الرئيسية منتديات مجلس الفقه والإيمان التحذير من كذبة إبريل

مشاهدة 6 مشاركات - 1 إلى 6 (من مجموع 6)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #23161
    بحبوح
    مشارك

    التحذير من كذبة إبريل .. رسالة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي يحفظه الله تعالى

    السؤال

    الحمد لله أهل الحمد والشكر، وأهل التقوى والمغفرة، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، أهدق من نطق، أعدل من حكم، وأبر من عمل، وعلى آله وصحبه الكرام البررة، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

    فما قولكم فيما تفشى عند كثير من المسلمين، رجالهم ونسائهم من تقليد الغربيين في الإقدام على الكذب عمداً في أول يوم من شهر إبريل – وهو الشهر الرابع من الشهور الشمسية – والتفنن في ذلك بطريقة تزعج السامع لحد الذهاب بلبه، كأن يقول له الكاذب: إن فلاناً مات أو صُدم وهو في الإنعاش أو سقط من سقف الدار. وكثيرا ما يكون ذلك الفلان الذي عزي إليه أنه مات أو أنه في غيبوبة لشدة الحادث حميماً لمن أُزعج بهذا الخبر الكاذب، فيفجر ذلك مشاعر الحزن في نفسه وتهوله الصدمه حتى تُذهب أحياناً بعقله، وقد يؤدي به ذلك أحياناً إلى أن يقع هو نفسه في حادث يُذهب بحياته.

    وفي هذا العام سألت إمرأة صديقتها عن رؤيا رأتها في منامها أنها لابسة ثياباً بيضاء، وقد خمرت رأسها بخمار أحمر، فردت الصديقة عليها: بأن الثياب البيض هي الأكفان، وأن الخمار عذاب النار – والعياذ بالله – وأن هذا الرؤيا قرب وفاتها وأنها من أهل النار. فأقلقها هذا الجواب المزعج حتى ضمر جسمها وانتقع لونها وعادت كالعود الذابل، وبعد أسبوعين من معاناه قاسية وهموم طافحة اعتذرت إليها صديقتها بأن ما قالته لها لا يعدو أن يكون (كذبة إبريل).

    وهكذا استهان الناس بهذا الأمر فاعتادوه حتى عدوه مهارةً ونبلاً وعنواناً على التقدم والرقي، لما فيه من مجاراة الغربيين في فكاهتهم، والتأثر بهم في أنماط حياتهم وأساليب التعامل بينهم، مع كونهم اليوم سادة الموقف وقادة العالم ورادة العلم الذين لا يشق لهم غبار، ولعل مما هون هذه العادة لدى العامة أن بعض المنتسبين إلى العلم والفقه لا يرون فيها حرجاً، لأنهم يعدونها من الترويح عن النفس، لإبداع النكته، ولذلك لا يتورعون هم بأنفسهم عنها، ولئن كان هذا شأن هؤلاء فما بالكم بالعامة الذين هم كالهمج الرعاع؟!

    لأجل هذا كله أردنا منكم الجواب الحاسم ، مع ذكر ما أمكنكم من الأدلة الشرعية الدالة على حكم الشرع في هذه الكذبة الشائعة

    الجواب:
    إن الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث بكلمة الصدق ودعوة الحق، وعلى آله وصحبه الذين كانوا أصدق هذه الأمة قولاً، وأصلحها عملاً، وأبرها قلباً، وأسماها ذكراً، وأصحاها منهاجاً، وأقومها سلوكاً، وأكرمها خلقاً، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته وسار على نهجه إلى يوم الحساب. وبعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.

    حصائد الألسن:

    واعلموا – رحمكم الله – أن الإنسان لم يخلق هملاً ، ولم يترك سدى ، وإنما هو مسؤول عن أقواله وأعماله، ومجزي بما قدم وأخر من خيره وشره، “ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد” سورة ق الآية 18 ، وإن أخطر ما يورده المهالك ويهوي به في دركات العذاب لسانه إن أطلق له العنان ولم يضبط جريه حتى لا يخرج عن ميدان الصدق ولا يتعدى حدود الحق، ولذلك أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم أن حفظه هو ملاك الأمر كله، إذ هو معقل الإستقامة ومناط السلامة ، وذلك في وصيته لمعاذ رضي الله عنه ، ولما قال له معاذ: : أانا مؤاخذون بما نقول يا رسول الله؟ قال له: “ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم – أو قال: على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم” المستدرك (3548) وهو دليل على أن فلتات اللسان التي لا يبالي بها الإنسان في قوله هو مورد هلكته ومكمن عثرته، وهذا ما يدل عليه حديث: “إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبينها تهوي به في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب” البخاري (6112) وفي حديث أخر: “إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يحسب أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة” جزء من حديث رواه الإمام الربيع في مسنده رقم الحديث (724).

    وإنما كانت عثرات اللسان مصدر الشقاء ومناط السوء، ومجامع الفساد، وسبب الهلكة، لأن كبائر القول هي التي تبعث على كبائر العمل، وأنها تؤدي إلى حجب الحقيقة، وتزين مقاومة الحق، وفي مقدمتها الكذب الذي يتورع من ابتلي به عن سوء، ولا يرتفع عن رذيلة، ولذلك توعد الله المنافقين على كذبهم حيث قال: “ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون” سورة البقرة الآية 10 – وهذا على قراءة عاصم وحمزة والكسائي بفتح الياء وإسكان الكاف وتخفيف الذال – وكفى به شاهداً على خسة الكذب ودناءته، ونذالة الكذاب وسوء حاله، ورادعاً لمن كان له قلب عن الإتصاف بالكذب أو الرضى به.

    ومن المعلوم أن أولئك المنافقين كانوا ينطوون على عقائد الكفر في سريرتهم، وهي أقبح ما تلبس به الإنسان، فلذلك تساءل بعض المفسرين، لماذا توعدوا على الكذب ولم يتوعدوا على الكفر مع أنه أفض وأخطر؟ وأجاب عن هذا الأستاذ الإمام محمد عبده بقوله: “إن الكفر داخل في هذا الكذب، وإنما اختير لفظ الكذب في التعبير للتحذير منه وبيان فضاعته وعظم جرمه، ولبيان أن الكفر من مشتملاته وينتهي إليه في غاياته، ولذلك حذر القرآن منه أشد التحذير، وتوعد عليه أسوأ الوعيد، وما فشى الكذب في قوم إلا فشت فيهم كل جريمة وكبيرة، لأنه ينشأ من دناءة النفس وضعف الحياء والمروءة، ومن كان كذلك لا يترك قبيحاً إلا بالعجز عنه، نعوذ بالله من عمله ومنه” أ. هـ. تفسير القرآن الحكيم الشهير بالمنار، محمد رشيد رضا، ص 156،ج1، دار المعرفة بيروت

    الكذب مناف للفطرة:

    والنفس البشرية تدرك بفطرتها قبح الكذب ونذالته وخسة الكذاب ودناءته، ولذلك يستحي كل من كان سوي الفطرة أن تسجل عليه كذبة في قوله، وقد كان هذا شأن العرب في جاهليتهم مع ضلال معتقدهم وسوء أعمالهم فقد كان الكذب عندهم عاراً يتقونه لما يترتب عليه من سوء الأحدوثة، مع أنهم ما كانوا يخشون وعيداً ولا يرجون وعداً على ضده، وربما كانت حمية أحدهم تلح عليه أن يفتري الكذب فتأبى ذلك نفسه أنفةً وكبراً وإتقاءً أن يسجل ذلك عليه، فيكون عليه عاراً وخزياً يأثرهما عنه من تحدث عنه في حياته أو بعد مماته. وقد حصل هذا لأبي سفيان صخر بن حرب إبان شركه وما كان يتأجج في نفسه من حقد دفين وبغضاء متأصلة وكراهية عميقة للنبي صلى الله عليه وسلم ولدينه الإسلام، فقد أخرج الشيخان وغيرهما من طريق ابن عباس رضي الله عنهما عنه أنه عندما جيء به إلى هرقل عاهل الروم ومعه ثلة من أصحابه بعدما تلقى هرقل كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم المتضمن دعوته إلى الإسلام ، قال هرقل لترجمانه: “قل لهم – أي أصحاب أبي سفيان الذين كانوا وراء ظهره – إني سائل هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه” قال أبو سفيان: “فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذباً لكذبت عليه” قال الحافظ ابن حجر: “وفيه دليل على أنهم كانوا يستقبحون الكذب إما بالأخذ عن الشرع السابق أو بالعرف، وفي قوله “يأثروا” دون قوله “يكذبوا” دليل على أنه كان واثقاً منهم بعدم التكذيب أن لو كذب ، لإشتراكهم معه في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه ترك ذلك استحياء وأنفة من أن يتحدثوا بذلك بعد أن يرجعوا ، فيصير عند سامعي ذلك كذاباً وفي رواية ابن اسحاق التصريح بذلك ولفظه، “فوالله لو كذبت لما ردوا علي، ولكني كنت إمرأً سيداً أتكرم عن الكذب ، وعلمت أن أيسر ما في ذلك إن أنا كذبت أن يحفظوا ذلك عني ثم يتحدثوا به فلم أكذبه”. أ. هـ. البخاري (7) مسلم (1773)

    قلت ولا دليل أن العرب المشركين في جاهليتهم كانوا يهتدون بشرع سبق وإنما الفطرة هي التي هدتهم إلى قبح الكذب، وهذا ما يفهم من كلام أبي سفيان، حيث صرح أن الأنفة هي التي نهنهته عن الوقع فيه، وهذا ما يدل عليه قول السموأل:

    إنا وإن مالت دواعي الهوى وأنصت السامع للقـائل

    لا نجعل البــاطل حقا ولا نلظ دون الحق بالبـاطل

    نخاف أن تسفه أحــلامنا فنخمل الدهر مـع الخامل

    فهو كما ترى يبين ما في نفسه من الخوف من سوء الأحدوثة الناشئ عن الكذب، وهو الذي كان يحول بينه وبينه. ولئن كان هذا هو شأن أهل الجاهلية ، فكيف بالمسلم الذي شرفه الله بخطابه، وحضه فيما أنزل عليه من شرعه على الصدق، ووعده عليه أجراً كريماً، وحذره من الكذب وتوعده عليه عذاباً أليما، فقد قال الله تعالى: “إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيما” سورة الأحزاب الآية 35 وقال تعالى: “يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين” سورة التوبة الآية 119 وقال: “قتل الخراصون” سورة الذاريات الآية 10 ، ومعناه: لعن الكذابون. في قول كثير من المفسرين.

    يتبع ………………. إن شاء الله

    #451940
    الجديدي
    مشارك

    فعلا هكذا استهان ابناء الامة الاسلامية بالكذب والذي هو يعد من الكبائر …. فسبحان الله ونعوذ بالله من هذا الشر العظيم

    والسلام عليكم

    #452083
    نجمة
    مشارك

    أحسنت وبارك الله فيك أخي بحبوح……………………………..وفراغ القلب من الايمان والخشية هو الذي يقود الناس إلى ما يقودهم إليه..والله المستعان

    في انتظار بقية الفتوى………بارك الله فيكم

    احترامي

    #452166
    بحبوح
    مشارك

    الكذب مرض نفسي:

    هذا، والكذب داء عضال يسري في أعماق النفس فيودي بفضائلها ويُغوّر ينابيع الخير فيها ويحيي رذائلها، ويفجر فيها نوازع الشر ويقوي فيها ملكات السوء، ولذلك يبقى الكذاب أسير العادات المذمومة لا يجد إلى الفكاك منها سبيلا، وبخلاف ذلك الصدق، فهو الذي يحيي فضائل النفس ويعطل فيها ملكات السوء، وشاهد ذلك فيما أخرجه الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: “إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا” رواه البخاري (5743) ومسلم (2607) ، وهذا يعني أن التهاون بالكذب وإن كان يسيراً في بادئ الأمر يعوّد عليه اللسان حتى يصبيح من سجايا النفس، مع ما يتولد عنه من قبائح الخصال ومساوي الأعمال ورذائل الأقوال.

    وحسب اللبيب زاجرا عن الكذب أن الله حصره في الذين لا يؤمنون بآياته عندما قال: “إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بأيات الله وأولئك هم الكاذبون” سورة النحل الآية 105، وهو الذي يدل عليه ما أخرجه مالك في (موطئه)عن صفوان بن سليم رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله أيكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم. قيل له: أيكون بخيلاً؟ قال: نعم. قيل له: أيكون كذاباً؟ قال: لا” الموطأ (1795)، وهذا لأن الجبن جبلة لا يقوى على من ابتلي بها على تجريد نفسه منها، إلا أنه لا يضيره إن كان لا يمنعه من قول الحق والعمل به، وكذلك البخل، فإن النفوس جبلت على حب المال وما لهذا الطبع من دافع، إلا أن المؤمن بإنفاقه المال في مراضي الله يتخلص من أثره عليه ويفك أغلاله عنه، ولا يضيره أصل ذلك الطبع في نفسه إن كان لا يمنعه من أداء الزكاة ولا يحول بينه وبين القيام بسائر الواجبات المالية.

    أما الكذب فإنه ينشأ عن تعويد اللسان عليه حتى يصبح من سجايا النفس التي لا تجد ما يخلصها منها إلا قوة المقاومة وشدة المراقبة، وجاء في حديث مرفوع عند أحمد وغيره: “يطبع المؤمن على جيمع الخلال ليس الخيانة والكذب” الجامع الصغير (6300)، وهاتان خصلاتان من علامات النفاق التي دلت عليها الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر” البخاري (33)، مسلم (58)، الترمذي (2631) ، وزاد مسلم بعد قوله: “آية المنافق ثلاث … وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم” وفي رواية لهما وللنسائي والترمذي مثلما تقدم ولكن بإبدال “إذا أتمن خان” من قوله: “إذا عاهد غدر” وأخرج البخاري ومسلم و أبو داود والترمذي والنسائي عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أتمن خان ، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر” وفي رواية للنسائي “إذا وعد أخلف” بدلا من “إذا أتمن خان” وروى النسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “ثلاث من كن فيه فهو منافق، إذا حدث كذب، وإذا أتمن خان، وإذا وعد أخلف، فمن كان فيه واحدة منهن لم تزل فيه خصلة من النفاق حتى يتركها”.

    #452169
    بحبوح
    مشارك

    مساوئ أخرى للكذب:

    هذا، وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم في الكذب، ولو كان بقصد التسلية والترويح عن النفس، فقد أخرج أبو داود والترمذي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له ، ويل له” أبو داود (4990)، كما شدد فيه ولو كان في معاملة الأم لطفلها من أجل إجتذابه إليها أو إلهائه مما تحذره عليه، فقد أخرج أبو داود من طريق عبدالله بن عامر رضي الله عنه قال: “دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: تعال أعطيك. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أردت أن تعطيه. فقالت: أردت أن أعطيه تمراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنك لو لم تعطيه شيئا لكتبت عليك كذبة” أبو داود (4991).

    والكذب منفر للملائكة لأنهم يدركون من قبحه ما لا يدركه غيرهم، وهو ما دل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا كذب العبد تباعد عنه الملك ميلاً من نتن ما جاء به” الترمذي (1972)، وهو خيانة للمنصت للحديث، ففي سنن أبي داود عن سفيان بن أسيد الحضرمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق، وأنت له به كاذب” أبو داود (4971)، ومن أجل الحوطة والحذر من الوقع في الكذب حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراع في نقل الحديث حتى يتبين الناقل صحة ما نقل، فقد أخرج مسلم وأبو داود من طريق أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع” أبو دواد (4992).

    هذا، فإن من شأن الكذب أن يطمس البصيرة ويخمد الفطنة ويعطل المدارك ويسد على النفس منافذ التفكير حتى تعود أسيرة الأوهام، فإن الكذاب يخدع نفسه قبل أن يخدع غيره إذ يخيل لها أن الناس جميعاً أغبياء لا يفطنون لكذبه، فلذلك يتجاسر على أن يحكي لهم غير الواقع، ويقوي هذا الشعور في نفسه حتى لا يحسب حساباً قط لإطلاع الناس على سوأته ومعرفتهم بعثراته، وهو بكثرة ما يقول من الإفك يعوّد نفسه تصديق ذلك حتى تكون أسيرة الوهم لا تكاد تصل إلى حقيقة في أمر.

    #452172
    بحبوح
    مشارك

    كذبة أبريل موالاة للكافرين:

    ولئن كان منطلق الكذب بهذه الخسة والنذالة والفحش في الإجرام، وهو بهذه القدر من الإثم، فإن ما يسمى بـ “كذبة إبريل” أبلغ من الخسة وأفحش في النذالة وأعظم في الجرم وأشد في الإثم، لأنها ناشئة عما تكنه النفوس من الإعجاب بالكفرة الفجرة، واستحسان قبائحهم والزهو بتقليدهم، والإعتزاز بالسير في مناهجهم ، وما هو إلا رمز بيّن وعلامة واضحة على ما في هذه النفوس من موالاتهم والرغبة في المسارعة في هواهم، فإن من شأن المحب أن يسارع في هوى محبوبه، وأن يحب الظهور بمظهره والتحلي بحليته والحديث بلسانه.

    وكل عاقل يدرك أنه ما من أمر أسرع في نقض إسلام المسلم وهدّ أركان إيمانه من ذلك، ولذلك جاء القرآن الكريم بالتحذير البالغ والزجر الشديد عن ذلك، لئلا يبقى خيط من الموالاة بين المسلمين والكفار يقتاد به المؤمن إلى إتباعهم وترسّم خطاهم، ومن ذلك قوله تعالى: “لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاةً ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير” سورة آل عمران الآية 28، وقوله: “بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا” سورة النساء الآية 138-139، ولا يخفى ما في هذه الآية من الدلالة على أن هذه الموالاة تسلب المؤمنين جوهر الإيمان حتى يكونوا في عداد المنافقين، فإنهم وحدهم هم المتصفون بهذه الموالاة لأعداء الحق والدين، ويؤكده قوله تعالى: “يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبينا” سورة النساء الآية 144، وهو كالذي قبله لا يدل إلا على أن هذه الموالاة لا تنشأ إلا عن النفاق.

    ومن أبلغ التحذير من هذه الموالاة قوله تعالى: “يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تُلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل وإن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون” سورة الممتحنة الآية 1، وردف ذلك بيان أنهم مهما والوهم وتقربوا إليهم بصنوف التودد فإن أولئك الكفار لن يشاطروهم الود، ولن تفيض عليهم قلوبهم بالرحمة والحنان، بل سيظلون لهم أعداء ألداء ما داموا لم يتجردوا من جميع ثياب إسلامهم، ولم يتخلوا عن جميع لوازمه وتبعاته، وذلك قوله عز من قائل: “إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون” سورة الممتحنة الآية 2، وإنما الذي يرضيهم منهم أن يكونوا سواء في الكفر، ونبذ الإسلام ومناجزته، ولذلك قال: “وودوا لو تكفرون” سورة الممتحنة الآية2، وهذا كما الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: “ولن ترضى عنك عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم” سورة البقرة الآية 120.

    هذا وقد حض الله المؤمنين في هذا السياق على أن يتخذوا من موقف إبراهيم عليه السلام ومن معه من المؤمنين أسوة يتخذونها ومنهجاً يسلكونه في معاملة الكافرين، وذلك عندما أعلنوا البراءة من قومهم بكل شدة وحزم ووضوح وصراحة مع أن من بين أولئك القوم آزر أبا إبراهيم فقد قال الله تعالى: “قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير” سورة الممتحنة الآية 4، إلى أن قال: “لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد” سورة الممتحنة الآية 6.

    وفي قوله هذا ما يدل على أن الإيمان بالله واليوم الأخر مرتبط بهذه المفاصلة مع القوم الكافرين، وهي المعبر عنها بالبراءة، وأن من لم يتبرأ منهم فليس ممن يؤمن بالله واليوم الأخر، وفي قوله تعالى: “ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد” سورة الممتحنة الآية 6، من تهديد لمن أعرض عن هذا النهج وداهن في هذا الأمر ما لا يخفى على ذي بصيرة، ويدل عليه قوله تعالى: “لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا أبائهم وأبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم” سورة المجادلة الآية 22، فلا عبرة في هذا بقرابة قريب أو محبة حبيب، وإنما العبرة بالإيمان فهو الذي يشد المؤمن إلى المؤمن حتى يكون أخاً له في العقيدة يغمره بفيض مشاعره وكريم عواطفه حتى يحب له ما يحب لنفسه “والمؤمنون والمؤمنات بعض أولياء بعض” سورة التوبة الآية 71 ، هذا ، ولئن كانت الأيات السابقة محذرة من موالاة جيمع الكفار من غير تمييز لبعضهم عن بعض، فثم أيات أخر حذرت من موالاة كفار أهل الكتاب خاصة، ومنها قوله تعالى: “يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين” سورة المائدة الآية 51 ، وذلك لأن الله تعالى جعل العقيدة الحقة هي الفاصل بين المؤمنين وغيرهم ، أيا كان ذلك الغير.

    وقد أرسل رسوله وأنزل عليه الكتاب لرسم منهج الحق والتمييز بين حزبه وحزب الباطل، فلم يرسله بنظريات تحيى في عالم المثال ولا يكون لها وجود في عالم الواقع، وإنما بعثه بمنهج متكامل يضم العقيدة والشريعة وينطوي على العبادة والعمل والأخلاق، لتقوم حياة الأفراد والأسر والمجتمعات على أسس من الإيمان الثابت والشريعة العادلة والأخلاق الكريمة، حتى تكون كل جزئية من جزئيات حياة المسلم مصطبغة بصبغة إيمانية “صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون” سورة البقرة الآية 138، وهذه هي حقيقة الإسلام فإن الإيمان والإسلام يجتمعان ولا يفترقان ، لأنهما وجهان لحقيقة واحدة، فإن الإسلام هو الصورة الظاهرة للإيمان ، والإيمان هو الحقيقة الباطنة للإسلام وقد دل القرآن الكريم أن الإسلام الحقيقي الذي هو مناط السلام وسبب الفوز والفلاح، هو أن يسلم الإنسان حقيقته كلها لربه وذلك الإسلام الظاهر والباطن والروح والجسم والعقل والقلب والفكر والوجدان وهو ما دل عليه قوله تعالى: “قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين” سورة الأنعام 161، وبهذا يباين الإسلام جميع مناهج البشر وتصوراتهم التي لم تنبثق منه ، ويفرض على أتباعه جميعاً الإستقلال التام في العقيدة والفكر والسلوك والمنهج والقربات والعبادة والقول والعمل والسجايا والأخلاق ، وهذا يعني أن صفحة الحياة الإسلامية يجب أن تضل بيضاء نقية، لا يدنسها شيء من شوائب الفساد ولا يكدر صفوها ما يذهب ببهاءها أو يؤثر على رونق جمالها.

    وقد جاء في سياق هذا التحذير ما يدل على أن هذه الموالاة لا تنشأ إلا عن مرض نفساني ، يذهب بنور البصيرة وصفاء السريرة ويودي بحياة الضمير ، فقد قال تعالى: “فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين” سورة المائدة 52، ومن المعلوم أن تلك الموالاة الحمقاء التي تليها التبعية العمياء في الأقوال والأعمال وفي السلوك والأخلاق تسري في دين من وقع فيها، سريان النار في الهشيم، حتى تحول نضرته وبهجته إلى رماد متطاير تذروه الرياح فلا يقع على شيء إلا أفسده لأنه سموم فاتكة وأوبئة مردئة تذهب بحياة العقل، فلا يبقى له أثر عندما تغشاه غواشي الضلال.

    من أجل ذلك جاء في هذا السياق التحذير من الإرتداد ، لأن من تولاهم لا يقوى على الثبات في موقف ، بعد أن بدأ في التقهقر، بل يضل كلما عصفت به عاصفة من الهوى رجع إلى وراءه حتى يخرج من حضيرة الإيمان ، كأن لم يكن معدوداً يوماً من الأيام في زمرة المؤمنين، وذلك ما يتجلى في قوله سبحانه: “يا أيها الذين أمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا خافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم” سورة المائدة الآية 54.

    وما ذلك إلا لما تفضي إليه هذه الموالاة التي لا تصدر إلا ممن مرضت نفسه وتزلزل إيمانه من الاسترسال في هوى الذين والاهم ، فيتخلى في كل حين على شيء من دينه إلى أن ينتصل من جيمع الدين، كيف وقد عُد من تولاهم واحد منهم ، إذ لا يمكن من يستمسك بحبل الإيمان والإسلام وهو يحرص على أن يستمسك بما يصله بهم حتى ينال منهم الرضى.

    على أن إيمان المؤمن يقتضيه أن يكون دائما في الصف الإسلام غير متزلزل القدم ، لا يخرج عن جماعة المؤمنين التي هي أداة تنفيذ حكم الله في أرضه ، وتطبيق منهجه في عباده، وتمكين شريعته الواسعة التي تنظم العلاقات بين البشر وتحكم الصلاة والروابط بين المؤمنين ، وبهذا يتم لهم ما وعدهم الله به من النصر والتمكين والاستخلاف في الأرض ، لتنحدر أمامهم قوى الظلم والطغيان وتتهاوى بين أيديهم نظم الباطل والفساد، وما كان هذا الحرمان من تبؤ أمة الإسلام في هذه العصور هذا المنصب العالي إلا ثمرة من ثمرات خلخلة صفهم بما أصاب أفرادهم من هذا الداء العضال، فأخذوا يسارعون في هوى أعدئهم يتساقطون في شراكهم “الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهو يحسبون أنهم يحسنون صنعا” سورة الكهف 104، إذ يتصورون – لانطماس بصائرهم – أنهم يرتقون بذلك درك المكارم ويعرجون إلى ذرى المعالي ، غير واعين أن هذه انتكاسة إلى الحضيض الأسفل ، حيث تتحطم جميع قواهم وتذهب البقية الباقية ممن كان لهم من حياة.

    ومهما قيل في سبب نزول هذه الآيات ، فإن دلالتها على التحذير من موالاة القوم الكافرين لا يختلف فيها اثنان ، كيفما كانت تلك الموالاة ، وبأي صورة بدت ، وعلى أي سبب انبنت ، فلا تتفاوت أحاكمها باختلاف صورها أو تباين أسبابها فالظاهر عنوان الباطن ، والعلانية ترجمة السريرة ، فما هذه التبعية العمياء إلا تجسيد لمشاعر الولاء ، وكشف عما تكنه النفس من الإعجاب بهم، والإنبهار بمنهجهم، وما يعتمل بين جنباتها من الشعور بالضعف والإحساس بالهزيمة بين أيديهم ، وهو ما يأباه الإسلام على أتباعه ، ولذلك نجد فيما وصف الله به القوم الذين يحبهم ويحبونه، الذين وعد بهم نصرة الإسلام بالجهاد والتضحية في سبيله أنه قال فيهم: “أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا خافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم” سورة المائدة 54.

    فإن ذلتهم للمؤمنين لا تعني إلا لين جانبهم وإسلاس قيادهم لهم ، بخلاف حالهم مع الكافرين فهم أعزة عليهم لا تلين لهم قناتهم ولا ترق لهم صفاتهم ، فلا يجدون سبيلا للتأثير عليهم في المخبر ولا في المظهر ، لأنهم يصدرون عن أصل أصيل ويأوون إلى ركن وثيق ، فلا ينقادون إلا لأمر الله ، ولا يحتكمون إلا إلى شرعه ، ولا يزنون إلا بموازينه ، فجيمع أفكارهم وتصوراتهم وعبادتهم وعاداتهم وسماتهم وأخلاقهم إنما هي ترجمة لما نزل من الحق وما شُرع من الدين، وذلك ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على التزامه وهو يؤسس قواعد هذه الأمة ويشيّد بناينها عقيدة وفكرا وسلوكا ومنهاجا.

مشاهدة 6 مشاركات - 1 إلى 6 (من مجموع 6)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد