إغفاءة الجسد … إنعتاق الروح
مبلّلا بأشيائي الصباحية أستيقظُ .. الأشياء كعادتها تلتزم الحياد بشكل مثير للدهشة والتقزز في آن واحد .. لا روح تبعث على الفرح .. منذ زمن غادرت الإبتسامة شفة الشوارع المكتضّة بالسيارات الصباحية في إزدحام مقيت … الحقيقة حاولت إقناع مسؤولي بضرورة التأخر لساعة أو نصف ساعة عن وقت بداية الدوام الرسمي بحجة أن موظفي الدائرة الخمسة وأنا منهم لا نفرق عن الكراسي بشيء سوى أنها أكثر فائدة منا في أنها وجدت من يجلس عليها !!!!.. بالتالي أصبحت ذات فاعلية أكثر ممن يجلسون عليها ، ولأكن جادا معكم لم يكن طلبي في حقيقة الأمر تقاعسا ولا كسلا مني ومن المنبه البغيض ، إنما قلت في نفسي والله على ما قلته في نفسي شهيد أنني بهذا أساهم في تقليل الإزدحام الصباحي مثلما أقلل من نسبة الحوادث وبالتالي أحافظ على الأرواح البشرية .. وكنت إذ أتقدم بإقتراحي هذا للفاضل المسؤول أعتقدت في ذاتي أنني إبن البلد البار بأهلها بل وشوارعها على وجه الدقة إلا أنه فاجأني بأنني وبأفكاري أعلاه إنما أعيش في عصر الردّة واللامبالاة والتسيب ، وأنني يبدو أن روح العمل البنّاء بدأت تتلاشى لدي .. إذ ذاك أوضحت له قصة الكراسي فضحك .. وأشار الحاسوب المحمول الذي يتربع عرش طاولته مركزا على موقع (سبلة العرب) ومضيفا في هذا ما يسليك !!!!!
عموما من يومها وأنا أجاهد بطالتي المقنعة أصارعها فأغلبها حينا وتتغلب علي في معظم الأحيان  .. وككل الصباحات نبدأ يومنا بالقهوة يتبعها الشاي ثم قراءة الجرائد بعدهما على مضض الحديث فيما يليق ولا يليق !!! ثم الخروج من الجحر إلى جحور أخرى للسلام والإطمئنان على الصحة وأسعار النفط ، يلي ذلك القراءة الثانية المتأنية حد الملل للجرائد وتفسير الحروف قبل الكلمات ، وطبعا يتخلل كل ما سبق العديد من المحادثات الهاتفية هنا وهناك ذات الطائل والغير ذات الطائل  ولا مانع لمن لديه عمل ما في مكان ما  أن يذهب ليقضيه (على أن يعود قبل الثانية والنصف لكي يراه المراقب الأزلي فيتحقق من أمانته ومواظبته بخروجه في الوقت الأصلي من كل يوم !!!!!
عندما أنهيت دراستي الجامعية أقسمت في نفسي أن لا أدع يوما يمر دون إنجاز عظيم يُشهد لي به في محيط العمل ، وأن أصنع المعجزات متوكلا على الله معتمدا على قدراتي الخارقة للمألوف ، تسلحت بالروح القتالية حاملا رمحي الذي أمضيت إثنتين وعشرين سنة في تهذيبه وتقليمه وما كنت أخالني سأواجه طواحين الهواء !!!!!
عموما لأكن صادقا أكثر الراتب جزيل والعمل بلا عمل ، وهذا ولله الحمد جُل ما يُشتهى ويُراد ، ما جدوى إهدار الطاقات في العمل بشكل يومي ، الحكومة لا تريد سوى راحة الشباب ، وراحة الشباب في نظر الحكومة توفير وظيفة بلا عمل ، فما جدوى إهدار الطاقات وكسب الخبرات في بلد لا يحتاجها أصلا … هاكم الوظيفة والشاي والجرائد ولتلتزموا الصمت .. أعترف لكم بأني أبدو جاحدا لفضل الحكومة إذ أكنب هذا الكلام  ..إنما … أستغفر الحكومة واستغفركم .

…………………. صمت ………………….