السلام عليكم ..
هذه قراءة لكاتب يدعى الصادق النيهوم لكتابه صوت الناس محنة ثقافة مزورة كتاب أصنفه على أساس فكري فلسفي سياسي .
بطريقة مختصرة جدا و بسيطة جدا سأحاول طرح أفكار هذا الكتاب ..
يحاول الكاتب أن يوضح مجموعة من المصطلحات التي حُرفت معانيها لأغراض سياسية بحتة .. والكاتب يستغرب لماذا يقوم العالم الإسلامي بتبني مصطلحات غربية و يجاهد في تطبيقها رغم إنها موجودة في النص التشريعي للإسلام المتمثل بالقرآن الكريم .. وهو لا يحاول مقارنة العالم الإسلامي أو الإسلام بشكل خاص بالعالم الغربي أو المسيحية و اليهودية بشكل خاص ..لكنه يريد أن يثبت بطريقة تاريخية أن الإسلام الذي نحن فيه الآن لا يتعدى قشور الجوهر ..
وهو يحمل مسئولية المذهبية و الانحطاط الفكري و الإسفاف بالمبادئ و التشريع الإسلامي عصر معاوية بن أبي سفيان الأموي الذي اغتصب حكم الشرع لأغراض خاصة .. وهو بذلك استباح منحنى خطير جدا جاءت جميع الرسالات السماوية لتصحيحه وهو الشرع الجماعي ..
كما أن الكاتب استطاع و بطريقة رائعة شرح مفهوم البنك من ناحية فكرة تأسيسه و أهدافه القديمة و الجديدة وما هو الخطأ الذي ارتكبه العالم الإسلامي لتبنيه هذا المصطلح رغم و جود مصطلح اطهر في القاموس الإسلامي و هو بيت المال ..
ولقد شن الكاتب نقد متميزا لما يقال عنهم برجال الدين و علوم الفقه و حمّلهم التخبط الفكري الواضح بين الأجيال و الركاكة في فهم الإسلام لأنهم كانوا أداة للساسة و القادة و الزعماء حيث قاموا بتوظيف الدين لخدمة مصالح شخصية و لتبرير تواجدهم على السلطة و هذه حقيقة يدركها متتبعي التاريخ الإسلامي .. و هي حقيقة لمن تتبع تاريخ الحضارات القديمة فزعماء الحضارات الغابرة بدون استثناء استخدموا الكهنة و رجال الدين لإقناع العامة بأنهم آلهة حتى يجدوا المبرر لاستعبادهم  و لا يجوز للعامة مجرد التفكير بما ليس لهم حق ..كما انه ليس في التشريع الإلهي مصطلح ما يشير إلى وجود مسلم محترف ؟!!
وتطرق الكتاب إلى نقطة خطيرة جدا و هي مغيبة عمدا عن المسلمين وهي مفهوم يوم الجمعة و ما هو دور الجامع و الشيء الخاص جدا مفهوم الشرع الجماعي الذي يحاول جميع الحكام المسلمين و غير المسلمين بإخفائه.. والشرع الجماعي هو مؤتمر إداري يقام داخل الجامع بنظريات إسلامية .
ومن الأمور الجيدة التي قام بذكرها هو أن مفهوم الإسلام بلغة القران لا يشير إلى دين واحد بل هو جميع الأديان  .
وانتقد الكتاب بشدة وجود جيش نظامي محترف الذي يتنافى مع فكرة الجهاد و مفهومه التشريعي و ارجع سبب وجوده إلى معاوية بن أبي سفيان الأموي الذي انشأ جيشا خاصا يصرف عليهم من بيت مال المسلمين كما أن هذا الجيش اصبح يدين لقضايا تخص الوالي فقط دون العامة و اصبح يدين هذا الجيش بالولاء للدولة وليس الله و اصبح هذا الجيش يقاتل من اجل مصالح الإقطاع الذي جاهد الإسلام سابقا إلى محوه كما أن التشريع الجماعي لهذه القوات أًعدمت فقرار القتال اصبح بيد الوالي و لأسباب يفرضها الوالي .. لذا انسلخت فكرة الجهاد و حل محله الجيش و مقاتلي الجيش ..
كما استطاع الكتاب أن يشرح الفرق بين الدين و السياسية فالدين موجود للدفاع عن قضية هامة و هي حقوق المستضعفين و بدون هذه القضية فأن الدين سيتم تسخيره لصالح الملوك فقط لذا ورد ذكر الجهاد دائما في القران الكريم .. كما أن الدين يخاطب الناس أنفسهم حتى يصبح كل فرد مسئول شرعا .. المستضعفين هم الرجال و النساء الأغنياء و الفقراء الكبار و الصغار ..
استطاع الكاتب أن يحلل وجهة نظر مذهب الخوارج و الشيعة و السنة حسب النظرية السياسية الفقهية للتحكيم بين معاوية و علي بن أبي طالب .. و أن هذا التحكيم وما تلاه هو مصدر المذاهب و بالتالي علوم الفقه التي لم يوصي الرسول بها بل كان الحث في عهده هو جمع و ترتيب القران و ليس السنة ؟!!
الإسلام في عهد الرسول ( ص ) استطاع أن يضمن حقوق الطفل و المستعبد و العامل و العجوز و المراهق و تحقيق مبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ومبدأ التوحيد و المسئولية الشخصية  وتحريم الربا و تطبيق التشريع الجماعي و الشورى وقضية تحرير المرأة و الجهاد والأمر بخفض الصوت و الدعوة إلى المجادلة بالحسنى و تحية السلام عليكم و يوم الجمعة .. فأين علوم الفقه الآن من كل ذلك ؟!!
لم ينسى الكاتب في موضوعه الشيق أن يدرج الإعلام مفهومه و تاريخه و أهدافه و أسباب فشله في البلدان الإسلامية .. طبقا لما اسماه بالإعلام الرأسمالي  ..
ذكر الكتاب أسباب تقدم الدول الغربية و تقهقر العالم الإسلامي وذلك لانه انشغل بحروبه الداخلية و مناوشاته الفقهية و ترك اكتشاف القارات الجديدة للغرب رغم أن العرب كانوا مؤهلين تماما لهذه الاكتشافات بعكس الغرب المتخلف في ذلك الوقت .. و بذلك استطاع الغرب أن يحبس العرب داخل حدوده ومنعه من تجاوز المحيط و ما يزال و هي فكرة خطيرة جدا .. كما أن الكنائس و الأحبار استطاعوا أن يحرفوا مصطلحات إسلامية أو يترجموها عمدا بطريقة خاطئة حتى تتشوه المعاني مثل كلمة الله فالأوروبيون لا ترجمونها بكلمة GOD بل كما ننطقها نحن العرب ALLAH على اعتبار أن الله هو رب المسلمين وحدهم و بالمقابل ترجم الأوروبيين كلمة يهوه التي تعني رب اليهود بكلمة GOD وليس كما تنطق EHEYEH وهذه فكرة قد تكون بسيطة لكنها دليل واضح على التحالف المسيحي اليهودي ضد الإسلام ..
ومن الأمور الشيقة في الكتاب انه ادخل عالم جحا فيه و ذكر أسباب نشأة هذه الشخصية و أهدافها الحقيقة فهذه الشخصية الفكاهية تحمل في طياتها و مواقفها واقع مؤلم يشرحه الكاتب بطريقة مميزة ..
تطرق الكتاب إلى مصطلح الوطن العربي و الواقع المؤلم حيث يقول أن هذا المصطلح يفترض إننا نملك تراثا عربيا مشتركا لكنه في الواقع أيضا نملك تراثا غير مشترك يقسمنا شرعا إلى طوائف دينية لا حصر لها .. وكما إننا لا نملك تاريخا واحدا بل هناك خمسة تواريخ على الأقل و هي الديني و الطبيعي و السني و الشيعي و الحديث .. كما إننا نتكلم لغة واحدة لكنها مختلفة الأهداف .. كما إننا نتكلم عن مصير واحد و هذا ينفيه الواقع فهناك العربي المرفه و العربي المشرد ..
ونقد الكتاب المثقف العربي المعاصر و اتهمه انه يسعى إلى طمس الحقيقة لمصالح شخصية أو فردية و اصبح مهمة المثقف هو تجهيل الناس و ليس تثقيفهم .. طبعا لم ينسى الكاتب أن يشير لأسباب ظهور شخصية المثقف المعاصر إلى تغييب الشرع الجماعي وما ترتب عليه من نواقص .
كما أن الذي شد انتباهي هنا انه استطاع أن يثبت أن النظرية الماركسية ليست هي النظرية اللينينية الشيوعية الاشتراكية بل هي الأقرب إلى نظرية الإسلام وان الذي تبناه فلادميير لينين ليس نظرية كارل ماركس بل هي نظرية البروليتاريا التي اختلقها بنفسه ..
كما أن من الأمور المفيدة أن الكتاب وضح أخطاء قاتلة في أمور الترجمة لمصطلحات تبناها العرب مثل مصطلحات الشيوعي و القومي و البرلمان و الديموقراطية و الأحزاب حرية الفكر و حرية النشر و حرية الرأي و غيرها .
ومن الأمور المميزة هو تفريقه بين العيد الديني و العيد الوطني و تعريفه لكل عيد .. فالعيد الديني يرتدي المواطن المسلم ثيابا جديدة و يصافح جيرانه و يزور أقاربه و يأكل كعكا و يبدو مواطنا سعيدا له حصة ظاهرة في الفرحة بالعيد أما في العيد الوطني لا يأكل المواطن كعكا و لا يصافح جيرانه ولا يزور و لا يزار و لا يصدق أصلا انه في عيد ..و استطاع أن يعرف شرعا و إنسانيا عيد الفطر و عيد الأضحى بالإضافة إلى أعياد إسلامية أخرى مثل عيد الهجرة و عاشوراء و عيد المولد النبوي  .
ختاما لا أريد إلا من الاخوة و الأخوات المهتمين .. البحث عن هذا الكتاب و قراءته بتعمق .. قد يبدو لنا إننا لا نستطيع أن نغير واقعنا لكن هذا لا يعني أن  لا نحاول فهمه ..
تحياتي ..

قلبي على بلدي انفطر     وقلب بلدي علي حجر