الرئيسية منتديات مجلس شؤون العائلة صمتت ثم انفجرت؟؟؟

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #2667

    جاءت صغيرتي التي لم يتجاوز عمرها الثماني سنوات إليَّ باكية، ولكنها كانت هذه المرة على غير عادتها عادة الإفصاح عما بداخلها بدون تفكير وتدبر، وكانت صامتة، وكلما ألححت في معرفة السبب؛ جاء الرد عجيبًا غريبًا مخيبًا مفزعًا لا أستطيع الكلام، فلو تفوهت بما داخلي فسوف أرتكب خطأ جسيما، لا، بل سوف أقع في الحرام ذاته!! ثم عادت للبكاء في صمت.

    ما هذا الكلام العجيب؟ أدركت تمامًا أن هذا الموقف هو من تلك المواقف التي تحتاج قليلاً من الانفعال، وكثيرًا من الحكمة والصبر.

    لا أستطيع أن أرى دموعك الغالية عندي طويلاً، لا بد أن تحكي ومهما كان سبب البكاء فلن أغضب منك، أعدك بذلك، ما قد يغضبني حقا هو أن يكون بيننا أسرار، ثم أخذتها في حضني لعل ذلك يهدئ من روعها، أنا أحكي لك كل شيء، ولا أخفي عليك شيئا، ألا تحبين هذا التصرف مني، أنا أيضا سأفرح كثيرا لو أنت بادلتني هذا الحب وهذه الشفافية في التعامل.

    هدأت قليلا ثم عادت، ولكن أخاف أن يعاقبني الله على ما سأقول، ـ ولماذا يعاقبك؟ أنت تقولين أنا أخاف الله وهذه علامة جيدة وحسنة على خشية الله وتقواه. لا أعتقد أن ما بداخلك وأنت تخشين الله سيكون بمثل هذا السوء الذي تتحدثين عنه لعلك تبالغين.

    وفجأة انفجرت

    لا، أنا لا أبالغ يا أمي؛ فأنا لم أعد أحب القرآن ولا أريد حفظه، أرجو أن تطلبي من معلمي ومحفظي ألا يحضر إلينا، ولنوقف مسيرة الحفظ هذه؛ فأنا تعبت لا أريد، والله كنت أحب القرآن ولكن.. الآن عادت وصمتت.. ابتسمتُ؛ لأنني كنت أتوقع تماما هذا، ولكني توقعته أن يحدث منذ فترة طويلة؛ فالحمد لله ابنتي دأبت على الحفظ منذ أن كان عمرها الخامسة، وواصلت الحفظ دونما توقف إلا لفترات محدودة، فهي بفضل الله وكرمه سريعة الحفظ والاستيعاب.

    ضممتها إلى حضني أكثر، وابتسمت قائلة: لماذا كل هذا الاضطراب والتوتر، وما تتكلمين عنه شيء وإحساس طبيعي، كلنا بشر، ومن طبيعة البشر أن يملوا هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى البشر من طبيعتهم لا يميلون إلى ما يطلب منهم حتى لو كان هذا في صالحهم، ويميلون إلى ما يرغبون في فعله من تلقاء أنفسهم لا إلزاما من أحد.

    أنا كثيرًا ما أحس أنني مللت الطبخ والكي وغسيل الملابس، ولكنني مقتنعة تمام الاقتناع أنني لا بد أن أقوم بهذه الأشياء حتى لو كانت عكس رغبتي؛ ففعلي لكل هذه الالتزامات يؤدي في النهاية إلى سعادة باقي أفراد الأسرة.

    وهكذا أنت لا تريدين الحفظ؛ لأنك أمرت بذلك وألزمناك بذلك؛ فالأمر لم يكن رغبة داخلية منك.

    وهنا بدأت في سرد واجباتنا المحدودة في مقابل نعم الله اللامحدودة، ثم تطرقت إلى معنى العبادة الشامل والهدف الرئيسي من الخلق، وبعدها حكيت لها قصة الطفلة البوسنية (5 سنوات) التي حاولوا في أثناء الحرب في البوسنة تنصيرها، ولكنها بادرتهم بتلقائية شديدة أمي علمتني حينما أخاف أو أفزع أن أقول: قل هو الله أحد الله الصمد.. فتركوها لإحساسهم أنه لا جدوى منها، فأدركت صغيرتي معنى الحديث الذي طالما حاولت أن أشرحه لها: .. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك…

    وفي النهاية ختمت كلامي: لا داعي للحفظ اليوم، لكن لا أرى حكمة في أن نوقف مسيرة الحفظ، هل يغلق عاقل باب الخير والثواب والحسنات والقرب من الله تعالى بيديه يا ابنتي؟ ألا إن سلعة الله غالية، ألا أن سلعة الله هي الجنة؛ ابتسمتْ، وقالت: اقتنعت وأعدك بالعودة للحفظ، ولكن لا تحرمينني يا أمي الآن من أن نحاول سويًّا أن نتخيل ولو للحظات جمال الجنة؟.  

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد