرا ووجودها وهميا فأعماله على عكس أعمال أستاذيه تيسيان وتنتوريتو فكلاهما يمثل أشخاص مكتملة البناء متفردة مغلقة على قدرها أما أشخاص الجريكو ففيها شي من الغرابة وشي من الضياع كأنها كائنات معلقه بين الحياة والموت وقد أتيح لجريكو بحكم تحرره كمن القيود الرسمية ومن أعباء البلاط أن يصوغ فنه وفق تأملاته ، وأن يرسم من الأشخاص النماذج العادية القريبة إلى نفسه التي تربطه بها صلات مشعة فلم يعنه تصوير السمت ولا الشبه وانما كان معنيا بأن يودع روحة وتأملاته ملامح الوجوه التي يرسمها … لقد كان الجريكو كفنان انبعث من النبع البيزنطي يؤمن أن التصوير قبل كل شيء هو فن التسطيح ومن ذلك هجر خداع البصر ولم يعن بأساليب التجسيد وإنما اتجه نحو التعبير عن العمق النفسي من خلال المسطح عن الطريق التحوير الذي يدخله على الأشياء والأجسام الممتدة في استطالة غريبة والنظرات الغارقة في الحيرة واستخدام أقصى طاقات اللون التعبيرية .. وتعد تجربة الجريكو من علامات الطريق بين تجارب التشكيل بل أنها في هذا العصر عملا منفردا جمع بين روح العصر الوسيط وروح النهضة .. ولو لم يظهر الجريكو في هذه الفترة الصاخبة من العصر الحافل بالنظريات فهل كان من الممكن للفن الحديث إن يجد في سير
    الطريق الذي شقه الجريكو سواء من حيث تعميق الرؤيا التصويرية وتأكيد طاقاتها في التعبير النفسي أو من حيث مغامراته في الفورم والتكوين والهبات اللونية التي قدمها فنه للعالم المعاصر …إن الجريكو قدم عملا نادرا من لقاء التقليد الكبرى وارتفاع التصوير إلى المستوى الإنساني عملا يناظر ما قدمه سيرافانتس للأدب .

    بيتر بروجيل :

    تاريخ مولده الذي اختلف مؤرخوه حوله وإن كانوا قد حددوه في الفترة الواقعة بين سنة 1525م وسنة 1535م … ثم تغيب بعد هذه الأعوام الخمسة عشر الأولى من حياته على ضفاف بلدته بروجيل التي تسمى باسمها حتى نراه في آنفرس عند جيروم كويك… ويسلك بعد هذا رحلة إيطاليا التقليدية خلفا أثرا في فن التصوير وإن لم يرقيا إلى مستوى بروجيل الأب .. يعود بروجيل من إيطاليا دون أن يتأثر كثيرا بتقاليد عصر النهضة وتظل تقاليد الفن الفلمنكي هي التي توجهه ولوحات سابقيه من أمثال جيورم بوش وبوتس تستحوذ عليه واقعيتها وقدرتها على النفاذ إلى الأعماق الداخلية لحياة الفلاندر ، وتصوير الأجواء التي كانت تضطرب بها بلادهم من الاجواء الطبيعية والنفسية معا ….ونزل إلى قلب الشعب ووقف يسجل بعين متيقظة في لوحاته السبع والثلاثين ورسومه المتعددة خصائص أرض الفلاندر من خلال نماذجه الشعبية .. حياة المرح والجهاد ، صور الطبيعة ، رموز النزاع الديني الذي كانت تضطرب به البلاد في عصره أيام دعوة كالفان ….في هذا المحور الثلاثي يدور فن بيتر بروجيل وخلف السطور الباهتة القليلة من حياته يطل فنه … فن تحرر من كل التقاليد والأوضاع المتعارفة وهجر الموضوعات المألوفة هبط من قباب الكنائس وشرقات القصور ليقف في ملاعب الطفولة ويصور مراتعها بشاعرية أخاذة كأن عينه أطالت في هذه الملاهي وتمثلتها في محبة … واندمج بيتر بروجيل في حياة الفلاحين أندمج كما يقول فان ماندرز كواحد منهم يعيش معهم ويتأثر بأفراحهم لا كفنان يتأمل حياتهم ليصورها فحسب وهذا الراعي صورة إنسانية تصور ملامح نفسية إنه كهنري الثامن بالنسبة لهولبين أو شارل السابع بالنسبة لفوكيه ….. انه النموذج المفضل لبروجيل وهو أكثر منهما صدقا وإنسانية … ويتناول بروجيل الأساطير تناولا إنسانيا واقعيا فسقوط أيكاروس الموضوع الذي أجهده التناول في الفن القديم والحديث – يتخذ عنه مسحة إنسانية ايكاروس يهوي إلى الأرض ويدق عنقه بعد أن ذابت أجنحته الشمعية تحت وهج الشمس ولكن الحياة تمضي حوله على الأرض كما كانت دائما لا شي يستوقفها …. إنه هنا يحقق التقاء بين النزعة المثالية وحياة الشعب الدارجة بأسلوب يحمل سمات الفن القوطي الذي كان يسود بلاده … وعندما يدخل بروجيل حياة الشعب يتناول بطريقته جانبا لم يسبقه إليه أحد فرقص الفلاحين تمثيل رائع لعنصر الحركة والمرح ووليمة الزفاف والحصاد صور دخلت الفن في القرن السادس عشر قبل أن يأتي -مبيه – في فرنسا .. وقبل حقول القمح لفان جوخ بأجيال عديدة – صور تعكس ذاتية الأشخاص بطريقة فذة وتصور الأثر النفسي والحسي الذي يخلفه المشهد في الإنسان أكثر مما تصور المشهد نفسه وتشع بروح المرح والسخرية …. في هذه الناحية يكمل بروجيل تقاليد الفن الفلمنكي ويهبط به من الرجل المتوسط إلى رجل الشعب ثم يمضي بتقاليد هذا الفن أيضا في صور الطبيعة التي مثلها بشاعرية وحب لم يبد من قبل إلا في لوحات فنان آخر من نفس هذه السهول هو بيير دي ليمبورج الذي كان فنه بشارة مهدت لميلاد بروجيل … إننا أمام هذه اللوحات ننصت إلى موسيقى لا توصف إلى نغمات تفيض صورا وألوانا رائعة إزاء الطبيعة التي تستحوذ على الفنان بكل ما فيها … بأشجارها وأعشابها وأرضها ولون السماء وزرقة البحر ….إن بروجيل يقودنا خلال المشهد إلى تعود الرؤيا التصويرية الواقعية للأشياء وإلى جانب مصور الإنسان ومصور الطبيعة يطل أيضا بروجيل الإنساني تلميذ إيرازم وتطل معه حقبة الاضطراب الاجتماعي والاضطهاد الديني الذي ساد عصره وتطل من هذا العصور الشيطاني وريث جيروم بوش هذه يبتدع هذه الرموز المزعجة ويسجل عنصر القبح في الأشياء في – انتظار الموت – وماجو المجنونة – والفلاحة العجوز – والملائكة العصاة – ومقتل الأبرياء – وفي صور – العميان والمتسولين – …. كان بروجيل أبن عصره حقا حين صور حياة وجود الأشياء ومشاهد الطبيعة ولكن صوره لا تقف عند حدود المجتمع الذي عبر عنه … إن فيها عنصرا يخاطب الإنسان في كل جيل ومكان .. فيها شي يتخطى معالم المشهد المحدود والجو الإقليمي إلى الأفق الإنساني الرحب … إن صور فزعة القديم تصلح رموزا لفزع عصرنا الحديث ، كما أن يشاهد فلاحيه تتجاوب مع كل قلب…. لقد صور بروجيل من خلال الأحداث العارضة وجموعه الفانية الباقي من الأشياء وإن المشكلات التي تصدى لها فنه هي من المشكلات التي تتنازع الفن في عصرنا فبيير بروجيل تقاسمه اتجاهان – الاتجاه الأول : طريقة تمثيل الطبيعة وانعكاس آثار مشاهدها في نفسه … والاتجاه الثاني : محاولة ابتداع رموز من الباطن تختلف عن الرؤية الطبيعية للأشياء وتعكس اللاشعور الإنساني وضغط الواقع الاجتماعي عليه … وكلا النزعتين وقفتا معا وما زالتا تؤثران في اتجاهات فنوننا الحديثة وكأن تجربة بروجيل منتزعة من تجارب عصرنا … ومن أجل هذا ستظل أعماله على قلتها من المعالم الخالدة في الفن ….

    فيرونيزي:

    يمثل فيرونيزي وجها آخر من وجوه التعبير الفني في هذا العصر فهو قد أخذ جانب التعبير عن المرح والمسرة وسجل حياة البذخ والأرستقراطية في فينيسيا … ولد فيرونيزي في فيرونا ولكنه انتقل إلى فينيسيا وكاد يقصر عليها حياته كما وقف على أمجادها وحياتها المتلألئة فنه … لقد كان فيرونيزي على عكس تينتوريتو فنانا لا تستحوذ عليه الموضوعات الدينية وإنما تملأ قلبه مسرات الحياة فعاش يغني حياة فينيسيا وأفراحها وولائهما … تمثل أعمال فيرونيزي الأولى تنوع مصادر إلهامه وتأثيراته المختلفة وبخاصة تأثره برافاييل وتيسيان على أنه لم يلبث أن ملك أسلوبه الخاص ، ثم وجد في الولائم موضوعاته المفضلة ومجموعات الأشخاص وأشهر أعماله في هذا الصدد – الوليمة عند سيمون – و – عراس قانا – حيث نلمح مقدرة فيرونيزي الخارقة كواحد من أروع المصورين الذين ترنموا باللون وعبروا عن شاعرية النور .

    دورير:

    ولد دورير في نورمبرج سنة 1471م وتلقى تعاليمه الفنية حتى سنة 1490م في مرسم أحد المصورين وبدا دورير يعالج رسوماته بالحفر على الخشب في مدينة بال وهي مركز هام من مراكز فن الطباعة ولكن دورير كان يتطلع إلى مستوى فناني عصر النهضة وكان في نفسه كل روح العصر وخصائصه الولع بالإنسانيات والشغف بالروح العلمي وعبادة الجمال … ورحل دورير إلى فينيسيا سنة 1494م وعاش قريبا من قلب النهضة الإيطالية ثم التقى بروح الأراضي الواطئة في رحلته الكبرى إليها بين سنتي 1520 و 1521م وإليه يرجع فضل إدخال النظريات الإيطالية والذوق الإيطالي في البلاد الجرمانية …. وقد
    ربط دورير مثل – ليوناردو – بين الفن والعلم وكان مأخوذا بكل ظواهر الطبيعة مشغولا
    بمشكلات عصره العلمية والدينية .. على أن الدين لم يكن بالنسبة لدورير مجرد طقوس وتعاليم وإنما كان روحا داخليه وتطلعا نحو المطلق كذلك لم يكن الن مجرد إتقان حرفي وإنما نظريات وفلسفات تركزت عليها مجموعة من الأصول العامة التي حاول ا، يظهرها في كتاباته المتعددة وهو من خلال هذه الكتابات يلقي أضواء على بحثه الدائب عن السحر الكامن وآراء الأشياء عن العلاقات بين الأجزاء والكل وعن معنى التناسق والتوازن والملاءمة في الفن ….. وفلسفة دورير ونظرياته

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد