مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #30971

    المعجم التاريخي للغة العربية

    بقلم : الدكتور علي القاسمي

    ( شكل اتحاد المجامع اللغوية والعلمية العربية مؤخراً لجنة تأسيسية للمعجم التاريخي. وعقدت هذه اللجنة، خلال العام الجاري، اجتماعين لها في مقر مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وقررت إنشاء مؤسسة مستقلة تتولى إعداد المعجم التاريخي للغة العربية. ويحدثنا عضو اللجنة الدكتور علي القاسمي عن أهمية المعجم التاريخي وأسباب غيابه عن المكتبة العربية.)

    المعجمية العربية

    على الرغم من أن صناعة المعجم العربي هي أقدم الصناعات المعجمية في اللغات الحية وأغزرها كماً وأغناها نوعاً، فإن اللغة العربية لا تتوفر على معجم تاريخي حتى الآن. ويتضح لنا قِدَم المعجم العربي إذا ما علمنا أن أول معجم عربي متكامل، وهو معجم العين للخليل بن أحمد، وقد صُنِّف في القرن الثامن الميلادي، في حين أن اللغات العالمية الحية الأخرى لم تحظَ بمعجم قبل القرن السابع عشر، أي بعد حوالي تسعة قرون من صدور المعجم العربي الأول. فمعجم أكاديمية كروسكا (الإيطالية) صدر عام 1612، ونُشر معجم الأكاديمية الفرنسية بين عامي 1638 و 1694، وألَّف الدكتور جونسون معجمه الإنكليزي عام 1755، أما معجم وبستر الأمريكي فلم يصدر إلا عام 1828. ومن حيث غنى المعجم العربي كماً وكيفاً، يدلنا كتاب ” معجم المعاجم ” للمرحوم أحمد الشرقاوي إقبال على وجود اكثر من ألف وخمسمائة معجم في اللغة العربية من مختلف الأصناف وفي متنوع حقول المعرفة. ومع ذلك كله، فإنه لا يوجد معجم تاريخي للغة العربية، أسوة باللغات العالمية الأخرى كالإنجليزية والفرنسية.

    ما هو المعجم التاريخي؟

    المعجم العام أو العادي هو كتاب يحتوي على كلمات منتقاة من اللغة، تُرتَّب عادة ترتيباً هجائيا، مع معلومات دلالية ونحوية عنها. أما المعجم التاريخي فيزيد على ذلك بأن يؤرخ لظهور كل كلمة في اللغة ويتتبع ما طرأ على دلالاتها من تطور وعلى تلفُّظها من تغير، كما يبين أصل الكلمة وما إذا كانت قد اقتُرضت من لغة أخرى مباشرة أو عبر لغات وسيطة. ويستند المعجم في تقديم تلك المعلومات إلى النصوص المتوفرة سواء أكانت تلك النصوص مطبوعة أو مخطوطة أو منقوشة على أوراق البردي أو على النقود أو غيرها. فالمعجم التاريخي يرتب معاني الكلمة ترتيباً تاريخياً، فيورد المعنى الأقدم أولاً ويضع بعده سنة ظهوره مع شاهد أو اقتباس من النصوص المدوَّنة، ثم يأتي بالمعنى الثاني الذي استُعملت فيه تلك الكلمة وسنة ظهوره وجملة مقتبسة وردت فيها تلك الكلمة بذلك المعنى وهكذا.

    لماذا لا يوجد معجم تاريخي عربي؟

    ظهرت المعاجم التاريخية في أوربا نتيجة لازدهار اللسانيات الحديثة في النصف الثاني من القرن الميلادي، بحيث أُرسيت دراسة اللغة ووصفها على أسس علمية. ومن أبرز فروع اللسانيات في ذلك القرن علم اللغة التاريخي وعلم اللغة المقارن اللذان عُنيا بوضع قوانين تغير الأصوات اللغوية، وكذلك علم التأثيل (الإيتمولوجي) الذي يُعنى بدراسة أصل الكلمات واشتقاقها وتطور دلالاتها.

    ولم يكن بالإمكان تصنيف معجم تاريخي للغة العربية آنذاك، لأن النهضة العربية كانت في بدايتها إبان القرن التاسع عشر الميلادي، ولم تكن الدراسات اللسانية العلمية قد تطورت بما يكفي لإعداد معجم تاريخي لغوي؛ بل إن المعاجم العربية التي أُنجزت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، كانت، في حقيقتها، مجرد نقل من المعاجم القديمة السابقة مع تهذيب وتنقيح وإعادة ترتيب للمواد. أضف إلى أن تصنيف معجم تاريخي عربي يتطلب حشدَ عددٍ من المتخصصين باللغات العربية القديمة كالسومرية والبابلية والآشورية والآرامية والمصرية القديمة وكذلك باللغات التي تفاعلت معها العربية واقترضت منها كاليونانية والفارسية والتركية. وهذا يعني أن تقوم بتأليف المعجم التاريخي العربي مؤسسةٌ متكاملة تنكبُّ على هذا العمل وحده، ولا يكفي جهود لغوي أو معجمي واحد بمفرده. فمعجم أكسفورد للغة الإنجليزية ترعاه مؤسسة مستقلة لا همّ لها إلا تطوير المعجم وإخراج طبعة جديدة منه كل 25 سنة تقريباً لمواكبة التطور الدلالي للألفاظ الإنجليزية.

    ينبغي الإشارة هنا إلى محاولة جادة لتأليف معجم عربي تاريخي قام بها معهد أبحاث الاستشراق الألماني الذي كان يديره المستشرق أوغست فيشر (1865 ـ 1949)، بدعم من مؤتمر المستشرقين والمجمع السكسوني. ولكن هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918) أدت إلى توقف المشروع، ثم استُأنف العمل عام 1923. وحين أُنشئ مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1932، قرر تبني مشروع فيشر وإمداده بالدعم اللازم والمساعدين المتخصصين، فانتقل فيشر إلى القاهرة، ولكن الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) اضطرته للعودة إلى ألمانيا حيث أقعده المرض وعاجلته المنية. وضاعت المواد التي أعدّها فيشر، ما عدا المقدمة وجذاذات من حرف الألف.

    وعندما تأسست جمعية المعجمية العربية بتونس في أواسط الثمانينات، اهتمت بموضوع المعجم التاريخي فخصته بندوتها العلمية الدولية الثانية عام 1989، وأُنشئ عام 1990 مشروع (المعجم العربي التاريخي) بتمويل من الحكومة التونسية، ولكن هذا المشروع قد توقف، ثم أعيد العمل فيه عام 1996. ولعل سبب تعثره يعود إلى عدم تفرّغ القائمين على المشروع. ولهذا فإن اتحاد المجامع اللغوية والعلمية العربية قرر إنشاء مؤسسة مستقلة تتفرغ لتأليف المعجم التاريخي للغة العربية.

    أهمية المعجم التاريخي

    سيشكّل المعجم التاريخي للغة العربية قفزة نوعية في صناعة المعجم العربي، ويعمل على تبيان وحدة الاستعمالات اللغوية في مختلف الأقطار العربية، وبذلك يؤكد الروابط اللغوية بين هذه الأمصار ويعزز انتماءها إلى الأمة العربية، باعتبار أن اللغة هي من أهم الأواصر التي تربط الشعوب بعضها ببعض. وسيساعد هذا المعجم التاريخي على دراسة اللغة العربية دراسة علمية ووصفها وصفاً لسانيا دقيقاً، لأنه سيؤرخ للتغيرات التي لحقت بأصوات اللغة وأبنيتها الصرفية وتراكيبها النحوية بالإضافة إلى التطور الدلالي الذي أصابها. كما سيكون هذا المعجم مصدراًً لتصنيف الأنواع الأخرى من المعاجم وإمدادها بالشواهد اللازمة، وسنداً لمراجعة المعاجم الموجودة حالياً. وأخيراً وليس آخراً ، فإن المعجم التاريخي سيزود طلبة الدراسات اللسانية العليا بمرجع هام لإعداد رسائلهم وأطروحاتهم.

    منهجية تأليف المعجم التاريخي

    كان إعداد المعاجم التاريخية يعتمد على جمع الشواهد السياقية الكثيرة جمعاً يدوياً من مختلف عصور اللغة. وكان هذا العمل يتطلب حشداً من المحررين والمراسلين المتبرعين ويستغرق سنوات طويلة. أما اليوم فقد أصبحت العملية أيسر بفضل الحاسوب وقواعد المعلومات وبنوك الكلمات. إذ يمكن إنشاء مدونة لغوية تتألف من نصوص كثيرة تضم ملايين الجمل التي تنتمي إلى فترات اللغة المتباينة، والأقطار المختلفة، والمجالات المعرفية المتنوعة. ثم يجري البحث عن الألفاظ لفظاً لفظا، فيزودنا الحاسوب بآلاف العبارات والجمل التي يرد فيها اللفظ المطلوب مرتبة ترتيباً تاريخياً ، مع تاريخ كل جملة والمكان الذي كُتبت فيه والمجال المعرفي الذي تنتمي إليه،. فيتولى اللغويون والمعجميون استخلاص دلالات اللفظ المختلفة من السياقات التي وردت فيها. ويُعزز كل ذلك بدراسات تأثيلية عن أصل اللفظ وتحديد اللغة التي اقتُرض منها.

    وعلى الرغم من توفر قواعد البيانات والبرامج المتطورة بفضل الهندسة اللغوية المعاصرة، فإن تأليف معجم تاريخي يتطلب عشرات السنين. وأذكر أنني دُعيتُ قبل بضع سنين للمشاركة في الاحتفال الذي أقيم في سيرلانكا بمناسبة إنجاز معجم اللغة السنهالية، وكان العمل المتواصل قد بدأ في تأليف هذا المعجم قبل مائة عام بالكمال والتمام.

    #505445

    السلام عليك،،

    جزاك الله خير.

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد