مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #34056
    kkkkk
    مشارك

    خيّم الليل البهيم .. خيّم بظلامه وسواده .. فقد كانت بحق ليلة من أحلك الليالي عتمة .. هناك دار صغيرة قد أكنّت عائلة أم وبنية وابن وأب تتوسطهم كسرات من الخبز الجاف وماء علّه أن يرطب هذا الخبز .. مع ذلك لم يكن الجوع والبرد مكدراً لصفو هذه الأسرة الملتئمة على بعضها .. قبل النوم يوصى الأب أبناءه ويوطّد علائقهم بربهم .. توجه الأطفال إلى النوم فقد داعب جفونهم ..
    وقام الأب يرفع أيدي الضراعة للإله .. والأم تنسج خيوطاً .. وتنسج معها خيوط الأمل لمستقبل أطل لصغارها .. تتعاهدهم بالنظر تحت سراج أغر ..
    ثم إذا الباب يُطرق يكاد أن يُفجر .. كأنما نار تأججت دونه .. فزع الصغار .. الأم فرغ قلبها .. كسر الباب .. دخل جنود الكفر .. صليبيون وصهاينة قد حملوا السلاح .. تدفقوا إلى بطن الدار .. تدافعوا وأعينهم تقذف بالنار .. تلفتوا تأملوا .. وقع النظر على فتاة الصغر .. وثب الأب : ماذا تريدون يا كلاب التتر ؟..
    ماذا تريدون ؟ .. لم تتركوا شجراً ولا مدرا .. لا أرضاً ولا سماء تدر .. حتى لو كان بوسعكم لحجبتم عنّا أشعة الضياء ، ونور السماء .. وبهجة القمر .. لطموه ضربوه حتى كسر .. تحت عين الأم والصغار .. ماذا يدار ؟ .. ماذا يدار ؟..
    أهؤلاء بشر ؟ .. صاح الصغير : أنحن تحت وطأة الكفر ؟! أم تحت إمرة حيوان مفترس ضجر .. أُسكت الصغير بلطمة فُجر .. نُزعت الصغيرة من بين أحضان أم حزينة .. نزعوا قلبها فؤادها من بين أحشائها .. بُنيتي .. بُنيتي .. صرخات انبعثت من قلب جريح .. آهات دوّت في أرض الرافدين .. إنها الأم الحزينة .. يا للمصيبة .. بعد هدوء وسكون .. الدار تعيث بالدماء .. الأب يُداس .. يُخرج من الدار .. يكبّل .. يُطوّق بسياج الصمت .. يثور قلبه بركان غضب .. يطيش عقله نار لهب .. الأم تجرُّ ويلات أليمة .. والكل في أسر الهزيمة .. الطفل في غيبوبة حُفّت بالدماء .. والفتاة جرّوها مع ضفائر شعرها إلى الخراب .. الأم في صخيب ونحيب .. بُنيتي .. لا تأخذوها إنها صغيرة .. لا تعرف هذه الرذيلة .. أما لكم قلوب !! أما لكم قلوب !! لم يرجع من صوتها إلا الصدى .. وما حيلة الأم الحنون .. والدار في سكون ..
    كانت الدار تضم أربعة : أم وطفلة وأب ودعه .. والابن صريع ساكب أدمعه .. والأم حانية راكعة .. إثر تلك الدواهي والخطوب .. صعقت .. فجرت إحساسها : يا مسلمون .. ويدّب في آمالها الوهن .. يا للمصيبة .. أماه أيتها الحبيبة .. ما لي أراك مطرقة كئيبة ؟ .. ومن هؤلاء الوحوش ؟ .. أين أبي ؟ .. ما فُعل بأُخيتي ؟
    فتبدأ المأساة الرهيبة .. وعلى الأم ملامح الحزن والهموم .. والطفل في أحضانها وهي تعيا أن تجيبه .. أماه أين أبي الحبيب ، وأين بسمته الحبيبة ؟.
    وأختي تلفظ آهات آلام مشرّدة كئيبة .. والأم تحجب دمعها خلف الجفون .. لكن أودية العبرات فاضت مع العيون .. وصاحت الأم إثر براكين ثارت في جوفها المكمون .. يا مسلمون .. يا مسلمون .. مالكم لا تسمعون .. أما آن لكم أن تنقذون .. زفراتي ملّتها السنون .. زوجي قد أودع السجون .. وبُنيتي جرّها الغاصبون .. يا مسلمون .. إنها لا تفقه الظنون ..
    صرخت وجلت المكنون .. فيا ليت قومي يعلمون .. كم صرخة علت واسترسلت يا مسلمون .. ولم تتحرك لها نخوة بل السكون ..
    ويمر عام إثر عام .. وأراكِ من خلل الظلام .. يا أمة الإسلام .. قد احلولك ظلامنا .. وعتمت أيامنا .. وساءت أحوالنا .. وعظمت أحلامنا .. وعظيمنا من قال : لا .. فهي لا ولا لواء .. لا وألف لا ولا .. كتبت ولكن لا سواء .. بين لا المعتصم .. ولكن سكوتنا والصمم .. أولى لنا من الكلم ..
    شاهقت مآسينا الغمام .. ثم تداولتنا السهام .. وعجّ فينا الكلام .. يا فلاسفة أين السلام ؟ .. أين التودد والوئام ؟ .. فالآهات آهاتنا وإن كثرت .. والجراح جراحنا وإن عظمت ..
    وتجثوا الأم التعيسة وتأوب آلامها بئيسة .. فلا جدوى .. ولا مغيث .. فاذرف يا عين وأنسي من تكوني .. فقد جهل المنتمون حقيقة لباسهم .. وفقدوا روحانية دينهم ..
    نناديكم وقد كثر النحيب *** نناديكم ولكن من يجيب
    نناديكم وآهات الثكالى *** تُحدّثكم بما اقترف الصليب

    فيا راية الجهاد ابرقِ .. ويا بيارق المجد اخفقِ .. ويا أبواب الذلة اغلقِ .. ويا أشجار العزة أورقِ ..
    فيا باغي المجد أقبل .. فمستقبل ديننا أطل .. فيا هل وهل .. ثارت فيك براكين العقل .. فالعاطفة تجيش وتخبت .. ولكن العقل يوجه العمل ..
    فلتسمُ أفكارنا .. ولتعلُ أرواحنا .. ولنستعين على الخطوب بسهام الليل الصائبة .. ولنقف شامخين أعزه .. لا تهزنا أعاصير المحن .. ولا تزعزعنا دياجير الفتن .. فما لها إلا الفارس المنتظر ..الذي إذا استُصرخ ثار .. وإذا استُنجد نار .. فبحق هو الجهبذ الأشم .. المسلم الداعية العلم ..
    أنا مسلمٌ لا البغي يعرفني *** كلا ولا الإخلاد والكسل
    قلبي إلى الرحمن مبتهل *** وإلى ثباتي يطمح الجبل

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد