أضفت إلى مكتبتي مؤخراً الإصدار الجديد من كتاب نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر تأليف العلامة الجليل أبي مسلم ناصر بن سالم البهلاني – رحمه الله – وقد قامت بنشر هذا الكتاب مكتبة مسقط مطبوعاً بعد أن كان منشوراً كمخطوطة بخط مؤلفه .
وكم يـثـلج صدر المرء عندما يلحظ اهتماماً بنشر مثل هذه المؤلفات  وكم يشعر حينها بوجود اتجاهاً معاكساً يعمل على إحياء سير ومناقب وأعمال هؤلاء العلماء رغم زخم الحياة المبهرج بروح التجديد والعولمة ، ورغم انصراف الناس عن كل ما هو قديم وإن كان أصيلاً
إنني لا أبالغ إذا ما قلت بأننا في حاضرنا المعاصر نواجه غزواً ثقافياً منظماً ودخيلاً يعمل على فصلنا تاريخياً ودينياً عن جذورنا المستمدة من ديننا الإسلامي الحنيف ومن قيمنا العربية الأصيلة  .
حاول أن تستوقف أحد طلابنا من خريجي الثانوية العامة ، واسأله عن شيخنا العلامة أبي مسلم :  من هو ؟  وما نسبه ؟  وأين ولد  ؟ ، وأين عاش وما هي مؤلفاته وما هي منزلته كعلامة وكشاعر .
لتكتشف بعد هذا خواء هذا الجيل من أي رابط ثقافي بعصر أمثال هذا الشيخ الجليل ، ولا عجب فمناهج اللغة العربية تخلو – إلا من قليل – من ذكر حياة أمثال هؤلاء أو تعرض لنماذج من مؤلفاتهم الشعرية أو النثرية الخالدة .
هذا بالرغم من أن المطلع على أعمالهم والقارئ لأشعارهم لتبهره ما يحويه أدبهم من بساطة الأسلوب ووضوح المعنى بشكل يجعل مثل هذه الأعمال نموذجاً جيداً للدرس اللغوي الهادف إلى خلق جيل عارف
بالكنوز الأدبية والثقافية لبلاده وأمته عبر التاريخ ، اقرأ أو استمع لقصيدة  النونية لشيخنا السابق الذكر لترى ما فيها من الشعر المنسجم الخالي من التعقيد اللغوي أو التنافر اللفظي ، حتى إنك لتشعر بحسن الصنعة وقوة البناء ومستوى البلاغة والفصاحة ، واقرأ له قصيدة   النهروانية لتعلم علو قيمته وارتفاع منزلته بين الشعراء على السواء .
ويبقى السؤال الأهم  . . .
متى نرى جهود وزارة التربية في دراسة مثل هذه الأعمال تمهيداً لتضمينها في مناهج اللغة العربية ؟
ومتى نرى قصيدة    النهراونية    وقد قررت حفظاً ودراسة على طلبة المرحلة الثانوية ، وهي لعمري أهلاً لهذا التشريف .
فلا خير في سياساتنا التربوية إن لم تستمد خصائصها وأهدافها من كنوزنا الأدبية المنسية .
ومتى نرى وسائل الإعلام وقد اهتمت بهذه الحقبة التاريخية التي برز فيها أمثال هؤلاء العلماء لنشر الوعي بهم وبسيرهم ؟  ومتى تثلج صدورنا بجيل ينمو ليواكب الحياة متسلحاً بما ورثه عن أجداده من قيم خالدة تصونه من الانجراف إلى تيارات الغرب ومصائبه .  متى ؟؟