مشاهدة 3 مشاركات - 1 إلى 3 (من مجموع 3)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #19769
    الشايب
    مشارك

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    لقد سألني البعض عن قائلة كلمات توقيعي وهي (( حفصة بنت سيرين )) ففكرت أن أطرح نبذة عن هذه الشخصية المجهولة عند البعض والاقتداء بها .

    هي في سطور

    هي حفصة وأبوها ابن سيرين، وقيل له الحسن، من أولياء الله تعالى الأتقياء، وأبوها عَلَم من أعلام الزهد والورع والتقوى والفقه والفراسة، وقد نهلت من هذا النهر الفياض. وهي امتداد لجذور صالحة أثّرت في حياتها، وهي من عابدات البصرة، وكانت ذات همة عالية في طلب العلم حتى بلغت درجة عالية، روت به ظمأ طلابه وجلَت به القلوب. ماتت وهي ابنة تسعين سنة، عام مائة وواحد للهجرة.

    حفصة والعلم

    قد حفظت القرآن كله وهي صغيرة ابنة اثنتي عشرة سنة، وربّاها أبوها على العلم، فأثمر فيها فهمًا شديدًا لطلبه والسعي إليه، وقد طيّر هذا الشوق للعلم النوم من جفونها، فلم تتلذذ بنوم طالما وجدت فرصة لتحصيل العلم، وطلبها للمعالي هوّن عليها مشقة التكلف واستثار فيها الطاقات الكامنة لتحصيل الموعود، فضلاً عن نضوج العقل وصواب الرأي. وقد ربطت نفسها بعلماء زمانها؛ لتتلقى عنهم العلم النافع والمعرفة الصافية حتى وصلت إلى درجة رفيعة من الفقه والحديث، يرجع إليها أهل العلم عند الاختلاف وتحرّي الحق ومعرفة الصواب، ويقرأون عليها القرآن، وإذا استشكل على حفّاظ القرآن شيء ذهبوا إليها ليسألوها. قال إياس بن معاوية: “ما أدركت أحدًا أفضِّله على حفصة بنت سيرين، وهي من سيدات التابعيات في المكانة العلمية، كما قال ابن أبي داود، وقد بلغت شأنًا عظيمًا في حفظ الحديث الشريف وروايته حتى أصبحت عند رجال الحديث من الثقات”، وقد روت عن أخيها يحيى، وأنس بن مالك، وأم عطية الأنصارية وغيرهم، وروى عنها محمد بن سيرين، وقتادة، وقال عنها يحيى بن معين: ثقة حجة، وذكرها ابن حبان في الثقات.

    حفصة الحبيبة العفيفة

    لقد نشأت حفصة في بيت طهر وعفاف وترعرعت في بيئة قرآنية، فكان ذلك باعثًا على تميزها بين نساء عصرها في شدة الحياء والاستقامة وامتثال أوامر الله، انطلاقًا من عقيدتها بأن المشرّع حكيم عليم سميع، يحفظ للمرأة كرامتها من الابتذال؛ حتى لا تكون سلعة لأصحاب القلوب المريضة والعيون الخائنة، ولذا فقد حجبت المرأة استتارًا عن العيون؛ لتهدأ النفوس من الجانبين وتنصرف الهمم والطاقات لأسمى غاية خلقت من أجلها وهي العبودية الخالصة لله، والسمو بالنفس إلى مرتبة العمل لخيري الدنيا والآخرة، ومجاهدة الشيطان وجنوده من شياطين الإنس والجن. فالسيدة حفصة كانت لا تزاحم الرجال ولا تبدي زينتها، وهي قدوة للمسلمات الطاهرات حتى يقتدين بها. عن عاصم الأحول قال: كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا – تنقبت به- فنقول لها: رحمك الله، قال الله – عز وجل-: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾ (النور:60) وهو الجلباب. قال: فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: ﴿وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (النور:من الآية60)، فتقول هو إثبات الجلباب!! فهذه المرأة العجوز “حفصة” الملازمة للبيت والمحراب، ودون زينة وبهاء، تصون نفسها، وتعلم خير النساء من الصالحات وقد جئن لطلب العلم أن التستر وحجاب المرأة أحفظ وأضمن لدينها وكرامتها وعرضها، فأي شيء أسمى وأعز من جمال النفوس!!.

    ذرية بعضها من بعض

    إن الفروع الطيبة تنحدر دون شك من أصول عريقة صالحة تغذت بأطيب المكارم وعظيم الصفات، واختيار الأرحام الطاهرة التي توضع فيها النطف الزكية منطق سديد وجهنا إليه النبي-صلى الله عليه وسلم-ولفت أنظر الراغبين في الزواج له، فقال- صلى الله عليه وسلم- “تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء”؛ ليكتسب الأبناء المحاسن من العادات والأخلاق كل جميل؛ لأن المولود ينزع إلى أصل الأبوين وإن علَوا، بل هو امتداد لهما في الصفات الخِلْقية والخُلُقِية، ولذا ينشأ غالبًا على منوالهما وينهج نهجهما. وكان سلفنا الصالح يتفحص وينظر مدققًا فيمن حوله من النساء؛ ليتخير زوجة صالحة ويدفع من صالح ماله المهر. وقد اختار ابن سيرين أم حفصة من بيت ورع وصلاح، فكانت أمها صالحة محسنة كريمة طيبة الأعراق، فنزعت البنت إلى أخلاق والديها، وترسخ في قلبها قواعد الفضيلة من حب الله ورسوله وحب دينه بفضل تربيتهما، فكانت ذخرًا وعملا صالحًا لهما دنيا وآخرة، وقد جنيا ما غرست يمينهما. ومن أراد صلاح الذرية دون أن ينصلح فهو واهِم، يطلب المحال، فالطفل ينظر حوله ويلتقط ما تقع عليه عينه ويحاكيه فيسلك مسلك من يعايشهم ويخالطهم، وهو ابن بيئته، وهذا ابن “حفصة” “الهذيل” سليل الطهر والعفاف والتقى، عن هشام بن حسان قال: كان الهذيل بن حفصة يجمع الحطب في الصيف فَيَقْشُره ويأخذ القصب (الساق) دون ورقه الذي يؤذي دخانه. فيفلقه، قالت حفصة: وكنت أجد قَرَّة (البرد الشديد)، فكان إذا جاء الشتاء جاء بالكانون (بنية لها حافتان لحجز النار)، فيضعه خلفي وأنا في مصَلاَّي. ثم يشعل النار ليدفئني، ويمكث إلى ما شاء الله..). فهذه هي الذرية التي تقرّ بها العين، وتسعد بها النفس، والتي نهلت من معين مصفَّى، والتي تبكي عليها العيون إذا افتقدت لبرها بالوالدين بحثًا عن الأجر والثواب، تقول حفصة: “فلمّا مات رزقني الله من الصبر ما شاء أن يرزق. غير أني كنت أجد غُصّةً لا تذهب، قالت: فبينا أنا ذات ليلة أقرأ سورة النحل إذا أتيت على هذه الآية

    : ﴿وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل 95، 96).

    فأعظم بر “الهذيل” بأمه الذي يخدم أمه بنفسه، وكان بوسعه أن يأمر خدمه بذلك لو أراد إلا أنه خفض الجناح؛ عبودية لله بطاعة ورضا أمه طمعًا في جنته – سبحانه وتعالى.



    وكانت “حفصة” إذا أشفقت عليه وأحبت أن يعود لأهله نزلت على رغبته في تحقيق الأجر والثواب من ربه، فلعل هذا ينجيه من عذاب النار، وهكذا تكون الأم الصالحة. تخشى على الأبناء متاعب الدنيا بقدر ما تخشى عليهم من عذاب الآخرة. وكان سلوك حفصة وانشغالها بربها دافعًا للولد الصالح وعونًا له على طاعتها وبرها وإكرامها وحبه الشديد لها وعنايته بها – رضي الله عنهم -.

    حفصة العابدة القانتة

    إنها من ربات العبادة والزهد والخوف والوجل من خشية الله، وهكذا قلب المؤمن يرى نفسه مهما بلغ بذلك من جهد وطاعة مقصرًا في حق ربه، كلما ازداد طاعة لله ازداد تواضعًا وانكسارًا بين يدي ربه دون كبر أو عجب.

    سألت عائشة النبي – صلى الله عليه وسلم – عن قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) قالت: يا رسول الله أهم الذين لا يقومون بعمل صالح ويرجون رحمة الله؟ فقال لها: لا ياعائشة، ولكنهم الذين يقومون بالأعمال الصالحة ويخشون ألا يُتَقَبل منهم”. وحفصة – رضي الله عنها– وصلت إلى هذه الدرجة من حيث كثرة الدعاء والبكاء والولوج من باب العبادة والذكر، والإنسان إذا لم يكن بينه وبين ربه سر وصلة قوية بالله ينقطع عنه النور والفتح الرباني، وكانت حفصة على حظ عظيم من صلتها بربها، ولم يرها من حولها إلا في ذكر وطاعة وصيام وصلاة.

    قال مهدي بن ميمون: مكثت حفصة في مصلاها ثلاثين سنة لا تخرج إلا لحاجة أو قائلة (قيلولة الظهر). وعن هشام بن حسان قال: اشترت حفصة جارية أظنها “سِنْدية” فقيل لها: كيف رأيت مولاتك؟ فذكر إبراهيم كلامًا بالفارسية تفسيره أنها امرأة صالحة إلا أنها أذنبت ذنبًا عظيمًا، فهي الليل كله تبكي وتصلي!! لقد ظنت هذه الجارية أن العبادة والاجتهاد والقيام الذي تراه مولاتها حفصة يدل على ندم عظيم من ذنب كبير، والحقيقة أن الذي رأته هو حال المؤمنين الصادقين مع ربهم، فهم يأنسون بالله في هذه الخلوة والمناجاة، ويجدون فيها لذة لا يجدها الملوك ولا أبناء الملوك. وكان لحفصة كفن مُعدّ لبسته في حجها إذا أحرمت، وكانت تقيم فيه الليل أحيانًا. وروي عنها أنها كانت تقرأ نصف القرآن في كل ليلة، وتصوم الدهر دون العيدين وأيام التشريق، وكانت أكثر ما عملت وتقربت إلى الله أيام شبابها، وهكذا ظلت على قُرْبٍ شديد من ربها حتى صعدت روحها الطاهرة إلى بارئها سنة مائة وواحد للهجرة وهي ابنة تسعين عامًا. فرحمها الله رحمة واسعة، وأكثر فينا من أمثالها قدوة ومثلاً يُحتذى به.

    الشايب

    #430435

    بارك الله فيك الشايب على هذا الموضوع

    ومن منا من لم يقرأ سيرتها

    تحياتي لك وشكراً للموضوع

    #430510
    الشايب
    مشارك

    شكراً لمرورك ابني أمير كوكب مورس

    وكل عام وانت بخير

    الشايب

مشاهدة 3 مشاركات - 1 إلى 3 (من مجموع 3)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد