هنالك قصة قديمة تم تحويلها إلى فيلم سينمائي تحكي أن رجلاً اتصل به إنسان ثري ليبلغه انه سيعطيه مليون دولار بشرط أن ينفقه خلال 24 ساعة، وإلا فإن العقوبة ستكون كذا وكذا.

فرح الرجل بتلك الثروة فرحاً عظيماً وذهب إلى أفضل المطاعم ثم إلى أفضل المحلات التجارية ليشتري منها الملابس ثم اشترى سيارة ووزع نقوداً على الناس وغيرها، وفي النهاية لم يستطع إنفاق المليون، وأخيراً جن جنونه مع آخر النهار.

وهكذا تصور لو أن «بيل غيتس» اتصل بك وقال انه قد اختارك ليمنحك ثروة (46 مليار دولار) بشرط أن تنفقها خلال عام فماذا ستفعل بتلك الثروة؟! ستشتري مئة سيارة بمليوني دولار وطائرة خاصة بـ 30 مليون دولار وملابس فاخرة بمئتي ألف دولار، وجزيرة بـ 50 مليون دولار وأطعمة بـ 300 ألف دولار وتتجول حول العالم في رحلة تكلف مليون دولار وتدعو أعز أصدقائك إلى حفلات خلال العام بخمسة ملايين دولار، وتشتري يختاً بمليون دولار وهكذا، بحسبة بسيطة ستجد أنك ستنفق خلال العام مالا يزيد على مئة مليون دولار (أي واحد على 460 من الثروة) وقد يصيبك الملل أو الجنون نهاية العام.

تذكرت احد الدكاترة في كلية الشريعة الذي قرر ترك الكلية والسفر إلى بلاده وكان من خيار الناس أخلاقا، فقال له بعض زملائه: «إن راتبك هنا يعادل عشرين ضعف راتبك في بلدك، فما الذي يدفعك إلى المغادرة؟ فأجابهم بكل ثقة: إن راتبي في بلدي يكفيني ويكفي أسرتي، وكل زيادة في دخلي ما هي إلا أصفار في حسابات البنوك (أي أنها لا قيمة حقيقية لها)».

كم تعجبت من حكمة ذلك الرجل العظيم بمبادئه وقلت في نفسي: «كم منا اليوم من يفكر بمثل ذلك التفكير؟!»

اذهب إلى المحاكم لترى أن أغلب المشاكل والمحاكمات تدور حول خلافات على أموال، وان كثيراً من الأسر قد تفرقت وتمزقت بسبب دخول الإرث أو المال بينها، وان اغلب سعينا في هذه الدنيا من أجل تحصيل اكبر قدر من الأموال حتى وإن لم نفكر في مدى حاجتنا لها، بل حتى صراعات الدول كلها حول السيطرة على ثروة الآخرين وابتزازهم.

أعجبني برنامج بثته إذاعة الكويت يسأل فيه بعض الأثرياء: «هل أنت سعيد في حياتك؟ وقد جاءت اجابة البعض أنه غير سعيد، والبعض أنه لم يتوقف يوماً ليسأل نفسه هذا السؤال»، وما أجمل ما قال الإمام الشافعي:

إذا كنت ذا قلب قنوع *** فأنت ومالك الدنيا سواء

وقول الحكيم:

خذ القناعة من دنياك وارض بها *** لو لم يكن لك منها إلا راحة البدن

يحدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن نهر الفرات في آخر الزمان ينكشف عن جبل من ذهب فيقتتل عليه الناس قتالاً عظيماً حتى لا يبقى إلا رجل واحد فينصرف عنه ويتركه زهداً فيه.

أنا متأكد أن هنالك من شباب اليوم المغامر من سيقول: ما عندك سالفة وأنا مستعد أنفق ثروة بيل غيتس في يوم واحد!!