مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #24177
    المزعج
    مشارك

    من أخطر الابتلاءات التي ابتلى الله بها الأمة في عصرنا الحالي ؛ أن نصّب الجميع من أنفسهم فقهاءً يطوعون الشرع و أحكامه كيفما شاءوا ، وأصبح للجميع حق الإفتاء و الاجتهاد بعلمِ أو غير علم ؛ عن حقِ أو باطل .. وكأن تعاليم الإسلام وأحكامه حلاً للجميع يخوضون فيها كيفما شاءوا .
    فكثرت الأهواء و الأقاويل و الأباطيل ، و اختلطت المفاهيم الصحيحة بالباطلة ، ولم يعد الكثيرون يدركون أين الحق من كثرة ما يسمعون من الجعجعة بغير علم .

    لقد جاءت أحكام الشريعة الإسلامية بإقرار الأمن في بلاد المسلمين ، وعصمة دماء المسلمين والمعاهدين على حد السواء ، وحفظ الدين والنفس والمال والعرض للمسلم و غير المسلم على حد السواء ، و تغليظ القيود لكي لا تنتهك هذه الأحكام .

    ولنستمع إلى قدوتنا و نبينا حامل رسالة هذا الدين و أحكامه في حجة الوداع إذا يقول : ( إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ، قَالُوا: نَعَمْ ، قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ) .
    وقوله عليه الصلاة و السلام : ( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ. )

    و هاهو ابن عمر رضي الله عنه ينظر للكعبة قائلاً : ( مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ ) .

    فما بال من يستبيحون دماء المسلمين ويروعون أمنهم و يخربون أموالهم و ممتلكاتهم ثم يدعون أن هذا من الجهاد ؟!!
    فهؤلاء يصدق فيهم قوله تعالى : ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا )

    و كما حرص الإسلام على حفظ دماء المسلمين و أموالهم و أعراضهم ؛ كان حريصاً أيضاً على من أخذ عهداً في بلاد المسلمين .. و لننظر إلى قوله تعالى ( وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ )
    فالإسلام فرض الدية والكفارة للكافر الذي أخذ الأمان في بلاد المسلمين إذا قتل خطأ .. فما بالنا إذا كان قتله عمداً و فيه مافيه من قتل غيره من المسلمين و ترويع أمنهم ؟؟!!
    وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ) .

    و لامجال للحديث عن الخروج عن عهد أعطي للمعاهدين إلا بشروط وضعها الإسلام وقيد بها هذا فلم يطلقها لكل من شاء يأولها حسبما يرى ، فالثابت أن العهد الذي منحه صاحب الأمر في بلد مسلم هو ذمة واجبة على المسلمين و لا يجوز نقده إلا لعلماء الدين .. لا أن يأتي كل أحد و يطوع أحكام الدين حسب أهوائه .

    فالإسلام ليس دين غدر ، ولا غدر لمن كان له عهد مهما كانت الظروف والأحوال ، ومهما بلغت مشاعر الضيق و الألم .. فللإسلام تعاليمه التي ترقى و تسمو به عما سواه .. و إلا ما لفرق بين الإسلام وغيره إذا كان منهاجه و مواقفه هو نفس منهاج غيره من الغدر ؟؟!!
    وربما من يراجع سرية ( بئر معونة ) التي دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدية فيها لرجلين كافرين قتلهما أحد الصحابة رغم كثرة من قتل من أصحابه فيها ، يدرك مدى عظمة هذا الدين و أحكامه و تعاليمه .

    أما من يتحدثون عن الجهاد و هو الذي جعله الله فرضاً على كل مسلم فإن للجهاد شروطه و آدابه .. فقد كان رسول الله صلى اللهم عليه وسلم إذا بعث أميرا على جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا فقال ( اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا ) .
    ولنقرأ وصية سيدنا أبي بكر الصديق لأمير جيشه : ( إني موصيك بخصال،لا تغدر ولا تمثل،ولا تقتل هرماً، ولا امرأة ولا وليداً،ولا تعقرن شاةً ولا بعيراً إلا ما أكلتم ،ولا تُحرقن نخلاً،ولا تخربن عامراً، ولا تغلّ ولا تجبن )

    فما أروع هذه الدين و ما أعظم تعاليمه حتى في ميادين الحروب .. فهذا هو الجهاد الذي يريده الإسلام .. جهاد رجولة في ميادين الحرب ، لا جهاد في البيوت و المساكن .. جهاد لإعلاء كلمة الله و راية الإسلام ، لا جهاد ترويع المسلمين الآمنين و تدمير أموالهم و ممتلكاتهم .. جهاد رجل لرجل ؛ سلاح لسلاح ؛ وجه لوجه .. لا وجه لظهر .

    فياليت من يتحدثون عن الجهاد يدركون عظمة الإسلام فيه ، ويا ليت من يتحدثون عن الجهاد يدركون أحكامه و آدابه ، وياليت من يتحدثون عن الجهاد لا ينقصون من قدر المجاهدين الحقيقيين الذين وهبوا أنفسهم لإعلاء كلمة الله في ميادين الحروب ، فلا يساوونهم بغيرهم .

    فإذا كان البعض يسعى لإرضاء المشاعر الملتهبة ومجاراة مشاعر الغضب و الحنق التي تتأجج في نفوس الجميع ، فليكن هذا بعيداً عن أحكام الدين و تعاليمه فهي لها حرمتها ، و إن كان البعض يسعى لتحقيق أهداف لا يعلم نواياها إلا الله ، فليخرج من عباءة الإسلام و ليفعل ما يشاء .

    ( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) .

    نسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، و أن يصلح أحوال المسلمين و يهديهم إلى التمسك بالكتاب و السنة و أحكام الإسلام و قيمه و تعاليمه .

    اللهم آمين

    #457330

    جزاك الله الف خير

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد