الرئيسية منتديات مجلس شؤون العائلة التسميم السياسي ومحو الذاكرة

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #2709
    الغشمرية
    مشارك

    يُعَبِّر مفهوم التسميم السياسي عن حملة شاملة تُستخدم كل الأجهزة والأدوات المتاحة للتأثير في نفسيات وعقول وذاكرة الجماعة أو الأمة أو الشعب المحدد؛ وذلك بقصد تغيير أو تدمير مواقف معينة، وإحلال مواقف أخرى محلها تؤدي إلى سلوك يتفق مع مصالح وأهداف الطرف –أو الأطراف- الذي يقوم بعملية التسميم السياسي، وغالبًا ما تكون هذه العملية موجهة إلى أمة أو مجتمع أو سلطة أخرى عادة ما تكون معادية، وقد أُطلق على هذا المفهوم العلمي مفاهيم إعلامية ودعائية تتقارب وتتشابه معه في بعض الجزئيات –دون أن تشمل جميع مقوماته وعملياته- من قبيل حرب الأعصاب وحرب الدهاء والحرب النفسية وغسيل المخ ومحو الذاكرة وصناعة النخبة الموالية والطابور الخامس …. إلخ.

    وقد استخدم هذا المفهوم العلماء الفرنسيون – وبالذات خبراء الحرب النفسية -، ووظفه أستاذنا الجليل د.حامد ربيع ( رحمه الله ) في دارسته عن الحرب النفسية في المنطقة العربية، وتحليل نجاحات الدعاية الصهيونية ومنطقها، وحاولت استخدامه في دراسة عن التطبيع مع الكيان الصهيوني وآثاره على الهوية واتجاهات الرأي العام في مصر.

    ويتوجه التسميم السياسي إلى عقل الإنسان ونفسيته – وليس جسده – محاولة التأثير في ثوابته ومنهج تفكيره، ويُعَدُّ التسميم السياسي جزءًا لا يتجزأ من مفهوم الحرب الشاملة، وقد تتم ممارسته قبلها، وفي أثنائها، وفي أعقابها، وغالبًا لا يتم إدراك مدى نجاحه أو إخفاقه إلا بعد سنوات، ويُقاس ذلك – أي مدى النجاح والإخفاق – بحجم واتجاه التغيير الذي يُحْدِثه في قطاعات النخبة السياسية، والنخبة المفكرة والمثقفة في البداية، ثم في جمهور الرأي العام المعين في بلد ما بعد ذلك.

    ويمكن القول إن مقومات عملية التسميم السياسي تشمل:

    1- الاتجاه أو التوجه في خطابها الفكري والسياسي إلى العدو أو الخصم السياسي، وقد تتجه إلى الآخر بمعناه العام وفق تحديدها له.

    2- الاختلاف عن الدعاية من حيث كونها لا تسعى إلى الإقناع أو الاقتناع، بل تستهدف القضاء على الخصم بمعنى شلِّ قدراته الفكرية والمعنوية.

    أما من حيث غايات التسميم السياسي فيمكن تحديدها في:

    1- تحطيم إيمان الخصم بعقيدته السياسية أو الدينية، أو بعدالة ومشروعية القضية التي يدافع عنها.

    2- تحطيم التماسك النفسي والإدراكي والعقلي للخصم السياسي أو العقائدي أو الديني، وتمزيق مكونات شخصيته القومية والدينية.

    3- استغلال النجاحات التي يصل إليها الطرف المهاجم والقائم بعملية التسميم السياسي كوسيلة لإضعاف ثقة الطرف الآخر بنفسه وعقيدته.

    أما جوهر عملية التسميم السياسي فيمكن القول -انطلاقًا من تحديدنا لهذه العملية- بأنها تلك التي يُراد بها التأثير على العقول والأفئدة عن طريق التلاعب بعناصر التكوين المعنوي، الأمر الذي يمثل قمة التوجيه السياسي أو المعنوي للخصم.

    وهي تشمل عمليتين متوازيتين هما:

    الأولى: زرع أو غرس قيم معينة صحيحة في ذاتها، ثم دفعها تدريجيًّا في السلم التصاعدي لنظام القيم الفردي أو الجماعي، بحيث ترتفع إلى أعلاه؛ ومن ثم تفرض على القيم المطلقة أو العليا النزول إلى مراتب أقل أهمية.

    ولتوضيح ذلك نضرب مثلاً، فلنكن أمام ثوابت مجتمعة إزاء قضية محددة، ولتكن قضية مجتمع احتُلَّت أرضه، وبالتالي فإن مطلبه العادل هو تحرير أرضه، وهو يستند في ذلك إلى مبادئ مطلقة وثابتة وشرعية تتأسس على مبادئ العدل وحق مقاومة الاحتلال، وقدسية الأرض …. إلخ، وهو منطق ثابت لا يقبل المساومة أو التنازل.

    تبدأ عملية التسميم السياسي عبر زرع قيم جديدة لدى طبقات في المجتمع المحكوم: الطبقة المثقفة والنخبة السياسية …. إلخ، تدور حول ضرورة الاعتراف بالآخر، وقبول التعايش معه في ظل منطق العصر، وضراوة ما يترتب على الحروب من مآسٍ، وأنها ليست حلاً لأي مشكلة، ومزايا السلام والتنمية … إلخ.

    هذه القيم الجديدة في حد ذاتها ليست شيئًا سيئًا، بل تُعَدُّ أمرًا مرغوبًا فيه، وتمثل في فترة معينة تطلعات المجتمع والإنسان المعاصر، ولكن المشكلة فيما سيأتي بعد.

    في مرحلة تالية تتم عملية تضخيم لهذه القيم، وتصعيد تدريجي لها بوعي وعبر وسائل الإعلام والاتصال والتعليم والتنشئة بوجه خاص، وهكذا تتصاعد هذه القيم الجديدة شيئًا فشيئًا إلى أعلى قمة السلم الهرمي للقيم، وعندئذ تحدث عملية إحلال شعورية ولا شعورية، فإذا بهذه القيم الجديدة تَحُلُّ محل القيم والثوابت القديمة كمحدد للمواقف، وإطار حاكم ومحوري للسياسات والممارسات المختلفة.

    وهذه العملية تقود إلى التصادم بين النوعين من القيم، سواءً تم ذلك على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي، فلنتصور مفكرًا أو موظفًا تصاعدت لديه قيم الشهرة والاستهلاك، والكسب السريع دون مجهود حقيقي على حساب قيم الأمانة، والعدل، والحق والشرف، …. إلخ، ماذا يفعل؟، سيكون على استعداد لأن يفعل أي شيء لتحقيق قيمه الجديدة : يسرق، ويرتشي، ويتنازل عن كرامته أو هويته…إلخ.

    _ يتبع_

    ______________________________________________

    اضحــــك وفكّر بإيجابية…

    #316717
    الغشمرية
    مشارك

    وعلى المستوى الجماعي فإن الأمة أو النخبة التي تخضع لمثل هذه العملية سوف ينتهي بها الأمر إلى أن تمسح ذاكرتها، وتتخلى عن حقوقها الأصلية، ومقدساتها في سبيل حل مشكلاتها الاقتصادية وتحقيق التنمية أو الرفاهية الاقتصادية …. أو حتى توهمها إمكانية تحقيق ذلك.

    الثانية: عبر منطق الدعاية والتوجيه السياسي يتم تسريب أفكار وقيم معينة بحيث تؤدي إلى تصور معين للمواقف يختلف عن حقيقته الفعلية، مما يترتب عليه عند اكتشاف هذه الحقيقة نوع من الصدمة تؤدي إلى شلل نفسي، وبالتالي عدم القدرة على المواجهة لما توجده من تمزيق في الشخصية.

    هذه العملية قد تكون مقدمة لمعركة فعلية، تأتي بعدها عملية الهجوم القتالي ليتحقق الانتصار بأقل التكلفة، كما قد تكون لاحقة بحيث تكمل الانتصار بالقضاء المطلق على الخصم أو العدو، كوجود ذاتي ذي هوية حقيقية متميزة تجاهد في سبيل التمسك ببقائها الحضاري وليس مجرد الوجود الجسدي والعضوي.

    وتتم ممارسة هذه العملية في إطار التسميم السياسي عبر آليتين أو أداتين متكاملتين:

    أ- أداة التضليل الذي يقوم على التوظيف المخالف للواقع، والسيئ للقيم السياسية والدينية.

    ب- أداة الترويض والتي تجعل تلك القيم والمواقف الجديدة ليست مستغربة، وإنما هي مطلوبة ومتسقة مع الإطار أو النظم القائمة بصرف النظر عن طبيعتها الواقعية.

    وهكذا يعد التسميم السياسي إحدى العمليات أو المقدمات المنطقية التي تعاد من خلالها تشكيل الإطار الذي ينطلق منه الرأي العام في مجتمع معين، بحيث يتم تشكيل ذلك الرأي العام إزاء القضايا التي تواجهه بشكل يتناسب مع القيم الجديدة التي غرسها، أو تسريبها إلى عقله ووعيه الجماعي أو ذاكرة النخبة المثقفة والقائدة فيه.

    أليست عملية التسميم السياسي بهذا المعنى هو ما تخضع له الذاكرة والوعي الجمعي للأمة منذ عقدين من الزمن على الأقل في صراعها الممتد مع الكيان الصهيوني. ؟؟!!!

    _____________________________________________

    اضحــــك وفكّر بإيجابية…

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد