الرئيسية منتديات مجلس الفقه والإيمان الشخصية المحبوبة عند الله

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #32802

    الشخصية المحبوبة عند الله
    إذا أردنا أن نصل إلى تحقيق النجاح في حياتنا كلها، فإننا ينبغي أن نفكر جيداً في المحضن الأول لهذا النجاح؛ وهو هذه النفس التي نحملها بين جوانحنا، فهي التي سوف تتحمل عبء المحاولة بكل أبعادها وتوابعها، ومن هنا كان لا بد من العناية الفائقة بإعدادها، يقول الله تعالى : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا). وهو الموضع الوحيد في القرآن الذي سبقه أحد عشر قسماً من الله العلي العظيم.
    إذاً فالتعلّل بالقضاء والقدر لدى الفاشلين في القيام بمجرد المحاولة ليس له رصيد شرعي ولا إنساني، فالإنسان هو الذي يقوم بعملية صقل النفس وتجهيزها للقيام بمهام تليق بالجنس البشري الذي استخلفه الله في الأرض، والله تعالى هو الذي يحقق النتائج لمن بذل، يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين) . فالذين حاولوا وجاهدوا أنفسهم هم الذين يحصلون على النتيجة المتوخاة، والمحسن لعمله، هو الذي يستحق أن يكون الله معه.
    إن نفسك هي رأس مالك، وشخصيتك هي جناحك الذي بيدك أنت تقويم ريشه، وترتيب أعصابه، وتقوية قوادمه وخوافيه، ثم تحريكه والانطلاق به بكل طاقتك التي أودعت في خلاياك كلها بلا استثناء، وكل ذلك بعون من الله وتأييد، ومَنْ فَقَد تأييد الله وتوكل على نفسه أو على أي مخلوق آخر، وَكَله الله إلى نفسه.
    وأما الجناح الآخر فهو بيد الله وحده، لا دخل لك أنت فيه، وهو الوصول إلى النتائج، وبلوغ النجاح المرغوب.
    وهنا أود أن أؤكد على أن الله تعالى يحب المتوكلين، ولكنه يكره القاعدين، والفرق بين الفريقين أن الأوائل يعملون ليصلوا وهم يعلمون أن بلوغ الهدف مرهون بأمر الله وقضائه، والآخرون يتعلّلون بالقدر، ولذلك فإنهم لا يعملون شيئاً، ولذلك أيضا فإنهم لا يصلون إلى شيء.
    إننا ـ نحن المسلمين ـ مطالبون بالسعي لتحقيق النجاح في كافة مرافق الحياة، الأمر الذي يجعل الأمة كلها تأثم حينما تفشل في صناعة إبرة تحتاج إليها!!
    إذاً فالنجاح عندنا أمر ضروري ، وعلينا جميعا أن نحفّز أنفسنا حتى نبلغ ذروته، فالله مدح أول من مدح (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ). (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمََاوتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ) (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
    إذاً فالشخصية المحبوبة عند الله ليست الشخصية الخانعة الذليلة ، القنوع بالقليل، بل هي: المسابقة، المسارعة، المنافسة، والعمل الذي تتسابق فيه ليس له حدود قياسية معروفة، بل هو مفتوح لا حدود له إلا حدود الشرع المطهر، الذي الحلال فيه هو الأصل، والمحرم هو المستثنى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
    كل ذلك يعني أن الحياة كلها مفتوحة على مصراعيها أمام المبدعين أن يحوّلوا حياتهم من حياة استهلاكية، لا تخلّف بعدها إلا الرماد، إلى حياة منتجة، معطية، كالغيث أينما وقع نفع وغيّر وبدّل، وأحال القفر ربيعاً أخضر يأخذ بالألباب، لا لتأنس به العيون، وتطرب له القلوب فحسب، وكان ذلك كافيه، ولكن ليمنح الله به الحياة سبب استمرارها.. (وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ).

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد