الرئيسية منتديات مجلس الفقه والإيمان سبيل حتمي ما بين العقل والغيب

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #29311

    إذا كان العقل يحوز علي ذلك الموقع الثري من مساحة الفكر الإسلامي، فكيف له أن يقيم علاقة التوازن مع ركيزة روحية متماهية في الأساس الفكري ذاته وهي الغيبية، هل من سبيل الي تلاقح بين العقل والاعتقاد بالغيب ومتي يكونان متلازمين ومتي ينزعان نحو الانفصام والتناقض؟ ويتوجه الخطاب القرآني الي اقامة العلاقة الايمانية علي ذلك الأساس الغيبي في المعتقد، حيث نجد سلسلة من قرائن الصفات والأوضاع متصلة بسلامة عقيدة المسلمين (الذين يؤمنون بالغيب) (البقرة 3). ويقرن القرآن الكريم بين الغيبيات والمحسوسات في الشأن العادي اليومي من حياة الناس أو في الخوارق التي كرم بها اللّه عدداً من أنبيائه. وفي قوله تعالي (الله يبدؤُا الخلق ثم يعيده ثم إليه تُرجعون) (الروم 11) تلخيص للصلة التي تقرب ادراك العقل الفردي للغيبيات التي تفوق امكانات تصوره. فهناك توكيد علي بداية الله للخلق وهي نقطة بعيدة يصعب ادراكها من البشر تحتاج الي قرينة ايضاحية معززة لادراك العقل ويتبعه قوله (ثم يعيده) وهي نقطة غير مدركة لأنها غير محددة زمناً ومكاناً وتحتاج إلي قرينة ايضاحية أخري أيضاً وتقفل الآية بـ(ثم إليه تُرجعون) وهنا الرجوع الي اللّه مقترن بنقطة غير محددة بزمن معلوم لكنها حتمية..
    إذن هي ثلاثة أمور غيبية يراد للعقل الاسلامي ادراكها في فهم علاقة الذات الانسانية بالذات الإلهية وتنظيم تلك العلاقة علي وفق نظام تراتبي تصاعدي، ويضع الله (الموت) قرينة تفسيرية تتصل بقوة بكل من الأواصر الثلاث الماضية والموت علي غيبية الروح فيها واستحالة تفسيرها فيزيائياً إلاّ ان حقيقته الواقعة فعلاً تقيم رأس جسر في تفسير الجانب الغيبي من قصة خليقة الوجود التي علي واقعيتها وحتمية حصولها تتوافر علي ملمح غيبي عميق يصعب تناوله في تفسير يسير وتلقائي.
    فالسبيل بين العقل والغيب حتمي الصلة ولا يمكن تجاهله أو نكرانه لأن من خلاله يتضح مفهوم (الايمان) بالذات الإلهية عن سواه من المفاهيم.
    إنَّ العقل في الاسلام عبر تلك الركيزة القائمة علي طرفي (الادراك المحسوس) و(الالتماس الغيبي) يقوم علي توازن ضمني داخلي نابع من النفس كحالة اطمئنان في العلاقة مع الذات الالهية. ومن هنا تكون الصفات نفسها المستقرة في العقل الاسلامي أثناء العلاقة مع الآخر (البشري).
    غير أنَّ الذي يجعل المسافة ملغية بين العقل والغيب ومن ثم ينعكس علي القدرة التأويلية التحليلية للفكر الاسلامي ذاته هو انسياق الآراء وراء اقفال جانب التأويل التجريبي الاختباري لظواهر الحياة الموصوفة في النص القرآني وهو اقفال يقطع السبيل علي ايجاد حلول لمعضلات تنشأ من التطورات المادية للحضارة البشرية التي تمر بقفزات نوعية هائلة وتترك آثاراً مختلفة وغير مصنفة علي نحو تفصيلي، وانّ اهمال تحليلها واعادة تركيبها في سياق فهم اسلامي معاصر لظواهر الحياة التي يعيش داخلها الانسان المسلم كما يعيش سواه فيها وان التخلف عن (ادراكها) و(عقلنتها) و(تحليلها) هو منح فرصة للآخر لكي يجتاز مسافة جديدة في سباق الحضارة في حين يبدو الفكر الإسلامي في مكان منزوٍ.

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد