مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #19134

    السؤال…ما حقيقة السحر ؟ وما مدى تأثيره على الناس؟

    الجواب…

    بسم الله الرحمن الرحيم..الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين….أما بعد..

    السحر الذي ذكر في القرآن الكريم إنما هو نوعان….

    سحر تخيل ..بحيث يخيل للانسان ما ليس بواقع …والله سبحانه وتعالى ذكر ذلك في قصة موسى مع فرعون عندما قال (( يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى )) طـــه 66 ، فالخيال هذا أمر واقع وهو مشاهد وكثير من الناس تحدث به….

    والنوع الآخر الذي تحدث عنه القرآن الكريم هو السحر الذي يكون بإلقاء العداوات والكره في النفوس بحيث تكره نفس نفسا أخرى وهذا أيضا يقع..والله تبارك وتعالى يقول ( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ) ..ولكن مع هذا يقول ( وما هم بضآرين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ) ….البقرة 102

    فهم لا يملكون ان يوقعوا المضرة الا عندما يريد الله تبارك وتعالى وقوعها ابتلاء منه سبحانه وتعالى…

    فالسحر لا ينفعل بنفسه وانما ينفعل بأمر الله تعالى فاذا هذان النوعان هما المذكوران أما ما شاع وذاع في أوساط الكثير من الناس من أن السحرة يأكلون لحوم البشر وأنهم يخفون البشر ويظهرونهم للناس أنهم موتى وقد يخيل لبعض الناس أن فلانا ميت وليس هو بميت وانما اخفي من قبل الساحر ويخيل اليهم انه يغسل غسل الموتى والذي يغسل هو جماد وليس ذلك الرجل الذي يخيل اليهم انه مات فكل من ذلك لم يقع وكل من ذلك لم يدل عليه دليل قط لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهذا انما هو من الاوهام والاساطير التي تعشش في الادمغة المريضة والتي يروج لها في المجتمعات الساقطة المجتمعات التي شاع فيها الجهل وانحسر عنها العلم….

    الجواب مختصر..وهو لسماحة شيخنا العلامة أحمد الخليلي….حفظه الله ونفعنا بعلمه…

    #426251

    أشكرك أبو الأزهر على هذا الموضوع المهم .

    فاسمح لي أن أضيف هذا الموضوع لموضوعك

    السحر من منظور اثنولوجي ـ ترجمة / محمد أسليم :

    لقد أصبح السحر منذ البدايات الأولى للإثنولوجيا واحدا من الموضوعات المفضلة في هذا الحقل المعرفي، فحصل لتوه على وضع اعتباريّ غامض لا تعود المسؤولية فيه إلى السحر، وإنما إلى ما يمكن تسميته بإحساس الإثنولوجيا بخطئها التكويني. ذلك أن الأهمية التي أولاها للسحر جميع الإثنولوجيين الكبار، من فريزر إلى ليفي ستروس، مرورا بمارسيل موس ومالينوفسكي وإيفانس بريتشارد وآخرين عديدين، تلك الأهمية ترسم، كما في العمق، الطبيعة الاستثنائية للظاهرة السحرية. فظاهرة كهذه لا يمكن أن تستغني عن تفسيرات، ولكَمْ هي غير قابلة للتفسير! لكن من جهة أخرى، وفي الوقت نفسه، إن جميع منظري السحر، وكأن الندم قد استحوذ عليهم لكونهم وجدوا الآخرين شديدي الاختلاف عنَّا، حاولوا إظهار أن السحر على كل حال لا يختلف اختلافا كبيرا عن الأنشطة المألوفة لدينا، بل وحتى عن أكثرها جدارة بالاحترام مادام سيُدمَجُ أخيرا في العلم. هكذا استطاع ليفي ستروس أن يكتب ما يلي في معرض تلخيصه لتقليد طويل:

    «من الأفضل إذن بدل أن يقام نوعٌ من التقابل بين النظامين أن يوضَعا كمتوازيين أي بوصفهما نسقين معرفيين غير متساويين من حيث النتائج النظرية والعملية (إذ لابد من القول إن العلم ينجح من هذا المنظور أكثر من السحر، علما بأن السحر يسبق تكون العلم بمعنى أنه ينجح أحيانا هو أيضا). ولكنهما يتساويان من حيث نوع العمليات الذهنية التي يقومان عليها وهي لا تختلف في طبيعتها بل انطلاقا من الظواهر التي تطبق عليها» (ليفي ستروس، 1962: 21)[1].

    هكذا فبعدما يعري الإثنولوجي طبيعة السحر الغريبة بيد يعود فيُلغي هذه الحركة بيد أخرى لشعوره بالندم، فيؤكد لنا أن السحر يشبه بما فيه الكفاية ما نحن عليه، أي ما نقدره. ونرى ثمة، كما في منمنَمة، الحركةَ المزدوجة المؤسسة لكل إجراء إثنولوجي: الاعتراف بغرابة الآخر، ثم تعظيم هذا الآخر الغريب واختزاله إلى الذات وكأنه يُرادُ تجنب كل شك في وجود تمركز حول الذات العرقية.

    بدل أن أستخلص نظرية جديدة في السحر انطلاقا من قناعاتي الشخصية أودُّ الآن أن أسلك طريقا معكوسا فأرى انطلاقا من واقعة سحرية كنتُ شاهدا عليها، بل وحتى ممثلا فيها، ما هي الظروف الضرورية والكافية لوجود تلك الظاهرة. الحدث عادي جدا. فقد كنتُ ذات يوم في الريف أحاول عبثا إصلاح نافذة مركبة بشكل رديء، فأدت حركة جسورة إلى حصر إبهامي في فتحة النافذة. تأهبت لإطلاق بعض الترنحات، غير أن جارة لي، وهي ريفية من المنطقة، كانت هناك فاقترحت علي أن تداويني من ألمي على الفور. أمسكت يدي، وقامت بحركة حول أصبعي، وتلت بصوت خفيض كلمات لم أتبينها، ثم التفتت إلي وقالت: «انتهى، لقد انصرف». وفعلا، كان الألم قد زال. كان قد انتهى.

    قد يعترف الجميع، فيما أعتقد، بهذه الواقعة باعتبارها حدثا سحريا يدخل ضمن السحر العلاجي تحديدا. ولذا سأحاول وصفه الآن بذكر خاصياته. طبعا، أنا على استعداد لتركه عند الاقتضاء كي أستبدله بوقائع سحرية أخرى أكثر وضوحا وأكثر تعبيرا.

    أولا، يتجلى السحر على شكل أفعال سحرية، أي أعمال يقوم بها الساحر ويتبعها – كما في حالتي – تحول في الحالة عند المرسل إليه بالنسبة لهذا العمل[2].

    تتيح هذه المفاهيم العامة جدا، وبكيفية مسبقة، صياغة تعريف أول للأعمال السحرية، وهو الآتي: إنها أعمال يؤثر بها الساحر في موضوع السحر لكي يؤثر، في الواقع، في المرسَل إليه.

    لنقارن العمل السحري بعملين أبسط يمكن توضيعهما – إذا صح القول – بتفكيكهما انطلاقا منه. فمن جهة، يكتفي عمل تقني خالص، كالتدخل الجراحي، بالتأثير في الموضوع. ومن جهة أخرى، يرتكز فعلٌ مثلَ المرافعة القضائية على التأثير في المخاطَب دون أن يزعم أنه يؤثر في موضوع الحديث. وبذلك فنحن أمام صنفين من الأعمال: ففي حالة يتم التأثير في المرجع، وفي حالة أخرى يتم التأثير في المخاطَب. فلنسمهما «مرجعيَّات référentiels»، و«خطابيات allocutoires». والسّحر عمل للمخاطبة يقدم نفسه باعتباره عملا مرجعيا.

    ويحسن بنا أن ننظر الآن في جملة من الاعتراضات التي يمكن أن توجه إلينا:

    أوَّلا: قد يبدو من باب الإسراف الحديث عن «مرجع» أثناء الكلام عن الموضوع مادام هذا المصطلح ينتمي إلى الإطار المفهومي للسانيات، والحال أن السحر لا يكون بالضرورة لُغَويا، وهو لم يكن لغويا في مثالي إلا بشكل نسبي جدا، حيث شاهدتُ العمل جيدا لكنني لم أسمع الكلمات التي رافقته. وإذا كنت مع ذلك قد سمحت لنفسي بإجراء هذه المقارنة، فذلك لأن الأعمال السحرية إنما تتبعُ لمقولات السلوكات الرمزية التي لا يعدو الخطاب مجرد مثال واحدٍ عنها، وهو حقا يكون في أغلب الأحيان الأكثر سهولة للتحليل. وبهذا الصدد، يُعتبر مارسيل موس السباق إلى تأكيد وجود قرابة بين مختلف قنوات نقل السحر:

    «تتضمن كل حركة (geste) سحرية جملة لغوية، ذلك أنها تتضمن دائما حدا أدنى من التمثل، وفيها يتم التعبير عن طبيعة الطقس وغايته، بلغة داخلية على أي حال. ولذلك، نقول إن الطقس الصامت الحقيقي لا يوجد على الإطلاق. ومن هذه الوجهة للنظر، ليس الطقس اليدوي بشيء آخر غير ترجمة هذه العزيمة الصامتة. فالإشارة علامة ولغة» (مارسيل موس، 1960: 50).

    ثانيا: يمكن الاعتراض علينا بأن المرسل إليه في بعض الأحيان يكون هو موضوع السحر. إذ توجد وصفات سحرية، كما رأينا[3]، يقال فيها مثلا: «عزَّمتُ عليك أيها المرض كي تغادر جسم ن…، الخ.». إلا أن مثل هذا الاعتراض يخرجنا من دائرة السحر إلى مجال المعاناة منه. فما التلفظ الحالي سوى الجزء غير المرئي من جبل الجليد العائم، والأدوار التي تهمنا لا تنكشف في أغلب الأحيان إلا بفحص الجزء الذي تمَّ حجبُه منذ البداية. فلو كنتُ ساحرا وخاطبتُ المرضَ بدل المريض لكنتُ حينئذ أستعمل نهجا بلاغيا، مجازا نحويا. مما لا شك فيه أنني أؤثر في المريض، ومـا الفصـل الذي أقمته بينه وبين المرض سوى فصل ظاهري. وعليه فالحوارُ مهمـا يَقُل عنه السَّحَرَة، إنما ينعقد بين بَشَر حتى إشعار آخر.

    أخيرا: يمكن لاعتراض آخر أساسي جدا أن يجادل في كون العمل الحقيقي لا يتعلق دائما بالمرسل إليه. ولنأخذ حالة أخرى من السحر، وهي حالة مألوفة: يتدخل الساحر لفائدة فتاة كي يساعدها على غزو قلب شاب مَّا. فحسب ما يبدو للوهلة الأولى، لا يوجد هنا عمل في المخاطب وإنما في موضوع السحر فقط. وأجيب بأن مثل هذا العمل لا يكون فعالا – وإذن لا يكون سحريا – إلا إذا أصاب، رغم كل المظاهر، المحادَثَ الواقعي وهو الفتاة في هذا المثال، اللهم إذا لم يكن هناك حوار ثان فيصير الفتى في العمل هو مُحَادَثُ الساحر. وهنا أيضا ربما يجب مكابدة السحر للتوصل إلى إعطائه وصفا آخر.

    يتطلب أحد المصطلحات الواردة في ردنا على الاعتراضات الممكنة بعضَ التفسيرات الإضافية. ونعني به مصطلح العمل الرمزي. فهذا المفهوم الذي طبقناه على السِّحر يمكن، في الواقع، أن يفهَمَ منه على الأقل ثلاثة أشياء مختلفة:

    – فبالبقاء، أوَّلا، داخل الصورة التي يريد السحر فرضها عن نفسه، وهي صورة عمل في موضوع الكلام، نلاحظ وجود علاقة رمزية هامشية إلى حدٍّ ما بالنسبة لطرحي الحالي. إن العمل السحري يرجع بالضرورة تقريبا إلى سلسلة من الأحداث غير الأحداث الحاضرة: إنه يُشَبِّهُ الحالةَ الراهنةَ بحالةٍ شرعيةٍ تشكل جزءا من لائحة مغلقة ومعروفة جدا بكيفية مسبقة. وتأخذ هذه الإحالة في أغلب الأحيان – وقد رأينا ذلك[4] – شكل تشبيه واضح: يقول الساحر: «فلتُشْفَ كما تخلص يسوع المسيح من ألمه على يد الطبيب». فوظيفة هذا التشبيه وهذه الرمزية لا تتمثل في إطلاعنا جيدا على العمل الحاضر (بهذا المعنى ليس السحر نمطا من المعرفة)، وإنما في تدجين المفرد والحادث وجعله مألوفا من خلال ربطه بصنف من الوقائع المنظمة تنظيما جيدا. فللرمزي دور تنظيم المادة المدرَكَة. إن الحادثة التي وقعت لي تبدو للوهلة الأولى غير متطابقة مع هذا الوصف، لكن لنحاول أن نتمثل الأشياء بشكل أفضل: فبوضعي يدي بين يدي جارتي التزمتُ مسبقا بميثاقٍ غير معبَّر عنه، بمقتضاه وضعتُ ثقتي في المطببة. والحالة هذه، ألم أفترض أن لساحرتي دراية بمعالجة حالتي الخاصة، ومن ثمَّ أن لها معرفة بكيفية إدخالها في إحدى فئات الوقائع التي تدخل ضمن كفاءتها العلاجية؟ إن التزامي نفسه في هذا العمل يقتضي أن الحادثة التي جرت لي لم تعد مجرد حدث شاذ ومنفرد، بل صارت تندرج ضمن صنف قائم من الوقائع رغم جهلي بطبيعتها.

    لننتقل الآن إلى المظهرين الرمزيين الآخرين للفعل الرمزي:

    أولا: يمكن إقامة العلاقة الرمزية بين العمل السحري المزعوم، أي العمل في المرجع، والعمل السحري الواقعي، أي العمل في المخاطب. هذه العلاقة علاقة رمزية لأن الواحد يثير الآخر دون أن يكون هذا الأخير واضحا. فالانشطار (dédoublement) (على مرأى مُلاحِظٍ خارجيّ على الأقل) هو الذي يخلق الرمز.

    ثانيا: العملُ السحري عمل رمزي بالمعنى الذي قصده موس لأنه يتألف من كلمات أو إشارات يمكن قلبها إلى كلمات. وهذا الشكل من الرمزية يعتبر تكميليا للشكل السابق بمعنى ما. فإذا سلمنا بأن العمل السحري يريد أساسا أن يؤثر في المخاطب، صار بهذه الصفة فعل كلام كأي فعل آخر ينفذ في وجوده الخاص ويكف عن الإحالة إلى أي شيء آخر غير نفسه. العمل السحري يتألف من رموز، غير أن هذا لا يعني على الإطلاق أنه عمل خيالي أو غير جِدِّي. فـ «جدِّيُّ» الأعمال الرمزية يفرض تحديدا أن يُصَاغَ برموز. وذلك يتيح إبعاد العديد من سوء التفاهمات المتعلقة بالفعالية السحرية. فالسحر العلاجي، مثلا، ليس بفيزيولوجيا رديئة (لأنه يحاول علاج أمراض بواسطة حركات وأقوال غريبة)، بل هو سيكولوجية جدية لأنه يجد الوسائل الملائمة للتأثير في الغير: بدلا من أن يكون عملا مرجعيا فاشلا، فإنه يغدو بالأحرى عملاً خِطابيا (allocutoire) ناجحا.

    متى ركَّزنا على العمل المرجعي كانت العلاقة الرمزية من نوع استبدالي (substitutif)، ومتى وضعنا العمل الخطابي في المقام الأول كانت العلاقة نفسها من نوع المشاركة. وإذن، فالسحر علامة وصراع في آن واحد.

    يتيح هذا التحليل للعلاقة بين الرمز والسحر الإحاطةَ بطبيعة هذا الأخير عن كثب.

    أولا: لا يتكون العمل السحري من الملفوظ (énoncé) وحده، كلاميا كان أو غير كلامي، وإنما من التلفظ (énonciation) في كليَّتِه. فهو لا يحتوي الجمل الملفوظة أو الحركات المنجزة فحسب، بل يحتوي أيضا أبطال هذا العمل، وظروف إنتاجه، وعلاقة مجموع العناصر فيما بينها. إنه يتحقق بفعل تظافر سلسلة من الشروط – لن أسترسل في عرضها – التي، دون أن تُكَوِّنَ السحر، هي وحدها تجعله ممكنا.

    ثانيا: إن النوعي في السحر هو تحديدا إمكانية هذا التطور المزدوج: كونه علامة وصراعا في آن واحد، وكونه يحاول التأثير في الغير زاعما أنه يؤثر في موضوع خطابه.

    بوسعنا الآن المقارنة بين السحر وأنشطة أخرى مجاورة له سعيا إلى تحديد طبيعته:

    في البداية، يمكن مقارنته بوصف معنِي بما يصفُه من أشياء كأن نثيرَ، مثلا، حدثا ما لإقناع مُحَاوِرنا واستقطابه. هنا أيضا يوجد عملان: أحدهما موجه نحو المرجع، والآخر نحو المخاطَب. إلا أن الاختلاف يكمن أولا في طبيعة العمل المرجعي. إنها هنا وصفية، ومن ثمة فهي تتمثل في الحفاظ على المرجع. أما هناك، في السحر، فهي طبيعة تحويل. بالإضافة إلى ذلك، فالعلاقة بين العملين ليست واحدة. في الوصف الإقناعي يخضع العمل المرجعي للعمل الخطابي: من السهل، على الأقل، إثبات نية التأثير في الغير وإن لم يتم الإعلان عنها صراحة. وعلى العكس، فما يتراءى في العمل السحري هو العمل المرجعي وحده بحيث إذا أثرت مباشرة في المخاطب لم يعد هناك سحر على الإطلاق.

    ونرى الآن كم هو شاسع الفرق بين العلم والسحر، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن الثاني أحط قيمة من الأول. فالعمل العلمي هو قبل كل شيء عمل يريد لنفسه أن يكون مرجعيا خالصا (هذه على الأقل نية العلم المحض). علاوة على ذلك، فالعالِمُ لا يُقِرُّ بأنه يبحث في نشاطه العلمي نفسه، عن تغيير الواقع إلى ملفوظ خالص، إلا بمحو طبيعة السحر الإنجازية.

    كثيرا ما جرت المقارنة بين السحر والدِّين. والاختلافات هنا من طبيعة أخرى. فبين الإثنين شَبَهٌ بوصفهما عملين خِطَابيين (إلا أنه يتعين علينا التمييز هنا بين الخطاب الذي نوجهه إلى الله وبين الخطاب الذي يمكن أن يتبادله عضوان من جماعة واحدة). وفي المقابل، لا يؤدي الخطاب الديني أي عمل مرجعي: إنه يحَوِّلُ علاقة الإنسان بالله ولا يحول علاقة الإنسان بالأشياء (وإلا فسيكون هذا الدين ملطخا بالسحر – وهو ما تخلو منه الممارسة)[5].

    كثيرا ما تم التساؤل عن الأشكال التي يأخذها السحر (إن كان يأخذ شكلا) في حضاراتنا العصرية التي تعتبر الشفاءات الخارقة، كتلك التي كنتُ موضوعا لها، ضربا من ماضٍ ولَّى إلى غير رجعة. هل يوجد في ظروف حياتنا اليومية سحرٌ عصريٌّ يتم بلا أشباح وبلا وصفات؟

    بهذا الصدد، كثيرا ما يُستَحضَرُ الإشهار. ونودّ الآن أن نرى أين تكمن الاختلافات والتشابهات بين السحر والإشهار. يؤثر الخطاب الإشهاري في مخاطبه، بل إن هذا التأثير يشكل جزءا من تعريف هذا الخطاب نفسه. ولتحقيق هذا التأثير، يمكنه أن يحاول تعديل طبيعة موضوع حديثه (ولكن ليس هذا سوى أحد أشكال الإشهار)، كأن أقول – مثلا – عن جهاز أريد بيعه: إنه «سيشتغل مدة خمس وعشرين سنة دون أن يصيبه أي عطب». لكن هذا الخطاب لن يفترض أبدا أنه يحوِّلُ ما يتحدث عنه، كما أنه لن ينادي بهذا التغيير كتعريف لكينونته. فلو كشفتُ عن العمل المرجعي للتحول لكان عملي الخطابي للإقناع محكوما بالفشل.

    يتميز جميـع آباء السحر العصريين – الذين ليست بعض أشكال الإشهـار سوى أحد أمثلتهم – عن جَدِّهِم الكلاسيكي بهذه الخاصية النوعية المتمثلة في كونهم يُخفُونَ طبيعة تأثيرهم في المرجع بدل المطالبة بها. السحر العصري سحرٌ خجولٌ. فبتجميلي الموضوع الذي أتكلم عنه إنما أبحث عن إقناع مُحَادِثي. وذلك ما هو متماثل من الجهتين. غير أني في إحدى الحالتين أخفي التجميل، وفي الأخرى أحجب محاولة الإقناع. وبذلك فالسِّحران «العصري» والكلاسيكي تناظريان بشكل تام: كلاهما يدَّعي أنه بسيط. أحدهما لا يبوح بتأثيره المرجعي، والآخر لا يكشف عن عمله الخطابي.

    وعن هذا الاختلاف تتفرع اختلافات أخرى: فمنتج السحر الكلاسيكي شخصٌ محترف يعترف به الجميع، وتضمنُ له فعاليته الشهرةَ. أما الساحر العصريّ، فلا يقرُّ أبدا بكونه ساحرا مادام يخفي تحديدا الطبيعة السحرية لعمله بدل إعلانها. وفي أيامنا هذه، لربما كان الساحر الوحيد الذي يشبه الساحر القديم هو ذلك الفنان الذي يعلق قماشه البالي على الحائط، ويسميه «Composition BX 311»، ثم يبيعه بما يفوق عشرة ألف دولار. مع أن تحول المرجع يكون نتيجة إقناع المشتري بَدَلاً من إثارته. فالتحول تناظُريٌّ من جهة المرسل إليه الذي يكون في حالة السحر الكلاسيكي فردا مُحَقَّق الهوية يلتمس من تلقاء نفسه تدخل الساحر. أما اليوم، فهذا المرسل إليه غير معروف، لا مُسمَّى ومتعدد: إنه الرأي العام، إنه «الإنسان المتوسط» الذي يتعذر الإمساك به، وهو لا يعرف أنه ضحية للسِّحر أو مستفيدٌ منه.

    تُظهرُ هذه القرابة التي من الهام أيضا رؤية جوانبها المتشابهة والمختلفة، أن النشاط السِّحري متى نظرنا إليه في شموليته، ظلَّ أبعد ما يكون عن تلك الصورة التي يراد تقديمه لنا بها في أغلب الأحيان، وهي صورة حيوان غريب وملغز. إن الأعمال تعرض نفسها بأشكال متنوعة، ولكن وراء التمويهات المختلفة تنكشف بنية مشتركة. فقابلية السحر ليست في حاجة لأن يُبحَثَ عنها بعيدا جدا في الزمان – في العصر الوسيط المعتِم[6]، مثلا – ولا في المكان (عند برِّيي القارات البدائية). إنها حاضرة في كل واحد منا حتَّى وإن اختلفت أشكالها، لأن ما من أحد منا إلا ويحاول، وهو يمارس نشاطا رمزيا، كأن يتكلم مثلا، أن يُنَظمَ الأمر بالطريقة التي تناسبه في سبيل ذلك الحوار المستمر الذي ينخرط فيه مع أمثاله.

    ولربما كان النشاط الوحيد الغريب حقا – إن كان موجودا – هو عمل الوصف المحض، هو تسمية العالم التي تفلح في عدم تغييره وعدم إخضاع عمل التسمية نفسه لهدفٍ إقناعي ما، لربما كان هو ذلك العمل الذي تطلق عليه بضعة شعوب متاخمة للجزء الغربي من القارة الأوروبية اسم عِلـمٍ.

    ——————————————————————————–

    الهوامـش والمراجـــع

    Austin, J. I.,

    1970, Quand dire c’est faire, Paris, Le Seuil.

    Castiglioni, A.,

    1951, Incantation et magie, Paris, Payot.

    Levi-Strauss, C.

    1962, La pensée sauvage, Paris, Plon.

    Malinowski, B..

    1923, «The problem of Meaning in Primitive Languages», appendice à C. K. Ogden & I. A. Richards, The Meaning of Meaning. London, International, Library of Psychology, pp. 296-336.

    1966, The Language of Magic and Gardening (Coral Gargens and their Magic, II). 2nd., London, George Allen & Unwin.

    Mauss, M.

    1960, Sociologie at anthroplologie, Paris, Les ةditions de Minuit.

    1968, Œuvres, I: Les Fonctions sociales du sacré, Paris, Les ةditions de Minuit.

    Todorov, T.,

    1970, L’Enonciation (Langages 17), Paris, Didier-Larousse.

    1972, «Introduction à la symbolique», Poétique 3 (II), pp. 273-308.

    1973, «Analyse du discours: l’exemple de devinettes», Journal de Psychologie 70 (1-2), pp. 135-155.

    [1] أو ترجمته العربية: كلود ليفي ستراوس، الفكر البري، نقله إلى العربية وقدم له وعلق عليه: د. نظير جاهل، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط. / I، 1984، ص. 34. ومنه نقلنا نص الإحالة. (م).

    [2] آثرنا ترجمة «destinateur» بـ «مرسل إليه» بدل «متلقي»، من جهة لأن صاحب النص لم ينعته بـ «récepteur»، ومن جهة ثانية لأننا لو فعلنا ذلك لجعلنا الذي يؤثَّرُ لصالحه هو المتلقي الفعلي للوصفة السحرية، والحال أن هذه الكلمات قد تُوَجَّهُ إلى كائنات خفية فتكون هذه الأخيرة هي المتلقي الفعلي. (م).

    [3] يشير المؤلف إلى أحد الأمثلة التي تناولها ضمن قسم سابق من هذه الدراسة، عدلنا عن إدراجه ضمن الكتاب الحالي لكوننا نعتزم إصدار نص البحث كاملا في كتاب مستقل تحت عنوان: اللغة والسحـر. (م).

    [4] انظر الهامش السابق. (م).

    [5] بهذا الصدد يشرح البعض رأي ليفي ستروس، في الموضوع، على النحو التالي: «… “فأنسنة” الطبيعة وهي ماهية الدين (أو ما يتكون منه)، و”تطبيع” الإنسان أو تشييئه (وهو ما به نحدد السحر) يشكلان معطيين متلازمين في مزاج واحد لا يطرأ التغيير إلا على معاييرهما ومقاديرهما فقط. وكما مضى وأوضحنا فإن كل واحد يستدعي وجود الآخر. فالدين لا يقوم بدون سحر والسحر لا يخلو من “ذرة” دين». محمد بن احمودة، الأنثروبولوجيا البنيوية أو حق الاختلاف: من خلال أبحاث ك. ل. ستروس، البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، ط. II، 1990، ص. 99. (م).

    [6] إشارة إلى ملاحقة الساحرات في أوروبا، خلال القرون XV، XVI وXVII، من قبل محاكم التفتيش التي انتشرت في مجموع أنحاء أوروبا، والتي سنقف على مختلف تفسيراتها في دراسة خوليو كارو باروخا «عن بعض تأويلات السحر العصرية» المترجمة ضمن الكتاب الحالي. (م).

    آسف على طول المقال

    تحياتي

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد